ملخص: إذا كنت موظفاً جديداً عن بُعد، فإن الجلوس في مكتبك المنزلي المؤقت بمفردك ومعزولاً طوال 8 ساعات في اليوم ليس جيداً لصحتك ولا لعملك. لتحقيق الازدهار الحقيقي في العمل تحتاج إلى التواصل مع زملائك والثقة بهم. إن محاولة محاكاة التفاعلات الشخصية المباشرة التي اعتدتها لن تساعدك في شيء، بدلاً من ذلك احرص على ما يلي:
- أولاً استثمر وقتك في تعزيز علاقات العمل المختلفة، فهذه العلاقات المهنية لها وظائف مختلفة (الدعم العاطفي والتقدير والصداقة)، وأنت بحاجة إلى هؤلاء الزملاء في شبكة علاقاتك لتزدهر.
- استعن بخطة للتفاعلات الافتراضية من أجل بناء صلات أعمق، فقد أظهرت الأبحاث أن استخدام خطة لتنظيم المحادثات يمكن أن يعزز الاحترام والانفتاح بين الزملاء، وهما قيمتان مهمتان جداً في بيئة العمل الافتراضية التي يصعب أن يشعر فيها الموظف بالانتماء إلى الفريق بسبب عزلته عنه.
- احرص على أن تكون حاضراً ومنتبهاً. تجنب العمل على تعدد المهام في الاجتماعات الافتراضية وامنح الزملاء الذين تتواصل معهم انتباهك الكامل كي يشعروا بأنك تصغي إليهم وتتابعهم.
- اذكر الإيجابيات. غالباً ما تحفّز مشاركة إنجازاتك المهنية الشخصية الإلهام وتبني أسس الثقة الجماعية في الفريق.
- أظهر ضعفك الإنساني، فالتصريح بالإخفاقات والعثرات سيجعلك تبدو شخصاً عفوياً وصريحاً يسهل التواصل والتفاهم معه.
مع ظهور العمل عن بعد أصبحنا نقضي وقتاً أطول أمام شاشاتنا مقارنة بالماضي، والنتيجة هي تزايد أعداد الموظفين الذين يعانون الوحدة وإجهاد الاجتماعات الافتراضية، مع تضرر الفئات الأصغر سناً بشدة.
في هذا السياق أظهرت دراسة أنجزتها الوكالة الأوروبية لتحسين ظروف العيش والعمل، يوروفاند (Eurofund)، أن 64% من الأوربيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً كانوا عرضة للإصابة بالاكتئاب في سنة 2020 مقارنة بنسبة 48% المتبقية من السكان. وفي صيف العام نفسه، أفاد 17% من الشباب في الاتحاد الأوروبي بأنهم يشعرون بالوحدة مقابل 12% من السكان الذين تصل أعمارهم إلى 34 عاماً أو أكثر.
إذا كنت خريجاً أو موظفاً جديداً عن بعد فقد تشعر بهذه المشكلة أكثر من أيّ شخص آخر، فالجلوس في مكتبك المنزلي المؤقت وحيداً ومعزولاً طوال 8 ساعات في اليوم ليس جيداً لصحتك ولا لعملك.
ولتحقيق ازدهار حقيقي في العمل تحتاج إلى التواصل مع زملائك والوثوق بهم، والشعور بالتقدير والاحترام، ورؤية تأثير إسهاماتك في الآخرين. وفي حين يتخذ العديد من الشركات مبادرات للحدّ من الشعور بالوحدة في بيئة العمل عن بعد، فإنه للأسف لا يمكن لأي غرفة دردشة أو فترة استراحة افتراضية مشتركة أن تحلّ محلّ الروابط الشخصية المباشرة التي اعتدت أن تكوّنها في مكان العمل.
إذاً، ما الذي يمكنك فعله لتعزيز التواصل والثقة عن بعد؟
النصيحة الأولى: لا تحاول محاكاة التفاعلات الواقعية في عملك الافتراضي فهذا ببساطة غير ممكن، ووفقاً لألبرت أينشتاين: "لا يمكنك استخدام خريطة قديمة لاستكشاف عالم جديد".
والواقع أن العلاقات التي تبنيها عبر شاشتك ستتطلب مهارات اجتماعية تختلف عن تلك المهارات التي تستخدمها في تفاعلاتك وجهاً لوجه، فالعالم الافتراضي له مزاياه الخاصة، مثل العالم المادي، وإذا تكيفت معها فستستطيع استخدامها لبناء علاقات هادفة في العمل.
لذلك اعتمدنا على دراسات عديدة اهتمت بكيفية تكوين علاقات إيجابية في العمل لابتكار 5 استراتيجيات يمكن أن تساعدك على تحقيق هذه الغاية.
استثمر وقتك في تعزيز علاقات العمل المختلفة
العلاقات في العمل متنوعة وتلبي احتياجات مختلفة. قد يجيد بعض زملائك (مثل مرشدك أو أقرانك المقربين) تقديم الدعم العاطفي والتشجيع والتقدير، ويمكن لآخرين (مثل مديرك أو زملائك في المراتب الأعلى) تزويدك بملاحظاتهم وإرشاداتهم لمساعدتك على النمو في وظيفتك؛ وأنت بحاجة إلى كلا النوعين من الزملاء في شبكة علاقاتك لتزدهر.
ومع ذلك، فإن قضاء وقت ممتع مع زملائك في أنشطة افتراضية أو تبادل بعض النكات معهم في أحد اللقاءات لن يساعدك على تكوين صلات عميقة معهم. بدلاً من ذلك، تحتاجون إلى الانخراط في أنشطة تتجاوز مجرد قضاء وقت ممتع، من خلال تجارب تساعدكم جميعاً على النمو وتسمح لكم بتبادل الدعم.
لتحقيق هذا الهدف في بيئة افتراضية، فكّر في المرحلة المفصلية التي تواجهها الآن أو تشارف عليها في مسارك المهني؛ ربما تستعد لإلقاء عرض تقديمي مهم أو تقترب من موعد أول مراجعة لأدائك، والتحضير لهذه التحديات مع أقرانك يعزز العلاقات بينكم.
لنركز على السيناريو الثاني: لنفترض أنك وزميلك مقبلان على مراجعة الأداء السنوية. في هذه الحالة، قد يتعين عليكما إجراء اتصال عبر منصة زووم للتفكير معاً في إسهاماتكما في الشركة وتبادل الملاحظات وتذكّر إنجازاتكما. إن تحويل هذه المرحلة المفصلية إلى تجربة مشتركة وبناء الروابط بينكما على حدث سيؤثر في حياة كل منكما سيتيح بناء علاقة هادفة أكثر مقارنة بالحديث عن أحوال الطقس خلال فترة الاستراحة الافتراضية المشتركة.
نصيحة من خبير: يمكنك تطبيق هذه النصيحة على سيناريوهات مختلفة: إذا كنت تعرف زميلاً يواجه صعوبات في إنهاء مهمة في موعدها النهائي فاعرض عليه المساعدة، وإذا كان زميلاَ جديداً فاعرض عليه المساعدة للتأقلم مع الفريق، وإذا كنت لا ترغب في العمل بمفردك فاطلب من أحد الزملاء التعاون معك لإعداد عرض تقديمي أو تنظيم جلسة عصف ذهني باستخدام أدوات مثل منصّتَي ميرو (Miro) وميورال (MURAL).
استعن بخطة للتفاعلات الافتراضية من أجل بناء صلات أعمق
أظهرت الأبحاث أن استخدام خطة لتنظيم المحادثات يعزز الاحترام والانفتاح بين الزملاء، وهما قيمتان مهمتان جداً في بيئة العمل الافتراضية التي يصعب أن يشعر فيها الموظف بالانتماء إلى الفريق بسبب عزلته عنه.
ما هي خطة التفاعل؟ هي ببساطة مجموعة من المبادئ التوجيهية التي يمكنك استخدامها لتنظيم المحادثات بطريقة تحفز الزملاء والموظفين على التحاور في مواضيع أعمق من مواضيع الأحاديث الجانبية.
لوضع خطة التفاعل الخاصة بك، حدد قائمة المواضيع والقضايا التي ترغب في مناقشتها مع زملائك، يمكن أن تشمل هذه المواضيع الهوايات أو برامج التلفزيون، أو المدونات الصوتية أو الكتب التي تطالعها أنت أو زملاؤك حالياً.
على سبيل المثال، إذا كنت ترغب في التواصل مع زميل علمت أنه أخذ إجازة مؤخراً، فيمكن أن تحتوي خطة التفاعل التي ستعدّها على الأسئلة الآتية:
- سمعتك تتحدث عن رحلة مشي في الطبيعة الأسبوع الماضي، إلى أين وصلت؟
- منذ متى وأنت تمارس المشي في الطبيعة؟ هل هناك أماكن أخرى قريبة من البيت مناسبة لهذه الهواية؟
- كنت أخطط للخروج في رحلة مشي في الطبيعة قريباً، لكن يبدو أنني لا أجد الوقت الكافي. فهل لديك نصائح حول كيفية إدارة عبء العمل؟
- هل هناك هواية أخرى تحبّ ممارستها في عطلة نهاية الأسبوع؟
قد لا تلتزم بهذه الخطة بالكامل لكن التفكير فيها مسبقاً قد يشعرك بارتياح أكبر لبدء المحادثة، ولا سيّما إذا كانت مع زميل جديد.
نصيحة من خبير: في اللقاء المقبل مع زميلك، حاول أن تكسر الحواجز النفسية بينكما وتخلق أجواء مريحة باستخدام بعض الأسئلة التي تتضمنها هذه الخطة، وراقب المحادثة وحدّد الأسئلة الفعالة وغير الفعالة، ثم حسّن الخطة وكرّرها.
احرص على أن تكون حاضراً ومنتبهاً
لماذا تكون المحادثات الافتراضية أصعب من المحادثات الواقعية؟ هناك عدة أسباب وفقاً لمختبر ستانفورد للتفاعل البشري الافتراضي (Stanford Virtual Human Interaction Lab):
- لا تحب أدمغتنا أن نحدّق في وجوهنا ساعات طويلة.
- يمكن أن يؤدي التأخير في الاتصال بالإنترنت لا شعورياً إلى إضعاف قبولنا للآخرين.
- من الصعب تأويل الإشارات غير اللفظية على الشاشة.
هذه فقط بعض الأمثلة التي تفسر شعور العديد منّا بإجهاد الاجتماعات الافتراضية، وعلى الرغم من أنه ليس بإمكاننا حل المشكلتين الأولى والثانية، فمن الممكن في المقابل تخفيف أثر المشكلة الثالثة: لذا، احرص على أن تكون حاضراً ومنتبهاً وتجنّب العمل على مهام أخرى في الاجتماعات الافتراضية.
فقد الكثيرون منا القدرة على الاعتماد على الإشارات الاجتماعية الجسدية للتواصل مع الزملاء وفهم سلوكهم، ولكن إذا حرصت في اللقاءات الافتراضية على تجنب الانشغال بمهام أخرى وبإشعارات هاتفك، وانتبهت إلى تفاعلات الآخرين فستُظهر لهم أنك تصغي إليهم وتهتم بهم.
يتطلب الأمر بعض اللفتات البسيطة لتؤكد لزملائك أنك تقدّرهم وتحترمهم، أومئ برأسك، وانحنِ إلى الأمام عندما يتحدث أحدهم، وضع يدك تحت ذقنك، واطرح أسئلة المتابعة لتظهر له أنك تستمع.
نصيحة من خبير: خلال اللقاء أو المكالمة المقبلة مع أحد أقرانك، احرص على أن يكون هاتفك صامتاً وضعه مقلوباً على شاشته، وتخلص من أيّ مشتتات في محيطك المباشر.
اذكر الإيجابيات
أظهرت دراسة حديثة أن مشاركة الموظف أخبار العمل الإيجابية مع زملائه تولد لديهم أحد شعورين: الإلهام أو الحسد، وذلك اعتماداً على مدى التنافسية التي تميز ثقافة المؤسسة.
إذا كانت بيئة مكان عملك داعمة وليست تنافسية فقد تكون هذه الاستراتيجية مناسبة لك؛ إذ لاحظ الباحثون أنه في بيئات العمل التي تتميز بتنافسية متدنية، تولّد مشاركة الإنجازات المهنية الشخصية الإلهام غالباً. في الواقع يمكن أن تحفز مشاركة الأخبار الإيجابية زملاءك على السعي إلى مستوى النجاح نفسه الذي وصلت إليه، وبذل جهد أفضل في العمل، وبذلك تساعدك مشاركة إنجازاتك على تحسين جودة علاقاتك وزيادة ثقتك بنفسك وبناء أسس الثقة الجماعية في فريقك.
على سبيل المثال، إذا أنهيت مشروعاً صعباً في عملك الجديد عن بعد، فإن مشاركة هذا الخبر مع أعضاء الفريق الذين انضموا إلى الشركة قبلك، قد يساعدهم على اكتساب المزيد من الثقة للعمل على مشاريع صعبة مماثلة في المستقبل، ويمكنك أيضاً أن تزود زملاءك بتفاصيل كيفية تحقيقك لهذا النجاح كي تقدم لهم خطة توجيهية تساعدهم على تحقيق أهدافهم الشخصية.
نصيحة من خبير: لا تستخدم هذه الاستراتيجية إلا بعد الاستقرار في وظيفتك والتأقلم معها، وملاحظة أنماط التنافس السائدة في مؤسستك. إذا كنت تعمل في بيئة تتسم بمنافسة متدنية فاقترح على أعضاء الفريق أن يشاركوا جميعاً إنجازاتهم الشخصية أو المهنية في بداية الاجتماع الافتراضي المقبل.
أظهر ضعفك الإنساني
مثلما يجب أن تشارك إنجازاتك مع زملائك، عليك أن تشارك معهم إخفاقاتك أيضاً.
قد تستهويك فكرة رسم صورة شبه مثالية عن نفسك في العمل، لكن مصارحة أصدقائك بالإخفاقات والعثرات التي تواجهها ستجعلك تبدو شخصاً عفوياً وصريحاً يسهل التواصل والتفاهم معه. جميعنا نخفق ونتعثر، لذلك فإن التحدث بصراحة عن معاناتك يمثّل وسيلة مناسبة للتواصل مع زملائك الذين قد يشعرون بعواطف مماثلة وإن لم يعبّروا عنها؛ باختصار، يمكن أن يساعدك إظهار الضعف الإنساني وكذلك يساعد أقرانك على تقليل الشعور بالوحدة.
نصيحة من خبير: إذا سألك زميل كيف قضيت يومك، فلا تخشَ مصارحته بالحقيقة. إذا كان يومك سيئاً، فلا بأس في الإقرار بذلك. لا تتذمر، ولكن اعترف بحقيقة شعورك حتّى يجد زميلك فرصة للتواصل والتعاطف معك.
حدّد الأساليب الناجحة وكرّرها بانتظام
يتطلب العالم الافتراضي الجديد أساليب تفاعل جديدة، ويمكنك ابتكار الأساليب التي تناسبك، ولكنها ستكون مجرّد نقطة انطلاق. جرّبها ثم حدد أنسبها لك ولبيئة عملك الفريدة، ثم خصص الوقت الكافي في نهاية كل يوم للتفكير وتحديد اللحظة التي شعرت فيها بالنشاط والترابط مع الآخرين، والشيء الذي فعلته وقادك إلى هذا الشعور. ثم سجّل الأساليب الناجحة واحرص على تكرارها بانتظام. وستجد نفسك تدريجياً تشعر بأنك أقل وحدة وأكثر ترابطاً بالآخرين.