ملخص: هل تشعر بالإحباط بسبب التعليقات الفظة التي قد تتعرض لها في العمل والتي تضعف ثقتك بنفسك وتعكر صفو يومك؟ يقدم المؤلف في هذا المقال 4 مهارات قيادية تساعدك على فهم ردود فعلك والتحكم بها على نحو أفضل لكي تستجيب لهذه التعليقات بطرق بنّاءة.
- افهم العوامل التي تثير انفعالاتك العاطفية. قد تثير التعليقات السلبية مخاوفك التي ستثير بدورها رد فعل عاطفياً. للاستجابة بطريقة واضحة ومدروسة، تعلّم أن تتريث في مثل هذه المواقف وتفهم ما يثير انفعالاتك العاطفية أولاً.
- افهم آليات توزع السلطة. من المهم أن تفهم ثقافة السلطة في مؤسستك وكيف يكدّر تأثيرها تفاعلاتك مع الفريق.
- خذ وجهة نظر الطرف الآخر في الحسبان. عندما يثير أحدهم انفعالك فإنك تسمح لآرائه بالسيطرة على أفكارك. اعلم أن رأيه ينبع من منظوره وليس منظورك، وحاول أن ترى الموقف من منظور أوسع.
- أدرك قوة الأسئلة الذكية. توفر الأسئلة التي تعبّر عن الانفتاح على الآخر مجالاً لمناقشة الاختلافات باحترام، ويبدأ التعاون الفعال عندما يستمع كل منا إلى الآخر ويتعلم منه.
طلب نائب الرئيس أكرم في الشركة التي أعمل بها، والمصنفة ضمن أعلى 200 شركة في قائمة فورتشن 500 (Fortune 500)، من سلوى، وهي من كبار المدراء وتعمل في الشركة منذ 15 عاماً، أن تتولى مهمة جديدة. أراد أكرم الاستعانة بها لتقييم مشروع متعثر لخدمة العملاء مشترك بين عدة أقسام، وتحقيق تقدم فيه، كانت سلوى تتمتع بسمعة طيبة في حل المشاكل، وكان أكرم يثق في قدرتها على تنفيذ المهمة. بدأت سلوى بحماس جمع المعلومات عن حالة المشروع من قادة الفريق، الذين كان معظمهم من مدراء الإدارة.
عندما حضرت سلوى أول اجتماع أسبوعي للفريق، استمعت ودوّنت الكثير من الملاحظات. وعندما شارف الاجتماع على نهايته، طلبت البيانات التي كانت تنقصها من بعض أعضاء الفريق. وحينها قال أحد المدراء ويدعى عدنان: "لسنا بحاجة إلى المزيد من البيانات، نحتاج إلى موارد وقرارات".
شعرت سلوى بأن كلام عدنان قلل من شأنها، خاصة أن من طبيعة الإنسان أن يكون حساساً لآراء الآخرين، ولا سيما في مكان العمل. غالباً ما تكون الهياكل التنظيمية الهرمية مشحونة بالصراعات على السلطة والتنافسية وسياسات بيئة العمل المعقدة. ويمكن للطرق التي نتعامل بها مع هذه الهياكل أن تكون السبب في نجاح علاقاتنا أو إخفاقها، وكذلك الأمر بالنسبة لمسيرتنا المهنية.
إذا أدت آليات توزع السلطة إلى التقليل من شأنك في العمل، مثل ما حدث مع سلوى، أو كنت تشعر بأنك تتعرض للإهانة باستمرار بسبب التعليقات الفظة، فلا تدع ذلك يقلل من ثقتك بنفسك ويعكر صفو يومك. إليك 4 مهارات قيادية يمكنك استخدامها في النقاشات تساعدك على فهم ردود فعلك والتحكم بها على نحو أفضل لكي تستجيب لهذه التعليقات بطرق بنّاءة.
1. افهم العوامل التي تثير انفعالاتك العاطفية
تستقبل أدمغتنا التعليقات السلبية في أجزاء من الثانية. يعمل كل من لوزة المخيخ (الأميغدالا) وقشرة الجبهة الأمامية من الدماغ معاً لاكتشاف الضغوط العاطفية والبيولوجية والتفاعل معها. لوزة المخيخ هي نظام تنبيه، وعندما تتنبه ترسل إشارات الخوف إلى جميع أنحاء الجسم. وحينها نبدأ التفاعل مع الحدث قبل أن تبدأ القشرة الأمامية بتقييم الموقف وضبط ردود الفعل. فنجد أنفسنا ننحدر في دوامة من الخوف دون وعي، وقبل أن يبدأ وعينا بالعمل، تتوقف عقولنا عن التفكير أو نهرب أو نستعد للمواجهة.
تتأثر ردود فعلك التلقائية بتربيتك وخلفيتك الثقافية. يكوّن عقلك سرديات مليئة بالأحكام حول ما يجب أن تكون عليه وما يجب ألا تكون عليه، وما هو جيد وما هو سيئ، وما هو جميل وما هو قبيح، وما هو عادل وما هو غير عادل، وكل ذلك بناءً على الثقافة التي نشأت فيها.
ساعدتك هذه السرديات على النجاة من المواقف الصعبة في طفولتك وسنوات المراهقة، ولكن مع نموك وتغيّر العالم من حولك، تصبح هذه السرديات مصدراً للتحيزات والسلوكيات التي تعوق تقدمك.
ستتأثر بهذه السرديات عندما تتعامل مع آليات توزع السلطة في العمل. إذ تطفو مخاوفك على السطح خلال التفاعلات التي تثير انفعالاتك وتحفز استجابة المواجهة أو الهرب أو التوقف عن التفكير. لتعلم ماذا يحدث وتستجيب بطريقة مدروسة، يجب أن تتعلم التريث في هذه المواقف، وستساعدك معرفة ما يثير انفعالاتك العاطفية على ذلك.
في المرة القادمة التي تسمع فيها تعليقاً فظاً أو مهيناً، لا ترد فوراً، بل تريّث وراقب الموقف أو الشخص أو المحادثة التي ولّدت لديك الشعور بالإهانة. ما هي الأفكار التي تدور في ذهنك؟ وما هي الإشارات التي تظهر على جسدك؟
على سبيل المثال، أدركت منذ سنوات أن المواجهة كانت عاملاً يثير انفعالي. وإذا عارض أحدهم آرائي بقوة في العمل، كانت تظهر استجابة الخوف، ويجف فمي، وتصرخ لوزة المخيخ "استعد للمعركة". من خلال التعرف على هذا العامل المحفز ودراسته، اكتشفت نمطاً في سلوكي. كان رد فعلي على الصراع متجذراً بداخلي بسبب مشاهدتي للمشاجرات الصاخبة العنيفة بين أبي وأمي عندما كنت صغيراً. أعطاني هذا الاكتشاف الوعي الذي أحتاج إليه للتريث حين تحصل المواجهة، وإعادة ترتيب أفكاري، والاستجابة بطريقة أهدأ. لتفعل ذلك، عليك أن تراقب العوامل التي تثير انفعالاتك وتدرس السرديات التي تسيطر عليها.
كانت سلوى على دراية كاملة بالتراتبية الهرمية في شركتها. ولكنها كانت تؤمن بأن العمل الجيد والتعاون يجب أن يتفوقا على آلية توزع السلطة استناداً إلى خلفيتها الثقافية وتربيتها. كانت تريد من القادة الذين تعمل معهم أن يدركوا قيمة عملها ويمنحوها التقدير المستحق، لذلك، فسرت تعليق عدنان على أنه لعبة سياسية تهدف إلى التقليل من شأنها، وذلك كان سبب مشاعرها السلبية وردود فعلها.
نصيحة من خبير: مارس طريقة التفكير هذه بانتظام وعلى نحو دائم. فكلما عرفت نفسك ومحفزاتك على نحو أفضل كنت مستعداً للرد على المواجهات غير المتوقعة بطريقة بنّاءة.
2. افهم آليات توزع السلطة
تمكنت سلوى من تحديد السردية غير البنّاءة التي تغذي أفكارها، ولكنها الخطوة الأولى فحسب. كان عليها أن تفهم آليات توزع السلطة التي تؤثر في تفاعلاتها مع زملائها للتعامل مع هذه السردية بطريقة صحيحة. ولا ينطبق ذلك على سلوى فحسب، بل علينا جميعاً في أماكن عملنا.
في كل تفاعل نخوضه مع الآخرين يحدد عقلنا اللاواعي مقدار السلطة التي يتمتعون بها. القرار النهائي في معظم المؤسسات بيد من يكون في قمة الهرم، وتفرض الهياكل الهرمية مستويات تحمّل المسؤولية، لكن ألاعيب السلطة الخبيثة تؤثر سلباً في أداء الجميع. لذا من المهم أن تفهم ثقافة السلطة في مؤسستك، وكيف تؤدي السرديات التي تحكيها لنفسك دوراً في تفاعلاتك مع أصحاب القرار.
على سبيل المثال، اكتشفت سلوى بعد تفكير متأنٍّ أن رد فعلها تجاه عدنان كان بسبب تجربتها ومعتقداتها حول طرق إساءة القادة لاستخدام سلطتهم. ولو أن صديقاً أو زميلاً وجّه لها التعليق نفسه، لافترضت حسن النية وأخذت الوقت لمناقشة البيانات والمعلومات التي جمعتها. أضف إلى ذلك أن نائب الرئيس أكرم كان قد وضع سلوى في موقف صعب دون قصد، فقد طلب منها تقييم فريق من مدراء الإدارة، وبذلك وضعها في مواجهة خطرة معهم. ليس من المستغرب أن يشكك المدير عدنان في نياتها. فقد كانت في منصب أدنى من منصبه وتحاول أن تملي عليه ما يجب فعله. باختصار، لم يعطِ أكرم سلوى السلطة التي كانت تحتاج إليها كي تنجح في مهمتها.
هذا هو الوضع الذي كان عليها أن تتعامل معه، وتحليله بهذه الطريقة أوضح لها ما عليها فعله. عليك أن تفكر: ما هي آلية توزع السلطة في مؤسستك، وأي نوع من القادة أنت، ومع من تتعامل بانتظام؟
نصيحة من خبير: تذكر أن القادة يستخدمون سلطتهم بطرق متنوعة. فقد تجد قادة (ومدراء) مغرورين للغاية، ويعتقدون أن القرار النهائي والحلول في أيديهم فحسب. وقد تجد قادة أكثر تفهماً ووعياً، يعرفون أنهم لا يمتلكون جميع الحلول، ويرحبون بالآراء المتنوعة، ويشجعون الآخرين على التعبير عن أفكارهم، ما يزيد من التفاعل والرضا.
3. خذ وجهة نظر الطرف الآخر في الحسبان
عندما تريثت سلوى ودرست آليات توزع السلطة على مستوى الشركة، لم تفهم كيف تؤثر سردياتها على الموقف فحسب، بل فهمت بوضوح أكبر وجهة نظر عدنان ودوافعه. فقد كشف تعليقه عن عدم رضاه عن دورها وكان خائفاً من أن تفرض سلطتها عليه، فمن هي لتعطيه الأوامر؟ كان عدنان يضع افتراضات بناءً على مخاوفه الشخصية ومعتقداته، كما فعلت سلوى تماماً.
عندما يثير أحدهم انفعالنا نسمح لآرائه بأن تسيطر على أفكارنا. تؤلمنا كلماته ونأخذها على محمل شخصي، ما يجعلنا نشعر بالغيرة أو الغضب أو خيبة الأمل، وننسى أن تلك الكلمات تعكس منظوره هو، وليس منظورنا. في بعض الأحيان من المفيد أن ننظر إلى الصورة الكبرى كما فعلت سلوى.
بعد التريث قليلاً (ومع بعض التدريب)، أدركت سلوى أن تعليق عدنان كان مدفوعاً بمخاوفه. ولو أدركت ذلك في اللحظة نفسها، لكانت قد أعادت صياغة ردها بطريقة تهدئ مخاوفه وتلبي احتياجاتها في الوقت نفسه. كان بإمكانها أن تقول: "أنا جديدة في هذا المشروع، وأعلم كم من الجهد بذلت أنت وأعضاء الفريق، هل لديك أي مشكلة في تجميع البيانات؟".
نصيحة من خبير: قد يكون من الصعب أن تتريث في لحظة التوتر في بادئ الأمر. في هذه الحالة، يمكنك أن تقول: "شكراً على ملاحظاتك، لنحدد موعداً نناقش فيه مخاوفنا حول المشروع". مع مرور الوقت والممارسة، ستتمكن من التفكير بسرعة أكبر في المواقف الصعبة.
4. أدرك قوة الأسئلة الذكية
في كل مكان نقدم فيه الإجابات والحلول نحصل على التقدير، كنا نرفع أيدينا في المدرسة إذا كان لدينا حل لمسألة رياضيات، ويتوقع منا مدراؤنا في العمل أن ندافع عن مواقفنا، ونحظى بالإعجاب لذكائنا في المناسبات العامة. إن تقديم الإجابات جزء أساسي من أي نقاش، ولكن ينبغي ألا ننسى أنها نادراً ما تكون بقوة الأسئلة الذكية التي تعبّر عن الانفتاح على الآخر.
توفر الأسئلة التي تعبّر عن الانفتاح على الآخر مجالاً لمناقشة الاختلافات باحترام، ويبدأ التعاون الفعال عندما يستمع كل منا إلى الآخر ويتعلم منه.
في الظروف المثالية، كان بإمكان عدنان، مع قليل من التدريب، أن يراجع سرديته حول استيلاء سلوى على سلطته بدلاً من الإدلاء بتعليقه السلبي، وتحويله إلى سؤال صادق حول مهمتها.
وبالمثل، لو ردت سلوى كما ناقشنا سابقاً بسؤال: "هل لديك أي مشكلة في تجميع البيانات؟"، لحولت مسار المحادثة برمتها. كانت ستُظهر كلماتها فهمها لسردية عدنان، وتواضعها أمام السلطة، وقدرتها على طرح أسئلة ذكية تنم عن احترافيتها. وكان ذلك سيؤدي إلى تفاهم متبادل.
نصيحة من خبير: لا يتطلب الأمر سوى طرف واحد لتلطيف حدّة المحادثات الصعبة.
قد تمثل إدارة الأفراد داخل الهياكل الهرمية المعقدة تحدياً كبيراً، لكن معرفة هذه المهارات الأربع لإدارة المحادثات وتطبيقها في مكان العمل يمكن أن يوفر للموظفين وفرقهم محادثات أكثر تعاوناً وأقل صداماً.