في بداية حياتي المهنية شغلت منصباً إدارياً وجدت في مسؤولياته وتحدياته الكثير من الإثارة، وكنت قد قابلت مجموعة متنوعة من القادة الملهِمين وقادة آخرين كان من الممكن أن يكونوا أفضل، ولم تكن شخصيتي تسمح لي قط بالتهرّب من حمل مسؤولية المشاريع، لكن تكليفي بتطوير قدرات الموظفين تطلب مني تنمية مهارات جديدة.
أتذكّر أنني بدأت مساري في إحدى الشركات مديرةً للتسويق قبل أن أتولى العمل في مجالات أخرى. وعندما حان الوقت لأشرف على أول عملية توظيف، كان عليّ أن أفكر في السمات المهمة التي يجب أن تتوافر في الموظف الجديد، فأدركت أن الصفات المطلوبة لا تشمل فقط ما يمكن أن يقدمه إلى الشركة، بل تشمل أيضاً كيفية إنجازه للعمل المطلوب، وكان عليّ التأكد من أن قيمه تتوافق مع قيم الشركة ومهامها.
كانت إدارة مجموعة قليلة من الموظفين هدفاً قابلاً للتحقيق، بعد ذلك بدأت ثقتي بقدراتي تزداد. لكن بمرور الوقت اتسعت دائرة المرؤوسين المباشرين الذين أشرف عليهم، إذ لم أكن أتولى قيادة موظفين اختبرتهم واخترتهم بنفسي فقط، بل كان معهم أيضاً عدد من أعضاء الفريق السابقين الذين يتميزون بشخصيات وأهداف وتفضيلات مختلفة في مجال التواصل. كنا مسؤولين في هذا الفريق عن إدارة موازنات تسويقية كبيرة، وكان علينا أن نحافظ على تركيزنا على أهدافنا الطموحة، وأن نتعلم في الوقت نفسه كيف نعمل معاً بأفضل طريقة ممكنة. وكان المدير السابق للفريق يمتلك أسلوباً مختلفاً في القيادة، لذلك أدركنا جميعاً أن التكيف مع أسلوبي سيتطلب بعض الوقت.
ذات يوم اتخذ مديري خطوة جريئة بالاعتماد على ثقته بي، واقترح عليّ توسيع دوري ليشمل قيادة فِرق قنوات التسويق التي لم يسبق لي العمل بها قط،
كنت مستعدة مثلما تعوّدت لقبول التحدي الجديد حتى تدخّل الرئيس التنفيذي في الموضوع. فعندما اقترح عليه مديري فكرة توسيع دوري رفض ذلك. لم يرفض لأنه كان يشك في كفاءتي، بل قدّم لي في الحقيقة هدية ثمينة.
قال لي: "يا أنتونيلا؛ أهم ما يمكن أن تتعلميه الآن لا يتعلق بقنوات التسويق، بل يتعلق بكيفية التحوّل إلى قائدة أقوى، أريد أن أمنحك الوقت الكافي للنمو كي تصبحي مسؤولة متميزة في قيادة الموظفين، وبعد ذلك يمكننا مناقشة مسألة تكليفك بمهام أخرى وتوسيع دورك".
على الرغم من أنني لم أفكر كثيراً في قراره حينها، لكنني أدركت أنه قدّم لي هدية حقيقية. فقد أتاح لي الوقتُ الإضافي الذي حصلت عليه بناء قاعدة صلبة لدوري القيادي، كما أتاح لي الحيز الكافي للتركيز على بناء المهارات التي يجب أن يتمتع بها القادة العظماء، مثل الاستماع الفعّال والقدرة على التفويض وتقديم الملاحظات، وتكييف أساليبي الشخصية في القيادة مع التحديات التي أواجهها. وقد أدى هذا النمو الذي حققته منذ ذلك الحين إلى توسيع آفاق مسيرتي المهنية بدرجة لم أكن أتخيلها.
للأسف؛ لا يتمتع معظم المدراء الجدد بالفرصة التي حصلت عليها؛ فالشركات توظف قادة جدداً كل يوم، لكنهم نادراً ما يحصلون على التدريب الذي يحتاجون إليه للنجاح في أداء أدوارهم. إذ غالباً ما تفتر طاقاتهم الإيجابية وطموحاتهم في مواجهة سياسات بيئة العمل، والضغوط غير المسبوقة ومقاييس الأداء المتدنية.
والواقع أننا لا نتولى أدوار القيادة ونحن مدرّبون ومستعدون بالكامل، وأنا أؤكد أنني لم أكن كذلك. في بداية عملي مديرةً كنت أواجه باستمرار مواقف جديدة وموظفين جدداً، وكنت في حاجة إلى الإرشاد للتعامل مع هذه المواقف وهؤلاء الأشخاص، فالقادة المميّزون يحفزون العمل المتميز ويعززون العلاقات الجيدة بين الموظفين، لكنهم يكتسبون المهارات التي يحتاجون إليها في هذا الدور مع مرور الوقت وتراكم الخبرة والمعارف المستمدة من المرشدين المؤهلين.
عندما تخطو خطواتك الأولى في أول منصب إداري تذكّر أن القيادة امتياز وليست حقاً. ويجب عليك أن تعمل بجدّ كي تبني فريقاً مزدهراً وثقافةً راسخة. فيما يلي 5 مشكلات غالباً ما يعانيها المدراء الجدد وهم يتعلمون التعامل مع مسؤولياتهم المتزايدة، وإليك ما يجب تجنّبه وما يجب فعله في وظيفتك الجديدة:
1. لا تسمح لغرورك بالانتصار عليك
الجانب الذي يحتاج فيه القادة الشباب إلى مساعدة هو عدم الانزعاج من توظيف أشخاص أكثر ذكاء منهم. يشعر المدراء الجدد في معظم الأحيان بالحاجة إلى إثبات أنهم "الأكثر ذكاء في الفريق". لا تسقط في فخ هذه العقلية فتصبح خائفاً من موظف أكثر خبرة منك عموماً، أو يتفوق عليك في جانب من جوانب وظيفتك. فأفضل طريقة للنمو في حياتك المهنية هي أن تفعل عكس ذلك تماماً.
إليك ما يجب أن تفعله:
احرص على إحاطة نفسك بأشخاص أكثر ذكاء منك في جوانب مختلفة. يمكن أن يتميز أحد أعضاء فريقك في نوع معين من أنواع التسويق، أو يملك مهارات تحليلية بديهية وعميقة، أو يتمتع بجاذبية طبيعية تلقى استحسان العملاء. لا يرى القادة الناجحون في هذه المهارات تهديداً لقيادتهم أو قدراتهم، بل يوظفون مواطن القوة هذه لمصلحة الفريق الذي يقودونه. كما يمكنك أن تكون مثالاً للاحتذاء به من خلال مساعدة أعضاء فريقك على النجاح. وفي المقابل؛ سيمنحك أعضاء الفريق ثقتهم، وسيتيحون لك التركيز على القيادة وصقل مواهبهم الفذّة. كما أنهم سيحققون نمواً سريعاً في مساراتهم المهنية الشخصية، وهذا ما سيؤكد نجاحك في إدارتهم.
أسعى دائماً إلى توظيف أشخاص أكثر ذكاء منّي في مجالات مسؤولياتهم. لذا؛ فإن معرفة كيفية قيادة الموظفين الذين ينجزون مهام لست متخصصاً أو خبيراً فيها تصبح مسألة حيوية مع اتساع نطاق مسؤولياتك ومجالات دورك. لا تخشَ أبداً موظفاً يمكن أن يأخذ منصبك يوماً ما، لأنه سيسمح لك أيضاً بالانتقال إلى منصب أكبر.
2. لا تنجز العمل كله بمفردك
يجد القادة الشباب صعوبة في التخلي عن زمام الأمور. لذا؛ إما أن تجدهم يحاولون تولي مسؤوليات العمل كلّه بأنفسهم، فيخاطرون بتعريض أنفسهم إلى الإنهاك، وإما أن ينتهي بهم الأمر إلى ممارسة الإدارة التفصيلية في المشاريع التي كلفوا بها موظفيهم.
