هل يوجد سن مثالي لتغيير مسارك المهني وتتبُع شغفك؟

5 دقيقة
تغيير مسارك المهني
فريق هارفارد بزنس ريفيو/-أنطونيو-/غيتي إميدجيز

ملخص: توضح المؤلفة المشاركة لتقرير أعدّته شركة ماكنزي مؤخراً بعنوان "استنزاف الموظفين الكبير"، بوني داولينغ، أن استقالة أعداد كبيرة من الموظفين ليست مجرد ظاهرة مؤقتة أو جزءاً من التغيرات التي طرأت على سوق العمل، بل إنها تغيير جذري في عقلية الموظفين؛ إذ أصبحوا أكثر استعداداً لإعطاء الأولوية لجوانب أخرى من حياتهم بدلاً من التركيز فقط على الوظيفة التي يشغلونها.

  • بالنسبة لبعض الأشخاص قد يعني ذلك مغادرة المؤسسة الحالية لتحقيق النجاح وفقاً لأهدافهم ومعاييرهم الشخصية، أما بالنسبة لآخرين فقد يعني اتخاذ قرار يتعلق بتغيير المسار المهني كلياً. لكن يشعر البعض بضرورة الاستمرار في العمل على الرغم من عدم رضاهم عن وظائفهم الحالية، وذلك بسبب الوقت والمال الذي استثمروه في مسيرتهم المهنية أو بسبب اعتقادهم أن الأوان قد فات بحيث يصعب عليهم اتخاذ قرار بتغيير مسارهم المهني أو البحث عن فرص جديدة.
  • المسارات المهنية الخطيّة ليست شائعة مثلما تعتقد. وإذا كنت تقلق من فوات الأوان أو تقدمك بالسن الذي يصعّب عليك إجراء تغيير في مسارك المهني، فالفرصة ما زالت متاحة لك في الواقع؛ إذ أظهر استطلاع لآراء أشخاص حاولوا تغيير حياتهم المهنية بعد سن الـ 45 أن 82% منهم نجحوا فعلاً، وأعرب 87% منهم عن سعادتهم ورضاهم عن هذا التغيير.
  • تذكّر أن الحياة تتطور وتتغير باستمرار، فما يبدو منطقياً ومناسباً بالنسبة لك عندما تكون في سن العشرين قد لا يبدو كذلك عندما تبلغ الثلاثين، فحياتنا تتغير، ونحن نتغير أيضاً بمرور الوقت. لذلك من الطبيعي أن نغيّر وظائفنا ومساراتنا المهنية استجابة لهذه التغيرات التي تحدث في حياتنا.

استقالت المؤلفة آنا كويندلين من وظيفتها الناجحة في صحيفة نيويورك تايمز مرتين، أول مرة من أجل التفرغ لتربية أبنائها والثانية كي تتفرغ لكتابة الروايات. وضّحت كويندلين في خطابها الذي ألقته خلال حفل التخرج في كلية ماونت هوليوك (Mount Holyoke College) لخريجي دفعة عام 1999، أنها تعرّضت للانتقاد الشديد في المرتين اللتين استقالت فيهما، لكنها قالت: "أنا لست مخطئة، بل أشعر بالسعادة والرضا، فقد حققت نجاحاً كبيراً وفقاً لمعاييري الشخصية؛ إذ إن النجاح الحقيقي هو النجاح الذي يتوافق مع رؤيتك ومعاييرك وأهدافك الشخصية، ولا ينحصر في تلبية توقعات الآخرين ونيل إعجابهم".

تقول المؤلفة المشاركة لتقرير أعدّته شركة ماكنزي مؤخراً بعنوان "استنزاف الموظفين الكبير" (Great Attrition)، بوني داولينغ، لشبكة سي إن بي سي (CNBC) الإخبارية: "إن استقالة أعداد كبيرة من الموظفين ليست مجرد ظاهرة مؤقتة أو جزءاً من التغيرات التي طرأت على سوق العمل نتيجة الجائحة"، وتضيف: "لقد شهدنا تغيراً جذرياً في عقلية الموظفين؛ إذ أصبحوا أكثر استعداداً لإعطاء الأولوية لجوانب أخرى من حياتهم، بدلاً من التركيز فقط على الوظيفة التي يشغلونها". في الحقيقة يرغب الناس في تحقيق النجاح وفقاً لأهدافهم ومعاييرهم الشخصية، وبالطريقة التي يحددون بها مفهوم النجاح.

بالنسبة لبعض الأشخاص، قد يعني تحقيق النجاح وفقاً لأهدافهم ومعاييرهم الشخصية مغادرة المؤسسة الحالية للعمل في مؤسسة ذات ثقافة أكثر توافقاً مع قيمهم، أو ترك وظائفهم الحالية بدوام كامل للانضمام إلى اقتصاد الأعمال المستقلة. أما بالنسبة للآخرين، فقد يعني هذا الأمر اتخاذ قرار يتعلق بتغيير المسار المهني كلياً. على الرغم من أن إجراء أي تغيير قد يكون مخيفاً وصعباً، فإن اتخاذ قرار يتعلق بتغيير مسار مهني مألوف ومريح قد يكون أصعب ويمثل تحدياً أكبر.

بصفتي مدربة تنفيذية، يسألني العملاء غالباً عن الآثار المحتملة لقرار تغيير المسار المهني، سواء كان الإضرار بسمعتهم المهنية، أو الحد من قدرتهم على تأمين وظيفة جديدة (على المدى القصير أو الطويل) أو تشويه انطباعات الآخرين عنهم. يشير العملاء أيضاً إلى أنهم غير راضين عن مسارهم المهني الحالي، لكنهم يشعرون بضرورة الاستمرار في العمل على الرغم من عدم رضاهم عن وظائفهم الحالية، وذلك بسبب الوقت والمال الذي استثمروه في مسيرتهم المهنية أو بسبب اعتقادهم أن الأوان قد فات بحيث يصعب عليهم اتخاذ قرار يتعلق بتغيير المسار المهني أو البحث عن فرص جديدة.

في الواقع، المسار المهني الخطي ليس شائعاً بقدر ما تعتقد؛ فنسبة 27% فقط من خريجي الجامعات يشغلون وظيفة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتخصصهم، وأكثر من 53% من الأشخاص الذين استقالوا من وظائفهم في عام 2021 انتقلوا إلى مجالات عمل ومسارات مهنية مختلفة. بالنسبة للأشخاص الذين يقلقون من فوات الأوان أو من تقدمهم بالسن الذي يصعّب عليهم إجراء تغيير في المسار المهني، فالفرصة ما زالت متاحة في الواقع؛ إذ أظهر استطلاع لآراء أشخاص حاولوا تغيير حياتهم المهنية بعد سن الـ 45 أن 82% منهم نجحوا فعلاً، وأعرب 87% منهم عن سعادتهم ورضاهم عن هذا التغيير.

قد تبدو هذه الإحصائيات مطمئنة، لكنّ شكوك البعض حول قدرتهم على تغيير المسار المهني قد تبقى قائمة، وقد تفيد بعض الأمثلة على أشخاص نجحوا في تغيير مساراتهم المهنية في تهدئة مخاوفك. على سبيل المثال، عمل البابا فرنسيس في السابق حارساً وكان فنياً في مختبر لعلوم الأغذية قبل أن يغيّر مساره المهني ويصبح رئيساً للكنيسة الكاثوليكية وملكاً لدولة مدينة الفاتيكان. من الأمثلة الأخرى على ذلك المؤلفة ومقدمة برنامج الطهو، "ذا بيرفوت كونتيسا" (The Barefoot Contessa)، آينا غارتن، التي تقول في مقابلة مع مجلة تايم (Time) إنها عندما كانت في العشرينيات من عمرها، كانت تعمل في صياغة سياسات الطاقة النووية وإدارتها وميزانيتها في البيت الأبيض. في ذلك الوقت راودها شعور بإمكانية انتقالها إلى مهنة أخرى يمكن أن تكون ممتعة أكثر. وبعد فترة، رأت إعلاناً في صحيفة نيويورك تايمز عن متجر متخصص في بيع الأطعمة المميزة للبيع في منطقة ويستهامبتون التي لم تكن قد زارتها من قبل. تقول: "اقترح عليّ زوجي جيفري أن نذهب ونرى هذا المتجر، لا أستطيع وصف مدى جهلي وعدم درايتي بهذا المجال وما سأواجهه في هذه المهنة الجديدة؛ إذ لم تكن لدي تجربة سابقة في إدارة الأعمال التجارية ولم يسبق أن عمل موظفون تحت إشرافي، لكن عندما رأيتُ المتجر، أدركتُ أنني وجدت هدفي وشعرتُ برغبة شديدة في العمل بهذا المجال".

أما بالنسبة لتجربتي الشخصية،

فمنذ أكثر من عقد من الزمان، رفضتُ عرض عمل كان يمكن أن يحقق لي تقدماً مهنياً سريعاً وسلساً، وقبلتُ عرضاً آخر لوظيفة غير مألوفة وتختلف تماماً عن مساري المهني، وبالتالي واجهتُ الكثير من الصعوبات وشعرتُ بالضياع بسبب افتقاري إلى التوجيه والإرشاد في هذا المسار الجديد، ولكي أعطيكم فكرة عن درجة اختلاف الوظيفة الجديدة عن مساري المهني السابق، فقد اعترفتُ في مقابلة العمل بأنني استخدمت محرك البحث جوجل لمعرفة مزيد من المعلومات عن هذا المجال وعن المصطلحات العديدة المذكورة في الوصف الوظيفي.

في البداية، كانت فكرة إجراء مثل هذا التغيير الجذري مخيفة، لكن عندما أدركتُ أن أكثر ما كان يخيفني هو آراء الآخرين، وأنه ليس هناك قواعد تلزمني بالاستمرار في هذا المسار الجديد إلى الأبد، قررتُ أن أختار ما يشعرني بالرضا وأن أسعى للنجاح وفقاً لرؤيتي ومعاييري الشخصية.

واصلتُ إجراء تغييرات وتعديلات على مساري المهني على مر السنين، وأجريتُ هذه التعديلات بناءً على الرؤى والدروس الجديدة والمهارات والخبرات التي اكتسبتها.

أقول لعملائي دائماً إن الحياة تتطور وتتغير باستمرار، فما يبدو منطقياً ومناسباً لك عندما تكون في سن العشرين قد لا يبدو كذلك عندما تبلغ الثلاثين، وكذلك عندما تبلغ الستين؛ إذ إننا نكتسب الخبرات ونتعلم أشياء جديدة عندما نتعرض لتجارب ومواقف جديدة؛ بالإضافة إلى أننا نلتقي بأشخاص جدد وتتغير حياتنا، ونحن أيضاً نتغير بمرور الوقت. لذلك، فمن الطبيعي أن نغيّر وظائفنا ومساراتنا المهنية استجابة لهذه التغيرات التي تحدث في حياتنا.

إذا كنت تفكر في تغيير مسارك المهني، فيجب عليك التفكير في القرار الذي ستتخذه بعناية وحذر، وإليك بعض الأمور التي أوصيك بها من خلال تجربتي. خذ وقتاً كافياً لفهم الأسباب التي تدفعك إلى إجراء التغيير والأهداف التي ترغب في تحقيقها والأمور التي تريد التخلص منها من خلال هذا التغيير. تحدّث إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص في المجال أو القطاع الذي تنوي الانتقال إليه. تعرف إلى طبيعة العمل والفرص والتحديات التي تنتظرك في هذا المجال. حاول أن تعطي نفسك فرصة لاكتشاف المجال الجديد وتجربته قبل اتخاذ قرارك النهائي (إذا كان ذلك ممكناً). (فكرتُ ذات مرة في أن أصبح مدربة يوغا، ثم أدركتُ خلال دورة تدريب المعلمين أنني أحب ممارسة اليوغا وليس تعليمها، أنا سعيدة لأنني قررتُ استكشاف اهتمامي بتعليم اليوغا خلال عطلات نهاية الأسبوع).

في النهاية، تعلمتُ أنه عندما تنظر إلى حياتك المهنية ستلاحظ أن كل تغيير أو تجربة قد أسهم في تشكيل مسيرتك بغض النظر عن عدد التغييرات والتحولات التي أجريتها، ما يساعدك على رسم مسار واضح ورؤية شاملة لمستقبلك. عندما تنتقل إلى أي دور جديد، أو مؤسسة جديدة، أو مهنة جديدة، فإنك تحمل معك ما اكتسبته من معرفة وتجارب وخبرات وتستمر في التطور بالاستفادة منها وتحدد مسارك المهني بناءً عليها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي