تتطلع المملكة العربية السعودية إلى الاستثمار في الصناعات العسكرية لديها والتحوّل من مستورد إلى مصنّع ومصدّر أيضاً، من خلال هدف استراتيجي تحت مظلة رؤية المملكة 2030 لزيادة توطين الإنفاق الدفاعي من 2% في عام 2017 إلى 50% بحلول 2030. إذ صرّح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قائلاً: "هل من المعقول أن السعودية كانت في عام 2014 رابع أكبر دولة في العالم، وثالث أكبر دولة في عام 2015 من حيث الإنفاق العسكري؛ بينما ليس لدينا صناعة دفاع داخل السعودية؟".
حفّزت هذه الرؤية الطموحة الشركات الفاعلة في قطاع الدفاع بالمملكة لوضع استراتيجية تتوافق مع رؤى المملكة بشأن توطين القدرات العسكرية في السعودية مثل شركة بي أيه إي سيستمز (BAE SYSTEMS)، التي استطاعت على مدار السنوات تحقيق قدر عالٍ من الاندماج لتصبح إحدى المنظومات الفاعلة في المملكة العربية السعودية ودعم اقتصادها الوطني. وتتمتع شركة بي أيه إي سيستمز بحضور قوي في السعودية منذ أكثر من 55 عاماً، وتوجد في 8 مدن في المملكة، وتقدم خدماتها لعدد من القطاعات العسكرية بالتعاون مع البرنامج السعودي البريطاني للتعاون الدفاعي ومشروع سلام.
من أهم الركائز التي تسهم في تعزيز عملية توطين صناعة الدفاع هو توطين المهارات في القطاع، وقد اعتمدت السعودية اعتماداً كبيراً على العمالة الخارجية فيما يتعلق بقطاع الدفاع غير أن الأمر تغيّر بالكامل الآن. إذ أطلقت الهيئة العامة للصناعات العسكرية استراتيجية "القوى البشرية" لقطاع الصناعات العسكرية لتمكين نظام وطني محفز لتنمية القوى البشرية المؤهلة، لتحقيق أهداف توطين الصناعات العسكرية. وتندرج تحتها مبادرات مثل تأسيس الأكاديمية الوطنية للصناعات العسكرية وبرنامج الإيفاد والابتعاث لمنشآت قطاع الصناعات العسكرية.
اتبعت بي أيه إي سيستمز نهجاً داعماً لتوطين المهارات عبر شراكتها مع المملكة منذ عام 1966، إذ، تسعى الشركة إلى بناء منظومة شاملة تُعنى بنقل التقنية والمعرفة إلى المملكة العربية السعودية إضافة إلى تأهيل الشباب السعودي ومنحهم القدرة على إدارة هذه المعرفة والتقنية محلياً، عبر 4 خطوات رئيسية:
1. التعاون مع شركاء محليين لتدريب القوى العاملة
عقدت شركة بي أيه إي سيستمز شراكات فاعلة مع شركات محلية لتطوير الابتكارات والقوى العاملة التي تدعم النمو الاقتصادي، ومن أمثلة هذه الشركات:
- الدولية لهندسة النظم (ISE): التي أُسست عام 1988 بوصفها جزءاً من برنامج التوازن الاقتصادي السعودي وتعمد إلى توفير أدوار عالية المهارة في جميع أنحاء المملكة للقوى العاملة السعودية في مجال تكنولوجيا المعلومات ونظم المعلومات.
- الشركة السعودية للصيانة وإدارة خطوط الإمداد المحدودة (SMSCMC): التي أُسست عام 2006 بهدف توفير القدرات وخلق وظائف متخصصة للمواطنين السعوديين في مجال سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية للمنطقة عبر جميع المنصات والمواقع ذات الصلة.
- شركة بي أيه إي سيستمز السعودية للتطوير والتدريب (SDT): التي أُسست في عام 1994 لتكون جزءاً من برنامج التوازن الاقتصادي السعودي، وتقدم محفظة متنوعة من خدمات التدريب والتطوير وتستثمر في أحدث المرافق المصممة لمساعدة الشركات على تطوير الأشخاص المؤهلين تقنياً ومهنياً. وقد أبدت التزامها بتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 عبر وضع استراتيجية تهدف إلى مواكبة زيادة عدد السعوديين الملتحقين بالتدريب التقني والمهني من 104 آلاف طالب إلى 950 ألف طالب.
كما تحرص شركة بي أيه إي سيستمز على عقد اتفاقات مع شركات محلية سعودية لتوطين الصناعة العسكرية والمهارات المطلوبة لها، مثل شراكتها مع شركة السلام للطائرات، فقد وقعت معها اتفاقية بشأن مشروع صيانة غطاء قمرة طائرات التايفون التابعة للقوات الجوية الملكية السعودية، وتأهيل القوى الوطنية لصيانة ودعم أسطول القوات الجوية السعودية بكفاءة.
2. توطين الوظائف
تعوّل المملكة على صناعة الدفاع في السعودية لخلق ما يقارب 100 ألف فرصة عمل منها 40 ألفاً مباشرة بحلول عام 2030. إذ إن استراتيجية القوى البشرية لقطاع الصناعات العسكرية التي أطلقتها الهيئة العامة للصناعات العسكرية من المرجح أن تسهم في تجسير الفجوة بين المهارات المطلوبة في القطاع وبين مخرجات التعليم الجامعي والتدريب التقني والمهني، عبر التركيز على أكثر من 800 مهارة مطلوبة في القطاع ينبثق منها 172 مجالاً وظيفياً.
ومن ناحيتها تركز شركة بي أيه إي سيستمز على توطين الوظائف، إذ ترتكز استراتيجيتها في المملكة العربية السعودية على تطوير الصناعة السعودية وتوفير مجالات عمل جذابة للمواطنين السعوديين. ويبلغ عدد موظفيها في السعودية أكثر من 7,000 موظف وموظفة حيث يمثل السعوديون أكثر من 75% من موظفي الشركة ما يجعلها من أكبر الشركات العالمية الموظفة للسعوديين في القطاع الخاص.
كما تعد الشركة، وفقاً للعضو المنتدب ستيف كلوتون، أول شركة متخصصة في الصناعات الدفاعية بالمملكة توفر فرص عمل للمرأة السعودية. إذ أطلقت الشركة مبادرات وبرامج عديدة تهتم بتطوير المرأة العاملة أدت إلى ارتقاء موظفاتها السعوديات إلى مناصب إدارية في الشركة، إضافة إلى استقطاب سيدات ذوات كفاءات عالية لشغل مناصب قيادية في الشركة.
فعلى سبيل المثال، أطلقت الشركة برنامج القيادة الاستراتيجية أقدر (AGDR) الذي صمم لتمكين الموظفات الطموحات من الوصول إلى أدوار قيادية مستقبلية، عبر تقديم فرص التعلم والتطوير خلال عام كامل. ويتضمن البرنامج جلسة تدريب شخصية لكل متدربة بالإضافة إلى 6 وحدات تدريبية رئيسية على مستوى الدراسات العليا معتمدة من جامعة كرانفيلد، وهي إحدى أفضل جامعات إدارة الأعمال في المملكة المتحدة وتقدم مجموعة متنوعة من البرامج القيادية المصممة لتعزيز مهارات القيادة والقدرات الاستراتيجية عبر مستويات مهنية وسياقات مختلفة، ويتم كل ذلك تحت توجيه من قيادات بارزة في شركة بي أيه إي سيستمز. وتشمل الوحدات التدريبية القيادة الاستراتيجية، والاتصال الاستراتيجي، والبيئة الاجتماعية والحوكمة (ESG)، وقيادة التغيير وإدارته، والبيئة الاقتصادية العالمية، وإدارة الأداء. وقد شهد البرنامج تخرج دفعته الأولى في عام 2022، ويشهد هذا العام تدريب دفعته الثانية.
3. نقل القدرات التصنيعية
تعمل بي أيه إي سيستمز مع البرنامج السعودي البريطاني للتعاون الدفاعي ومشروع سلام التابعين لوزارة الدفاع السعودية، لبناء صناعة دفاع سعودية ونقل القدرات التصنيعية وتوطينها من خلال تأهيل الشركات المحلية وتدريب المواطنين داخل أرض المملكة وخارجها.
ونجحت الشركة في نقل العديد من الأنشطة التصنيعية والهندسية إلى قطاع الصناعة السعودي بهدف الاعتماد على المصادر المحلية فمثلاً نقلت مهارات مستدامة مثل:
- قدرات الصيانة والإصلاح لطائرات التايفون بنسبة 60% من عمليات الصيانة والإصلاح محلياً و توفير أكثر من 1000 وظيفة مباشرة وغير مباشرة للطاقة البشرية العاملة في سلاسل الإمداد المحلية مع تصنيع بعض المكونات الإلكترونية للجزء الأمامي لحاويات الاستهداف محلياً والقيام بعمليات الإصلاح لـ 45% من الجزء الأمامي و 87% من الجزء الأوسط لحاويات الاستهداف محلياً.
- قدرات الصيانة والإصلاح لجميع محركات طائرات التورنيدو، وصيانة ما يقارب 100 وحدة من إلكترونيات الطيران والأنظمة العامة لها محلياً.
- إصلاح نظام السونار لسفن قانصات الألغام وإصلاح غرف معادلة الضغط ومعدات الغوص لسفن القناص وصيانتها.
- صيانة أكثر من 240 من مكونات طائرات التدريب –الهوك/بي سي 21– وإصلاحها وذلك يشمل قمرة الطائرة والإلكترونيات والأنظمة العامة.
ووقعت الشركة اتفاقية تجميع 22 طائرة تدريب نفاثة وتصنيع بعض أجزائها بأيدٍ سعودية داخل المملكة . إذ بدأ البرنامج عام 2017 بما يزيد على 180 موظفاً، 70% منهم سعوديون ثم ارتفعت إلى 99% عند تسليم آخر طائرة للقوات الجوية الملكية السعودية عام 2024 ما بين فنيين ومهندسين خضعوا لبرنامج تدريبي تخصصي استمر مدة تصل إلى عامين. بالإضافة إلى توقيع عدد من الاتفاقيات مع شركات محلية عاملة في قطاع صناعة الدفاع السعودي لنقل قدرات الصيانة والتصنيع إليها وتدريب طياري القوات الجوية الملكية السعودية وفنييها في المملكة.
تعمل شركة بي أيه إي سيستمز مع حكومة المملكة أيضاً على تحديد تقنيات الجيل التالي التي يمكن نقلها إليها أو تطويرها فيها، ما يسهم في تعزيز قدراتها الدفاعية السيادية مثل التكنولوجيات الرقمية والأمن السيبراني والمركبات الجوية غير المأهولة والأسلحة أو التكنولوجيا الفضائية.
4. دعم التعليم
أطلقت شركة بي أيه إي برنامجاً يستهدف دعم الطلاب والخريجين، فعلى سبيل المثال، أطلقت برنامج التأهيل المهني المتقدم للسعوديين (SNAAP) بالتعاون مع جامعة الفيصل والذي يتيح للشباب الحصول على الخبرة العملية قبل الدخول إلى سوق العمل، وبرنامج التعاون الجامعي (UCP) الذي أطلقته بي أيه إي سيستمز السعودية وشركاؤها في المملكة و6 جامعات في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية لنقل المعارف ودعم الجيل القادم من المواطنين السعوديين من خلال تقديم المحاضرات وتكريم مشاريع التخرج المتميزة.
كما أطلقت بي أيه إي سيستمز عدة برامج للتطوير المبكر مثل برنامج التدريب التعاوني (Co-operative Training Programme) لتمكين الطلاب من اكتساب الخبرة العملية اللازمة وتطوير مهاراتهم بهدف الاستعداد للعمل بعد التخرج، وبرنامج تطوير الخريجين (Graduate Development Programme)، وبرنامج إدارة سلسلة التوريد (Supply Chain Apprenticeship Programme) لخريجي الثانوية العامة أو الدبلوم لتدريبهم وتطوير معايير عالية من المهارات المهنية في إدارة سلسلة التوريد، وبرنامج الصناعية الهندسية (Engineering Apprenticeship Programme) والموجه لطلاب الهندسة في الجامعات لتطوير المهارات المهنية في الوظائف الهندسية، وبرنامج تدريب معلمي اللغة الإنجليزية (English Language Teachers - ELT) لخريجي الجامعات الحاصلين على شهادة في اللغة الإنجليزية، وتعيين المتدربين الناجحين في برامج تدريب اللغة الإنجليزية لدعم برامج التدريب للقوات الجوية الملكية السعودية في مختلف المواقع بالمملكة، والبرنامج الوطني السعودي للتدريب التقني (Saudi National Technical Training Programe - SNTTP) الذي يقدم مجموعة متنوعة من تخصصات صيانة الطائرات، إلى جانب عقد اتفاقية تعاون مع جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن لاستقطاب المهندسات بعد السنة الثانية لهن في الجامعة، للعمل في الشركة ضمن ساعات عمل لا تتعارض مع دراستهن.
تهتم المملكة بتوطين الصناعة لما لها من أبعاد سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية. فالاعتماد على العسكرية يأتي دائماً مصحوباً بثمن سياسي، إضافة إلى القيود التي يمكن أن تفرضها الحكومات الأجنبية فيما يتعلق باستخدام المعدات أو وظائفها. كما يمكن أن يؤدي تغيير الموقف السياسي إلى مخاطر فيما يتعلق بالحفاظ على سلاسل التوريد ويوفر الحرية للدولة لتطوير معداتها العسكرية الخاصة وصيانتها دون قيود، فضلاً عن الإسهام الاقتصادي والتنوع ولا سيّما في المملكة التي تقوم رؤيتها على خلق القيمة من القطاعات كافة لدفع الاقتصاد غير النفطي لديها.
تنتهج شركة بي أيه إي سيستمز نهجاً يتماشى مع الرؤى الوطنية في الدول التي تعمل بها كافة، إذ تتبع الشركة نهجاً يتخطى توفير القدرة الحيوية لأمن الدول، ويمتد إلى تقديم فوائد حقيقية للاقتصاد من خلال الحفاظ على وظائف عالية المهارات وخلقها عبر الاستثمار في البحث والتكنولوجيا ومن خلال الصادرات أيضاً.