يدرك القادة أصحاب الخبرة أن النجاح يتطلب التأني من أجل تسريع الأداء، لأن أهم جزء في المهمة هو النتيجة النهائية. لذا؛ ستلاحظ أن الموظفين لن يتعاملوا جميعاً مع المشكلات بأسلوبك المفضل، وعليك أن تتقبّل ذلك.
إليك ما يجب أن تفعله:
من أهم سمات القائد أن يعرف متى يفوّض مهامّه. يجب أيضاً أن تفهم كيف ترشد فريقك لإنجاز مشروع بطريقة معينة. إن شرحك لكيفية إكمال المشروع تُجنّب المشاركين فيه جميعاً مشاعر الإحباط، وإعادة العمل المكلفة.
لذا؛ يركز القادة الذي يعملون بفعالية على شرح أهداف المشاريع وأسباب إنجازها بطريقة معيّنة، كما يوضّحون سياقها واستراتيجياتها وتأثيرها. وهذا يعني أن التواصل الواضح والمحادثات الصريحة أساسية لضمان انطلاق المشاريع وإنهائها دون مشكلات كبيرة. خصص إذاً الوقت الكافي لتوضيح الارتباط القائم بين الطلب الذي تطلبه من الفريق والاستراتيجية المؤسسية الشاملة، وتحقّق بانتظام مع أعضاء فريقك من توافر الموارد والدعم الذي يحتاجون إليه للنجاح في مهامهم. أوضح أيضاً توقعاتك ومواعيد إنجازها، ثم دعْ فريقك يحمل مسؤولية التنفيذ.
3. لا تفرض أسلوبك في الإدارة
لكل قائد أسلوبه الفريد في القيادة. بل قد تفضل أحياناً أن تدير موظفيك بطريقة تختلف عن الطريقة التي تحبّ أن يتبعها مديرك معك. ومع ذلك فإن القائد الناجح يتّبع القاعدة البلاتينية التي تقول: "احرص ما أمكنك على معاملة الآخر بالطريقة التي يفضلها". هذا يعني أن التكيف مع احتياجات مرؤوسيك المباشرين هو أفضل طريقة لبناء علاقة جيدة معهم والحفاظ عليها. وتذكّر أنك تعمل لصالحهم أكثر مما يعملون لصالحك. لذا؛ فإن الحفاظ على سعادة أعضاء فريقك سيسهّل عملهم وعملك أيضاً.
إليك ما يجب أن تفعله:
إنّ فهم تفضيلات مرؤوسك المباشر فيما يتعلق بتلقي الملاحظات والمعلومات ضروري، هل هو موظف منفتح يهتم بأن تقدّر آراءه؟ وهل يفضل تلقي الملاحظات والمعلومات في نقاط بارزة ومختصرة ولا يهتم بالتفاصيل الدقيقة؟ وما الذي يحفزه (المال أم المسمى الوظيفي أم المكانة أم الأثر الاجتماعي، وما إلى ذلك)؟ قد يساعدك فهم هذه العوامل على تطوير أفضل طريقة للتواصل مع الأفراد، لأن التواصل الجيد مهم لتحقيق أفضل النتائج.
وإذا لم تكن متأكداً من أسلوب التواصل الذي يفضله أحد الموظفين، فما عليك إلّا أن تسأله.
4. لا تتجنب تقديم الملاحظات السلبية
يعاني القادة الجدد مشكلة تقديم الملاحظات السلبية، فهُم غالباً ما يقلقون من أن يسيئ الموظفون فهمها ويعتبروها لئيمة أو مؤذية. لكن هؤلاء الموظفين يتوقون أيضاً إلى التطور بفضل توجيه مدرائهم، ويعتمد جانب من تطورهم هذا على تلقي الملاحظات السلبية. وعندما يعاني القائد مشكلة في تقييم أداء مرؤوسيه المباشرين، فقد تتعذّر عليهم تلبية توقعاته والتعلم والتحسن.
إليك ما يجب أن تفعله:
للتغلب على هذا الخوف، غيّر طريقة تقديم الملاحظات السلبية. فأنت لا تتصرف بـ "لؤم"، بل تقدم معلومات ذات قيمة لمرؤوسك المباشر. افترض حسن النية لدى الموظف، ثم قدم له ملاحظة تساعده على أداء مهامه اليومية بطريقة أفضل. وبدلاً من الاقتصار على انتقاد عمله أو طريقة تنفيذه، قدّم له اقتراحات بنّاءة لحل المشكلات التي تلاحظها، واشرح له الأثر الذي سيوقعه إذا عمل وفقاً لهذه الملاحظة.
على سبيل المثال، لا تقل له: "لم تحضّر جدول أعمال الاجتماع الماضي، وكان عليك أن تفعل ذلك". بل قل: "في اجتماعنا الأسبوعي الأخير مع أحد العملاء، لاحظت غياب جدول أعمال معدّ مسبقاً، ابتداء من اليوم أرجو أن ترسل جدول أعمال الاجتماع عبر البريد الإلكتروني قبل يوم من موعد انعقاده، سيتيح ذلك للعميل وقتاً كافياً للتحضير، وسيساعد على مرور الاجتماع بسلاسة، وإذا كانت لديك أسئلة أو كنت في حاجة إلى بعض الملاحظات قبل إرسال جدول الأعمال فأخبرني بها".
يجب أن يكون تقديم الملاحظات السلبية عملية مستمرة مثل تقديم الملاحظات الإيجابية. ولا تنتظر اجتماع التقييم السنوي لتقديمها، إذ يجب أن يكون كل ما تناقشه في هذا الاجتماع معروفاً ومناقشته هي مجرد تذكير بمشكلات الأداء والحلول المقترحة لتحسينه. يتجلى عملك الإداري إذاً في منح أعضاء فريقك الأدوات التي يحتاجون إليها لتحسين عملهم والتقدم في مساراتهم المهنية.
5. لا تنفّس عن إحباطاك ولا تتذمر أمام مرؤوسيك المباشرين
من أهم مقومات القيادة القدرة على الابتعاد عن إثارة التوترات والمشاحنات. يؤدي القادة دوراً مهماً في خلق بيئة عمل إيجابية في المؤسسات وتسهيل التواصل داخلها وتلبية احتياجات مرؤوسيهم المباشرين ويستمتعون بذلك. كما يتعين عليهم الحفاظ على هدوئهم وعدم التأثر بالانتقادات الشخصية الموجهة إليهم، وعدم تبادل الإساءات والاتهامات مع زملائهم.
إذا شعرت بالإرهاق أو التعاسة في العمل فلا تدع ردود فعلك ومشاعرك السلبية تؤثر في مسؤولياتك المهنية، كما يجب أن تتجنّب عقلية الضحية وتضبط ردود فعلك، وتبحث عن طرق صحية للتنفيس عن مشاعرك. فعملك الآن بعد أن أصبحت قائداً هو خلق بيئة آمنة من الناحية النفسية تتيح لأعضاء فريقك النجاح والازدهار، في المقابل يمكن أن تؤدي سلوكيات النميمة والتحدث عن مؤسستك بسوء إلى عكس ذلك.
إليك ما يجب أن تفعله:
إذا كانت لديك بعض الشكاوى، فستجد مدراءك على العموم مستعدين للإصغاء، إذا قدمت حلولاً ولم تكتفِ بالتذمر فقط. وعندئذ سيحذو أعضاء الفريق حذوك، وستحدد طريقة تفاعلك السلوكيات المقبولة وغير المقبولة. وإذا حصلت على منصب قيادي فاحرص على التمييز بين العلاقات المهنية وعلاقات الصداقة، لأن مرؤوسيك المباشرين ومرؤوسي زملائك ليسوا أصدقاءك. لذا؛ ضع هذه الحدود منذ البداية لتجنّب فخ التوترات والمشاحنات.
إذا كنت قائداً جديداً أو تطمح لتولي منصب قيادي، فيجب أن تكون واعياً بنموذج القدوة الذي ستقدمه لمرؤوسيك المباشرين. إذ يجب أن يبني القائد الناجح مهارات ضرورية لخلق بيئة عمل إيجابية وتشجيع الفريق على النمو. لذا؛ تجنّب هذه المزالق الخمس وستسلك المسار الصحيح كي تصبح ذلك القائد الناجح الذي تطمح إلي أن تكونه.