تقرير خاص

تسخير الذكاء الاصطناعي في خدمة الصالح الاجتماعي: حياة أفضل وكوكب أخضر

5 دقيقة
خدمة الصالح الاجتماعي

تسارعت وتيرة تقدم الذكاء الاصطناعي على نحو لافت خلال عامين، وامتلكنا القدرة على تصميم الذكاء الاصطناعي وتدريبه، وتشغيله على نطاق واسع لملايين المستخدمين. وامتد التأثير المحتمل للذكاء الاصطناعي إلى شتى القطاعات، وبمقدوره تحقيق تغيير اجتماعي إيجابي.

يُستخدم الذكاء الاصطناعي اليوم في دعم جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي تبنتها الأمم المتحدة، والتي تتنوع من القضاء على الفقر إلى بناء مدن ومجتمعات مستدامة وتوفير التعليم الجيد للجميع وغيرها. ومع الذكاء الاصطناعي التوليدي، اتسعت آفاق تلك الجهود. وفي العام 2018، اتضحت لنا قدرة الذكاء الاصطناعي على النهوض بدور عالمي رئيسي في تعزيز الإنتاجية والنمو الاقتصادي وكذلك خدمة الصالح الاجتماعي. وأوضح تقرير نشرناه وقتذاك سبل استخدام قدرات الذكاء الاصطناعي، بدءاً من معالجة اللغة الطبيعية حتى التعرف على الصوت وتتبعه، في 170 حالة استخدام لصالح المجتمع؛ بما فيها دعم المساواة والشمول، وتحسين قدرة التعامل مع الأزمات، وحماية البيئة. وهناك اليوم ما مجموعه نحو 600 نموذج استخدام، أي بزيادة تتجاوز ثلاثة أضعاف.

نلقي في تقريرنا لعام 2024 نظرة مختلفة على دور الذكاء الاصطناعي في إيجاد حلول تعود بالنفع على البشر والكوكب، بترسيم خرائط الابتكارات ودعم جهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتتضمن أهداف التنمية المستدامة 17 هدفاً و169 مستهدفاً لتحسين الحياة في جميع أنحاء العالم وحماية كوكبنا. لكن تقرير الأمم المتحدة لعام 2023 بشأن التقدم المحرَز نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة أشار إلى أن العالم يسير على الطريق الصحيح لتحقيق 15% فقط من أهداف التنمية المستدامة. وهذا يعني بالقيمة الحقيقية أن 2.2 مليار شخص يفتقرون اليوم إلى إمكانية الوصول إلى المياه الصالحة للشرب والنظافة الصحية، ويفتقر 3.5 مليارات شخص إلى إمكانية الوصول لخدمات الصرف الصحي المُدارة بأمان، ويعيش ما يقرب من 3.3 مليارات شخص في بيئات معرضة بشدة لتبعات تغير المناخ، ويواجه 750 مليوناً الجوع.

قدرة الذكاء الاصطناعي على دعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والدور المساند للتمويل

للذكاء الاصطناعي تأثير في جميع أهداف التنمية المستدامة، ويعتقد من استقصينا رأيه من الخبراء أن للذكاء الاصطناعي إمكانات عالية تُحدث الفارق في خمسة أهداف بالأخص: الصحة الجيدة والرفاهة (الهدف 3)، وجودة التعليم (الهدف 4)، والعمل المناخي (الهدف 13)، والطاقة النظيفة بأسعار معقولة (الهدف 7)، وبناء المدن والمجتمعات المستدامة (الهدف 11).

والواقع يقول إن نحو 60% من عمليات تمكين الذكاء الاصطناعي من أجل الصالح الاجتماعي كانت في هذه المجالات. وبالنسبة لإمكانات الذكاء الاصطناعي المتصوَّرة، فهناك عدة استخدامات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المتمثلة في القضاء على الجوع (الهدف 2)، والحياة في البر (الهدف 15)، والسلام والعدل والمؤسسات القوية (الهدف 16)، في حين تتراجع مجالات الاستخدام في دعم جودة التعليم (الهدف 4) والطاقة النظيفة بأسعار معقولة (الهدف 7)، والعمل المناخي (الهدف 13) (الشكل 1). واستبعدنا أهداف العمل اللائق ونمو الاقتصاد (الهدف 8)، والصناعة والابتكار والهياكل الأساسية (الهدف 9)، وتعزيز وسائل التنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية (الهدف 17) من التمكين غير الهادف للربح، والمنح المقدمة للمؤسسات، وتحليل رأس المال الخاص. ذلك لأن من الممكن تصنيف معظم المشاريع في هذه المجالات نظراً لقابلية تطبيق الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع.

في تحليل مجالات توزيع التمويل لتسخير الذكاء الاصطناعي في خدمة أهداف التنمية المستدامة، نرى توافقاً مع آراء الخبراء في مجالات خمسة ذات إمكانات أعلى. وتركز الرؤية المشتركة للمنح وتمويل رأس المال الخاص على الصحة الجيدة والرفاهة (الهدف 3)، وجودة التعليم (الهدف 4)، والطاقة النظيفة بأسعار معقولة (الهدف 7)، والمدن والمجتمعات المستدامة (الهدف 11)، والعمل المناخي (الهدف 13). إضافةً إلى ذلك، ساهم نحو 40% من استثمارات رأس المال الخاص في 20 ألف شركة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي، على نحو مباشر أو غير مباشر، في مجال واحد على الأقل من مجالات أهداف التنمية المستدامة.

ومع ذلك، ثمة بوادر فرص مهمة. ولنتأمل هنا التمويل الرأسمالي الخاص المنخفض نسبياً لجودة التعليم (الهدف 4)، وحتى بالنسبة للطاقة النظيفة بأسعار معقولة (الهدف 7) والعمل المناخي (الهدف 13)، فقد تدفق أكثر من 50% من إجمالي استثمارات رأس المال الخاص نحو إنتاج المركبات ذاتية القيادة لتحسين كفاءة الطاقة وخفض الانبعاثات. ويشير هذا إلى وجود إمكانات إضافية أمام الكيانات الخاصة لتمكين رأس المال نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي يتمتع الذكاء الاصطناعي فيها بإمكانات كبيرة.

ولا تزال الفوارق الجغرافية في تخصيص المنح واسعة.

ويكشف تحليل مواقع المقار الرئيسية لمن تلقوا المنح، من قاعدة بيانات المؤسسات الأميركية في أغلبها، أنه في الفترة من 2018 إلى 2023 توجهت 10% فقط من المنح المخصصة لمبادرات الذكاء الاصطناعي التي تتناول هدفاً أو أكثر من أهداف التنمية المستدامة إلى منظمات في دول منخفضة الدخل أو متوسطة الدخل. هذا ليس بتحليل شامل، لأنه حلل المنح المقدمة من مؤسسة كانديد (Candid) التي تركز في المقام الأول على المؤسسات التي يوجد مقرها في الولايات المتحدة. إضافةً إلى ذلك، يستغرق تحديث قاعدة بيانات كانديد من عام ونصف العام حتى عامين بسبب التأخر في جمع البيانات. انظر "الذكاء الاصطناعي من أجل أهداف التنمية المستدامة"، دليل مؤسسة كانديد، 2018-2023. وفي حين أن المنظمات قد يكون لها تأثير خارج البلدان التي تقع فيها مقارها الرئيسية، فقد اتفق 60% من الخبراء على أن جهود الذكاء الاصطناعي اليوم لا تركز بدرجة كافية على إفادة البلدان ذات الدخل المنخفض (على عكس البلدان ذات الدخل المرتفع أو البلدان المتقدمة)، مع أن الحاجة إلى أهداف التنمية المستدامة فيها هي الأعلى (وقد استقصينا آراء نحو 60 خبيراً في 17 دولة و48 منظمة ومؤسسة).

تحديات تطوير تمكين تطبيقات الذكاء الاصطناعي للصالح الاجتماعي ومخاطرها

إن التحديات التي تواجه توسيع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي في مبادرات الصالح الاجتماعي مستمرة وصعبة. وقد لاحظ 72% من المشاركين في الاستقصاء أن معظم الجهود المبذولة لتمكين الذكاء الاصطناعي من تحقيق الصالح الاجتماعي تركز حتى الآن على البحث والابتكار بدلاً من تبني التطبيق والتوسع فيه. إضافة إلى أن نسبة 55% من المنح المخصصة لأبحاث الذكاء الاصطناعي وتمكينه عبر أهداف التنمية المستدامة تبلغ نحو 250 ألف دولار أو أقل، وهو ما يتوافق مع التركيز على الأبحاث المستهدفة أو التمكين على نطاق أضيق، بدلاً من التوسع. وبصرف النظر عن التمويل، فإن أكبر العوائق التي تحول دون توسيع نطاق تطبيق الذكاء الاصطناعي لا تزال تتمثل في توفر البيانات وإمكانية الوصول إليها وجودتها، وتوافر المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي وإمكانية الوصول إليها، وتقبل الجهات التنظيمية، وإدارة التغيير. وتفصيل هذه النقاط في التقرير الكامل.

في أثناء التغلب على هذه التحديات، يجب على المؤسسات أن تكون على دراية بالاستراتيجيات اللازمة لمعالجة مجموعة المخاطر، بما في ذلك المخرجات غير الدقيقة، والتحيزات المضمنة في بيانات التدريب الأساسية، واحتمال وجود معلومات مضللة على نطاق واسع، والتأثير الخبيث على السياسة والرفاهة الشخصية. وكما أشرنا في عدد من المقالات مؤخراً، فقد يساء استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وتقنياته، حتى لو كانت الأدوات مصممة في الأصل لتحقيق الصالح الاجتماعي. وحدد الخبراء أهم المخاطر: قصور العدالة، والاستخدام الضار، ومخاوف الخصوصية والأمن، تليها إمكانية التفسير (الشكل 2).

وأعرب المشاركون من المنظمات غير الربحية عن قلق أكبر نسبياً بشأن المعلومات الخاطئة، وقضايا المواهب مثل إلغاء الوظائف، وتأثيرات الذكاء الاصطناعي على الاستقرار الاقتصادي، مقارنة بنظرائهم في المؤسسات الربحية الذين اهتموا بانتهاك حقوق الملكية الفكرية.

سبل سرعة تمكين الذكاء الاصطناعي في مبادرات الصالح الاجتماعي

زادت الفتوحات العلمية من فعالية الذكاء الاصطناعي في التعرف إلى الأنماط والتنبؤ بها وإنشائها. وتزامن هذا التقدم مع عدد متزايد من عمليات تمكين الذكاء الاصطناعي الناجحة، ولكن كما رأينا فيما سبق، لا تزال هناك تحديات أمام توسيع نطاق استخدامه في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهو مسعى يتطلب من أصحاب المصلحة التعاون على نحو أوثق لضمان الوصول إلى المواهب الكافية وحلول البيانات القوية، بالإضافة إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي ونماذجه الأكثر قابلية للتطوير عبر المناطق الجغرافية للمستخدمين حول العالم، وبالتالي تحقيق التعاون اللحظي في المناطق الأهم.

ومن خلال التعاون لإيجاد سبل تمكين الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع من أجل الصالح الاجتماعي، يمكن للمؤسسات المبادرة والحكومات والمنظمات والجامعات ومنظومة المطورين والشركات أن تساعد في حل بعض المشاكل الأصعب عالمياً. وفي هذا الصدد، يمكنها المساعدة في مكافحة الاتجار بالبشر، وضمان حصول الفتيات والأطفال في جميع أنحاء العالم على التعليم الذي يستحقونه، وحماية الغابات من إزالة الأشجار بصورة غير قانونية، ودعم صحة الحوامل والأطفال حديثي الولادة وسلامتهم، وغير ذلك الكثير. فإذا لم تكن هذه هي الأشياء التي تستحق العناء من أجلها، فماذا تكون إذاً؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي