تقرير خاص

تسخير الذكاء الاصطناعي للتنمية الاقتصادية: التحديات والفرص

13 دقيقة
عجلة التنمية الاقتصادية
shutterstock.com/smshoot

اليوم، أصبح دفع عجلة التنمية الاقتصادية مهارةً وعلماً في آن واحد.

تزداد مهمة قادة التنمية الاقتصادية صعوبة بمستويات تفوق أي وقت مضى. فنطاق المهمة لا ينفك يتسع وتتعدد مساراته، بين دعم النمو الاقتصادي، وتعزيز القدرة على مواجهة الأزمات، وتيسير فرص العمل بالوفرة المنشودة، وإحداث تغيير جذري شامل في مفردات سوق العمل. وقد يصل حجم الإنفاق على النمو الاقتصادي إلى تريليونات الدولارات؛ فنجد مثلاً أن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تنفق ما متوسطه 3.9% من نواتجها الإجمالية المحلية على شؤون اقتصادية. ومع ارتفاع أسعار الفائدة بوتيرة متوالية في العديد من دول العالم، تقلصت المرونة المالية الحكومية. كما أن الاقتصاد العالمي لم يستفق تماماً بعد من تأثير جائحة كوفيد-19، التي عصفت بمخرجات الاقتصاد العالمي جميعها.

وفي المقابل، تؤثر قوالب البيانات الجديدة وأساليب تحليلها في عمل الشركات والحكومات على حد سواء. فبمقدور الذكاء الاصطناعي التوليدي وحده توليد قيمة قدرها من 2.6 تريليون إلى 4.4 تريليونات دولار في مختلف القطاعات. ولكن تحقيق هذه القيمة إلى واقع ملموس يتطلب أفكاراً جديدة ومقاربات غير تقليدية. نتناول في هذا المقال ما يقدّمه الذكاء الاصطناعي من فرص أساسية، وما قد يقف حجر عثرة أمام الاستفادة من هذه التكنولوجيا، وكيف تتغلب الشركات على تلك العوائق.

5 تطبيقات واعدة للذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي قادر على إحداث تحول كامل في العديد من القطاعات والصناعات وإدارات الشركات، وهناك تحديداً 5 مجالات للتنمية الاقتصادية تُعد الأفضل استفادةً من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

سلاسل القيمة التنافسية العالمية. من مهام قادة التنمية الاقتصادية تحديد المجالات التي يمكن لبلدانهم أو مناطقهم منافسة بقية العالم فيها. وهكذا، يشرعون في تقييم إسهام القطاعات المفترضة في النمو الشامل المستدام والقادر على تجاوز الأزمات، ما يتيح لهم الانتباه إلى ما يظهر من فرصة جديدة واعدة. ومن خلال التحليل اللحظي للأسواق، ورصد الاتجاهات الاقتصادية الناشئة، وتحديد المجالات المؤهلة للنمو، تزود نماذج التحليل القادة بقدرات جديدة ذات تأثير لا يستهان به.

لنأخذ على سبيل المثال إحدى مدن شرق آسيا، التي استعان مسؤولوها بنماذج تحليل لتحديد مجالات جديدة للمنافسة في قطاعي المشروبات وقطع غيار السيارات، حيث تمتلك المدينة بالفعل قدرة وكفاءة في هذين القطاعين. وبالتركيز على القطاعين، والاستفادة من مواهب الموارد البشرية، وكفاءة البنية التحتية، ومتانة سلسلة التوريد، تمكّنت المدينة من رفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنحو 8,500 دولار في غضون 6 سنوات.

برامج دعم التجارة وجذب الاستثمار. يركز العديد من قادة التنمية الاقتصادية على جذب الاستثمار الأجنبي وزيادة الصادرات. ويساعدهم الذكاء الاصطناعي غلى اختيار الشركات التي قد تعزز التنمية الاقتصادية المحلية، والتعرف على المجالات التي قد تتوسع فيها تلك الشركات، وتقدير ناتج الاستثمارات، ووضع موازنة لجهود الحكومات في جذب الشركات.

تستعين مؤسسة (REDI Cincinnati) الأميركية، وهي مبادرة تنمية اقتصادية إقليمية، بالتحليل التنبؤي لتحديد الشركات القادرة على تنفيذ استثمارات مستقبلاً. ويستخدم نموذجها، الذي يقوم على معلومات الأعمال والتحليل اللحظي للبيانات، نقاط بيانات مثل صفقات الاستحواذ والاندماج والقوائم المالية للشركات في استهداف مبكر للشركات التي تخطط للاستثمار والتوسع. ونجحت المؤسسة حتى الآن في جذب استثمارات بقيمة تجاوزت 6 مليارات دولار.

برامج مستقبل العمل. يمكن لجهات تنظيم العمل استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد المتغيرات المهمة الطويلة الأمد في سوق العمل وتمكين التحول الضروري. كما يمكن لنماذج التحليل تحديد الوظائف التي قد تتأثر بعوامل مثل الأتمتة والاتجاهات الاقتصادية العالمية. وقد توصي بالوظائف ذات الصلة والأكثر مرونة التي يمكن للعاملين إعادة تدريب أنفسهم من أجل العمل فيها.

وتستخدم وزارة العمل والتقاعد في المملكة المتحدة تحليل قوة العمل لتقدير حجم الطلب على العمال في مختلف الوظائف. وهو ما يتيح للباحثين عن عمل البحث عن فرصة في سوق العمل المتغيرة بطريقة أفضل. وعلاوة على ذلك، يمكن للجهات الحكومية تقديم مزيد من برامج التدريب وصقل المهارات في الوظائف ذات معدلات النمو العالية، مثل قطاعي الرعاية الاجتماعية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

التنبؤ الاقتصادي اللحظي والمستقبلي. لم تعد وزارتي المالية والاقتصاد والبنوك المركزية مضطرة إلى رصد أزمة بعد أشهر من اندلاعها بالفعل. فاليوم، يستخدم القادة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لاكتشاف بوادر الأزمات مبكراً، ما يتيح لهم إجراء تصحيحات وتوجيه الاقتصاد خلال دوراته الاقتصادية المختلفة بوتيرة أسرع.

على سبيل المثال، تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نمو الناتج المحلي الإجمالي أسبوعياً من واقع بيانات 46 دولة عبر مختلف القطاعات الاقتصادية. ويستخدم النموذج تعلم الآلة لتحديد الارتباطات بين تكرار البحث عن مصطلحات مثل "البطالة"، و"الاستثمار"، و"الأزمة"، و"الانكماش"، ومتغيرات مكونات الناتج المحلي الإجمالي المختلفة. ومن خلال توفير قياسات لحظية للنشاط الاقتصادي، يمكن لراصد (OECD) الأسبوعي تقييم البيانات السريعة التغير، كما في حالة اندلاع أزمة اقتصادية.

تطوير الخدمات العامة بنظم المعلومات الجغرافية والبيانات المكانية. تستخدم الجهات الحكومية على نحو متزايد البيانات المكانية وصور الأقمار الصناعية لتعزيز تقديم الخدمات العامة، ورفع مستوى الاستجابة للكوارث، وتعزيز تطوير مدن أذكى وأكثر استدامة وجاهزية للمستقبل. ونظراً لحجم مجموعات البيانات هذه ودقتها، قد تكون هناك حاجة إلى نماذج ذكاء اصطناعي معقدة لإنتاج مقاييس شبه لحظية.

يستعين نهج كازاخستان في تحديد البنية التحتية في المجتمعات الريفية وتطويرها بنموذج إحصائي يجمع بين البيانات الجغرافية والديمغرافية والاقتصادية وأساليب التحليل. وحلل هذا النموذج أكثر من 6,293 مجتمعاً، لاختيار 3,500 مجتمع من بينها بأعلى إمكانيات تطوير؛ حيث يعيش فيها نحو 90% من إجمالي سكان الريف. ونتيجة لذلك، يمكن لقادة الحكومة توفير الخدمات الأساسية والبنية التحتية في المناطق الريفية بقدر أكبر من الكفاءة والدقة.

3 تحديات

يجب على قادة التنمية الاقتصادية أن يكونوا على علم بـ 3 تحديات رئيسية عند التوسع في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي: امتلاك البيانات الصحيحة، وجذب المواهب، وكسب ثقة الناس.

البيانات

في ظل نقص البيانات، يصعب على قادة التنمية الاقتصادية توقع الاتجاهات الاقتصادية الكبرى بدقة، ومقارنة تأثير الاستثمارات في مناطق مختلفة، وإعداد القوى العاملة لسوق عمل متغيرة. إضافة إلى ذلك، هناك فجوة بين الوسط الغني بالبيانات وذلك الفقير بالبيانات فيما يتعلق بجودة البيانات وتوافرها وتكلفتها. فعلى سبيل المثال، لا يسجَّل إلا أقل من نصف إجمالي المواليد في دول إفريقيا جنوب الصحراء، وكان آخر تعداد سكاني أجرته أفغانستان في عام 1979، وهناك نحو مليار شخص في جميع أنحاء العالم لا يحملون بطاقة هوية رسمية.

عن كوانتوم بلاك – أداة الذكاء الاصطناعي من ماكنزي

يساعد كوانتوم بلاك (QuantumBlack)، وهو ذراع الذكاء الاصطناعي لشركة ماكنزي، الشركات على تنفيذ برامج التحول باستخدام قدرات التكنولوجيا والخبرة الفنية وخبراء الصناعة. ومع وجود آلاف الممارسين في كوانتوم بلاك (مهندسي البيانات، وعلماء البيانات، ومدراء المنتجات، والمصممين، ومهندسي البرمجيات) وفي ماكنزي (خبراء القطاعات والمجالات)، نعمل على حل أهم تحديات الذكاء الاصطناعي في العالم. وتُعتبر مختبرات كوانتوم بلاك مركز تطوير التكنولوجيا والابتكار للعملاء، التي تقود تطوير الذكاء الاصطناعي عبر مواقع عدة في جميع أنحاء العالم.

ويكمن التحدي في الأوساط الغنية بالبيانات في التمييز بين الدلالات الصحيحة والوهمية. فلا تنبع جودة مخرجات نماذج التحليل إلا من جودة البيانات التي تحللها، كما أن العمل على بيانات غير متكاملة أو مُصنفة يعرقل المشاريع ويزيد التكلفة. ويمكن ألا تتوافق البيانات المنخفضة الجودة مع استخدام أساليب التحليل القائمة على الذكاء الاصطناعي. وقد تبين لإحدى الدراسات العالمية أن 45% من المطورين يرون أن البيانات الحكومية واضحة ودقيقة، ما يعني أن أكثر من نصف المطورين يعتقدون أنهم يتعاملون مع بيانات غير متناسقة أو غير دقيقة. ورأى أقل من 35% أن البيانات موثقة جيداً.

تُعد إتاحة البيانات من التحديات التي ذكرها الخبراء. فعادة ما تتطلب نماذج التحليل مجموعات كبيرة من البيانات لتنفيذ تنبؤات دقيقة، لكن الإدارات البيروقراطية المنعزل بعضها عن بعض، وتباين الأجندات السياسية، واللوائح التنظيمية المقيّدة، تمنع المؤسسات من تقديم البيانات المطلوبة.

المواهب

تجد مؤسسات القطاع العام صعوبة كبيرة في جذب المواهب. ففي المملكة المتحدة، أفادت 51% من مؤسسات القطاع العام بأنها تواجه صعوبة في تغطية الوظائف الشاغرة، مقارنة بـ 38% من شركات القطاع الخاص. وقد يكون تعيين الموظفين الأصغر سناً والمتمرسين في مجال التكنولوجيا مهمة أكثر صعوبة. ففي حكومة الولايات المتحدة، على سبيل المثال، هناك أكثر من 4 موظفين في مجال تكنولوجيا المعلومات تبلغ أعمارهم 60 عاماً فأكثر مقابل كل موظف يبلغ من العمر 30 عاماً فأقل.

وأكد القادة الحكوميون الذين حاورناهم أن المنافسة على اقتناص المواهب مع القطاع الخاص عاقت قدرتهم على توظيف المواهب الفنية. فعلى سبيل المثال، يوجد حالياً عدد من الوظائف الشاغرة التي تتطلب معرفة بلغة البرمجة بايثون يساوي عدد المهنيين المهرة في لغة البرمجة هذه، ويوجد 0.9 عالم بيانات لكل وظيفة شاغرة تتطلب مهارات في علم البيانات. ومن نتائج ذلك أن يطلب المرشح للوظيفة راتباً أعلى من الميزانية التي حددها العديد من مؤسسات القطاع العام لتلك الوظيفة.

الثقة

تجد المؤسسات العامة الملتزمة بالشفافية في اتخاذ القرارات صعوبة في الاستفادة من أدوات لا يمكن استجوابها للحصول على تفسير ولا يمكن مساءلتها. ويُقال إن أساليب تعلم الآلة خافية عن كثيرين، لأنها تقدم نتائج لا يمكن تفسيرها بسهولة على أنها علاقات خطيّة بين متغيرات. وهذا ما يقوّض الثقة في مخرجات النموذج، ويُعزى إليه عدم ارتياح الكثير من الناس لمخرجات الذكاء الاصطناعي. وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته شركة إبسوس، شمل نحو 22,800 شخص في 31 دولة، أن ما يقرب من نصف عدد المشاركين في الاستطلاع أعربوا عن قلقهم بشأن المنتجات والخدمات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي.

تتمثل إحدى الفوائد المحتملة لاستخدام أساليب تعلّم الآلة لتحليل كميات كبيرة من البيانات في توفير رؤى فريدة لا يمكن أن يوفرها النهج القائم على فرضيات يطرحها العنصر البشري. على سبيل المثال، قد توضح خوارزمية وجود فرصة كبيرة غير مستغلة في إحدى الدول لإنتاج مضخات المياه. ولكن سيكون من الصعب إقناع المستثمرين ودافعي الضرائب بالفكرة إذا لم يفهم المسؤولون التنفيذيون الحكوميون كيفية توصل الخوارزمية إلى هذا الاستنتاج. وقد تساءل بعض صانعي القرار الذين تحدثنا إليهم عما إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي فهم السياق الثقافي لاتخاذ قرارات التنمية الاقتصادية.

وأفاد عدد من مسؤولي القطاع العام أن مؤسساتهم بصدد إطلاق مشاريع تجريبية للذكاء الاصطناعي، لكنهم يرون أن التقدم بطيء. ويؤدي غياب الزخم إلى الإحباط، ثم إلى خفض الميزانية المخصصة فيحدث مزيد من التأخير. على سبيل المثال، تكشف التقديرات الرسمية أن 38% فقط من حالات استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع العام في الاتحاد الأوروبي وصلت إلى مرحلة التنفيذ، ولا تزال الغالبية في مرحلة التطوير أو في المرحلة التجريبية.

7 استراتيجيات للاعتماد على الذكاء الاصطناعي

يمكن لمؤسسات القطاع العام دراسة الاستراتيجيات السبع الآتية للمساعدة في تسريع جهودها نحو تبنّي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

1. الاستعانة بالذكاء الاصطناعي وتطبيقات التكنولوجيا المتقدمة لتجاوز التعقيدات

التكنولوجيا الجديدة معقدة، إلى حد لا يشجع كثيرين على استخدامها. ومع ذلك، يمكن أن يساعد الجمع بين الذكاء الاصطناعي وأدوات أخرى صانعي القرار عند التركيز على الأولويات والمقاييس الأهم، كما يمكن استخدام النماذج لتجميع المعلومات بكفاءة.

2. التأكد من ترسيم خريطة حالات الاستخدام وفقاً للاحتياجات الأساسية

يمكن للقادة الحكوميين إعطاء الأولوية للمكاسب السريعة عند البدء في التعامل مع الذكاء الاصطناعي، وهذا منطقي بالنظر إلى أهمية الحفاظ على حماس الموظفين خلال التدريب على اكتساب قدرات تقنية جديدة. ومع ذلك، لا تزال المؤسسات بحاجة إلى تحقيق قيمة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. والبدء من النهاية يبين للقادة الخطوات التي عليهم اتخاذها للوصول إلى أهدافهم، حتى لا تخصص المؤسسات الموارد لنماذج وميزات غير ضرورية.

3. ضمان إتاحة البيانات عبر مكتب إحصائي خبير، واستخدام بيانات تقدمها إحدى شركات القطاع الخاص، وتطبيق حوكمة أفضل لتبادل البيانات

ذكر العديد من القادة أن الجهات الإحصائية قادرة على النهوض بدور أساسي في تمكين الوصول إلى البيانات. فيمكن لمكتب إحصائي خبير أن يمارس استقلاليته وقدراته التقنية لنشر بيانات جديرة بالثقة تُستخدم لتوليد نماذج موثوقة. كما يمكن لهذا المكتب، الذي يتصرف بما يتوافق مع تنظيمات الخصوصية والأمن المعمول بها، أن يتعاون مع الجهات الحكومية لجمع بيانات مفيدة لصنع القرار.

امتلاك مصادر البيانات السليمة. يمكن استخدام مصادر نشر بيانات أخرى -بما يتوافق أيضاً مع اللوائح- عندما لا تتوافر بيانات حكومية. لنمعن النظر في الأمثلة الآتية:

  • تحديد المواقع الجغرافية وبيانات الأقمار الصناعية. يقسم تقرير مركز ماكنزي العالمي للأبحاث، بعنوان "تقدم متناهي الصغر: نظرة مفصلة على تطور الإنسان حول العالم" (Pixels of Progress: A granular look at human development around the world)، العالم إلى 40 ألف منطقة متناهية الصغر باستخدام صور الأقمار الصناعية الليلية وبيانات أخرى. ووجد المركز أن نمو الناتج المحلي الإجمالي يفسّر نحو 20% فقط من النمو في أي إقليم متناهي الصغر، وأبرز التقرير نماذج نجاح لم يعرف بها أحد؛ مثل مابوسا في الهند، التي رفعت نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 3 أضعاف خلال العشرين عاماً الماضية.
  • بيانات الاتصالات. استخدم البنك الدولي بيانات خدمات الهاتف الجوال، بما في ذلك مدة المكالمات، وشبكة الاتصالات، والفواتير، لتحديد أفقر الأسر في أفغانستان. وكانت هذه الطريقة مماثلة لكفاءة أساليب جمع البيانات الأكثر تكلفة، مثل الزيارات الميدانية لتعداد الأجهزة الكهربائية في المنازل.
  • بيانات المدفوعات. تقدم معاملات بطاقات الائتمان وبطاقات الخصم البيانات ذات التكرار العالي والدقة المكانية الجغرافية. وتنشر المملكة المتحدة بانتظام متغيرات إنفاق بطاقات الائتمان والخصم في فئات مختلفة مثل السلع الأساسية والإنفاق الاختياري. وتشكّل مجموعة البيانات جزءاً من مجموعة أوسع من المؤشرات التي بدأت بجمعها خلال جائحة كوفيد-19 لتتبع الأثر الاقتصادي وكذلك الاجتماعي للجائحة ووتيرة الانتعاش. وتشمل هذه البيانات معاملات أسبوعية لمتاجر شهيرة، وتأسيس الشركات وتصفيتها، وتسريح الموظفين، والرحلات الجوية، وأسعار السوبرماركت، وحركة المرور، ومخزون المنتجات في المتاجر، ومعاملات ضريبة القيمة المضافة.

ضمان الوصول الحكومي الشامل إلى البيانات بتطبيق حوكمة البيانات. من خلال ضمان توافر مجموعات البيانات، وتوافقها معاً، وإتاحة أطر حكم البيانات التي تسمح للمؤسسات الحكومية بمشاركة البيانات، تؤدي الحكومات دوراً حاسماً في تعزيز كفاءة الفِرق المطورة لنماذج التحليل. وهذا أمر جوهري، حيث تتطلب النماذج جمع مجموعات بيانات متعددة تمتلكها جهات مختلفة.

يتيح موقع البيانات المفتوحة (Data.gov) التابع لحكومة الولايات المتحدة، على سبيل المثال، ما يقرب من 300 ألف مجموعة بيانات؛ والهدف المعلن للموقع هو "تقديم معلومات تساعد على اتخاذ القرارات من العامة وصناع السياسات، وتعزيز الابتكار والنشاط الاقتصادي، وتحقيق مهام الوكالات، وترسيخ أسس حكومة منفتحة وشفافة".

4. استيعاب أن الثقة تُكتسب ببطء، وتُفقد بسرعة

ينبغي على القادة دراسة استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لإظهار ضرورة هذه الأدوات لصقل خبرات العمال وتعزيز التعاون، وأنها ليست بديلاً للعنصر البشري.

استخدام الذكاء الاصطناعي لسلاسة عمل العنصر البشري الخبير، وليس بديلاً له. تتزايد أهمية هذا الأمر في التنمية الاقتصادية، إذ تنطوي قراراتها غالباً على جوانب عديدة متنوعة. فعلى سبيل المثال، لا يقتصر صنع قرار يحدد مقدار الدعم الذي يجب على الحكومة تقديمه لجذب مستثمر لإنشاء مصنع ضخم جديد للسيارات الكهربائية بالضرورة على اتباع مجموعة من القواعد الخوارزمية. لذلك يجب أن يحدد القادة المجالات التي تسهم فيها نماذج الذكاء الاصطناعي بكفاءة في عملية صنع القرار الحكومي.

ما زلنا مع مثال مصنع السيارات الكهربائية، حيث تقدّر أداة الذكاء الاصطناعي عدد الوظائف التي يوفرها المصنع، ونسبة إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي، وحجم صادراته. وفي المقابل، تعجز النماذج التحليلية عن وضع تصور لدور الحكومة في صياغة سياسات صناعية أو إلى أي حد يمكنها إعطاء الأولوية لمركبات التنقل الشخصي على وسائل النقل العامة.

ويبين نموذج (Anticipate) السويسري إمكانية التعاون بين الخبراء والذكاء الاصطناعي. ويجمع هذا البرنامج البيانات من مختلف المصادر ويصنفها ويحللها، بما في ذلك الشبكات الميدانية والأخبار. وهو يستخدم تنبؤات الخبراء لتحسين توقعاته، مع إعطاء وزن أكبر للخبراء الذين لديهم سجل توقعات أقوى.

الحرص على إمكانية شرح النتائج. نوصي صناع القرار بدراسة الاستثمار في تثقيف الآخرين حول فوائد نماذج الذكاء الاصطناعي وحدود قدراتها. فعلى سبيل المثال، تساعد الحكومة الاسكتلندية وشركة (Mind Foundry) المستخدمين غير المتخصصين على فهم كيفية تأثير العوامل المختلفة على نتائج النماذج. والهدف من ذلك هو تشجيع الخبراء على التعاون مع أدوات الذكاء الاصطناعي، وليس استخدام الذكاء الاصطناعي بديلاً للعنصر البشري.

ضمان شفافية بيانات السياسات (خصوصية البيانات مثلاً) والتحكم في تحيزات البيانات لتبديد مخاوف كبار المسؤولين الحكوميين. وضعت المملكة المتحدة "معيار تسجيل الشفافية الخوارزمية" لتنظيم نشر الجهات العامة معلومات عن خوارزمياتها، بما في ذلك الأسباب التي تبرر استخدامها، وآليات الرقابة البشرية، والمواصفات الفنية، والمخاطر المحتملة والتخفيفات، وتقييم التأثير. ويحد ذلك من مخاطر إساءة استخدام الخوارزميات من الجهات العامة، ويساعد في نشر أفضل الممارسات، وزيادة الثقة في استخدام تلك الأدوات.

تطوير ابتكارات داخل المؤسسة أو عقد شراكة مع مؤسسات محلية. نظراً لأن بعض النماذج تتطلب الوصول إلى بيانات حساسة، تتردد الحكومات في مشاركتها مع المؤسسات الخارجية. ويخشى القادة أحياناً من تسرب بياناتهم وابتكاراتهم عن طريق الشركات الأجنبية التي تمتلك أصولاً وعدداً أقل من الأشخاص الذين يمكن محاسبتهم. كما يتشككون في قدرة الخبراء الأجانب على بناء أدوات متوافقة مع القيم والأعراف المحلية. وتشير مقابلاتنا التي أجريناها مع مسؤولي تنمية الاقتصاد إلى أن المشاركة مع المؤسسات المحلية يمكن أن تكون طريقة لبناء الثقة.

شكّلت شركة الذكاء الاصطناعي الإماراتية (G42) تحالف شركات في أبو ظبي لتطوير جيس (Jais)، وهو نموذج لغوي كبير باللغة العربية. وضم التحالف جهات حكومية ومؤسسات أكاديمية وشركات عامة وبنوكاً محلية، حيث شاركت جميعها البيانات التي استُخدمت لإنشاء النموذج.

5. عقد الشراكات وبناء علاقات توجيهية وتنفيذ برامج دورية، والتعاون مع مزودي الخدمات الخارجية للمساعدة في بناء الخبرة وتعزيزها

يمكن للمؤسسات تنفيذ برامج الإرشاد والتوجيه، والتواصل مع مزودي خدمات خارجيين للوصول إلى نماذج اقتصادية كبرى، وعقد شراكات مع جهات أخرى لتسريع تحقيق النتائج المفيدة.

الشراكات. امتلكت غالبية المؤسسات التي درسناها فرق عمل محدودة الخبرة في مجال الذكاء الاصطناعي والتحليل. وتؤدي الشراكات دوراً حاسماً في تحقيق قيمة كبيرة بموارد محدودة. فعلى سبيل المثال، تعاونت جامعة أكسفورد، وشركة (Vivid Economics) (إحدى شركات ماكنزي)، واللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة، لتحديد الفرص الاقتصادية الجديدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وتبين أن الاستثمار في الطاقة المتجددة على نطاق الخدمة العامة، وخطوط الكهرباء، والشبكات الصغيرة والمتناهية الصغر، والتكيف مع التغيرات المناخية يمكن أن يكون مجدياً.

برامج التدريب الدوارة. تجتذب برامج التدريب الدوارة علماء البيانات الموهوبين والشركات الخاصة للعمل في المؤسسة الحكومية لبضعة أشهر، حيث يمكنهم تدريب أعضاء الفريق الأقل خبرة. وعلى سبيل المثال، تمكن الحكومة الفيدرالية الأميركية مختصي تكنولوجيا المعلومات وأمن المعلومات من العمل مؤقتاً في وكالات أخرى. ويسمح ذلك للمهنيين ذوي الخبرة بامتلاك القدرات التقنية اللازمة في الوكالات الأقل نضجاً في هذا المجال.

برامج الإرشاد والتوجيه. تسمح برامج الإرشاد لقادة التنمية الاقتصادية ذوي الخبرة بتعزيز قدرات الأفراد في المؤسسات الجديدة. وتُرشد بعض الوكالات البريطانية المؤسسات التي تعتمد على التحليل في البلدان الناشئة، وتساعد الفرق ذات الموارد المحدودة على تعلم لغات برمجة جديدة واعتماد أفضل الممارسات في تحديد المشاريع وإدارتها وضمان الجودة وغيرها.

مزودون من الخارج. يمكن لفرق العمل ذات الموارد المحدودة التركيز على تقديم رؤى مخصصة لصناع القرار. ويمكن شراء النماذج الاقتصادية الكبرى والأدوات الأخرى وتخصيصها بدلاً من بنائها من الصفر.

6. تجميع الموارد من بناء مراكز تميز

تستخدم بعض المؤسسات والحكومات مراكز التميز، التي تركز على مجالات معرفية محددة، لإنشاء منصات رقمية وأدوات أخرى بهدف تقليل التكرار وتسهيل الوصول إلى البيانات.

تساعد مراكز التميز في جذب المواهب وتنفيذ المشاريع بكفاءة عالية. يمكن للحكومات إنشاء مراكز التميز لدعم المواهب وتوجيهها نحو البرامج الأهم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام مراكز التميز لإنشاء منصات مشتركة تعزز الخدمات الإلكترونية وتساعد في تفكيك العوائق داخل الحكومة. على سبيل المثال، خدمة الحكومة الرقمية في المملكة المتحدة، التي تضم فريقاً مكوناً من 750 مديراً للمنتجات ومهندس برمجيات وخبراء آخرين، أنشأت منصات رقمية يستخدمها اليوم أكثر من 1,900 مؤسسة في القطاع العام.

مركزية الأدوات والعمليات تساعد المؤسسات في توفير الجهد والمال. يجب على القادة أن ينظروا إلى كيفية مشاركة أدوات الذكاء الاصطناعي بدلاً من تكرارها. فمثلاً، قد تحتاج وزارتي الاقتصاد والمالية في حكومة ما إلى الحصول على توقعات اقتصادية، ولكن هذا لا يعني بالضرورة إنشاء منصتين مختلفتين معتمدتين على الذكاء الاصطناعي. ويوفر منع التكرار مبالغ كبيرة. وأظهرت دراسة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن مركزية عمليات المشتريات العامة في أي دولة تقلل التكلفة إلى حد بعيد.

يجب على القادة أن ينظروا إلى كيفية مشاركة أدوات الذكاء الاصطناعي بدلاً من تكرارها، حيث يوفر منع التكرار مبالغ كبيرة.

7. وضع استراتيجية قوية لجذب تشكيلة متنوعة من المواهب والاحتفاظ بها وتطويرها

لا تعد المكافآت المالية العنصر الوحيد الذي يمكن للشركات استغلاله لجذب أفضل المواهب، إذ أصبحت المرونة أمراً أساسياً ومتزايد الأهمية عند اختيار الموظفين. ويمكن للشركات التي تولي أهمية أكبر لتوظيف الأفراد بناءً على مهاراتهم توسيع قاعدة البحث عن الموظفين المؤهلين.

حدد الراتب بالإضافة إلى الجوانب الأخرى. تنفق الحكومات ما يقدر بـ 209 مليار دولار سنوياً على خدمات تكنولوجيا المعلومات. وخلال العقود الماضية، قامت العديد من الحكومات بتعهيد قدراتها الرقمية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى شركات خارجها، ومن أسباب ذلك ما تجده من صعوبات في جذب المواهب. [30] وتعتبر الرواتب عاملاً مسهماً، إذ يمكن أن تواجه مقاييس الأجور في القطاع العام صعوبات في مواكبة طلب السوق على علماء البيانات والمختصين الآخرين. ومع ذلك، فليس الراتب سوى عامل من عدة عوامل يمكن لكيانات الحكومة استخدامها لجذب المواهب والاحتفاظ بها.

ويظهر استقصاء أجرته ماكنزي بين الموظفين الحكوميين في الولايات المتحدة أن الموظفين الذين يرغبون في البقاء في مؤسساتهم يقدّرون القيام بعمل هادف له معنى ويتمتعون بمرونة في أوقات العمل. في خين يشير أولئك الذين ينوون ترك وظائفهم إلى أنهم يشعرون بالإحباط من محدودية الخيارات المتاحة لتطوير مساراتهم المهنية وتولي مناصب قيادية.

دراسة الاستعانة بموارد مواهب بديلة. يمكن لفرق الذكاء الاصطناعي والتحليل التوسع بوتيرة أسرع إذا استخدمت موارد بشرية متنوعة، تشمل المهاجرين بطريقة قانونية والمرشحين ذوي المهارة الذين لا يحملون شهادات جامعية.

بناء فريق من خلفيات متنوعة. يشمل الفريق الناجح اقتصاديين وخبراء ومدراء مشاريع ومختصي اتصال مؤسسي، وعلماء بيانات.

بعد سنوات من تعامل قادة التنمية الاقتصادية مع سلسلة من الأزمات، بما في ذلك جائحة كوفيد-19 وارتفاع معدلات التضخم، أصبحوا يعتمدون بوتيرة متزايدة على الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا متقدمة أخرى لجذب الاستثمارات، وتأهيل العمال، ودعم النمو الاقتصادي. وأبرزت الصدمات الأخيرة مزايا صنع القرارات وفق البيانات والتحديات التي يمكن أن يواجهها القادة في الحصول على بيانات في الوقت المناسب. ويتطلب تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي في المؤسسات قدرات قيادية جديدة، ويحتاج المسؤولون إلى نهج مثابر جديد، للتفاعل مع الأزمات في التوقيت المناسب، ولتحقيق تقدم مستدام بخطوات صغيرة متواصلة، لن يكون تأثيرها النهائي واضحاً بالكامل إلا بعد سنوات. وقد لا تكون هناك أي جاذبية في دفع عجلة التنمية الاقتصادية بمساعدة الذكاء الاصطناعي، ولكن هذا يسهم بلا شك في منع اندلاع أزمات جديدة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي