دراسة جديدة تكشف عن فوائد تقسيم أيام العمل بين المنزل ومقر الشركة

4 دقيقة
أثر العمل الهجين
shutterstock.com/SurfsUp

اتجه الكثير من المدراء وأصحاب الشركات إلى فرض سياسة العمل الحضوري؛ أي من المكتب أو مقر الشركة، وسط مخاوف من التأثير السلبي للعمل عن بُعد على مستويات الإنتاجية والإبداع والتعاون، لكن دراسة حديثة أثبتت عدم صحة هذه المخاوف، وتوصلت إلى أن العمل من المنزل ليومين في الأسبوع يعزز مستويات الرضا والبقاء في الوظيفة. يستعرض هذا المقال النظرة الجديدة التي تقدمها الدراسة حول نموذج العمل عن بُعد.

خلافاً لما تخيله الكثيرون، فإن كبرى الشركات العالمية والعربية تراجعت بعد انتهاء أزمة كورونا عن وعودها بالعمل عن بُعد، ووجدنا رجال أعمال كباراً مثل إيلون ماسك يتراجعون، ووجدنا رجال أعمال عرباً كباراً مثل مؤسس شركة إعمار محمد العبار يصرّحون بأن نموذج العمل الهجين أو العمل عن بُعد لا يناسب المنطقة العربية، ووجدنا شركات كبرى مثل أمازون تتخلى عن سياسة العمل من المنزل من خلال مطالبة الموظفين جميعهم بالعودة إلى مكاتبهم 3 أيام على الأقل في الأسبوع، بدءاً من الأول من مايو/أيار من العام نفسه. ولم يكن هذا القرار مُرضياً للموظفين، إذ صاغوا عريضة داخلية تحث الرئيس التنفيذي للشركة على النظر في سياسة عمل جديدة أكثر مرونة. وفي الدول العربية أيضاً تراجعت شركات كثيرة عن قرارها السماح لموظفيها بالعمل عن بُعد بعد انقضاء أزمة كورونا، ما يجعل نموذج العمل الهجين نقطة خلاف في الكثير من بيئات العمل حتى الآن، لكن دراسة حديثة نشرتها مجلة نيتشر (Nature)، قدّمت أدلة ملموسة على فوائد العمل الهجين قد تحسم الجدل الدائر حوله، إذ قاد أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، نيك بلوم، تجربة مراقبة عشوائية مدتها 6 أشهر للتحقيق في آثار العمل الهجين على عيّنة شملت 1,612 موظفاً لتحليل مستوى البقاء بالوظيفة والرضا والإنتاجية والتطور، وتوصلت الدراسة إلى أن معدل الاستقالة بين الموظفين العاملين وفق النظام الهجين انخفض بنسبة 35%، مقارنة بأولئك الذين يعملون بدوام كامل من المكتب، كما توصلت إلى أن السماح للموظفين بالعمل من المنزل ليومين في الأسبوع أدى إلى زيادة مستوى الرضا الوظيفي. وهذا يعني أن أصحاب العمل لن يضطروا إلى إنفاق مبالغ باهظة إضافية على جهود التوظيف وإعداد الموظفين الجُدد، إذ تقدّر منصة تريب.كوم (Trip.com) تكاليف التوظيف والتدريب بنحو 20 ألف دولار لكل موظف جديد، لذلك وسّعت الشركات التي تناولتها الدراسة سياسة العمل الهجين لتشمل الموظفين جميعهم (وليس عيّنة الدراسة فحسب).

وقدّمت الدراسة التي أعدّها الأستاذ نيك بلوم وزملاؤه، شرحاً مفصلاً للتأثيرات الإيجابية للعمل الهجين على مجموعات مختلفة من الموظفين، بمن في ذلك الإناث والموظفون من المستويات الإدارية الدنيا وأولئك الذين يتنقلون لمسافات طويلة للعمل (أكثر من 90 دقيقة يومياً)، إذ حفزهم النظام الهجين على الاحتفاظ بمناصبهم الوظيفية بدلاً من التفكير في الاستقالة، ما يدعم فكرة أن الحد من التنقلات الطويلة للوصول إلى مكان العمل، وتحقيق التوازن بين الحياة والعمل، يُحسن من معدلات البقاء في الوظيفة.

هل يوجد أثر واضح في الأداء والتطوّر الوظيفي؟

في مرحلة ما بعد الجائحة، تخوف بعض المسؤولين التنفيذيين لشركات كبيرة مثل جي بي مورغان، وبوينغ ونايكي من انخفاض إنتاجية الموظفين ومستوى كل من إبداعهم وابتكارهم، فكانوا صارمين في قرار العودة للعمل من المكتب حصراً، لكن دراسة الأستاذ بلوم أثبتت أن العمل الهجين لم يكن له أي تأثير على أداء الموظفين أو إنتاجيتهم أو معدل حصولهم على الترقيات.

وتوصلت دراسات أخرى إلى نتائج مماثلة، إذ أظهر التقرير العالمي لنموذج العمل الهجين عام 2022 الصادر عن شركة جابرا (Jabra)، أن المرونة في اختيار مكان العمل ومواعيده تعزز الإنتاجية والحافز والصحة النفسية للموظفين ما يُسهم بدوره في تحسين تجربتهم، ويمنح القادة والمدراء القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة التي تتماشى مع أولويات شركاتهم.

في بيئة العمل المتغيرة باستمرار، يجب على المدراء والرؤساء التنفيذيين خلق أماكن عمل أكثر سعادة وإنتاجية عبر إجراء تغييرات في توزيع المهام والأهداف مع مراعاة احتياجات الموظفين وآرائهم، فاليوم أكثر من أي وقت مضى تؤثر خيارات الموظفين في رسم مستقبل نماذج العمل، إذ باتوا يركزون أكثر على المرونة والشعور بالحرية الذي يساعدهم على تحسين أدائهم، وبالتالي لم يعد العمل من المنزل ميزة أو استثناء بل أصبح يمثل "الأصل" لنحو 100 مليون موظف حول العالم، فقد بينت نتائج المسح العالمي لترتيبات العمل 2023، الذي شمل أكثر من 42 ألف موظف عبر 34 دولة، أن 67% من الأشخاص يعملون بالكامل من المكتب، في حين يعمل أكثر من 25% وفق نموذج عمل هجين، و8% يعملون بالكامل من المنزل أو عن بُعد.

وتؤكد الأبحاث أن توفير المرونة (بما في ذلك خيار العمل الهجين) وتعزيز التواصل بين صاحب الشركة والموظفين لتحقيق الأهداف المشتركة يُمكّن الشركات من تحقيق ارتفاع ملحوظ في معدلات رفاهة الموظفين وتحسين أدائهم بنسبة 21%.

أمثلة على نجاح العمل من المنزل ليومين في الأسبوع

في أكتوبر/تشرين الأول 2022، أعلنت شركة تصنيع السيارات جنرال موتورز عن خطتها لعودة نحو 53 ألف موظف للعمل من مكاتبهم 3 أيام في الأسبوع، لكن نهجها لم يكن صارماً، وأخبرت موظفيها بأنها ستستمع إلى ملاحظاتهم، وتأخذ بها عند تنفيذ خططها للمضي قدماً.

وكانت شركة ميتا (Meta) تؤيد بشدة سياسات العمل المرنة، منذ أن تبنّت نموذج العمل عن بُعد في أثناء جائحة كوفيد-19، لكنها طالبت موظفيها بالعودة إلى مقراتها في الولايات المتحدة 3 أيام في الأسبوع، بعد أن لاحظت تحسّن أداء المهندسين عند عملهم من المكاتب ومقرات الشركة، وفي مارس/آذار 2023 توقفت ميتا عن الإعلان عن وظائف جديدة للعمل عن بُعد مؤقتاً، لكن بحسب المتحدث الرسمي للشركة، لم يؤثر هذا التغيير تأثيراً جذرياً على الموظفين عن بُعد، بل أسهم في تعزيز التعاون والعلاقات اللازمة لتحسين أداء الموظفين الذين يعملون معاً في المكان نفسه، بما يعكس التزام الشركة بالعمل الهجين، وثقتها بقدرة الأشخاص على إحداث التأثير سواء من المكتب أو في المنزل.

وفي الدول العربية كان الاتجاه العام هو التطبيق الخجول لسياسة العمل عن بُعد، ففي دولة الإمارات عملت بعض الشركات مثل شركة مبادلة للاستثمار على تطوير بيئة العمل لتصبح أكثر فعالية ومرونة، ولكنها حددت العمل عن بعد لمرة واحدة في الشهر أو في حالات الطوارئ، وأكد المسؤولون في مدينة دبي أن 80% من الجهات الحكومية توفر خيار العمل عن بعد وأن 87% من الموظفين يرون أن ذلك خطوة أساسية في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، وتجسد ذلك من خلال العديد من المبادرات المبتكرة على غرار مبادرة "العمل من المكتبة العامة"، كما ذهب العديد من الشركات الكبرى في الإمارات مثل مبادلة للاستثمار ودو للاتصالات وبنك دبي الإسلامي في طريق المرونة والعمل عن بعد نفسه مع اختلاف خيارات مرونة العمل والمزايا التي تُقدمها كل شركة.

وفي عام 2021، أطلقت مجموعة أوريدو (Ooredoo) في قطر مبادرة تجريبية لاعتماد العمل الهجين تشمل إمكانية العمل من المنزل في أثناء السفر مدة تصل إلى 4 أسابيع سنوياً، ومع نجاح المبادرة جرى اعتمادها بصورة دائمة.

على الرغم من هذه الأمثلة الناجحة في البلدان العربية، فإن العمل عن بعد قد لا يمثل نموذجاً جيداً بالنسبة لبعض رجال الأعمال، مثل مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة إعمار العقارية، محمد العبار، الذي يرى أن العمل عن بعد يصلح للدول الغنية فقط، وأن المنطقة العربية غير مؤهلة لهذا النموذج، لكن الخبراء والمختصين يعتبرون أن أفكار العبار ومخاوفه نابعة من تجربة شخصية، والمهم هو التركيز على ما توصلت إليه الدراسات والإحصائيات حول نمط العمل الهجين وآثاره الإيجابية على المؤسسات والأفراد.

لذا فإن الاستفادة من تجارب نموذج العمل الهجين، والنظر إليها على نطاق أوسع وفي سياقات مختلفة يمكن أن يساعد على تطويره بما يشجع الموظفين على الاستمرار في أدوارهم ويعزز شعورهم بالرضا، ويخلق بيئة عمل أكثر شمولاً وعدالة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي