كيف يمكن للشركات الموازنة بين الأثر الاجتماعي والأهداف المالية؟

4 دقائق
مفهوم الاثر الاجتماعي

يصعب على المؤسسات الحفاظ على إيمانها بهدفين مهمين معاً، إذ يتوجب عليها بذل الكثير من الجهد لأجل ذلك. وتُصدر الشركات الربحية تصريحات رنانة عن المسؤولية الاجتماعية، لكن همّتها تضعف دائماً عندما تتهدد أرباح حملة الأسهم. وأحياناً قد يختلف مسار الأعمال "الاجتماعية" عن المسار غير الربحي لتكون الأولوية هنا للمهمة على حساب تحقيق الأرباح.

وغالباً ما يحدث شيء مشابه عندما تحاول الشركات دخول مجالات عمل جديدة مع الحفاظ على تلك القديمة، إذ تحاول دعم كلا المجالين لينتهي بها المطاف بتفضيلها لمجال على حساب آخر عندما تصبح الميزانية محدودة.

ونطلق بدورنا على هذا النوع من المقايضات اسم "المتناقضات الاستراتيجية". ويجب هنا على القادة القيام بما هو أكثر من مجرد فصل هذه المقايضات عن بعضها إن أرادوا إدارتها بشكل فعال. كما أنهم يحتاجون إلى إطار دعم مصمم بعناية. يقترح بحثنا أن على هذا الإطار أن يتضمن ثلاثة عناصر مهمة: الحواجز التنظيمية وصنع القرار الديناميكي وما ندعوه "قيادة معاً/و".

صممت مسارات الحماية المؤسساتية لضمان حصول الطرف الأضعف على حماية إضافية عندما يمتلك أحد الأطراف سلطات أكبر، ويمكنها أيضاً تقديم المساعدة في مواقف مختلفة عديدة.

فكر فيما حدث مع شركة ديجتال ديفيد داتا (Digital Divide Data)، وهي شركة تجارية اجتماعية تقوم بتدريب العمال المحرومين وتوظيفهم للعمل كروّاد أعمال في مجال تقنية المعلومات. أدرك مؤسس الشركة وفريق إدارتها أنّ عليهم وضع المزيد من الجهد في مهمتهم بدل التركيز على جني الأموال، لذلك عملوا على أن يضم مجلس إدارة الشركة أعضاء أصحاب عقلية صارمة وخبرة في مجال الأعمال. وساعد هذا القرار في إنقاذ الشركة، إذ إنه وعندما لاحظ أحد أعضاء مجلس الإدارة بعض الأنماط المقلقة، تفحّص ملفات الشركة ليكتشف أنّ الشركة باتت تقترب من حافة الإفلاس ما لم تقم بتغيير نموذج أعمالها بشكل جاد. وقام القادة على إثر ذلك بإجراء بعض التغييرات الصعبة إنما الجوهرية بهدف تحويل أعمال الشركة.

وفي مثال مشابه، إنما من الطرف المقابل، عندما تواصلت يونيليفر مع بين كوهن وجيري غرينفيلد بشأن الاستحواذ على شركة بن آند جيريز (Ben and Jerry’s)، شعر الاثنان بالقلق من إمكانية تأثير الاستحواذ على مهمة المسؤولية الاجتماعية لشركتهما. لذا، تفاوضا على إنشاء مجلس إدارة مستقل يراقب مهمة الشركة ويفكر بما هو أكثر من تحقيق الأرباح والنمو فحسب.

ويعمل الفريق الأقدم في شركة كورنينغ (Corning) من جانبه على إنشاء مسارات حماية من نوع مختلف، إذ يضع الفريق الأقدم مشاريع الابتكار الواعدة تحت حماية مدير عام في جزء منفصل من الشركة إدراكاً منه أنّ لدى مجموعات المنتجات ميل لقتل الابتكارات التي يشعرون أنها ستقلل من الإيرادات الحالية.

لا يمكن لمسارات الحماية المؤسساتية تحقيق النجاح لوحدها، فقد يحتاج القرار الصادر في بداية السنة بتخصيص الموارد في اتجاه ما إلى مراجعة في منتصفها عندما تتغير الأوضاع، وهو ما يحتاج إلى عملية اتخاذ قرار ديناميكية. ويرى أفضل القادة في المؤسسات ثنائية الغاية أنّ مبادئهم عالية المستوى مقدسة لكن قراراتهم على المستوى الأدنى مؤقتة. وتزيد أهمية ذلك بشكل خاص لدى المؤسسات التي يتوجب عليها الموازنة بين المهمة الاجتماعية وتحقيق الأرباح. استعان قادة ديجتال ديفيد داتا في البداية بأشخاص عانوا بشدة في كمبوديا دون اهتمام كبير بمؤهلاتهم المهنية، مثل توظيف نساء تم إنقاذهن من الاتجار بالجنس وأشخاص ذوي إعاقات جسدية خطيرة. وكان ذلك أمراً رائعاً لمهمة الشركة، ولكنه لا يحقق الأرباح في الوقت نفسه. قامت الشركة لاحقاً بتعديل ممارساتها لتحسّن تحقيقها أهدافها المالية: إذ أبقت على مهمتها في توظيف العمال المحرومين، لكن مع القيام في الوقت نفسه بسبر مهاراتهم التحليلية وقدرتهم على التعلم. كما تنخرط الشركة في عملية صنع القرار الديناميكي عند اختيارها مواقع العمل الجديدة لتحافظ على تركيزها على مهمتها الاجتماعية من ناحية ومن ناحية أخرى تحقيقها للأرباح.

وقد تجد الشركات الربحية أنّه من الضروري لها مراجعة قراراتها الأولية عندما تظهر فرص أو مشاكل جديدة. كانت ثقافة شركة لولوليمون (Lululemon) التي تُصنّع ملابس اليوغا في البداية ثقافة لامركزية تركز على الموظفين. لكن عندما أراد مدير تنفيذي جديد تطوير الشركة بشكل سريع وتهيئتها للإدراج في سوق الأوراق المالية، جلب قادة أصحاب خبرة في التسويق والعمليات والذين كان تركيزهم على النمو والكفاءة يتعارض مع بعض نقاط القوة الأساسية للشركة. لكن لاحقاً، غيرت الشركة مسارها من جديد، وأعادت التزامها بتطوير الموظفين والتخفيف من أهداف النمو القوية. باختصار، تغيّرت الشركة مع تغيّر الظروف التي مرت فيها، حيث ركزت في البداية على الثقافة ثم الأعمال قبل أن تجد في نهاية المطاف طريقة مناسبة لإدارة كلا الأمرين معاً.

تحتاج المؤسسات التي لديها غايتين ربحية واجتماعية إلى قادة ملتزمين بإدارة التعارضات الكامنة في تلك الطريقة. ويتطلب هذا ما نسميه قيادة معاً/و. ويجب ألا تكون مهمة المؤسس أو المدير التنفيذ فحسب، إذ يحتاج كل فريق رئيس إلى اعتناق طريقة تفكير معاً/و، وتوصيل أهميتها للمدراء والموظفين في جميع أنحاء المؤسسة. وإن لم يتم القيام بذلك، ستتسبب التوترات الموجودة بين هدفي المؤسسة المتعارضين في تضعضع المؤسسة. ويحتاج القادة إلى تسليط الضوء على هذه التوترات والفصل فيما بينها وتكييفها وتعديلها باستمرار كلما تغيّر السياق. وقد قام جيريمي هوكنشتاين، مؤسس ديجتال ديفيد داتا في البداية بتجنيد قادة كبار تبنوا مهمة الشركة ذات الشقين، ونجحوا في ذلك. لكن لاحقاً، بدأ بعض المدراء التنفيذيين من ذوي التركيز الكبير على الأعمال بزيادة معدلات استنكارهم للشق الاجتماعي، الأمر الذي دعا هوكنشتاين إلى صرفهم من الخدمة، وهو ما كان الأمر الصحيح الواجب فعله. وحاولت شركة هوول فودز في البداية ترقية مزيج من الأشخاص ذوي النزعة المثالية والنفعية للمناصب الإدارية العليا، لكن أدرك قادتها بمرور الوقت أن جلب مدراء لديهم مزيج "هجين" يدمج بين الطموح وعقلية رجال الأعمال يحقق أداء أفضل للشركة، وبالتالي غيّرت الشركة آلية الترقية الخاصة بها لتتناسب مع ذلك.

تحدثنا في هذا المقال عن مؤسسات عديدة لديها غايتين في الوقت نفسه، كبيرة وصغيرة، واحدة ربحية وأخرى غير ربحية، نجح قادتها في التغلب على المفارقات الاستراتيجية الناشئة عن امتلاك مهمتين. ولقد قاموا بذلك عن طريق إنشاء مسارات حماية مؤسساتية واتخاذ قرارات ديناميكية واحتضان فكرة قيادة معاً/و. لكن الواقع يقول أنّ مثل هذه النجاحات نادرة نظراً لما تشكله هذه الممارسات من تحديات عاطفية ومعرفية.

ويقوم القادة في بعض الأحيان، لدى مواجهتهم هذه التحديات، بتبني ممارسة أو اثنتين فحسب، وهو ما يعتبر أمراً مفيداً في كثير من الأحيان. لكن قد يتسبب اعتماد ممارسة واحدة فقط تحديداً في نتائج عكسية. ففي سنوات ديجتال ديفيد داتا الأولى، على سبيل المثال، جلب هوكنشتاين مدراء وأعضاء مجلس إدارة كبار مع عقلية معاً/و، لكنه لم يضع مسارات حماية قوية، ولم يدرك مدى الانحراف الذي وصلت إليه المؤسسة إلا عندما غدت على حافة الإفلاس تقريباً. ويمكن أن يكون بناء مسارات الحماية من دون عقلية معاً/و خطيراً بنفس القدر في الوقت نفسه، إذ قد ينتهي المطاف بالقادة الذين يمثلون أولويات مختلفة إلى التصرف وكأنهم حراس حماية من التهديد أكثر من كونهم حراس حماية من الانحراف.

وفي النهاية، ما تعلمناه في بحثنا هو أن الممارسات التي ناقشناها أعلاه تعمل بشكل أفضل عندما يتم التنسيق فيما بينها نظراً لأن كل واحدة منها يدعم الأخرى ويقويها تلقائياً. ولا يعتبر من السهل إنجاح ذلك، لكن يمكن أن يكون العائد من القيام بالأمر كبيراً لكل المساهمين

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي