عندما كنت طالبة في الجامعة، تلقيت الكثير من الملاحظات السلبية. أعتقد أنه كان جديراً بي أن أتوقع ذلك؛ إذ كان تخصصي الرئيسي في الكتابة الإبداعية، وكان نقد أعمال زملائي (ونقدهم أعمالي) جزءاً من تجربة التعلم، وكان أساتذتي يعقدون ورش عمل يستمر كلٌّ منها ساعة كاملة كل بضعة أسابيع، حيث كان عليّ أنا وزملائي الجلوس بهدوء والاستماع بينما يشارك الآخرون ملاحظاتهم.
وسرعان ما فهمنا جميعاً سر اللعبة الذي يتمثل في الصيغة التالية: اذكر شيئاً أو شيئين إيجابيين في العمل المعروض قبل توجيه انتقاداتك. بدأت بناء حاجز معنوي كي لا تهتز ثقتي بنفسي بسبب النقد. وبعد بعض التجارب والأخطاء، أيقنت أنه ما من طريقة لإرضاء الجميع؛ فكان عليّ أن أكتشف أهدافي وأن أقبل الاقتراحات التي تتفق معها، وألا أكترث بالباقي.
عرفتُ الأسلوب الأمثل لتلقي النقد، لكن تقديمه كان عقبة مختلفة تماماً؛ فحينما قدمت ملاحظاتي لأحد الزملاء للمرة الأولى، ظننتها ستكون مهمة روتينية، صحيحٌ أنها محادثة محرجة كنت آمل أن تنتهي بسرعة حتى يتمكن كلانا من المضي قدماً، لكنني فشلت في تغيير النمط المعتاد ووضع نفسي في مكان الطرف الآخر. لم أفكر في أهدافه أو مواطن قوته ونقاط ضعفه، ولم أتواصل معه بطريقة تساعده على تطوير نقاط ضعفه.
لا أزال أعمل على هذا الجانب؛ فتقديم الملاحظات المفيدة فنٌ يصعب إتقانه. والملاحظات الوجيهة هي التي تساعد الآخرين على النمو، ويقدمها صاحبها لهم بنية صادقة لمساعدتهم على النجاح، وهذا أمر يتطلب بذل الجهد والتفكير المتأني والقدرة على توصيل المعلومة للمتلقي بأسلوب مدروس.
عندما تنضم إلى القوى العاملة، قد يكون تقديم الملاحظات، وخاصة الملاحظات السلبية، إلى نظيرك أو مديرك أو أحد مرؤوسيك المباشرين من أصعب المهارات التي يتعين عليك اكتسابها. ولمساعدتك على تيسير اكتساب هذه المهارة بأسرع ما يمكن، طلبت من 3 زملاء ممن يمتلكون خبرة طويلة في هذا المجال أن يشاركوا نصائحهم.
كيف تقدّم ملاحظات سلبية إلى نظرائك؟
تقديم الملاحظات النقدية أمرٌ صعبٌ في الأحوال كلها، لكن تقديمها إلى نظيرك أصعب بمراحل، خاصة إذا كانت علاقتك به جيدة؛ فهو في مستواك الوظيفي نفسه، ما يعني تكافؤ القوى بينكما، وبالتالي عدم امتلاك أحدكما سلطة على الآخر. قد يعني هذا توفير بيئة تتيح تكافؤ فرص التعامل بين الطرفين، لكن إذا قدمت الملاحظات بأسلوب غير مناسب فقد ينتهي الأمر بتوتر العلاقة بين أعضاء الفريق أو تجاهل الطرف الآخر لكلامك تماماً. وإليك نصيحتي في هذا الموقف:
1. لا تفاجئه
كانت نقطة التحول الجذرية بالنسبة لي هي عدم مفاجأة الطرف الآخر؛ فتهيئته لملاحظاتك يتيح لك توضيح حسن نواياك وإضفاء الطابع الإيجابي على المحادثة وتشجيعه على عدم اتخاذ مواقف دفاعية.
ربما تريد أن تقدّم لنظيرك في الفريق ملاحظات حول مستوى أدائه في مشروع نفذته الشركة مؤخراً، أو ربما تريد أن تطلب منه الرد بسرعة على رسائلك الإلكترونية، أو لعله شوَّش على أعضاء آخرين في الفريق خلال أحد الاجتماعات، وتريد أن تعالج المشكلة.
أياً كان الأمر، تواصل معه على انفراد لتحديد موعد لعقد اجتماع ثنائي، واشرح له ما تريد مناقشته بأسلوب خالٍ من أي تهديدات أو تحفُّظات. يمكنك أن تقول شيئاً مثل: "مرحباً! لقد استمتعت جداً بالعمل معك في مشروعنا الأخير، لكن لديّ بعض الأفكار حول تحسين أساليب التواصل المشترك بيننا في المرة المقبلة. هل لديك وقت لنلتقي هذا الأسبوع من أجل احتساء القهوة معاً والدردشة حول الأمر؟"
2. تذكّر أن الملاحظات تختلف عن النصائح
ثاني الأشياء التي يجب وضعها في الاعتبار هو كيفية تقديم ملاحظاتك. احرص في هذا السياق على ألا تقدّم ملاحظاتك على هيئة نصيحة، وتذكر أن هذا الشخص نظيرك، ويجب ألا تبدو متعالياً عليه أو تتصرف وكأنك مديره ولو دون قصد؛ فالنصيحة تأتي من طرف واحد، أما الملاحظات فمسألة تعاونية.
3. قدِّم ملاحظات بنّاءة
أخيراً، احرص على صياغة ملاحظاتك في صورة آراء بنّاءة. ركّز على المشكلة، لا الشخص نفسه، ووضح له النتائج الإيجابية التي ستترتب على تغيير سلوكه. على سبيل المثال، إذا هيمن على وقت الاجتماع دون أن يدع لأحد فرصة للمشاركة، فلا تقل: "لم تسمح للآخرين بالتحدث في الاجتماع السابق، وكانت تلك وقاحة منك". بدلاً من ذلك، قل: "لاحظت أن لديك أفكاراً رائعة، لكنني أعتقد أن بضعة أشخاص آخرين أرادوا التحدث أيضاً. بإمكانك التوقف بضع ثوانٍ في المرة المقبلة بعد طرح كل فكرة لترى إن كان لدى الآخرين آراء يريدون عرضها. هذا ما أفعله في الاجتماعات، ويؤدي دائماً إلى تحسين نتائج جلسات توليد الأفكار؛ فبعض الأشخاص يحتاجون إلى وقت أكثر من غيرهم لعرض آرائهم".
- محررة أولى في باب "مبدعو هارفارد بزنس ريفيو" (Ascend)، فاسوندهارا سوهني
كيف تقدّم ملاحظات سلبية إلى مديرك؟
مديرك هو المسؤول عن قرارات توزيع أعباء العمل وتقييمات الأداء والأجور والترقيات، وما إلى ذلك، ما يعني امتلاكه سلطة عليك، وبالتالي عليك أن تفكر ملياً في المواعيد المناسبة لتقديم الملاحظات السلبية له وعددها وأساليب تقديمها. والمدير إنسان في المقام الأول، ومن ثم فهو عرضة لارتكاب الأخطاء في بعض الأحيان وقد يتعين عليه اكتساب مهارات جديدة للارتقاء بأدائه إلى أفضل مستوى ممكن.
وإذا قدمت ملاحظاتك بأسلوب مدروس، فسيؤدي ذلك في النهاية إلى تعزيز علاقتكما، بل سيسهم أيضاً في تعزيز فرص نموك. وإليك سر النجاح في ذلك: لا يرتبط الأمر بما تقوله فحسب، بل بكيفية قوله أيضاً.
1. كُن مستعداً
مثل مختلف أنواع الملاحظات، يجب أن تكون الملاحظات السلبية محددة، خاصة إذا كنت تقدمها إلى مديرك. عند الاستعداد لمشاركة ملاحظاتك، اسأل نفسك عن الإجراءات أو الأخطاء أو الخيارات أو القرارات التي تريد مناقشتها، واختر ما ستركز عليه والتزم به وخطط له جيداً كي تكون طريقة عرضك له منظمة.
يجب أن تكون قادراً على شرح المشكلة وأثرها عليك أو على فريقك أو المؤسسة كلها؛ لأن هذا سيساعد مديرك على فهم أخطائه بوضوح أكبر (دون مضايقته)، كما سيساعدك على إعداد نقد مدروس وعادل.
2. قدّم الملاحظات في حينها
التوقيت هو أهم عنصر في عملية تقديم الملاحظات السلبية؛ إذ إن تقديمها في حينها ينبّه مديرك إلى أن ثمة مشكلة يجب حلها، ففي ظل انشغاله بإدارة الكثير من الأفراد والمشروعات قد لا ينتبه إلى ملاحظاتك أو مشكلاتك. بالإضافة إلى ذلك، فتقديم الملاحظات في الوقت المناسب يساعد على تقليل الإحباط أو الارتباك أو غيرهما من المشاعر بدلاً من كتمانها؛ لذلك فتقديم الملاحظات في أقرب وقت ممكن أفضل من تأخيرها كي تبدو المحادثة وثيقة الصلة بمجريات الأحداث.
مهّد له الموضوع من خلال تهيئة الأجواء والبيئة المناسبة، لكنني أنصح بالاحتفاظ بأي تفاصيل محددة للمحادثة الفعلية (كي لا تضطره إلى اتخاذ موقف دفاعي قبل أن تحصل على فرصة للتحدث). يمكنك أن تقول: "أردت مناقشة المشاعر التي انتابتني عندما كنت تُملي التعليمات في أثناء اجتماع اليوم، فهل لديك وقت للتحدث؟"
3. احرص على تقديم ملاحظات بنّاءة وسيطر على مشاعرك وتحدّث بأسلوب محترم
في أثناء الاجتماع مع مديرك، ضع في اعتبارك أن مواجهته بالملاحظات السلبية أمرٌ غير مريح، بل وقد يكون مخيفاً؛ فغالباً ما تمثّل المشاعر لك ولمديرك جزءاً كبيراً من عملية تقديم الملاحظات، ومن المهم أن تكون قادراً على التحكم بمشاعرك والسيطرة عليها في أثناء المحادثة، وإذا انفعلت في أثناء المحادثة، فخذ نفساً عميقاً ثم قدّم ملاحظاتك.
حاول تغطية خمسة جوانب: اشكره على سعة صدره، ثم اذكر هدفك من مشاركة الملاحظات (واحرص على أن يكون الهدف بنّاءً وإيجابياً) والتغيير الذي تريد إحداثه وأسباب رغبتك فيه والآثار السلبية التي لاحظتها نتيجة أفعاله أو سلوكياته.
4. أبدِ فضولك
عندما تنتهي من عرض الملاحظات السلبية، اطلب من مديرك طرح أسئلته أو رؤاه وتصوراته الخاصة؛ إذ تتيح له أسئلة بسيطة، مثل: "ما رأيك؟" عرض أفكاره بصراحة تامة أو طلب التوضيح أو التفكير بصوت عالٍ، فالأسئلة الفضولية تشجّع على فتح حوار صادق وصريح، وقد تكتشف أن سلوكه لم يكن مقصوداً أو أنه لم يكن على دراية بأثر أفعاله عليك. وبمجرد أن تتحول الملاحظات إلى محادثة، ستمهد الطريق لكليكما كي يسمع أحدكما الآخر، والأهم من ذلك أنها ستشجعكما على التعاون في العثور على الحلول الممكنة.
– مديرة إدارة التحرير المختصة بتفاعل الجمهور في هارفارد بزنس ريفيو، نيكول سميث
كيف تقدّم ملاحظات سلبية إلى مرؤوسيك المباشرين؟
قد يكون أي مدير جديد في مركز قوة بحكم صلاحيات منصبه، لكن هذا لا يجعل إدارة المحادثات المرتبطة بتقديم ملاحظات سلبية سهلة، لذلك إذا شعرت بالتوتر أو القلق بشأن تقديم الملاحظات السلبية إلى مرؤوسيك المباشرين، فلا تقلق لأنك لست وحدك مَن يعاني هذه المشكلة. وأنصح في هذا السياق بمراعاة الوضوح والاتساق قدر الإمكان؛ فهذا سيزيد فرصك في توصيل ملاحظاتك وفهمها على الوجه الصحيح. وإليك ما يجب فعله قبل تقديم الملاحظات وفي أثنائه وبعده.
1. تأكد من فهمك لموضوع النقاش بوضوح تام قبل عقد الاجتماع
على المدير أن يعقد اجتماعات ثنائية بانتظام مع أعضاء فريقه لتفقُّد أحوال مشاريعهم واحتياجاتهم وأهدافهم وأدائهم، وهذه الاجتماعات هي أفضل وقت لإجراء هذه المحادثة. لا تحدد موعداً لاجتماع خاص أو تنتظر حتى يحين موعد المراجعة النصف سنوية؛ لأنك إن حددت موعداً لاجتماع خاص، فستصيب الموظف بالتوتر، وإن انتظرت حتى يحين موعد المراجعة النصف سنوية، فستؤجل محادثة صعبة ولكنها ضرورية.
جهّز ما تخطط لقوله قبل الاجتماع. اسأل نفسك:
- هل يمكنني أن أحدّد بوضوح المهارات أو السلوكيات التي أريد من مرؤوسي المباشر أن يركّز على تحسينها؟ (هل لديّ أمثلة محددة يمكنني طرحها؟)
- هل أستطيع أن أشرح بوضوح الآثار السلبية لأفعاله أو أدائه لمساعدته على فهم ما يجعل هذا التحسين ضرورياً؟ (هل أتحدث عن الآثار المترتبة على ثقافة الشركة أم جودة العمل أم تدفق الإيرادات أم معنويات الفريق أم جانب آخر؟)
- هل يمكنني توصيل توقعاتي بوضوح بشأن التغييرات التي أود تحقيقها؟ (هل هذه مشكلة تحتاج إلى معالجة فورية أم أنها تتعلق بالعمل على تحسين جانب ما بمرور الوقت؟)
عليك أيضاً أن تحاول توقُّع أي أسئلة قد يطرحها الموظف بدوره، ومنها الأسئلة المرتبطة بالنقاط الخلافية.
2. تذكّر أنك طرف داعم
ادخل في المحادثة باعتبارك طرفاً داعماً يريد نجاح موظفيه. وشخصياً، أبدأ عادةً بتعزيز الجوانب الإيجابية، ثم أنتقل إلى الجانب الذي يحتاج إلى مزيد من الاهتمام.
تبدو الملاحظات السلبية عادة أعمق أثراً في النفوس من الملاحظات الإيجابية، لذلك طمئن مرؤوسك المباشر في أثناء عرض ملاحظاتك على الجوانب التي ترى أنها تحتاج إلى التحسين بأن هذا كله جزء من عملية التعلم، ولا مانع من رواية موقف مشابه تعرّضت له خلال مسيرتك المهنية، إذا رأيت أن هذا سيكون مفيداً. على سبيل المثال، يمكنك تخفيف حدة الصدمة بقول شيء مثل: "كنت أعاني مشكلة مماثلة، واستغرق علاجها بعض الوقت، لذلك أتفهم أن هذا لن يحدث بين عشية وضحاها".
ثم توقف قليلاً وامنحه فرصة للرد كي تتأكد من توافقكما حول الهدف نفسه وتضمن إلمامك بمجريات الأحداث بالكامل دون أن يغيب عنك جانب من الحقيقة؛ فلعله لا يملك الموارد اللازمة لتحقيق النتائج التي تتوقعها، وفي هذه الحالة قد تحتاج إلى التدخُّل وتقديم المزيد من الدعم. تتمثّل الفكرة الأساسية هنا في عدم فرض ما يهمك أنت، بل التعامل مع المسألة باعتبارها حواراً من طرفين.
حاول عموماً التركيز على الفائدة التي ستعود على الفريق من تحسين أداء هذا الموظف ودوره في تحقيق الأهداف الأشمل للشركة؛ فتوضيح أسباب أهمية عمله وعلاقته بالصورة الشاملة سيذكّره بأن هذه المحادثة لا تهدف إلى إرضاء رغباتك باعتبارك مديراً له، بل تهدف إلى مساعدة الشركة على النجاح.
3. ضع خطة تنفيذية
اختم المحادثة بإعادة ذكر الجوانب الإيجابية، بالإضافة إلى بعض الخطوات التالية التي يمكنكما التوافق حولها. وأنصح بالتخطيط لعقد اجتماع لمتابعة تنفيذ ما اتفقتما عليه، لكن لا تختر موعداً عشوائياً، بل احرص على اختيار موعد مدروس بعناية، مع مراعاة طبيعة المشكلة التي يواجهها والمدة التي سيستغرقها من منظور واقعي لتحقيق التحسن المنشود. على سبيل المثال، إذا وجدتَ أن أحدهم يواجه مشكلات في منتصف مشروع مدته 6 أشهر، فخطّط لعقد لقاء آخر بعد أسبوعين إلى 3 أسابيع للتحدث عن الجهود التي بذلها وتقييم أدائه.
في النهاية، عليك أن تتأكد أن الموظف قد استوعب الملاحظات ويُبدي التزاماً صادقاً بتحسين مستوى أدائه، وحينئذ يمكنك دعمه وتوجيهه ومنحه الصلاحيات اللازمة للنجاح.
وإذا لم تتوصلا إلى تفاهم مشترك في نهاية الاجتماع، فلا بأس من الاعتراف بذلك. يمكنك أن تقول: "قد لا نتفق على هذا، لكنني آمل أن تفكر في أخذ ملاحظاتي بعين الاعتبار والعمل على تلبية توقعاتي". في هذه الحالة، قد يكون من المفيد أن تُجري عملية المتابعة بإرسال رسالة إلكترونية توضّح فيها المشكلات وتوقعاتك.