ملخص: لطالما كانت عمليات الاندماج والاستحواذ شبيهة بالصفقات التي تهدف إلى تحقيق وفورات الحجم وتوحيد التكاليف، لكن نجاح هذا النهج محدود في مشهد الأعمال الحالي المتقلب ولن يولد النتائج التحويلية التي تحتاج إليها الشركات اليوم. يستلزم إطلاق العنان لإمكانات النمو التي يمكن أن تعد بها عمليات الاندماج والاستحواذ التحويلية تغيير القادة لعقلياتهم وسلوكهم، ففي مشهد عمليات الاندماج والاستحواذ المتطور باستمرار، تمثل العقلية والمرونة معاً البوصلة التي توجه المؤسسات نحو النمو والتغيير الدائم، وعندما يجمع القادة بين عقلية التكيف والنهج المرن يصبحون مستعدين لإجراء التغييرات وفق الحاجة. لم يعد النجاح في عمليات الاندماج والاستحواذ مرهوناً باتباع دليل إرشادي ثابت، بل صار يتمحور حول التكيف والقدرة على التعامل مع التطورات المستمرة، والقائد الذي يتقبل عدم اليقين ويتبنى نهجاً مرناً لتنفيذ الدمج بعد عملية الاندماج والاستحواذ هو القادر على الاستفادة من إمكاناتها التحويلية بالكامل.
لأكثر من قرن، اعتبرت الشركات صفقات الاندماج والاستحواذ استراتيجية نمو قابلة للتطبيق، فعمليات الاندماج والاستحواذ كانت في الماضي مجرد صفقات تجارية تهدف إلى تحقيق وفورات الحجم وتوحيد التكاليف، ولكن الشركات اليوم تحتاج إلى الزعزعة سواء من داخلها أو خارجها، ومن ثم يزداد اهتمامها بعمليات الاندماج والاستحواذ التي تتيح لها النمو من خلال تحويلها بالكامل.
على سبيل المثال، طورت شركة جنرال ميلز (General Mills) نهجها في عمليات الاندماج والاستحواذ على مدى العقد الماضي، يقول رئيسها العالمي السابق لعمليات الاندماج والاستحواذ، دوغ باور: "قبل عام 2017، سعت جنرال ميلز بجد إلى إجراء الصفقات الانتهازية، ووسعت عروض السلع الاستهلاكية المعبأة من خلال عمليات الاستحواذ الاستراتيجية مثل الاستحواذ على شركة آني (Annie) للمنتجات الغذائية العضوية الطبيعية. وفي عام 2017 ، عملنا على تحقيق نمو ذي طابع تحويلي من خلال استحواذنا على شركة بلو بوفالو بيت بروداكتس (Blue Buffalo Pet Products) مقابل 8 مليارات دولار، وبهذا الاستحواذ أصبحت جنرال ميلز شركة رائدة في فئة أغذية الحيوانات الأليفة الطبيعية الصحية وتمكنت من تغيير مجموعة منتجاتها".
ثمة مفارقة في النقلة الاستراتيجية بتعاملنا مع عمليات الاندماج والاستحواذ واعتبارها عمليات تحويلية لا صفقات تجارية؛ فنهج الصفقات التجارية السابق الذي هدف إلى توفير اليقين وتوحيد المعايير والاستمرارية نجاحه محدود في مشهد الأعمال المتقلب الحالي ولن يولّد نتائج تحويلية. يستلزم إطلاق العنان لإمكانات النمو التي يمكن أن تعد بها عمليات الاندماج والاستحواذ التحويلية من القادة تغيير عقلياتهم وسلوكهم،
وخلال عملي مستشارة لعمليات الاندماج والاستحواذ لدى المؤسسات في جميع أنحاء العالم، شهدت مباشرة إخفاق النهج التجاري بعد عقد الصفقات. غالباً ما يعتمد القادة على دليل إرشادي قديم في صنع القرارات، ويبالغون في تقدير قدرتهم على التنبؤ بالمستقبل وتوقُّعِ سير الأمور، فيقللون في الوقت نفسه من أهمية أسلوب تفاعل الموظفين والشركاء والعملاء مع التغيير ومن أهمية التكيف معه. وللتغلب على الغموض المتأصل في عمليات الاندماج والاستحواذ، على القادة تبنّي العقلية الصحيحة؛ أي عقلية التكيف التي ترى عدم اليقين فرصة لا تهديداً. عندما يفكر القادة بهذه الطريقة يتغير سلوكهم أيضاً، ما يمكّن المؤسسة من اتباع نهج أكثر مرونة عند دمج الأنظمة.
على القادة تبنّي نهج جديد إذا كان هدفهم من عمليات الاندماج والاستحواذ تحقيق نمو تحويلي حقيقي، وهذه هي الطريقة:
نهج جديد لعمليات الاندماج والاستحواذ
العقلية
يجب تطوير عقلية القيادة لإجراء عمليات اندماج واستحواذ تؤدي إلى تغيير الشركة تغييراً شاملاً، فالعقلية التي تنظر إلى هذه العمليات على أنها صفقات تجارية تتوقع النجاح في كل عملية اندماج أو استحواذ باتباع الدليل الإرشادي التقليدي، وتتوقع تحصيل نتائج يمكن التنبؤ بها بغض النظر عن حجم الصفقة أو نوعها؛ ولكن العقلية التي تتجاوز التفكير في الوضع الراهن وتخرج عن الأطر النمطية هي التي تؤدي إلى نمو تحويلي حقيقي.
لتشجيع القادة على تبني العقلية الصحيحة وتقبّل عدم اليقين، اتبع استراتيجية تحليل ما قبل الانهيار التي صاغها مختص علم النفس المعرفي غاري كلاين، تنطوي هذه الاستراتيجية على تخيل أن المشروع قد فشل، ثم يعمل الفريق على التوصل إلى أسباب هذا الفشل. عند اتباع استراتيجية تحليل ما قبل الانهيار مع عمليات الاندماج والاستحواذ ، يتخيل فريق القيادة (أو مجلس الإدارة) أن الصفقة قد فشلت ويفكر في الأسباب المحتملة والحلول الممكنة، ومن خلال هذه الممارسة يتغير تفكير القادة، فبدلاً من توقع القدرة على التنبؤ بما سيحدث، يدركون أن المتغيرات ستتغير وتؤثر في نتائج الصفقات، ولا تقتصر الفائدة هنا على التفكير في أساليب للتكيف، بل تتمثل أيضاً في تبني عقلية أكثر مرونة.
أوضحت إحدى شركات البرمجيات كخدمة التي نتعامل معها في أثناء اندماجها مع شركة مماثلة أخرى أن استخدام استراتيجية تحليل ما قبل الانهيار سمح لقيادتها بالتفكير بطريقة مستنيرة في بداية الصفقة، فأدركت الخلل في بعض الافتراضات وعملت على دراستها، ما أعطاها ثقة أكبر بعملية التحول.
المرونة
إذا كانت العقلية التقليدية تتمحور حول تحديد الهدف المنشود، فعقلية المرونة تحدد طريقة الوصول إلى هذا الهدف.
في مرحلة سابقة من حياتي المهنية، عملتُ في مجال التكنولوجيا حيث توليتُ قيادة قسم التسويق ما بين الشركات على مستوى العالم في شركة تكنولوجيا الملاحة نافتك (NAVTEQ)، التي استحوذت عليها شركة نوكيا (NOKIA) في عام 2008. طورت نافتك بيانات الخرائط الرقمية لأنظمة تحديد المواقع مستخدمة نهجاً مرناً لتطوير المنتجات؛ أي نهجاً متجاوباً وقابلاً للتكييف والتكرار، لتطوير عروض تكنولوجيا الملاحة في ظروف السوق المتغيرة باستمرار. يمكن للمؤسسات تطبيق النهج المرن نفسه لإدارة التأثيرات الخارجية والداخلية لعمليات الاندماج والاستحواذ والتكيف عند ظهور بيانات جديدة.
تخيل أنك تقود سيارتك عبر المدينة وأن نظام تحديد المواقع (GPS) يقدم لك معلومات قديمة أو غير دقيقة حول حركة المرور، هذه هي الطريقة التي تتعامل بها الشركات مع الكثير من عمليات الدمج التي تلي عمليات الاندماج والاستحواذ، فتتخذ القرارات بناءً على خريطة ذات بعد واحد مستخدمة دليلاً إرشادياً ثابتاً أو قوائم مراجعة موحدة دون الاستماع إلى التحديثات المباشرة عن التغيرات في مشهد المنافسة أو تحديات الاستيعاب الثقافي. بفضل التقدم في تكنولوجيا الملاحة يمكن لأنظمة تحديد المواقع الآن الوصول إلى البيانات مباشرة وإعادة حساب المسار وفق كل معلومة جديدة تتلقاها، ويمكن للسائق اتخاذ قرارات بشأن كيفية الوصول إلى مكان ما بناءً على البيانات الجديدة بالإضافة إلى ما يعرفه، مثل قدرته على اتخاذ المسار السريع لأنه يقلّ راكباً. ومثلما يستخدم نظام تحديد المواقع البيانات لإبلاغ السائق بالتغييرات المقبلة والمسارات الجديدة المحتملة، يتيح النهج المرن للقادة التعامل مع تعقيدات عمليات الاندماج والاستحواذ من خلال تعديل استراتيجياتهم باستمرار بناءً على رؤى مباشرة.
يشجع النهج المرن المؤسسات على إجراء التغييرات، تماماً مثل استخدام السائق لتحديثات حركة المرور المباشرة لتجنب الازدحام.
تطوير العقلية الصحيحة للتحلي بالمرونة
بالإضافة إلى تنمية عقلية تتقبل عدم اليقين للتعامل بطريقة سليمة مع عمليات الاندماج والاستحواذ، على القائد أن يدرك مسبّقاً أن الخطط سوف تتغير وأن عليه أن يظل مرناً، يجب أن يتجاوز تفكيرك الدليل الإرشادي القديم وقائمة المراجعة القياسية. قال قائد الدمج في إحدى شركات التكنولوجيا خلال حواري معه: "عندما نستخدم نهج قائمة المراجعة في عمليات الاندماج والاستحواذ نتوقف عن التفكير، إذ نركز على شطب بنود قائمة المراجعة أكثر من تركيزنا على التفكير ملياً في الخطوة التالية المناسبة. لذلك عند اختيار الزملاء المحتملين لإنشاء فريق الاندماج والاستحواذ، آخذ في الاعتبار الذين يتقبلون الغموض وعدم الوضوح". يمكن أن يكون الدليل الإرشادي نقطة انطلاق في عملية التوجيه على أن تعتبره مجموعة قواعد مرنة.
ولتبني نهج أكثر مرونة للتحول من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ، اعتمد هذه المبادئ:
صمم الصفقة وحدد الأهداف والنتائج الرئيسية وقسّم العمل إلى مراحل أو دورات سريعة
انظر إلى الصفقة على أنها أطروحة تخضع إلى الاختبار وفق الأهداف والنتائج الرئيسية التي يلتزم بها فريقك من البداية، وقسّم العمل إلى دورات سريعة قصيرة وطويلة. يقول قائد فريق الدمج في إحدى شركات التكنولوجيا خلال حديث لي معه: "كان الاحتفاظ بالمواهب الرئيسية مدة عامين على الأقل من الأهداف والنتائج الرئيسية الحاسمة في عملية الاستحواذ المستهدفة، لقد التزمنا بذلك مقدماً وصممنا دورات الدمج السريعة لتحقيق الهدف. قبل إتمام الصفقة، صممنا مجموعة تدريب وإرشاد بالملازمة لدعم الفريق الذي انضم إلى الشركة نتيجة الاستحواذ، وفي غضون 30 يوماً من إتمام الصفقة تلقى المدراء الجدد تفاصيل حول برنامج الملازمة، وحصل هؤلاء على تدريب أساسي من خلال دورة سريعة أخرى مدتها 90 يوماً". حدد أوجه الترابط بين الدورات السريعة وكن مستعداً لتوجيه الموارد بحسب الحاجة.
التمس الآراء وقيّم الحلول وعدلها
بمجرد بدء عملية الدمج، على قادة الفرق المتعددة الوظائف طلب البيانات باستمرار وتقييم الحلول الناجحة والحلول التي لا تجدي نفعاً، باستخدام هذه المعلومات يمكن للفرق تكرار الحلول وتعديلها مع تقييم أثر التغييرات في الوقت نفسه. قال المسؤول التنفيذي المخضرم في عمليات الاندماج والاستحواذ، كلينت كيندريك، حينما كان قائداً للموارد البشرية في شركة برمجيات مستحوذة مدرجة في قائمة فورتشن 500: "اعتمدنا في عمليات الاستحواذ استراتيجية الاستماع، فاستعنا بمجموعات التركيز واستطلاعات جس النبض. في إحدى عمليات الاستحواذ، أكد الاستطلاع أن الشركة كانت رائعة في توليد أعمال تجارية جديدة، لكنه كشف عن الصعوبات التي واجهت تحقيق الإيرادات المتكررة لأن خدمة دعم العملاء لم تكن مثالية. لذا، أعدنا تقييم الهيكل التنظيمي بعد الاستحواذ وحولنا الموارد إلى خدمة دعم العملاء، فأدى التعديل إلى زيادة بنسبة 15% في الإيرادات المتكررة في غضون 6 أشهر".
استخلاص المعلومات وتفعيلها حيثما أمكن ذلك
استخلص المعلومات باستمرار وقسّم دورات العمل السريعة لتحديد الجوانب الناجحة والتي تحتاج إلى تحسين، وفتش عن الأنماط في المواقف المماثلة وفكر في الممارسات التي يمكن توحيدها، إذ يؤدي ذلك إلى تحسين العمليات وتخفيف التكاليف غير الضرورية وتعزيز العمل الجماعي. يتفق مع هذه الفكرة إيان بايس، الذي دعم فريق إدارة برمجيات المؤسسات في مؤسسة كيه ون أوبريشنز (K1 Operations)، إذ يقول: "خذ الوقت للتفكر في الإنجاز المُحقَّق، فهذا يمنحك فرصة أفضل لتجنب الأخطاء في المستقبل ويعزز الثقة بين أفراد الفريق". تعلّم من التجارب الإيجابية والسلبية.
تقييم مقاييس الموظفين الرئيسية
خلال هذه العملية، قيّم مقاييس الموظفين الرئيسية المصممة خصوصاً لعمليات الاندماج والاستحواذ، ومنها:
- هل بقي الموظفون الذين انضموا إلى الشركة بعد الاندماج؟
- هل يتوافق الموظفون الجدد مع المؤسسة وموظفيها المخضرمين؟
- هل يتبادل الموظفون الجدد والمخضرمون المعرفة ويتعلم بعضهم من بعض؟
- هل لدى كل من الموظفين الجدد والمخضرمين ذوي الإمكانات العالية مسارات للتقدم في حياتهم المهنية داخل الهيكل التنظيمي الجديد؟
من خلال مراقبة هذه المقاييس واتباع المبادئ المذكورة أعلاه، يمكنك تعزيز المرونة والقدرة على التكيف والتحسين المستمر في عمليات الدمج التي تلي عمليات الاندماج والاستحواذ.
في مشهد عمليات الاندماج والاستحواذ المتطور باستمرار، تمثل العقلية والمرونة معاً البوصلة التي يمكن أن توجه المؤسسات نحو النمو والتغيير الدائم، وعندما يجمع القادة بين عقلية التكيف والنهج المرن يصبحون مستعدين لإجراء التغييرات وفق الحاجة. لم يعد النجاح في عمليات الاندماج والاستحواذ مرهوناً باتباع دليل إرشادي ثابت، بل صار يتمحور حول التكيف والقدرة على التعامل مع التطورات المستمرة، والقائد الذي يتقبل عدم اليقين ويتبنى نهجاً مرناً لتنفيذ الدمج بعد عملية الاندماج والاستحواذ هو القادر على الاستفادة من إمكاناتها التحويلية بالكامل.