ملخص: يقضي المدراء نسبة 20% من وقتهم وسطياً في إدارة النزاعات التي تحدث بين أفراد فِرقهم. أجرى المؤلفون على مدى العقود الثلاثة الماضية دراسة على الآلاف من نزاعات الفرق في جميع أنحاء العالم، وحددوا 4 أنواع شائعة لها. يدور النوع الأول من النزاعات حول عضو واحد فقط في الفريق (20-25% من نزاعات الفرق). ويحدث النوع الثاني عندما يختلف عضوان في الفريق في الرأي (أكثر النزاعات شيوعاً بنسبة 35%). في حين يحدث النوع الثالث عندما ينشأ خلاف بين مجموعتين في الفريق (20-25% من النزاعات). أما النوع الرابع، فيحدث عندما يختلف جميع أعضاء الفريق في الرأي وينشأ نزاع يشمل الفريق كله (أقل من 15%). ويقترح المؤلفون عدة استراتيجيات مصممة خصوصاً لحل كل نوع من النزاعات بهدف مساعدة المدراء على التعامل مع أي نزاع في وقت مبكر.
إذا سبق لك أن توليت إدارة فريق ما أو عملت فيه، فلا بد أنك تعلم أن النزاع بين أفراد الفريق أمر حتمي بقدر ما هو مزعج. في الواقع، يتجنب العديد من المدراء التعامل مع النزاعات التي تحدث في فرقهم قدر الإمكان، على أمل أن يتمكن الأفراد العاقلون فيها من حلها. وعلى الرغم من ذلك، تشير البحوث إلى أن المدراء يقضون أكثر من 20% من وقتهم وسطياً في إدارة النزاعات.
لنتأمّل مثال كبيرة المسؤولين التنفيذيين، هدى، التي شاركت معنا قصة لا تُنسى تتعلق بدعوتها الفريق لاجتماع خاص في نهاية يوم شاق ومليء بالأخبار السيئة. تمثّلت غايتها من الاجتماع في الاتفاق على الإجراءات اللازمة على أمل إعادة الفريق إلى المسار الصحيح؛ لكن نتيجة الاجتماع لم تكن مُرضية، إذ عمد أعضاء الفريق إلى تبادل الاتهامات والدفاع عن إجراءاتهم الفردية. وأدركت هدى في غضون 10 دقائق ضرورة تغيير أسلوبها لئلا يخرج الاجتماع عن السيطرة.
درسنا خلال العقود الثلاثة الماضية الآلاف من حالات النزاع بين الفرق، من فرق الإدارة في شركات متعددة الجنسيات، مثل شركة هدى، وفرق التجميع في المصانع في الصين، وحتى طلاب ماجستير إدارة الأعمال في أفضل كليات الأعمال. طلبنا من المدراء في تلك الدراسات مشاركة قصصهم حول النزاعات التي تحدث بين الفرق، وأجرينا استقصاءات على المسؤولين التنفيذيين، وراقبنا النزاعات وهي تتطور في غرف اجتماعات مجلس الإدارة. تمثّل هدفنا من تلك الدراسات في فهم طبيعة النزاع في الفرق وكيفية تطوره مع مرور الوقت بهدف مساعدة المدراء على تحسين أداء فرقهم.
توصلنا إلى 4 أنواع شائعة تغطي معظم نزاعات الفرق تقريباً، على الرغم من الاختلافات في الثقافة ومضمون قضايا النزاع. وتظهر دراساتنا أيضاً أنه عندما يتخذ المدراء دوراً استباقياً في حل النزاع بأسلوب يحترم مصالح الفريق كله، فقد تكون النتائج إيجابية وتُسفر عن زيادة الثقة بين أفراد الفريق، واتخاذ قرارات أفضل تُنفّذ بفعالية أكبر. وإليكم أنواع النزاع الأربعة وكيفية إدارة كل منها.
المعارض الفردي: النزاع الدائر حول فرد واحد في الفريق
قد يتمحور النزاع حول شخص واحد في الفريق؛ ويكون مثلاً الشخص "الغريب" الذي يصعب التفاهم معه، أو الشخص الذي يفتقر إلى الحافز للتفاعل مع أعضاء الفريق الآخرين، أو ذلك الذي يعترض لمجرد إثارة الجدال، محاولاً إقناع الآخرين باستكشاف طرق عمل جديدة عندما تكون الأساليب الحالية رتيبة. ومن السهل في هذا النوع إدراك أن مصدر التوتر أو الجدال القائم في الفريق يعود إلى ذلك الشخص، بغض النظر عن السبب. ويشكّل النزاع الناجم عن فرد واحد نسبة 20-25% من النزاعات، وهي حالة شائعة جداً.
وإذا واجه فريقك هذا النوع من النزاعات، فاحرص على ألا يتحالف أعضاؤه ضد الشخص المعارض؛ إذ من السهل تحميله مسؤولية كل الأمور السلبية التي تؤثر في الفريق، أو تجاهل آرائه استناداً إلى "حكم الأغلبية" وإنهاء النزاع بسرعة؛ لكن هذا النهج خاطئ، فهو لا يتيح لك الكشف عن المشكلات الكامنة المحتملة، مثل التحديات الشخصية التي تواجه الشخص المعارض، أو عدم وضوح دوره في الفريق، أو افتقاره إلى التحفيز؛ في حين يتمثّل النهج الأفضل الذي يُسهم في التخفيف من حدة التوتر في تبني وجهات نظر الآخرين. يمكنك تطبيق هذا النهج في اجتماعات الفريق لتكون قدوة لهم وتوضح لهم كيفية احترام وجهات نظر الآخرين. اسأل الشخص المعارض أسئلة صادقة لتفهم وجهة نظره الفريدة، وتحفّز الآخرين على التعاطف معه، ما يُسهم في الوقت نفسه في توليد روئ ثاقبة جديدة لفريقك. تشير البحوث إلى أنه عندما يتعرف الأشخاص على وجهات نظر مختلفة، يزداد احتمال استكشافهم مجموعة متنوعة من الأفكار، ما يزيد من قدرتهم على التعلم من المشكلات واكتساب فهم أعمق حولها.
تجنب أيضاً إلزام الفريق كله حضور برنامج بناء فرق العمل في محاولة لحل مشكلة المعارض الفردي المثير للمشكلات، إذ من المحتمل أن يثير ذلك استياء أعضاء الفريق الذين يعلمون أنهم ليسوا جزءاً من المشكلة؛ كما أن هذا النهج لا يعالج جذر المشكلة الحقيقي، بل من الأفضل التدخّل ومواجهة هذا الشخص وجهاً لوجه. يمكنك التدخل بنفسك بصفتك قائد الفريق أو طلب ذلك من عضو آخر. قد يُسهم سماع وجهة نظر هذا الشخص المعارض، وفهم أسبابه وراء النزاع، وتوجيهه في كيفية التعامل في بناء جسور التواصل. وإذا اكتشفت هدى أن سبب الاحتكاك في الفريق عائد إلى فرد واحد، فعليها أن تجري محادثة فردية معه دون إشراك الفريق كله.
النزاع الثنائي: اختلاف شخصين في الفريق في الرأي
صدق أو لا تصدق، تشكّل النزاعات التي تحدث بين شخصين في فريق نسبة 35% من النزاعات، وهو النوع الأكثر شيوعاً منها. قد تفترض أن هذا النوع سيتصاعد بمرور الوقت ليشمل مزيداً من الأفراد في الفريق، لكن الأدلة تشير إلى عكس ذلك؛ إذ يميل معظم الأشخاص غالباً إلى تجنب التحيّز عندما يحدث نزاع بين شخصين في الفريق، ما يجعل النزاع يستمر بينهما إلى حين انتصار أحدهما، أو تدخّل شخص ما للتوسط في حل النزاع.
وقد يكون النزاع الثنائي ناتجاً من علاقة متوترة بين شخصين، ولا سيما إذا كان هذا التوتر ناجماً عن تاريخ سابق من العداء بينهما. وإذا كان النزاع مبنياً على العلاقات بالفعل، فعليك التعامل مع الوضع بحذر عند محاولة حله. قد يكون التوسط مفيداً بالفعل، إذ يساعد التحدث مع كل فرد على حدة، ثم جمعهما معاً، على إتاحة الفرصة لهما للتعبير عن مشاعرهما ووجهات نظرهما. وعلى الرغم من ذلك، من الأفضل تنظيم هذه الجلسات بمعزل عن الفريق وبصورة سرية، أي لا تدع تسوية الخلاف تتحول إلى مشكلة تحدث على مرأى من بقية الفريق؛ إذ قد يكون بعض أعضائه غير مدركين لوجود النزاع حتى؛ بل فكّر في مدى أهمية أن يعمل هذان الشخصان في الفريق نفسه؛ وإذا كان وجودهما مهماً بالفعل، ففكر في طريقة لإعادة تنظيم سير العمل للحد من حاجتهما للتفاعل معاً. على سبيل المثال، إذا اكتشفت هدى أن النزاع في فريقها عائد إلى علاقة مفككة بين فردين، فعليها البحث عن وسيلة لحل النزاع بينهما.
