ملخص: يعاني العديد من الناجحين قلقاً يدفعهم إلى العمل ساعات إضافية بغية تحقيق معايير أداء غير واقعية، وقد يكون هذا السلوك جزءاً من عادات المرء التي نشأت لديه بسبب الأفكار التي تلقاها خلال مرحلة ما من حياته، في مرحلة الطفولة أو المراهقة أو خلال المراحل التعليمية أو في بداية مسيرته المهنية، حيث ترسخت في ذهنه فكرة مفادها أن ارتكاب الأخطاء يفقده قيمته، فينتقد نفسه بقسوة ويشعر بالخزي بسبب أي تقصير في الحياة المهنية أو الشخصية ويصبح القلق دافعه الأساسي للتقدم، والمشكلة هي أن القلق ليس حافزاً مستداماً وأن السعي إلى الكمال غالباً ما يؤدي إلى التسويف، فكيف يمكن إذاً التغلب على نقد الذات والقلق الذي يرافقه؟
- أولاً، انتبه إلى المواقف التي تنتقد فيها نفسك، وفكر: هل أنا الذي أنتقد نفسي أم أن هذا كلام شخص ما من الماضي؟ في بعض الأحيان يرجع انتقاد الذات إلى تجارب مؤثرة في حياتك أو إلى أشخاص التقيتهم منذ مدة طويلة.
- ثانياً، تعاطف مع نفسك وعاملها بلطف، لا تقاوم قلقك أو تعتمد عليه ليحفزك، ويعني ذلك عملياً أن تتفهم عيوبك وتتقبلها.
- ثالثاً، هنّئ نفسك على أصغر الإنجازات. اجلس وضع يديك على صدرك واستشعر الشهيق والزفير وفكر في عمل نجحت فيه مؤخراً، ضع يديك على صدرك وفكر في تلك اللحظة وقل لنفسك: "لقد أبليت بلاء حسناً"، حاول أن تشعر بذلك حقاً.
قبل بضع سنوات، كنت في جلسة علاج نفسي، وتحدثت عن قلقي من أن يفشل العرض التقديمي الذي كنت أعتزم إلقاءه في العمل، التفتت إلي معالجتي النفسية وقالت: "لماذا يجب أن تتميزي في كل شيء؟ من أملى عليكِ ذلك؟"، نظرت إليها وقلت: "لقد كنت دائماً مميزة، منذ أن كنت في الثالثة من عمري". فأجابت: "مَن كان يقول ذلك؟".
إنه سؤال فكرت فيه عدة مرات منذ ذلك الحين، ويخطر في بالي كلما انتقدت نفسي، أنا ناجحة في عملي وطموحة وأركز جداً على مسيرتي المهنية، لكنني أعاني القلق بسبب ذلك أيضاً ويدفعني قلقي إلى المبالغة في أدائي فلا يهدأ لي بال حتى أحقق هدفي التالي ودون أي عيوب. لقد دفعني خوفي من الفشل إلى إنجاز الكثير، لكن القلق الكامن وراء هذا الخوف يؤثر سلباً في صحتي النفسية وعلاقاتي وقدرتي على الاستمتاع بالحياة.
من قال إنّ عليّ أن أكون مميزة جداً؟ من قال إنّ أدائي يجب أن يكون رائعاً على الدوام؟ إذا كنت أنت أيضاً تسعى إلى الكمال مدفوعاً بالقلق، فإن هذين السؤالين قد يكشفان لك الكثير حول سلوكك وطريقة تفكيرك.
يعاني العديد من الناجحين قلقاً يدفعهم إلى العمل ساعات إضافية بغية تحقيق معايير أداء غير واقعية، وقد يكون هذا السلوك جزءاً من عادات المرء التي نشأت لديه بسبب الأفكار التي تلقاها خلال مرحلة ما من حياته، في مرحلة الطفولة أو المراهقة أو خلال المراحل التعليمية أو في بداية مسيرته المهنية، حيث ترسخت في ذهنه فكرة مفادها أن ارتكاب الأخطاء يفقده قيمته، فينتقد نفسه بقسوة ويشعر بالخزي بسبب أي تقصير في الحياة المهنية أو الشخصية ويصبح القلق دافعه الأساسي للتقدم،
والمشكلة هي أن القلق ليس حافزاً مستداماً وأن السعي إلى الكمال غالباً ما يؤدي إلى التسويف، فعندما تبدو مخاطر الفشل كبيرة جداً، غالباً ما يتجنب المرء المهمة، وحين ينفّذها يعود لمراجعة أدائه ولكنه لا يرى إلا العيوب والجوانب السلبية ويقيس قيمته من خلال المعايير التي فرضها على نفسه، ويستمر الأمر على هذا النحو حتى يجد نفسه مصاباً بالاحتراق الوظيفي.
كيف يمكن التغلب على هذه الحالة؟
ما هو سبب انتقاد الذات؟
أجريت مقابلة مع مدير شؤون صحة الموظفين وأدائهم في شركة جوجل، نيوتن تشينغ في إحدى حلقات مدونتي الصوتية، ومن خلال هذا الحديث فهمنا أكثر عن حالة النجاح المدفوع بالقلق، فكما هي حالي (وربما حالك أيضاً)، يمثل السعي إلى تحقيق إنجازات عظيمة وسيلة للتغلب على القلق بالنسبة إلى نيوتن، وكما هي حال الكثيرين منا أيضاً، يعاني نيوتن مشكلة انتقاد الذات.
عندما يسعى المرء إلى الكمال فإنه ينتقد ذاته لأنه يتوقع تحقيق الأفضل دائماً ويتساءل: "كيف لأدائي ألا يكون مثالياً"؟ ويكرر نيوتن على نفسه فكرة أنه كسول على الرغم من أنه على عكس ذلك بكل تأكيد، فهو ناجح في عمله ويعمل مسؤولاً تنفيذياً في واحدة من أكثر الشركات إثارة للإعجاب على مستوى العالم، وهو أيضاً بطل عالمي في رفع الأثقال ويحمل أرقاماً قياسية على المستويين العالمي والوطني وعلى مستوى الولاية بالنسبة لسنه وفئة وزنه.
وبعد أن استكشف نفسه وخضع إلى علاج نفسي صار نيوتن ينتبه أكثر إلى أسلوب تفكيره وأدرك متى ينتقد نفسه نقداً هداماً مدفوعاً بالقلق لا نقداً بنّاءً مدفوعاً برغبته في تحقيق أفضل أداء ممكن، وهذه هي الخطوة الأولى للسيطرة على انتقاد الذات.
كيف تعرف أنك توجه لنفسك نقداً هداماً؟ يتجلى ذلك في أفكار من قبيل: "إذا عملتُ بجد فلن أفشل، لذا عليّ العمل بجد أكبر" أو "أنا كسول، ويجب أن أحسّن أدائي، فالآخرين يعتمدون علي"، وهي الفكرة التي كانت تسيطر على ذهن نيوتن. أو ربما تظن أن تقديم أفضل ما في وسعك ليس كافياً.
انتبه إلى الأفكار التي تترافق مع انتقاد الذات، وعندما تشعر بأن هذه الأفكار تحبط عزيمتك فمن المهم أن تتمهل وتدرك أنها لا تعبّر عنك ولا عن حقيقتك، بل عن قلقك. وذلك ليس سهلاً، فمعظم الناجحين المدفوعين بالقلق اعتادوا الاستسلام إلى انتقاد الذات ولا يعرفون طريقة أخرى لتحفيز أنفسهم، لكن بإمكانهم تعلّم إدارة هذه الأفكار من خلال التدرب وممارسة الوعي الذاتي.
وفيما يلي 3 خطوات تساعد في السيطرة على انتقاد الذات:
1) انتبه إلى المواقف التي تنتقد فيها نفسك
عندما تبدأ انتقاد نفسك فكر فيما يلي:
- حدد مصدر الانتقاد: هل أنت من تنتقد نفسك أم أن هذا كلام شخص ما من الماضي؟ في بعض الأحيان يرجع انتقاد الذات إلى تجارب مؤثرة في حياتك أو إلى أشخاص التقيتهم منذ مدة طويلة.
- ما هي الأفكار التي تدور في ذهنك عندما تنتقد نفسك؟ حدد الأفكار التي تتكرر باستمرار في هذه الحالة، هل تنتقد نفسك بقسوة عندما ترتكب خطأ ما فقط، أم باستمرار؟ من خلال الانتباه إلى هذه الإشارات ستحدد المواقف التي تنتقد فيها نفسك.
- ما هي المشاعر التي تنتابك قبل أن يسيطر عليك انتقاد الذات مباشرة؟ على سبيل المثال قد تلاحظ أنك شعرت بالقلق قبل أن تبدأ بانتقاد نفسك وتقرر السهر طوال الليل لتحضير عرض تقديمي. ما الذي يثير قلقك؟ ما الذي يمكن أن يساعدك على تخفيفه في تلك اللحظة؟
- هل يفيدك الاستسلام إلى انتقاد الذات؟ على سبيل المثال، هل يدفعك انتقادك لذاتك إلى إرضاء الآخرين؟ هل ضغطت على نفسك سابقاً حتى تساعد شخصاً لم يكن بحاجة إلى مساعدتك؟ ربما تكون إحدى الأفكار التي تفكر فيها عندما تنتقد ذاتك أن عليك إسعاد الجميع وإن كان على حساب راحتك، لذا تذكّر ذلك عندما تسارع إلى تنظيف طاولة الاجتماعات بعد اجتماع الغداء، واطرد هذه الفكرة من رأسك.
2) مارس التعاطف الذاتي
بعد أن تحدد الانتقادات المتكررة التي توجهها إلى نفسك يمكنك العمل على معالجتها، وثمة طريقة سهلة للبدء بذلك، وهي أن تعتبر الانتقادات صادرة عن شخص آخر وتستخدم ضمير المخاطَب وهنا يأتي دور ممارسة التعاطف الذاتي، وهي مهارة رائعة يجب تعلمها.
يعني التعاطف الذاتي أن تعامل نفسك بلطف، بدلاً من أن تقاوم قلقك أو تعتمد على نقد الذات لتحفيز نفسك، ويتضمن ذلك عملياً أن تتفهم عيوبك وتتقبلها. أخاطب نفسي في هذا الأسلوب بـ "عزيزتي" لأن معالجتي النفسية نصحتني بذلك، لذا عندما ألاحظ أن قلقي يثير خوفي ويدفعني إلى طلب الكمال أقول بصوت مرتفع: "عزيزتي، إذا قررتِ عدم كتابة هذا المنشور على المدونة، فهذا لا يعني أنكِ كسولة، بل يعني أنكِ تتصرفين بطريقة مدروسة، فوقتكِ ثمين ويجب ألا تضيعيه على عمل دون مقابل عندما يكون لديكِ عمل أهم تتقاضين عليه أجراً".
لقد ساعدني هذا الأسلوب، ويمكنك أن تطلق على نفسك اللقب الذي يناسبك عند اتباعه.
3) كافئ نفسك
إليك تمريناً منقولاً عن المختصة في التعاطف الذاتي الدكتورة كريستين نيف، التي تقول: "لا تحكم على نفسك بل كن لطيفاً معها"، والتمرين كما يلي:
- اجلس وضع يديك على صدرك واستشعر الشهيق والزفير
- ركز على إحساسك وأنت تضع يديك على صدرك وابقَ ساكناً للحظة.
- فكر في عمل نجحت فيه مؤخراً، مثال ذلك أنك أبدعت في أداء مهمة ما في العمل، أو تمكنت من ممارسة الرياضة في يوم حافل، أو أرسلت رسالة نصية إلى صديق، أو أي شيء فعلته وجعلك تشعر بالرضا.
- ضع يديك على صدرك وفكر في تلك اللحظة وقل لنفسك: "لقد أبليت بلاء حسناً"، حاول أن تشعر بذلك حقاً.
- عند الانتهاء، لا تسارع بتوجيه نقد سلبي إلى نفسك أو العمل على المهمة التالية في قائمتك، بل خذ وقتاً كافياً للشعور بالتعاطف الذاتي.
عندما تخصص وقتاً لمكافأة نفسك على إنجازاتك الصغيرة فستتعلم أن تعامل نفسك بلطف أكبر وتتخلص من الانتقاد السلبي لها ومن العادات التي تؤدي إلى تدميرها.
يقول عالم النفس ديفيد بيرنز إن التخلي عن فكرة السعي إلى التميز الدائم يعني أنك إنسان، وإذا كنت من الناجحين الذين يحفزهم القلق، فأنت معني أكثر من غيرك بأن تواجه الأنا لديك وتقول: "ليس مطلوباً مني أن أكون مثالياً ولا أن أكون أفضل من الآخرين يحق لي أن أتعثّر ثم أنهض وأتابع مسيري، ولا مشكلة إذا كان أدائي دون المستوى أو لم أتمكن يوماً من تسليم مهمة ما في موعدها النهائي". تقول الطبيبة النفسية وزميلة بيرنز الدكتورة تايلور تشيسني "عندما تتخلى عن رغبتك في التميز، تصبح الحياة مميزة".
هل يمكنك أن تتخيل حياتك وأنت تحقق الأداء العالي نفسه الذي تحققه الآن، ولكن دون أن تعاني القلق والتوتر والخوف بسبب الاستسلام إلى نقد الذات؟ هل يمكنك أن تتخيل كيف ستكون حياتك إذا استطعت إدارة قلقك بدلاً من تسمح له بأن يتحكم فيك؟ ربما يمكنك أن توظف قلقك وتوجه الحافز الذي يولده بطريقة صحيحة، ليس عليك أن تتخلى عن هويتك بصفتك شخصاً ناجحاً يحفزه القلق، ولكن بوسعك أن تسيطر أكثر على مشاعرك وعلى استجابتك لها.
يمكنك إطلاق العنان لإبداعك وحافزك والاستمتاع بالعمل بطريقة مختلفة تماماً، إذا تجنبت النتائج السلبية لإلزام نفسك بمعايير يستحيل تحقيقها حرفياً. عندما تنتقد نفسك انتبه إلى العلامات التي ستساعدك على وضع حد لهذه الأفكار السلبية مستقبلاً، ابتكر طريقة لتعامل نفسك بلطف، واسأل نفسك السؤال الآتي: "لماذا يجب أن أكون مميزاً جداً؟".