ملخص: يحتاج القادة من مختلف الأعمار إلى التعلم بعضهم من بعض من أجل إطلاق العنان لكامل إمكاناتهم. وفيما يلي بعض النصائح لتعزيز تواصلك مع القادة الأكبر سناً الذين تحترمهم.
- أولاً، تحقق من افتراضاتك. في حال لم تستطع بناء علاقة جيدة مع أحد القادة فضع نفسك مكانه، هل من الممكن أنك أسأت تفسير وجهة نظره؟
- ثانياً، لا تُخف نقاط ضعفك. أفصح عمّا لا تعرفه، واطلب المساعدة في المجالات التي تنقصك الخبرة فيها.
- ثالثاً، اطلب ما تحتاج إليه. يحب القادة المخضرمون أن يتحدث القادة الأصغر سناً إليهم بطريقة صريحة ومباشرة.
قبل عدة سنوات، كنت أدرّس مقرراً تعليمياً حول القيادة لطلاب الدراسات العليا في مدينة سياتل، وبعد نحو أسبوع من انتهاء المقرر، طلب مني أحد طلابي أن أكون مرشده. كان من الواضح أن هذا الطلب صعب عليه، وطوال الفصل الدراسي لم يكن مهتماً بما أدرّسه ولا بالمادة التي أعطيها، وكان متعجرفاً وساخراً. افترضت حينها أنه لا يحب المقرر، أو لا يحبني.
ولكن ما لفت انتباهي في ذلك اليوم هو صدقه، إذ شرح لي أنه مر ببعض التجارب السيئة مع المرشدين في الماضي وأدرك أن الأشخاص الذين لجأ إليهم وأعجب بهم لم يكونوا مهتمين حقاً بمساعدته على النمو، وغالباً ما كانوا يساعدونه بهدف الحصول على شيء ما في المقابل، مثل أن يؤدي لهم بعض المهام دون أجر، أو لإرضاء غرورهم أو الشعور بأهميتهم. كان من الصعب عليه أن يثق في شخص يريد التعلم منه، لكنه تحلى بالشجاعة وطلب مني ذلك على أي حال.
أربكتني صراحته، لم يطلب مني أحد رسمياً أن أكون "مرشداً" له وشعرت بأنني غير جدير بذلك. وخشيت أن يشعر بخيبة الأمل مرة أخرى إذا علم بالعديد من عيوبي وانعدام الأمان لدي.
وافقت على مضض، وقررت أنه يمكنني ببساطة إخفاء تلك الجوانب في شخصيتي.
لم أستطع أن أكون صريحاً مثله إلا بعد مرور عدة أشهر، بعدما نمت بيننا ثقة متبادلة؛ تعبت من إخفاء مخاوفي من الفشل في أن أكون "المرشد المثالي" واعترفت له بها، ولكن اتضح لي فيما بعد أنه لم يكن يتوقع مني أن أكون مثالياً بل كان ينتظر مني أن أكون إنساناً طبيعياً ليرى كيف تعاملتُ مع عيوبي، وازدادت ثقته بي لأنني اعترفت بمخاوفي.
أروي هذه القصة لأنني أفهم مدى تعقيد العلاقات بين الأجيال المختلفة في البيئات الأكاديمية والمهنية. فنحن نقضي وقتاً طويلاً في مقارنة ما يقدمه كل منا للآخر وللمجتمع من حولنا، وفي الأوساط الأكاديمية يرغب الطلاب الشباب في أن يساعدهم أساتذتهم على فهم العالم، في حين يقلق أساتذتهم من عدم القدرة على مواكبة متطلبات نشر الأبحاث العلمية. وفي الأوساط المهنية، يشعر العديد من القادة الناشئين بأن القادة الأقدم منهم يقفون في طريقهم، في حين يتساءل مَن يشغلون المناصب العليا سراً عن أهميتهم مقارنة بالقادة الجدد الأصغر سناً والمتمرسين في مجال التكنولوجيا.
والمفارقة هي أن القادة الأكبر سناً لا يمكن أن يحققوا إنجازاتهم إلا من خلال مساعدة الشباب على إطلاق العنان لإمكاناتهم، وفرصة إطلاق العنان لإمكانات القادة الشباب يمكن أن تتحقق على أكمل وجه إذا بذلوا ما بوسعهم لتعلّم الحكمة ممن سبقوهم؛ فكل منا بحاجة إلى الآخر كي نشعر بأهميتنا جميعاً.
إذا لم يدرك أحد كبار القادة الذي ترغب في التواصل معه ذلك بعد، فثمة طرق لمساعدته كما ساعدني ذلك الطالب. وبطبيعة الحال، لكل جيل دوره في ذلك، إذ لا يمكن بناء هذه الروابط إلا إذا نجح الطرفان في بناء الجسور وبذلا جهداً لفهم احتياجاتهما المتبادلة واختلافاتهما.
لكن الآن، أريد أن أزودك أيها القائد الشاب ببعض الأدوات التي وجدتها تساعد في وضع أسس هذه الروابط:
تحقق من افتراضاتك وتصنيفاتك
في حال واجهت صعوبة في بناء علاقة جيدة مع أحد القادة الأكبر سناً، فمن المحتمل أن يكون لديك تحيزات بشأنه. ربما تكون قد فسرت بعض سلوكياته على أنها استبعاد لك، أو وجدتها غير ودية تجاهك، أو شعرت بأنه لا يكترث بك. قد تكون مخاوفك مبررة إلى حد ما، لكن من المهم أن تتحقق منها قبل أن تقتنع بها. لقد فسرتُ في البداية عزوف الطالب على أنه عدم اهتمام، لكن الأمر في الحقيقة كان عكس ذلك. قد يفاجئك ما ستكتشفه عندما تتعمق أكثر في البحث.
قبل أن تقطع العلاقة مع قائد أكبر منك سناً، ضع نفسك مكانه. هل من الممكن أنك أسأت تفسير وجهة نظره؟ هل دفعك قلقك أو هواجسك لإساءة تفسير سلوكه؟ إذا كنت تعرف شخصاً يعرفه جيداً، فتواصل معه لمعرفة المزيد عنه وتحقق من ظنونك. تأكد من أن معاييرك للحكم على سلوكه لا تعتمد على مدى تشابهه معك أو اختلافه عنك. قد تكون أوجه الاختلاف بينكما هي الأكثر قيمة في تعاونكما.
لا تعتمد على الثقة فحسب لتعزيز المصداقية، بل استفد من مواطن ضعفك
يشعر العديد من القادة الصاعدين بأن أفضل طريقة لكسب استحسان القادة الأكبر سناً هي الظهور بمظهر الواثق الذكي الحازم. لكن ذلك قد يؤدي إلى نتائج عكسية، فيظهرون بمظهر المغرور أو الواثق من نفسه بإفراط. اعترف الطالب بعد أن طلب مني أن أكون مرشده بأن سلوكه في قاعات الدراسة كان طريقة لإثبات أنه لا يحتاج إلى مساعدة. قال لي: "إنه أمر مضحك، كنت أحاول أن أدفعك لتطوير مهاراتي وقيادتي عبر محاولة إقناع كلينا بأنني لست بحاجة إلى ذلك". أثار تواضعه إعجابي بشدة.
ما يُظهر نضجك ومصداقيتك للقادة المخضرمين هو إظهار مواطن ضعفك عبر الإفصاح عما لا تعرفه وطلب المساعدة في المجالات التي تشعر بعدم الثقة فيها، والاعتراف بالمجالات التي تحتاج إلى تحسينها. قد يبدو ذلك مخاطرة منك، لكن القادة الأكبر سناً يعلمون أن هناك حداً معيناً من الثقة المستحقة التي يمكن أن يتمتع بها القادة في بداية مسيرتهم المهنية، وعندما تتظاهر بامتلاك ثقة تتجاوز ذلك الحد ستخسر ثقتهم.
عندما تُظهر أنك تعرف حدودك من خلال طلب المساعدة دون تردد، فهذا يدل على أنك جدير بالثقة ومنفتح على التعلم. وإذا واجهتك مشكلة في أحد المشاريع، يمكنك أن تقول: "أود الحصول على رأيك في هذه المسألة، أشعر بالرضا حيال هذه النقاط، ولكنني لا أملك خبرة كافية في المجال كذا، وأعلم أن لديك خبرة واسعة فيه".
تجنب التبجيل المفرط
من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي الاحترام المفرط إلى خلق مسافة بينك وبين القادة الأكبر سناً. في بعض الحالات، قد يجعلك ذلك تبدو متملقاً، وفي حالات أخرى، يفرض ذلك طابعاً رسمياً يجعلهم يشعرون بأنهم دائماً مضطرون لإظهار أفضل ما لديهم عندما يتعاملون معك. صدّق أو لا تصدق، قد يحفز التبجيل المفرط شعور متلازمة المحتال، وهو خوف يشعر به العديد من القادة الأكبر سناً من أنهم لا يستحقون الأدوار التي يشغلونها. كنت أعاني هذا الخوف في علاقتي مع طالب الدراسات العليا.
يجب أن تسعى لأن تكون الشخص الذي يشعر القادة الأكبر سناً بالأمان معه، بحيث يمكنهم أن يكونوا على طبيعتهم في التعامل معك. عندما يتعلم القادة من مختلف الأجيال أن يكونوا صريحين فيما بينهم حول ضعفهم، سيكون لذلك أثر إيجابي كبير.
ابحث عن أرضية مشتركة
ما يتطلع إليه العديد من القادة الناشئين هو أن يحظوا باحترام القادة الأكبر سناً. إن إقامة علاقة ندّية مع القادة الأكبر سناً؛ أي التعامل معهم على أنهم أنداد دون تكبر وإظهار الاحترام لمقامهم دون المبالغة في الاحترام، هو أحد أصعب ما في هذه العلاقات. لتأسيس علاقة احترام متبادلة، تعرف على حياته خارج العمل. إذا كان يضع صوراً لعائلته في مكتبه، فاسأله عنها. وفي حال كنت تجري معه مكالمة فيديو ودخل أحد أطفاله إلى الغرفة، فاستغل هذه الفرصة لمعرفة المزيد عن حياته. تعرّف على اهتماماته خارج العمل.
عندما تعرفت إلى ذلك الطالب أول مرة، كنت لا أزال وافداً جديداً على مدينة سياتل. كنت أنا وعائلتي منهمكين في ترتيب أغراضنا بعد انتقالنا إلى المدينة الجديدة، فعرض علي المساعدة. وبينما كنا نفرغ صناديق الكتب في مكتبي، سألني عن عملائي وعملي، وأصبح من عادتنا أن نجلس على الأرض أمام خزانة الكتب ونروي قصصاً عن قادة يواجهون تحديات حقيقية.
التعرف على الجوانب الإنسانية المشتركة طريقة رائعة لتأسيس أرضية مشتركة وتأسيس قاعدة لعلاقة قوية، كما يساعد على تحييد أي اختلافات هرمية دون إغفالها. يمكنك إظهار احترامك لفرق الخبرة بينكما من خلال السؤال عن خياراته المهنية وكيف استطاع أن يتطور في مسيرته المهنية.
اطلب ما تحتاج إليه
يحب القادة المخضرمون أن يطلب القادة الشباب ما يريدونه مباشرة. إذا كنت بحاجة إلى قضاء المزيد من الوقت مع أحد كبار القادة، فاطلب ذلك في حدود المعقول. ربما لا يمكنك الحصول على ساعة في الأسبوع، ولكنك قد تحصل على ساعة في الشهر. إذا كنت تريد المزيد من الفرص لعرض أفكارك، فاطلبها. يمكنك أن تقول: "أعلم أن اجتماعاتنا مزدحمة بالمهام، لكنني أحتاج إلى تطوير قدرتي على مشاركة أفكاري. في بعض الأحيان نتقدم في الحوار بسرعة كبيرة لدرجة أنني أشعر بالعجز عن المشاركة فيه. هل بإمكاننا تخصيص 15 دقيقة في أحد الاجتماعات القادمة لأشارك أفكاري مع الفريق؟".
إذا كنت تخشى رفض طلبك، فأنت لست وحدك من يخشى ذلك، إذ يخشى العديد من القادة الناشئين الشعورَ الذي يصاحب هذا الرفض. وبدلاً من أن تأخذ عدم الرد أو الرفض على محمل شخصي، اطلب منه أن يوضح لك الأسباب. مهما كانت استجابته، فمن المرجح أنه يضع مصلحتك في الحسبان. قد تحتاج إلى الطلب عدة مرات قبل إجابة طلبك. لهذا السبب يجب عليك دائماً أن تطلب باحترام، وأن تشرح سبب طلبك. إن أي إشارة منك إلى إصرارك أو استحقاقك لما تطلب أو التذمر في حال عدم تلبية طلبك، ستؤدي غالباً إلى الرفض.
تذكّر أن رغبتك في التواصل مع زملاء أكثر خبرة منك للتعلم منهم، وتقديم شيء في المقابل، وتوسيع شبكة علاقاتك خارج دائرة أقرانك، أمر مهم ويستحق الإعجاب. يتطلب تعلم التعبير عن هذه الرغبات لكبار القادة الممارسة، لكنه مهارة ستستفيد منها طوال حياتك.
قد يبدو الأمر محفوفاً بالمخاطر، وفي بعض الأحيان، قد تشعر بعدم الارتياح. لكن هذا الشعور بعدم الارتياح هو الذي سيجعل علاقتك تتحول من علاقة ممتعة إلى علاقة ذات تأثير كبير.
يمكنك أن تبدأ بخطوات صغيرة. مَن هو الزميل أو القائد الأكثر منك خبرة الذي يعجبك؟ من الذي تريد أن تقتدي به؟ من هو الشخص الذي دفعتك مسيرته المهنية إلى رؤية مسيرتك المهنية بنظرة مختلفة؟
تواصل معه وأخبره كيف أثر هو وعمله فيك، واطلب منه أن تلتقيه مدة 20 دقيقة في اجتماع عبر الإنترنت، جهز له سؤالاً أو اثنين، وحافظ على الطابع الودي وغير الرسمي. واجعله لقاء ممتعاً للطرفين. يبدأ بعض من أعظم العلاقات في حياتنا بسؤال بسيط نطرحه ونحن نحتسي فنجان قهوة.