إما إذا كان النزاع بين الفردين عائداً إلى خلاف حول مهام الفريق، فعلى القادة استخدام استراتيجية مختلفة. قد يساعد هذا النوع من الاختلاف الفريق على تحقيق أداء أفضل على المدى الطويل، شرط الحفاظ على سلمية النزاع. وغالباً ما يُحلّ النزاع تلقائياً عندما يتفق أفراد الفريق على الإجراءات التي يجب اتخاذها. تُعد النقاشات البسيطة حول الأفكار ضرورية، مثل الأحاديث العابرة التي تحدث بين شخصين في الردهة أو في أثناء انتظار الآخرين للانضمام إلى اجتماع افتراضي أو بين الاجتماعات، فهي تساعد الأشخاص على التحقق من أفكارهم بصورة غير رسمية، وتمنحهم فرصة النزاع بأسلوب ودي، مثل تمارين "المجموعات الثنائية" في القاعات الدراسية، ما يُمكنهم من إعادة النظر في آرائهم وعرض أفضلها أمام الفريق. ووجدنا أيضاً أن الفرق التي تتضمن عدة أزواج من الأفراد الذين يختلفون في الأفكار تتفوق على تلك التي تواجه نزاعاً واحداً فقط بين فردين.
وبما أن النزاع المتعلق بالمهام قد يكون مفيداً للمجموعات، قد يتساءل القائد الحكيم عن إمكانية إتاحة الفرصة للتعلم في الفريق عن طريق تعيين شخص يعترض لمجرد إثارة الجدال بين عضوين أو أكثر. قد تبدو هذه الفكرة جذابة بالفعل، لكنها لن تحقق النتائج المرجوة. في الواقع، تُظهر الدراسات أن النزاع المصطنع أو تعيين شخص يعترض لمجرد إثارة الجدال يبدو عملية فعالة، لكنه لن يثير رد الفعل النفسي نفسه المتولد عند الاستماع إلى وجهات نظر مختلفة بصدق، ولن يسفر عن اتخاذ قرارات أفضل للفريق حتى. بل تتمثّل الاستراتيجية الأفضل في تكوين فريق متنوع، والسماح بحدوث اختلافات حقيقية في الرأي وتشجيعها بدلاً من خلق اختلافات مصطنعة؛ إذ تمتلك الاختلافات الحقيقية في الرأي القدرة الفعلية على تحفيز التفكير التباعدي وتحسين أداء الفريق.
المجموعات المتنازعة: اختلاف مجموعتين في الفريق في الرأي
يحدث النوع الثالث من النزاعات عند اختلاف مجموعتين في الفريق في الرأي. قد تميل كل مجموعة إلى تحديد هدف مختلف للفريق، أو العمل على مشروع مختلف، أو التوصل إلى نتيجة متباينة للقرار. قد يشارك معظم أعضاء الفريق في هذا النوع من النزاعات من خلال الانحياز إلى مجموعة معينة أو أخرى. ويشكّل هذا النوع نسبة 20-25% من النزاعات في الفرق.
يؤدي هذا النزاع إلى تشكيل جانبين متعارضين يتمتعان بالقوة نفسها تقريباً نتيجة لتحالف عدة أعضاء من الفريق في كل جانب، ما يجعل هذا النوع من النزاعات فريداً وخطيراً. وبما أن المجموعتين المتعارضتين متقاربتان في القوة تقريباً في هذا السيناريو "فريقنا ضد الفريق الآخر"، فلن يكون أي منهما على استعداد للتفكير من وجهة نظر الفريق الآخر، بل سيركز أعضاء كل جانب على تحقيق النصر عن طريق الإصرار على مواقفهم. ولن تكون استراتيجية التصويت مُجدية أيضاً؛ وحتى لو انتصر أحد الجانبين، سيشعر الجانب الآخر عادة بالتجاهل، ومن المرجح أنه لن يدعم تنفيذ القرار أو تطبيقه على أكمل وجه.
تقترح البحوث إمكانية كسر الجمود عن طريق إدخال أفكار أو بدائل أو أهداف إضافية للتقدم في ظل الاختلافات، على الرغم من أنه اقتراح منافٍ للمنطق؛ لكن في الواقع، يُتيح تبني هذه الاستراتيجية لأفراد المجموعتين فهم مصالحهم الأساسية وإجراء تنازلات بين القضايا المهمة وغير المهمة، ما يوفر حلاً أكثر شمولية يمكن لكلا الجانبين دعمه. لذا، إذا تطور النزاع في فريق هدى إلى نزاع بين مجموعتين متنازعتين، فعليها أن تلتمس مساعدة شخص خارجي لتحدي تفكير المجموعة أو تقديم خيارات جديدة.
تبادل اللوم: اختلاف الفريق كله في الرأي
تنطوي الصورة النموذجية لنزاع الفريق على تجادل أفراده معاً، وهو نمط نادر نسبياً، على الرغم من أنه يحدث من وقت لآخر؛ وتشهد نسبة أقل من 15% من الفرق هذا النوع من النزاع الصريح.
قد يظهر هذا النوع من النزاعات في مرحلة مبكرة من مشروع ما، عندما يمتلك كل فرد في الفريق فكرة مختلفة عما يجب أداؤه. وينشأ النزاع في الفريق كله غالباً استجابة لأداء الفريق الضعيف والملاحظات ذات الصلة. في الواقع، يحفز الأداء السيئ أعضاء الفريق على تبادل اللوم والاتهامات فيما بينهم، وهذا ما اختبرته هدى في بداية اجتماع فريقها. وعلى الرغم من أن إلقاء اللوم لأداء الفريق السيئ على أشخاص محددين يبدو حلاً مغرياً، يؤدي ذلك عادة إلى تأجيج النزاع بدلاً من حلّه.
يتمثّل النهج الأمثل عند حدوث نزاع في الفريق كله في تعاون الأعضاء معاً بما يخدم مصلحة الفريق؛ قد يعني ذلك توضيح هدف الفريق أو رؤيته بصورة أفضل، أو إعادة تأكيد هوية الفريق. أما في حال فشل الفريق، فيجب التركيز حينها على تقديم ملاحظات حول الأداء السيئ بالكامل بدلاً من إلقاء اللوم على أفراد محددين. على سبيل المثال، يمكن لقادة الفريق أو أعضائه توضيح الاستراتيجيات التي يمكن للجميع تحسينها أو الإسهام فيها بطريقة إيجابية، وذلك من خلال التركيز على المستقبل بدلاً من الخوض في تفاصيل هوية الشخص الذي قدّم الأداء السيئ وماهية ذلك الأداء ووقت تقديمه.
تبيّن أن هدى كانت تواجه نزاعاً في فريقها كله. فنصحناها بتحويل مسار المحادثة؛ أي التركيز على أهمية العمل معاً من أجل حل المشكلات والتخطيط للمستقبل بدلاً من التركيز على أسباب التقييمات السلبية. وتمثّلت النتيجة في تحوّل في أسلوب الحديث إلى أسلوب بنّاء يركز على حل المشكلات التي تناولت القضايا المطروحة وأسهمت في النهاية في تحسين أداء الفريق.
التعامل مع النزاع
قد يكون النزاع في فريقك فريداً، مثل الأفراد المنخرطين فيه تماماً، ومع ذلك، قد يندرج أيضاً في أحد هذه الأنواع الأربعة. توفر لك معرفة نوع النزاع في فريقك مزيداً من المعلومات حول عدد الأشخاص المتورطين في النزاع، وكيفية تورطهم فيه، والمجالات التي يجب تركيز الجهود عليها لتحقيق نتائج إيجابية منه.
وثمة نقطتان رئيسيتان يجب على المدراء وقادة الفرق وضعهما في الاعتبار. أولاً، التعامل مع النزاع استناداً إلى نوعه. استخدم معتكفات بناء الفريق للنزاع الذي يشمل أعضاء الفريق جميعهم ويتطلب تحقيق وحدة الفريق كله. ثانياً، اهتم بالأطراف المعنية في النزاع. عندما يمثّل أحد الأطراف أقلية (شخص واحد مثلاً)، فلا تمنح الأغلبية فرصة إجراء تصويت مبكر لمنع الجانب الآخر من التعبير عن رأيه. وعندما تكون وجهات نظر الأطراف المتنازعة متناقضة تماماً، فعليك إيجاد حلول مبتكرة للتقريب بينها. إذا تدخلت بذكاء في بداية النزاع، فيمكنك حينها أن تقلل من عواقبه الطويلة الأمد وتحسن نتائج الفريق.