ملخص: لتحقيق أداء متميز وتعزيز الصحة التنظيمية داخل المؤسسات، من الضروري التركيز على 3 استراتيجيات أساسية: أولاً، تمكين الموظفين من اتخاذ القرارات، ما يمنحهم الحرية والمرونة في العمل وينمّي مسؤوليتهم وإبداعهم. ثانياً، الاستفادة من التكنولوجيا لتحقيق الابتكار وخلق قيمة مضافة، إذ يمكن للتقنيات الحديثة أن تسهم في تحسين الكفاءة وتقديم خدمات ومنتجات جديدة. ثالثاً، تطوير أساليب القيادة لتتواكب مع التغيرات العالمية واحتياجات العمل الحديثة.
تشكّل الصحة التنظيمية هدفاً متطوراً وليس ثابتاً، إذ تتغير أساليب الإدارة الناجحة مع الزمن. وقد أطلقت مؤسسة ماكنزي عام 2003 مؤشر الصحة التنظيمية، ومنذ ذلك الحين، تغيرت طرق إدارة المؤسسات الصحية تغيراً كبيراً.
جرى تطوير مؤشر الصحة التنظيمية لتزويد المؤسسات بفهم عميق لمدى فاعلية ممارساتها في تحقيق أداء مستمر. فعلى مدى السنوات العشرين الماضية، كشفت دراسات مؤشر الصحة التنظيمية الذي أطلقته مؤسسة ماكنزي أن العامل الأبرز في تحديد النجاح الطويل الأجل لأي مؤسسة هو صحتها التنظيمية. تعتمد هذه الصحة على 3 ركائز أساسية: أولاً، الانسجام الكامل داخل المؤسسة حول رؤية موحدة تحفز جميع الأفراد وتوجههم. ثانياً، الكفاءة في تطبيق الاستراتيجيات. ثالثاً، القدرة على التجدد والتطور بمرور الزمن لضمان الاستمرارية والتكيف مع المستجدات.
ويُظهر البحث الذي أجرته مؤسسة ماكنزي حول مؤشر الصحة التنظيمية أن المؤسسات ذات الصحة التنظيمية الممتازة، التي تقع ضمن الربع الأعلى، تحقق عوائد للمساهمين تتجاوز بثلاث مرات تلك التي في الربع الأسفل. وتتميز هذه المؤسسات بأداء مالي قوي، ونادراً ما تواجه أزمات مالية أو حوادث تتعلق بالسلامة. وعلاوة على ذلك، غالباً ما يرشح الموظفون في هذه الشركات أماكن عملهم لأقاربهم وأصدقائهم.
مع تقدم التكنولوجيا، شهدنا تحولات كبيرة في كيفية إدارة العمل، حيث أصبحت الأدوات والأنظمة المستخدمة أكثر تطوراً وفعالية. وفي الوقت نفسه، تغيرت العوامل التي تؤثر على تحيز الموظفين؛ إذ بدأ الموظفون يقدّرون المزيد من الحرية في تحديد أوقات العمل وطرق أدائه. فضلاً عن ذلك، تسارعت هذه التغييرات بفعل جائحة كوفيد-19، التي دفعت الشركات إلى سرعة التكيف مع ظروف جديدة، وتبنّي طرق عمل مرنة وفعالة لمواجهة التحديات المستجدة.
ومنذ عام 2003، عملت ماكنزي على تحديث مؤشر الصحة التنظيمية (OHI) بانتظام، ليعكس آخر التطورات في علم الإدارة والتغيرات الجديدة في هيكل المؤسسات. وخلال التحديث الأخير، الذي جرى على مدار العام الماضي، اكتشفنا أساليب إدارية جديدة لافتة. أدت هذه الاكتشافات إلى إجراء أكبر مجموعة من التعديلات وأهمها على المؤشر حتى الآن. تعكس هذه التعديلات أقوى المؤشرات المعاصرة التي تبرز الصحة التنظيمية للمؤسسة، والتي بدورها أساسية لنجاح أي مؤسسة على المدى الطويل.
في هذا المقال، نتناول 6 تحولات رئيسية استخلصناها من البيانات الأخيرة، ومدى أهميتها للقادة الذين يتطلعون إلى تطوير مؤسساتهم في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم. ما أثار استغرابنا هو أن بعض التوقعات حول التغيرات في الصحة التنظيمية لم تتوافق مع البيانات. وفي حالات أخرى، حيث وجدت البيانات تأييداً لتوقعاتنا، كانت الأسباب المؤدية لهذه النتائج مختلفة قليلاً عما توقعنا. ونظراً لأن هذه النتائج أثارت فضول خبرائنا في مجال العلوم التنظيمية، فإننا نعتقد أنها ستكون مفيدة بصورة خاصة للقادة الذين يرغبون في فهم التغيير وإدارته بطريقة أفضل.
1. قواعد اللعبة أصبحت مختلفة
يقيّم مؤشر الصحة التنظيمية من ماكنزي الشركات من خلال 9 مجالات أساسية للفعالية الإدارية. تشمل هذه المجالات: أولاً، الاتجاه الذي يحدد وضوح الرؤية والأهداف للشركة، ثانياً، القيادة التي تقيس كيفية إلهام القادة لفِرقهم، ثالثاً بيئة العمل التي تنظر في جودة الظروف المحيطة بالموظفين، رابعاً، المسؤولية والمحاسبة، خامساً فعالية التنسيق والتحكم في العمليات، سادساً، القدرات التي تتوافر لديها لتنفيذ مهامها، سابعاً، مستوى تحفيز الموظفين، ثامناً، قدرتها على الابتكار والتعلم، تاسعاً، تفاعلها مع البيئة الخارجية. كانت توقعاتنا أن هذه المجالات ستظل ثابتة، وقد أكدت البيانات هذه التوقعات، ما يدل على أن هذه العناصر تظل مهمة في تقييم الصحة التنظيمية مع مرور الوقت.
نبذة عن البحث
لتحديث مؤشر الصحة التنظيمية، بدأت ماكنزي بالتواصل مع أكثر من 100 من خبرائها وعملائها عبر استطلاعات الرأي، والمقابلات الشخصية، ومجموعات التركيز. ساعدت هذه المرحلة الأولية في تحديد الجوانب التي تحتاج إلى تحديث داخل المؤشر. بعد ذلك، في عام 2023، نفّذت ماكنزي بحثاً شاملاً شارك فيه نحو 9,000 موظف من مختلف أنحاء العالم لاختبار صلاحية الأسئلة الجديدة وتحسين الأسئلة الموجودة. تمثّل الهدف من هذه الدراسة الموسعة في ضمان جاهزية الاستبيان المحدّث للاستخدام في عام 2024.
وفي إطار تقييم الصحة التنظيمية، كانت هناك مجموعة من الممارسات أو التصرفات التي يتبعها القادة في إدارة مؤسساتهم، والتي تؤثر كثيراً على الصحة العامة للمنظمة. في التحديث الأخير لمؤشر الصحة التنظيمية، استثمرنا جزءاً كبيراً من العام في جمع البيانات واختبار العديد من الفرضيات الجديدة. كانت توقعاتنا تشير إلى أننا سنوسع المفاهيم الحالية ونضيف مفاهيم جديدة، ما أدى إلى زيادة عدد الممارسات التي نقيسها من 37 إلى 43 ممارسة. خلال هذه العملية، كشفنا عن تغييرات أساسية وملحوظة في ممارسات الإدارة التي تؤثر على الصحة التنظيمية. بعبارة أخرى، لقد شهد العالم تغييرات مهمة، وتمكّن مؤشر الصحة التنظيمية من توثيق هذه التغيرات بوضوح ودقة.
توقعات وتأكيدات وتحولات ومفاجآت
لاحظنا في بحثنا الأخير 6 تغييرات رئيسية تؤثر على بيئة العمل اليوم. تشمل تطور الأهداف التنظيمية، والتحول في أنماط القيادة، وابتكارات في صنع القرار، وتحسين تجربة الموظفين، وتقدم التكنولوجيا والقدرات الرقمية، وزيادة التركيز على الاستدامة (انظر العمود الجانبي بعنوان "التغييرات الست"). وتُظهر نتائجنا أهمية التكيف مع هذه التغييرات .
بناء هدف مشترك: كشف الأسباب وراء المهام لموظفيك
في الآونة الأخيرة، زاد الاهتمام بفكرة "الهدف" داخل المؤسسات، ما دفعنا إلى توقع إدراجه بوصفه ممارسة جديدة تُسهم في توجيه العمل. وقد تحقق هذا التوقع بالفعل وتمت إضافة الهدف إلى النتائج التسع المرجوة. ومع ذلك، أظهرت النتائج أن الهدف يساهم أيضاً في تطور طرق مشاركة الموظفين. وبناءً على هذا، دمجنا مفهومي "مشاركة الموظفين وتفاعلهم" و"الهدف أو الغرض" لنخلق ممارسة جديدة معروفة بـ "الهدف المشترك".
اقتصرت مشاركة الموظفين في الماضي على تفاعلهم مع مهام العمل وطرق تنفيذها ضمن استراتيجية الشركة. لكن، أظهرت أبحاثنا الجديدة أن هذه المشاركة تظل سطحية للغاية ومجرد تبادل للمصالح إذا لم ترتبط بفهم أعمق وأشمل للأهداف والقيم الأساسية للعمل. وهذا يعني أنه من المهم للغاية أن نربط عمل الموظفين بمعانٍ وأهداف أكبر تلهمهم وتحفزهم، وذلك لضمان مشاركتهم الفعالة وتحسين الإنتاجية في الشركة.
قد يفقد الهدف داخل المؤسسة قيمته إذا لم يتمكن الموظفون من ربطه بعملهم اليومي والأسباب التي تدفعهم إلى القيام بهذا العمل. لذا، يجب على المؤسسات أن تبدأ بتوضيح "السبب" أو الغاية الرئيسية من وجودها. فمن الضروري لكل مؤسسة أن تشرح سبب وجودها وكيف يسهم كل موظف من خلال عمله في تحقيق هذه الغاية. لا يعطي هذا الربط معنى للعمل اليومي للموظفين فحسب، بل إنه يزيد أيضاً من تحفيزهم وانخراطهم في العمل.
لماذا هذا الأمر مهماً؟ إن عملية تحديد هدف مشترك يسهم في ربط الموظفين عاطفياً وذهنياً بالمسار الذي تسير عليه المؤسسة.
وعلى الرغم من أن الخطط الاستراتيجية غالباً ما تضع أهدافاً مثل زيادة الإيرادات بنسبة 15% سنوياً، فإن هذه الأهداف قد لا تكفي لإلهام الموظفين أو دفعهم للإنجاز. وفي عالم يتميز بالتغير السريع، يمكن للقادة بناء حافز قوي لفِرقهم من خلال وضع هدف واضح يوجه جهودهم. وهذا الهدف، الذي نطلق عليه "الهدف الأسمى"، سيقدم للموظفين رؤية واضحة لكيفية مساهمة عملهم في تحقيق الرؤية العامة للشركة وتعزيز قيمها.
على سبيل المثال، تسعى شركة التأمين الآسيوية (AIA) إلى تحقيق هدف ملهم يتمثل في مساعدة ملايين الأشخاص على عيش حياة أكثر صحة وسعادة لفترة أطول. ولا يعزز هذا الهدف جودة حياة العملاء فحسب، بل يُظهر للموظفين أيضاً كيف تُسهم جهودهم اليومية في تحقيق تأثير إيجابي حقيقي. فمن خلال تشجيع السلوكيات الإيجابية ودعم الأداء المتميز، تضمن الشركة تنفيذ استراتيجيتها بكفاءة، ما يوفر نتائج مستدامة ويعود بالنفع على كل المعنيين.
عندما تمنح المؤسسة أهمية لهدف مشترك، تزداد الثقة في قدرات الموظفين على أداء مهامهم بفعالية، ويمنحهم هذا النهج الحرية في استخدام تقديرهم الشخصي وتحديد الحدود بأنفسهم. ويأتي هذا من فهمهم العميق ليس فقط للأهداف التي تسعى المؤسسة لتحقيقها، بل أيضاً للأسباب وراء هذه الأهداف. وبهذه الطريقة، يشعر الموظفون بأن لهم الأحقية في اتخاذ قرارات تدعم مسار المؤسسة وتوجهاتها، ما يعزز بيئة عمل محفزة ومُلهمة.
يشكّل الهدف المشترك مؤشراً قوياً على صحة المؤسسة، حيث تُظهر البيانات أن المؤسسات التي تضع هذا الهدف في صميم عملياتها تمتلك فرصاً أكبر بمعدل 2.4 مرة في تحديد اتجاه واضح، وهي أكثر قدرة بمعدل 4.1 مرات على تحقيق حالة تنظيمية صحية، مقارنةً بالمؤسسات التي لا تعتمد على مثل هذا النهج. كما يُعزز البحث الأكاديمي هذه النظرية؛ إذ يُظهر أن المؤسسات التي يشعر الموظفون فيها بوجود هدف واضح واتجاه مُحدد، تسجل عائدات أعلى لأسهمها بنسبة 7.6% مُعدلة بحسب المخاطر على مدار الوقت.
تزداد أهمية التركيز على الأهداف المعنوية في العمل، خاصة مع ملاحظة تزايد اهتمام العمال الأصغر سناً بهذا الجانب. ويضع كثير من الشباب العمل الملهم الذي يحقق تأثيراً إيجابياً فوق المكافآت المادية عند الاختيار بين الفرص الوظيفية أو البقاء في وظائفهم.
2. انتهى عصر القيادة المتسلطة
القيادة المتسلطة، التي تعتمد على استخدام السلطة والضغط لإنجاز المهام، هي أسلوب معروف ومستخدم على نطاق واسع في العديد من المؤسسات على مدار عقود. لقد كانت هذه الطريقة من القيادة عنصراً ثابتاً في استطلاعاتنا منذ البداية، وقد توقعنا أن تظل هذه القيادة مؤثرة وفعالة في توجيه الفِرق والمشاريع داخل المؤسسات.
من أهم التغييرات التي طرأت مؤخراً على نموذج مؤشر الصحة التنظيمية هو اكتشافنا أن القيادة المتسلطة لا تعزز صحة المؤسسات كما كنا نظن سابقاً. لهذا السبب، قررنا عدم تضمين هذه الطريقة في النموذج الحالي للمؤشر. وبدلاً من ذلك، توجهنا نحو تبنّي استراتيجيات قيادية تعتمد على تمكين الموظفين واتخاذ قرارات حاسمة، وهي من الممارسات التي تُظهر فعالية أكبر في تحقيق أهداف المؤسسة وتحسين بيئة العمل.
- القيادة التمكينية: تؤدي دوراً حيوياً في تعزيز صحة المؤسسات وفعاليتها. يعمل هذا النمط من القيادة على تمكين الموظفين، خاصة أولئك الذين يتعاملون مباشرة مع التحديات اليومية، من اتخاذ قراراتهم بأنفسهم. تُظهر الأبحاث أن المؤسسات التي تُطبق القيادة التمكينية تكون أكثر قدرة بنسبة 2.3 مرة على تحفيز موظفيها لتوجيه سلوكياتهم بطريقة تدعم أهداف المؤسسة، وتتمتع بصحة تنظيمية أفضل بمعدل 3.4 مرات مقارنةً بالمؤسسات التي لا تتبنى هذا الأسلوب.
- القيادة الحاسمة: تشكّل ركيزة أساسية لنجاح المؤسسات وصحتها. يتطلب هذا النوع من القيادة من القادة اتخاذ قراراتهم بسرعة وضمان تنفيذها بكفاءة. وتشير الدراسات إلى أن المؤسسات التي تُفضل اعتماد القيادة الحاسمة تمتلك فرصة أكبر بمعدل 2.5 مرة لتحفيز الأفراد على العمل بطريقة تتماشى مع أهداف المؤسسة، وتكون أكثر قدرة بمعدل 4.2 مرات على أن تكون بيئة عمل صحية ومثمرة.
من المهم التوضيح أن القيادة الحاسمة تختلف اختلافاً جذرياً عن القيادة الاستبدادية. ووفقاً للبيانات، فإن هذين النمطين من القيادة يعكسان مقاربة متباينة؛ فالقيادة الحاسمة تتطلب من القادة اتخاذ قرارات بسرعة والسعي لتنفيذها بدقة، في المقابل تعتمد القيادة المتسلطة على الاستخدام المطلق للسلطة والضغط لإدارة الفريق. إن تبني القادة لصفات قيادية متنوعة لا يعود بفوائد إضافية يمكن رؤيتها إذا كانوا يميلون إلى الأسلوب الاستبدادي.
أهمية الموضوع: لم تعد القيادة المتسلطة وسيلة فعالة لتحقيق الأهداف.
على مدى عقود من الزمان، كان الاعتقاد السائد يدعم فكرة أن القيادة المتسلطة ضرورية في بعض المواقف داخل المؤسسات. كان الاعتقاد أن هذه القيادة التي تعتمد على إعطاء تعليمات صارمة وفرض الضغط من الأعلى، تسهم في دفع العمليات وتحقيق الأهداف. وقد أشارت دراسات سابقة إلى أن غياب هذا النمط من القيادة يمكن أن يؤثر سلباً على كفاءة المؤسسة. وكانت النقطة الأساسية تتمحور حول الحاجة إلى قيادة فعّالة تحفّز الموظفين وتحافظ على النظام والانضباط في الوقت نفسه.
في الماضي، كان الاعتقاد أن القائد الناجح هو من يُملي أوامره على الآخرين ويقول لهم: "افعلوا ذلك لأنني قلت ذلك". لكن البيانات الحديثة تؤكد أن هذا النهج لم يعد فعالاً في ضوء التغيرات الكبيرة التي يشهدها عالم الأعمال اليوم. ففي هذا العصر المتسارع والمليء بالتحديات، يتعين على القادة الجمع بين القدرة على اتخاذ القرارات الصعبة ودعم فِرقهم وتشجيعها على المشاركة والتعاون. لم يعد الضغط على الموظفين أو مراقبتهم من كثب لتحقيق أداء أفضل هو الطريقة المثلى، إذ أثبتت التجارب أن هذا الأسلوب لا يعزز صحة المؤسسة على المدى الطويل. بل على العكس، أصبح من الضروري أن يعتمد القادة على أساليب قيادة تحترم الآراء وتمكّن الفِرق من العمل بفعالية، ما ينعكس إيجاباً على المؤسسة كلها.
3. استند إلى الحقائق والبيانات عند التعامل مع مواقف غير مألوفة، وليس على الحدس
في البداية، توقعنا أن تكون فعالية اتخاذ القرارات وكفاءتها المحرك الرئيسي الجديد لتعزيز التنسيق والتحكم داخل المؤسسات. ومع ذلك، اتضح أن التميز في اتخاذ القرارات ليس مجرد ممارسة واحدة، بل هو مجموعة من الممارسات التي تتكامل معاً لتعزيز صحة المؤسسة عموماً. وتشمل هذه الممارسات الجديدة القيادة التمكينية والقيادة الحاسمة، بالإضافة إلى اتخاذ القرارات بناءً على البيانات الموثوقة.
يشير مفهوم "اتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات" إلى الاعتماد على معلومات دقيقة وموثوقة عند اتخاذ القرارات التجارية بدلاً من الاعتماد على الحدس أو التجارب الشخصية. كنا نتوقع في البداية أن يؤدي هذا النهج إلى تحسين التنسيق والتحكم داخل المؤسسة، لكننا اكتشفنا أن تأثيره الأكبر يظهر في تعزيز الابتكار والتعلم. بعبارة أخرى، بدلاً من أن يكون الهدف الرئيسي لهذا الأسلوب هو تحسين الإدارة الداخلية، اتضح أنه يؤدي دوراً حاسماً في تحفيز الأفكار الجديدة والتطوير المستمر.
وهذا يعني أن الابتكار يتعلق بفهم الإمكانيات الجديدة، أما البيانات فتعتمد على التنبؤ بالمستقبل. ومع تسارع عالم الأعمال وزيادة كمية المعرفة المستندة إلى البيانات، لم يعد بإمكان حتى القادة الأكثر خبرة الاعتماد على حدسهم وحده في الابتكار، لأنهم قد لا يتمتعون بالقدرة على تمييز ما هو جديد حقاً. ولكن من خلال الاستناد إلى بيانات دقيقة وحقائق موثوقة، يمكن للقادة إنشاء حلقة ملاحظات فعالة تسهم في تطوير الأفكار الجديدة وتقييمها بصورة صحيحة، ما يزيد من فرص نجاح الابتكارات وتطبيقها على نحو فعال.
أهمية الموضوع: تبنّي نهج غير متحيز في التعامل مع التغيير يعزز قدرة المؤسسات على الابتكار بطريقة أفضل.
إن قادة المؤسسات هم أشخاص ناجحون، وغالباً ما يعتقدون أن حدسهم قد ساعدهم على الوصول إلى مناصبهم القيادية. ومع ذلك، عند مواجهة مواقف جديدة وغير مألوفة، يمكن أن يؤدي الاعتماد على الحدس إلى تمسك القادة بالوضع الراهن أو حتى العودة إلى الأساليب القديمة. لذلك، من الضروري قبل اتخاذ أي قرار في مثل هذه الظروف أن يعمل القادة على تحديد البيانات اللازمة وجمعها أولاً. بهذه الطريقة، يمكنهم اتخاذ قرارات مستنيرة بناءً على الحقائق، ما يساعدهم على التكيف مع التغيرات بدلاً من الانجراف إلى الماضي أو الركون إلى المألوف.
في ظل توافر كميات ضخمة من البيانات، قد يميل القادة إلى انتقاء البيانات التي تدعم الرؤية التي يرغبون في إيصالها فقط. هذه الممارسة، المعروفة بانتقاء البيانات، قد تجعل القرار يبدو أنه يعتمد على حقائق وأرقام، ولكنه في الواقع يعتمد فقط على البيانات التي تعزز وجهة نظر محددة، متجاهلاً البيانات الأخرى التي قد تكون ذات أهمية كبيرة. عندما يحدث ذلك، فإن ما يبدو أنه قرار مستند إلى البيانات قد يكون بعيداً عن الحقيقة، لأنه لا يعتمد على تحليل شامل ومتوازن للمعطيات المتاحة. لهذا السبب، من الضروري أن يتوخى القادة الحذر ويحرصوا على استخدام البيانات بطريقة متكاملة وغير متحيزة لضمان اتخاذ قرارات أكثر دقة وموضوعية.
وبدلاً من استخدام البيانات لتأكيد أفكار موجودة سابقاً، يمكن للقادة أن يتفقوا منذ البداية على المقاييس والمعايير الصحيحة التي يجب استخدامها. يضمن هذا الاتفاق أن تساعد البيانات في كشف الجوانب التي لم تكن واضحة من قبل ومعالجتها بصورة فعالة. فمن الضروري أن يكون هناك توافق ووضوح وشفافية قبل استخدام البيانات في اتخاذ القرارات. فعندما يجري الاتفاق على هذه الأسس، تصبح البيانات أداة قوية لتوجيه القرارات نحو الابتكار والتطوير، بدلاً من دعم أفكار سابقة فقط.
تتميز المؤسسات الناجحة بقدرتها على الابتكار بسرعة من خلال تجربة أفكار جديدة أو تنفيذ برامج تجريبية، ثم الاستفادة من البيانات لمعرفة مدى فعالية ما تفعله. وتساعدها هذه البيانات في تقييم إذا ما كانت الأفكار تعمل كما هو مخطط لها، ما يمكّنها من التحسين والتطوير على نحو أسرع وأفضل. وبهذا الأسلوب، تتمكن هذه المؤسسات من تعزيز قدرتها على الابتكار والبقاء متقدمة في بيئة العمل المتغيرة.
تشهد المؤسسات الحديثة تحولاً ملحوظاً في كيفية عملها، إذ تزايد اعتمادها على البيانات في توجيه عمليات الابتكار والتعلم على مر الوقت، بدلاً من الاعتماد فقط على الخبرة والحدس.
4. كيف تساعد الموظفين على تقديم أفضل ما لديهم كل يوم
في آخر تحديثاتنا، طرحنا سؤالاً عما إذا كان ينبغي لمؤشر الصحة التنظيمية أن يشمل جانباً ثالثاً لتقييم صحة المؤسسة، بالإضافة إلى النتائج والممارسات، وهو جانب تجربة الموظفين. نعتقد أن قياس كيفية شعور الموظفين حيال رفاهيتهم وإنتاجيتهم قد يكون مؤشراً قيّماً يعكس التوجهات الجديدة داخل المؤسسات التي تتخطى مقاييس الرضا والمشاركة التقليدية. ومع ذلك، في الوقت نفسه، نرى أن هذا القياس قد لا يوفر قيمة مضافة كبيرة في تقييم صحة المؤسسة مقارنة بالممارسات الإدارية الحالية.
كان هناك شك في أن إضافة جانب "تجربة الموظفين" إلى مؤشر الصحة التنظيمية قد لا يوفر قيمة إضافية كبيرة مقارنة بالممارسات الإدارية الحالية. ومع ذلك، أوضحت البيانات أن هذا العنصر الجديد يسهم بفعالية في تعزيز صحة المؤسسة، خاصة من خلال الجوانب المرتبطة بالتطور الوظيفي للموظفين التي تبدو أهميتها أكثر من مجرد الممارسات المتعلقة بالمواهب. لذلك، تم إدراج قسم جديد في المؤشر يركز على تجربة الموظفين، ليعبّر عن شعورهم بالرفاهية والالتزام وتطورهم المهني في العمل.
أهمية الموضوع: المؤسسات التي تبني بيئات عمل تدعم نمو الموظفين وتمكنهم من الازدهار هي الأكثر نجاحاً في الحفاظ على موظفيها وجذب المواهب الجديدة.
سوف يتغير دور الأفراد على نحو ملحوظ مع تقدّم استخدام الأتمتة والذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي التوليدي، في المؤسسات، حيث تتولى هذه التقنيات المهام الروتينية، ما يسمح للأشخاص بالتركيز على الأعمال التي تتطلب مهارات معرفية واجتماعية وعاطفية متقدمة مثل اتخاذ القرارات والإبداع والتعاون. هذا التحول يعني أن النجاح في العمل لم يعد يعتمد فقط على تجنب الإرهاق، بل يتطلب من الموظفين تطوير قدراتهم ليس فقط للتأقلم ولكن للتميز والازدهار في بيئة العمل الجديدة.
في ظل التحولات العميقة في بيئة العمل، تعيد المؤسسات التفكير في كيفية تفاعلها مع الموظفين. فلم يعد من المقبول اعتبار الموظفين مجرد أدوات لتحقيق الأهداف؛ بل أصبحت الحاجة ماسّة إلى نهج جديد معروف بنموذج "الفنانين والرياضيين". يشجع هذا النموذج الموظفين على الإنتاج بأعلى مستوياتهم، من خلال توفير بيئة تحفيزية تمكّنهم من استغلال كامل قدراتهم الإبداعية والتعاونية. لم يكن هذا الأسلوب جزءاً من معايير تقييم صحة المؤسسات في السابق، لكنه يكتسب أهمية متزايدة اليوم للحفاظ على المواهب المتميزة وجذبها.
لكي يؤدي الموظفون عملهم بكفاءة، يتطلب الأمر أكثر من مجرد الوفاء بالمتطلبات الوظيفية؛ إذ يحتاج كل موظف إلى بيئة تلبي احتياجاته الخاصة. ولا تقتصر تجربة الموظف في المؤسسة فقط على مدى انخراطه بالعمل، بل تشمل أيضاً التفاصيل الدقيقة لعلاقته بعمله. وتتألف هذه التجربة من عدة عناصر رئيسية: المشاعر التي يكنّها الموظف نحو عمله، وفرص النمو المتاحة له داخل المؤسسة، ورفاهيته الشخصية التي تشمل مستويات الطاقة ومخاطر الإرهاق، وأخيراً الهدف الذي يراه في عمله. فمن الضروري للمؤسسات أن تعي هذه العناصر وتقدّرها لتوفر بيئة عمل تناسب احتياجات كل موظف، وضمان استمرار رضاه وإنتاجيته.
يجب على المؤسسات أن تنظر إلى مرونة ساعات العمل باعتبارها جزءاً أساسياً من سياساتها الرامية إلى تعزيز الإنتاجية والإبداع. على سبيل المثال، إذا أبدى موظف رغبته في بدء العمل في الساعة الرابعة صباحاً لأنه يجد نفسه أكثر إبداعاً خلال هذه الساعات، فيتعين على المؤسسة أن تأخذ هذا الطلب على محمل الجد. إن توفير مثل هذه المرونة لا يسهم في سعادة الموظف فقط، بل يعزز جودة عمله أيضاً.
في الماضي، كانت المؤسسات تسأل الموظفين عن علاقاتهم بالمشرفين ومدى حصولهم على التقدير لأعمالهم واعتبار هذا مؤشراً على مستوى انخراطهم. ولكن، تكشف الدراسات الحديثة عن وجود أبعاد أهم يجب الاهتمام بها. وتشمل الأسئلة التي تعكس بصورة أفضل حالة الموظف ما يلي: هل يشعر بالأمان النفسي في عمله؟ هل لديه فرص للنمو المهني؟ هل يجد معنى وهدفاً في عمله؟
في عالم اليوم، لم يعد الأشخاص يبحثون عن فرص للتقدم الوظيفي التقليدي فحسب؛ بل إنهم يطمحون إلى تشكيل مسارات مهنية تتلاءم مع رغباتهم واحتياجاتهم الشخصية. ومثلما يمكنهم تخصيص تجربة التسوق الخاصة بهم لتناسب تفضيلاتهم، فإنهم يتوقعون المستوى نفسه من التخصيص في مكان العمل. وتشكّل هذه الرؤية تحولاً مهماً في بيئة العمل الحديثة.
لقد تبيّن أن بعض جوانب تجربة الموظف، مثل الشعور بالأمان النفسي، وفرص التطور المهني، ووجود هدف ملموس في العمل، لها تأثير كبير على الصحة العامة للمؤسسة. وهذه العوامل لا تعود بالنفع فقط على الموظفين بل تعزز أيضاً أداء المؤسسة بالكامل. حتى القادة الذين يركزون بشدة على الأرقام يجدر بهم الاهتمام بخلق بيئة عمل تسمح للموظفين بالوصول إلى إمكانياتهم الكاملة. وكلما حقق الموظفون أقصى استفادة من مهاراتهم، أسهم ذلك في تحسين النتائج المالية للمؤسسة.
5. لا تستثمر في التكنولوجيا إلا عند وجود مبررات تجارية قوية
كنا نتوقع إضافة قدرات التكنولوجيا والرقمنة بوصفها ممارسة جديدة لتعزيز الكفاءات داخل المؤسسات، مع التأكيد خصوصاً على دور التكنولوجيا في تسهيل العمليات للموظفين. وقد جرى دعم هذه التوقعات جزئياً فقط؛ فقد تمت إضافة ممارسة "تمكين التكنولوجيا"، لكن بتركيز يختلف عما توقعناه. فبدلاً من التركيز على جعل العمل أسهل للموظفين، كان التركيز أكثر على كيفية استخدام التكنولوجيا لتحسين الأداء التجاري.
وتظهر البيانات أن الاستثمارات في التكنولوجيا يجب أن ترتبط بتعزيز الأداء التجاري وليس فقط بزيادة رضا الموظفين. وعلى الرغم من أهمية تحسين تجربة الموظفين، فإن الأولوية يجب أن تكون لكيفية مساهمة التكنولوجيا في تحقيق الأهداف المالية وتعزيز الكفاءة التشغيلية. قد لا يكون الاعتماد على التكنولوجيا لجعل العمل أسهل عاملاً مؤثراً بشدة على صحة المؤسسة ككل. بالتالي، يجب أن تكون قرارات الاستثمار التكنولوجي موجهة نحو دفع الأداء وتحسين النتائج المالية للمؤسسة.
أهمية الموضوع: يمثّل الاستثمار في التكنولوجيا واستخداماتها هدراً للموارد ما لم تعزز الأداء التجاري للمؤسسة مباشرة.
تستثمر مؤسسات كثيرة في التكنولوجيا لتعزيز تجربة العملاء أو الموظفين، معتقدة أن تحسين هذه التجارب سيزيد من ولائهم. ولكن الدراسات الحديثة تشير إلى أن هذه الاستثمارات يجب أن تستند إلى أساس تجاري متين؛ ومن دونه، فإن الاستثمار لا قيمة له. ومن الضروري أن يعمل القادة على تحديد أولويات الاستثمارات التكنولوجية بعناية، بحيث ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتعزيز استراتيجية أعمال المؤسسة وأدائها التجاري. وينبغي أن يركز الاستثمار في التكنولوجيا على تطوير القدرات والبنى التحتية التي تدعم مباشرة الأهداف التجارية الأساسية.
تساعد بعض التقنيات الموظفين على أداء وظائفهم على نحو أفضل وتسهم أيضاً في تحسين الأداء المالي للمؤسسة. ومع ذلك، لا تحقق كل تقنية هذا التأثير. ما تظهره أبحاثنا هو أن القادة يجب أن يحددوا بدقة التقنيات التي تقدم فعلاً قيمة تجارية ملموسة والتقنيات التي لا تحققها. فمن الضروري أن ترتبط استثمارات التكنولوجيا بمبرر تجاري قوي أو بتحسين ملموس في الأداء، سواء كان ذلك من الناحية المالية أو العملية. ولا يكفي أن تكون التكنولوجيا مرغوبة لدى الموظفين؛ يجب أن تقدم نتائج ملموسة تتجاوز مجرد رضا الموظفين وتسهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة.
قد يبدو الأمر مفاجئاً، فلماذا لا تقوم المؤسسة بشيء يجعل الموظفين سعداء؟ ولكن ما تظهره الأبحاث هو أنه إذا كانت سعادة الموظفين هي الدافع الوحيد لتقديم أداة تكنولوجية معينة، فقد ينتهي الأمر بإهدار الكثير من الأموال دون تحقيق فوائد ملموسة. بدلاً من ذلك، يجب أن يكون هناك فهم واضح لكيفية مساهمة هذه التكنولوجيا في خلق قيمة وتحقيق مكاسب من حيث الكفاءة. يمكن أن تؤدي هذه التحسينات إلى زيادة الإنتاجية، وبدورها تسهم في تعزيز سعادة الموظفين. بذلك، تكون سعادة الموظفين نتيجة طبيعية لتحسين الأداء وليس الهدف الوحيد من استخدام التكنولوجيا.
6. تحمل المسؤولية
لقد توقعنا أن يكون عنصر الاستدامة ممارسة جديدة من شأنها أن تقود جهود المؤسسات لتحسين أدائها. وبالفعل كنا على حق وتبين أن الاستدامة مُهمة لصحة المؤسسة. ولكن الأبحاث أظهرت أن الموظفين يريدون شيئاً أشمل من مجرد الاستدامة، فهم يتوقعون من المؤسسات أن تتحمل مسؤوليات اجتماعية أوسع، مثل دعم العدالة الاجتماعية، وتعزيز المساواة، والمساهمة الإيجابية في المجتمع.
يرغب الموظفون في أن يشعروا بأن مؤسستهم تسهم بصورة إيجابية في جعل العالم مكاناً أفضل من خلال التصرف بمسؤولية. وتشير الأبحاث إلى أن المؤسسات التي تركز على المسؤولية الاجتماعية تكون أكثر قدرة على الاستجابة للتحديات التنافسية، إذ تزيد احتمالية قدرتها على المنافسة بفعالية بمقدار 1.9 مرة، كما تتمتع بولاء أعلى من العملاء. ومع ذلك، فإن هذه المؤسسات تكون أيضاً أكثر احتمالية بمقدار 3.3 مرات للتمتع بصحة تنظيمية جيدة.
تمكّن هذه الممارسة، بالتوازي مع العلاقات الحكومية والصناعية، المؤسسة من بناء فهم أعمق وأشمل لكيفية تفاعلها مع الحكومة والمجتمع. لم يعد من الممكن النظر إلى هذه المسائل فقط من زاوية الامتثال للقوانين، بل يجب أن النظر إلى المسؤولية الاجتماعية والاستدامة على أنهما من الأولويات الاستراتيجية والتشغيلية. على سبيل المثال، تعتبر ديكاثلون، إحدى أكبر شركات بيع السلع الرياضية في العالم، أن المسؤولية الاجتماعية جزء لا يتجزأ من عملياتها، وتوليها الأهمية نفسها التي توليها للأداء المالي.
أهمية الموضوع: يبحث الموظفون عن المؤسسات التي لديها موقف ثابت بشأن المسؤولية الاجتماعية.
لقد أظهر مؤشر إيدلمان للثقة انخفاضاً في مستوى الثقة بالمؤسسات التي تقع مقارها في الدول الكبرى على مدى العقد الماضي. ومع ذلك، لا يزال الأشخاص يعتبرون هذه الشركات جزءاً أساسياً من المجتمع، ويثقون بها أكثر من الحكومات ووسائل الإعلام في دورها بدمج الابتكار وتحقيق التقدم. وهذا يعني أنه على الرغم من تراجع عنصر الثقة، تبقى هذه الشركات محورية في نظر الجمهور فيما يتعلق بدورها في التطوير المجتمعي.
يبدي الموظفون من جميع الأعمار حالياً اهتماماً متزايداً بكيفية تأثير المؤسسات على العالم من حولهم، ما يدل على أن المسؤولية الاجتماعية سوف تصبح عنصراً أساسياً في تحديد صحة المؤسسات واستدامتها.
كيف يمكن للقادة التفكير حيال بناء مؤسسة تتمتع بالصحة التنظيمية؟
أولاً، من الضروري تجنب الأخطاء الشائعة في القيادة، فالقادة الذين يرفضون التكيف مع أساليب القيادة الحديثة يعرّضون مؤسساتهم للخطر. كذلك القادة الذين لا يشاركون موظفيهم في تحقيق هدف مشترك ولا يعملون على تمكينهم، أو الذين ينظرون إلى المسؤولية الاجتماعية من منظور ضيق، يواجهون المخاطر نفسها. لذا، يجب على القادة أن يكونوا مرنين وقادرين على التكيف مع التغيرات الجديدة وتوسيع مفهوم المسؤولية الاجتماعية لضمان نجاح المؤسسة واستمراريتها.
ولتحقيق هذه التحولات الجذرية وغيرها، يجب على المؤسسات إعادة تقييم نقاط قوتها وفهم كيفية ارتباطها بأهدافها المستقبلية. وبمجرد الاستعانة بهذا الأساس الجديد، يصبح بإمكان القادة توجيه التغييرات الضرورية في التفكير والسلوك لدعم هذه التحولات.
ومن الممكن أن تبدأ رحلة التغيير بتدريب القادة في جميع مستويات المؤسسة على كيفية التعامل مع هذه التحولات والتأكد من أنها تتماشى مع أولويات المؤسسة. قد يبدو التغيير مخيفاً لبعض الأشخاص أو مشوقاً للآخرين، وهنا يأتي دور القادة لتحديد المسار الذي يمكن للمؤسسة من خلاله مواجهة المستقبل بطريقة إيجابية. يمكن للمؤسسة أن تتبنى التغيير وتحقق النجاح في مسيرتها المستقبلية بفضل مواهب القادة وقدرتهم على توجيه الفريق وتوضيح رؤية التغيير.