دراسة حديثة تكشف خطورة التوسع المبكّر للشركات الناشئة

5 دقيقة

ملخص: يروّج مجتمع وادي السيليكون غالباً مفهوم التوسع السريع بوصفه أفضل استراتيجية لنجاح الشركات الناشئة. ولكن الأبحاث الجديدة تُظهر أن توسع الشركات الناشئة في مراحل مبكرة، ,لا سيما خلال السنة الأولى من تأسيسها، يؤدي إلى زيادة مخاطر فشلها، وتحديداً بالنسبة لشركات الوساطة الإلكترونية ثنائية الاتجاه (التي تربط بين مجموعتين مختلفتين من المستخدمين، مثل البائعين والمستهلكين). تتمثّل النقطة الرئيسية التي يجب على رواد الأعمال فهمها في ضرورة توخي الحذر بشأن التوسع المبكر وإعطاء الأولوية لثقافة التجريب. يمكن أن يساعد اتباع نهج متأن وتدريجي لتوسيع الشركات الناشئة على تحقيق نجاح مستدام على المدى الطويل.

في عالم ريادة الأعمال السريع التغير، يبدو أن النجاح يعتمد على معرفة الوقت المناسب لاغتنام الفرصة للتوسع، أو الانتظار وعدم الاستعجال في اتخاذ مثل هذه الخطوة. والسؤال هنا: ما هي استراتيجية التوسع الأكثر فعالية في سباق الشركات الناشئة نحو النجاح، التوسع السريع والمكثف أم التوسع البطيء والتدريجي؟

يحظى مفهوم التوسع السريع للأعمال التجارية بتأييد كبير داخل أوساط وادي السيليكون، بوصفه واحداً من الاستراتيجيات الأعلى فعالية (إن لم يكن أفضلها) لتحقيق انتشار عالمي وكسب زخم كبير وإرساء مكانة قوية في السوق. يؤكد كل من رائدَي الأعمال، ريد هوفمان وكريس يه، في كتابهما "التوسع الخاطف" (Blitzscaling) الذي صدر في عام 2018، أن السرعة هي الميزة الأهم في الاقتصاد الحديث، وتقدم شركات مثل فيسبوك وأوبر أمثلة ناجحة عن الشركات الناشئة التي توسعت بسرعة وتفوقت على منافسيها وهيمنت على السوق،

لكن من المؤسف أن هذا النهج السريع والمكثف قد أدى أيضاً إلى فشل العديد من الشركات. على سبيل المثال، لم يسمح النمو السريع لشركة غروبون (Groupon) بإجراء تقييم دقيق لإمكانية استمرار صفقاتها وعملياتها على المدى الطويل، ما أدى في النهاية إلى عثرات وإخفاقات كبيرة، بالإضافة إلى ذلك، أهملت شركات مثل هوم جوي (Homejoy) وبارو (Baroo) خطوة تجريب منتجاتها في الأسواق الجديدة ولم تولِ أهمية كافية لمواءمة هذه المنتجات مع احتياجات العملاء، ما أدى في النهاية إلى انهيارها.

لذلك، فإن النهج البديل هو اتباع مسار بطيء وتدريجي للتوسع. على الرغم من اعتقاد البعض أن التوسع ببطء وبالتدريج يسمح للمنافسين باكتساب ميزة تنافسية، فقد حقق بعض الشركات نجاحاً هائلاً من خلال التمهل وتحديد الوقت المناسب للنمو والتوسع بطريقة استراتيجية. لنأخذ على سبيل المثال شركة بيلباك (PillPack)، وهي شركة ناشئة تعمل في مجال الصيدلة عبر الإنترنت تأسست في عام 2013 واستحوذت عليها شركة أمازون في عام 2018. تأسست شركة بيلباك في عام 2013 بعد فوزها في ماراثون البرمجة، "هاكِنغ ميديسن" (Hacking Medicine)، الذي ينظمه معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) بهدف تطوير حلول مبتكرة في مجال الرعاية الصحية، ثم خضعت الشركة لتجارب مكثفة وشاركت في برنامج تسريع أعمال الشركات الناشئة، "تيك ستارز" (Techstars) وتعاونت مع شركة آيديو (IDEO) لتصميم المنتجات. بعد التحقق من صحة الأفكار من خلال إطلاق متجر تجريبي في ولاية نيوهامبشير، بدأت جهود التوسع الكبيرة في عام 2016 وشملت عمليات التوظيف على مستوى البلاد وإطلاق نظام "فارماسي أو إس" (PharmacyOS) وتحقيق إيرادات بلغت 100 مليون دولار؛ فأتى نجاح الشركة نتيجة التخطيط واختيار التوقيت المناسب بدقة، بالإضافة إلى التجريب المنهجي والمنظم.

بناءً على هذه البيانات المتناقضة، يتضح أن توقيت توسيع الشركات الناشئة مهم، لكنه يحتاج إلى فهم دقيق ودراسة عميقة. دفعنا ذلك إلى طرح سؤال مهم: متى يجب على الشركات الناشئة التوسع؟

مخاطر التوسع المبكر

في بحثنا الأخير، عملنا على تحليل بيانات واسعة النطاق من شركة بيرننغ غلاس تكنولوجيز (Burning Glass Technologies) وموقع كرانشبيز (Crunchbase). تضمنت هذه البيانات 6.3 ملايين إعلان عن وظيفة شاغرة من عام 2010 إلى عام 2019؛ إذ نشرت هذه الإعلانات 38,217 شركة ناشئة تأسست في الولايات المتحدة. اكتشفنا أنه عندما تبدأ الشركات الناشئة بالتوسع، فإنها عادةً توظف أول مدير ومندوب للمبيعات لتنظيم القوى العاملة مع زيادة أعداد الموظفين وتوسيع قاعدة عملائها.

بناءً على ذلك، استخدمنا أول إعلانات توظيف نشرتها الشركات لهذين المنصبَين لمعرفة توقيت بدء الشركة الناشئة بالتوسع. كشفت تحليلاتنا أن التوسع المبكر (خلال السنة الأولى من التأسيس) يزيد خطر فشل الشركات بنسبة 20 إلى 40%. بالإضافة إلى ذلك، يبرز خطر الفشل بصورة أكبر بالنسبة لشركات الوساطة الإلكترونية الثنائية الاتجاه. على الرغم من ذلك، فقد وجدنا أيضاً انخفاض الأثر السلبي للتوسع المبكر على احتمالية الفشل عندما تستخدم الشركات الناشئة أساليب التجريب، مثل اختبار أ/ب.

إذاً، ما هي العوامل التي تؤثر في العلاقة بين سرعة توسع الشركات الناشئة والتجريب والفشل؟ نعتقد أن الأمر يتعلق بعنصر أساسي يجب على كل شركة ناشئة أن تتعامل معه، وهو مخاطر الالتزام. يتطلب التوسع الالتزام بفكرة أو استراتيجية أو منتج بغض النظر عن اكتماله. تزداد مخاطر هذا الالتزام عندما تتوسع الشركات الناشئة قبل الأوان؛ إذ تقيّد نفسها في اتجاه معين قبل نضوج أفكارها أو تطويرها بالكامل.

في المقابل، عندما تأخذ الشركات الناشئة وقتاً كافياً للتوسع، فإنها تتجنب مخاطر الالتزام المبكر. يمنح هذا النهج الشركات الناشئة مجالاً لتجريب الأفكار وصقلها وتحسينها بمرور الوقت. على الرغم من أن هذه الشركات قد تواجه بعض التحديات، مثل المنافسة أو التقليد، فإنها تكتسب المرونة اللازمة لتعديل أفكارها واستراتيجياتها، وبناءً على النتائج التي توصلنا إليها، فإنه من الواضح أن مخاطر الالتزام المبكر جداً تفوق الفوائد المحتملة للنمو السريع.

بالنسبة لشركات الوساطة الإلكترونية تحديداً، فالتوسع في مراحل مبكرة جداً يمكن أن يضر بقدرتها على النجاح، على الرغم من حاجتها إلى تأثير الشبكة؛ فهذه الشركات تحتاج غالباً إلى مزيد من الوقت للتجريب والتعلم وفهم العلاقات والتفاعلات المعقدة التي تربط بين الأطراف المختلفة في السوق، كما أن منصات كثيرة مثل أمازون أو فيسبوك أو أوبر تعمل في أسواق خاضعة إلى درجة عالية من التنظيم حيث يكون من الضروري فهم المخاطر والسياسات التنظيمية كلياً قبل الالتزام.

لنأخذ على سبيل المثال شركة أوليف أيه آي (Olive AI)، التي توقفت عن العمل في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2023. أدى توسع الشركة السريع إلى جذب مجموعة متنوعة من العملاء، بدءاً من الشركات الصغيرة وصولاً إلى المستشفيات الكبيرة، ونتج عن ذلك انعدام التوافق في تجربة المستخدم بسبب اختلاف احتياجات كل فئة من العملاء. بدلاً من بناء قاعدة عملاء مخلصين، أعطت شركة أوليف أيه آي الأولوية لاكتساب مزيد من العملاء من أي حجم لإبهار المستثمرين بنموها وتقدمها، في حين كان من الممكن أن تتبع نهجاً مدروساً وأكثر توازناً يتمثل في التجريب واستخدام اختبار أ/ب التجريبي على شرائح معينة من العملاء قبل التوسع الكامل، ما يمهّد الطريق لوضع استراتيجية أكثر تركيزاً ويؤدي إلى تحقيق نجاح أكبر.

على نحو مماثل، يمكننا النظر إلى شركة كونفوي (Convoy)، التي توقفت عن العمل في شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023؛ أدت الحسومات والحوافز التي قدمتها الشركة خلال محاولتها الأولية للهيمنة على السوق إلى جذب عملاء غير مخلصين غيّروا ولاءهم بمجرد تغير ديناميكيات السوق، في حين كان من الممكن أن يؤدي التأني والتركيز على التسعير المستدام -بدلاً من السعي للهيمنة بسرعة على السوق- إلى نجاح أكبر.

ما هي الأمور التي يجب على رواد الأعمال مراعاتها؟

من خلال توضيح أثر توقيت اتخاذ خطوة التوسع على نتائج الشركات الناشئة، يوفر بحثنا نظرة معمقة حول ما يجب أن يركز عليه رواد الأعمال عند صياغة استراتيجية التوسع:

  1. لا تتسرع باتخاذ قرار التوسع في مرحلة مبكرة. بالدرجة الأولى، يجب على الشركات الناشئة توخي الحذر عند التوسع في مرحلة مبكرة. على الرغم من جاذبية النمو السريع والاعتقاد السائد بأن التوسع السريع والمكثف هو أفضل طريق لنجاح الشركات الناشئة، فمن المهم التعامل مع التوسع المبكر بحذر وحكمة. تجنب توسيع أعمالك التجارية والالتزام بمفهوم معيّن أو فكرة محددة قبل التأكد من ملاءمة المنتج للسوق؛ إذ يمكن أن يهدّد التوسع المبكر فرص نجاح شركتك الناشئة إلى حد كبير.
  2. اعتمد ثقافة التجريب. ثانياً، من المهم تبني ثقافة التجريب واستخدام اختبار أ/ب بطريقة مدروسة واستراتيجية. في عالم الشركات الناشئة المتغيّر والمتجدد باستمرار، تسمح عملية تجريب المفاهيم والاستراتيجيات وشرائح العملاء المختلفة لرواد الأعمال بجمع رؤى قيّمة والتأكد من صحة افتراضاتهم قبل الالتزام بعملية التوسع المكلفة.

يتمثّل أحد القيود التي تعيب بحثنا في أنه يدرس جانباً واحداً فقط من جوانب التوسع، وهو التوقيت، وأثره على نجاح الشركات الناشئة وفشلها، فقد تؤثر جوانب أخرى أيضاً على أداء الشركات الناشئة بدرجة كبيرة، وقد تشمل طريقة التوسع (أي إذا كانت الشركات الناشئة تتوسع بطريقة طبيعية وتدريجية، أو من خلال عمليات الاستحواذ، أو من خلال التحالفات الاستراتيجية)، بالإضافة إلى جغرافيا التوسع (أي الأسواق أو المناطق التي تتوسع فيها الشركات). لذلك، لا يزال هناك العديد من الرؤى القيّمة حول ديناميكيات توسع الشركات الناشئة التي يجب اكتشافها.

على الرغم من أن النمو السريع يبدو أكثر إثارة وجاذبية في عصرنا الحالي، فالتمهل وعدم الاستعجال يمكن أن يضمنا مساراً واعداً ويسهما في تحقيق نجاح أكبر للشركات الناشئة على المدى الطويل. في النهاية، يمكننا القول أن اتباع النهج البطيء والتدريجي هو سر النجاح.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي