توقف عن وصف كل حديث في العمل على أنه اجتماع

3 دقيقة
اجتماعات

عدت للتو من محاضرة ألقيتها في مؤتمر حضره 500 شخص في مدينة على الساحل الغربي، وكانت الشركة قد وصفت المؤتمر في الدعوة التي أرسلتها إليّ بأنه اجتماعها السنوي. ولديّ اليوم مناقشة مجدولة مع ممثلَي شركة تكنولوجيا ناشئة حول سبل التعاون في أحد مشاريعها، وقد وصفاها بالاجتماع أيضاً؛ ما أستغربه هو أن القاسم المشترك الوحيد بين هذين "الاجتماعين" هو المسمى.

ربما تستخف باهتمامي بدلالات الكلمات وتجد فيها مبالغة، لكنها ليست كذلك في واقع الأمر؛ فموظفو الشركات مغرقون بكمية هائلة من الاجتماعات غير المجدية، وأحد أسباب هذه المشكلة هو أننا نسميها كلها "اجتماعات"، ويحجب غموض اللغة وعدم دقتها الغاية الحقيقية من هذه التجمعات، فيصعب علينا تطويرها حتى تصبح مثمرة ويصعب تمييز الجدير بالاهتمام منها عن الذي لا قيمة له.

وكي نعقد اجتماعات أقل ولكنها مثمرة أكثر يجب أن نستخدم مسميات واقعية في وصفها، والخطوة الأولى هي إعادة التسمية بدءاً بثلاثة "اجتماعات" شائعة سوف تدرك بعد سطور قليلة أنها ليست اجتماعات مطلقاً.

الجلسة التي تجمع شخصين لا تسمى اجتماعاً، بل هي حوار. في حين تحتاج الاجتماعات ذات الحضور الكبير إلى جدول أعمال والكثير من التحضير ولها غاية واضحة معلنة، لا يحتاج الحوار بين شخصين إلى القدر نفسه من الجدولة والتحضير، فهو حديث بين طرفين لا ثالث لهما، ويجيد البشر إدارته بطبعهم. لذلك ابتعد عن الرسميات في هذه الحوارات وأجرِها مع أي موظف كلما أردت ذلك.

تجب علينا إعادة تسمية نوع آخر من الاجتماعات، وهو الاجتماع الذي ننجز فيه عملاً. وسبق لخبير الإدارة، بيتر دراكر، أن أشار إلى استحالة ذلك: "إما أن يجتمع المرء أو يعمل. لا يمكنه فعل الأمرين في الوقت نفسه". وهو على حق إلى حد بعيد، فغالبية الاجتماعات تتضمن تخطيط العمل وتنسيقه، وليس تنفيذه. لكن في بعض الأحيان يتجمع عدة أشخاص؛ كُتّاب أو مبرمجون أو علماء رياضيات مثلاً، بغرض التعاون في تحقيق إنتاجية عمل فعلية؛ لنسمّها "جلسات عمل جماعية" ونحرص على ألا يحضرها موظفو المهام الروتينية.

ننتقل الآن إلى الاجتماعات التي هدفها الأساسي توليد الأفكار: إذا كنت تريد أن ينطلق من يحضرها نحو الإبداع والتعبير عن نفسه بكل حرية، فإياك أن تسميه اجتماع "عصف ذهني"؛  بل جلسة عصف ذهني فحسب. فهذه الجلسات غرضها تحفيز أقصى درجات الإبداع وتنشيط العقول، وتحفيز الموظفين وتشجيعهم على المشاركة ومنحهم الفرصة للمرح بعيداً عن الانتقاد وإصدار الأحكام؛ وإن مرَّ شخص قرب قاعة الاجتماعات واعتقد أنكم في "اجتماع"، فهذا يعني أنكم لا تمارسون العصف الذهني على نحو صحيح.

الآن، لنتناول أنواع التجمعات التي يصعب تصنيفها ضمن الاجتماعات إذا كان بإمكانك تسميتها على نحو صحيح.

على سبيل المثال، مَن يحضرون تجمعاً غرضه الأساسي أن يوزع المدير بعض المعلومات، فبدلاً من تعميم مذكرة أو عقد عدة حوارات ثنائية قرر المدير توفير وقته بإهدار وقت زملائه وتعطيل العمل وحشد الفريق في قاعة الاجتماعات. هذه التجمعات هي "اجتماعات مريحة" وغالباً ما تكون غير ملائمة، فهي مريحة لمن يعقدها وغير مريحة لكل من يحضرها.

كما يجب حظر الاجتماعات التي جرت العادة على تسميتها "الاجتماعات الشكلية"، فغالبيتها كانت تحقق غاية معينة يوماً ولكنها فقدت غايتها منذ ذلك الحين، وبدلاً من أن نفكر في المسألة التي بين أيدينا ونتحقق من أن الاجتماع هو أفضل وسيلة لتناولها، أصبحنا نعتبر فكرة الاجتماع بحد ذاتها واقعاً مُسلَّماً به، ونبحث عن مسألة نناقشها فيه؛ أي أننا نجد دائماً موضوعاً للنقاش حتى إن كان عديم الأهمية.

وهناك اجتماعات غرضها المعلن هو التعاون أو المواءمة، لكنها تسعى في الحقيقة إلى التواصل، لذلك يمكننا أن نسميها "اجتماعات تواصل اجتماعي". التواصل هدف محمود لكنه لا يتعزز بالاجتماعات المجدولة، بل يتعزز بدعوة الموظفين إلى ممارسة نشاط لبناء الفريق أو نزهة أو حفلة، لكن من المهم أن يكون ذلك اختيارياً؛ ففي حين يحب الموظف المنفتح في فريق العمل فرصة الاختلاط بزملائه، قد يفضل الانطوائي البقاء في المنزل وإنجاز عمل.

نأتي أخيراً إلى اجتماع صنع القرار، وهذه تسمية خاطئة تماماً، لأنها تعني ضمناً أن الاجتماع نفسه هو الذي يصنع القرار، لكن الاجتماعات لا تصنع القرارات، بل يصنعها القادة. ولا ريب في أن المناقشات الجماعية تدعم هذه العملية، لذلك لنسمّها "اجتماعات دعم صنع القرار" حتى لا ينسى القائد أن دوره الذي ينفرد به هو ضمان تنفيذ القرار. ومن المفيد أيضاً التمييز بين الاجتماعات العالية المخاطر، والاجتماعات المنخفضة المخاطر، والاجتماعات التي لا تنطوي على مخاطرفي النوع الأول يتعين عليك تيسير نقاش صادق وحقيقي، تظهر الأبحاث أن التضارب المعتدل بين المهام يؤدي إلى صنع قرارات أدق، لذلك اطلب الصراحة من الحاضرين وشجعهم على الاعتراض. وعندما تسمّيها اجتماعات عالية المخاطر، تتذكر أن عليك تسهيل صنع القرار الأفضل، حتى لو لم يكن قرارك.

أما عندما تكون القرارات التي تعمل على صنعها أقل أهمية، فيصبح الهدف هو الإسراع في صنعها، لذلك اقترح خطة للمضي قدماً وركز على الوصول إلى إجماع. وعليك بالطبع السماح بالخلاف والاستعداد لمراجعة خطتك وتعديلها إذا كانت الأسباب وجيهة، ولكن استهدف التوصل إلى حل سريع حتى تخصص معظم الوقت لتنسيق التنفيذ. أما بالنسبة إلى الاجتماعات التي تعقد بهدف دعم قرار لا ينطوي على مخاطر فمن الواضح أنها ليست ضرورية على الإطلاق ويجب منعها.

تخيل ثقافة يتحدث فيها الأشخاص بانتظام عن الاجتماعات بهذه اللغة الدقيقة، وافترض أن يرفض أحدهم حضور اجتماع لأنه اجتماع شكلي، وتصور أن يسأل قائد اجتماع دعم صنع القرار نفسه عما إذا كانت مخاطر اجتماعه عالية أو منخفضة، وماذا يحدث إن ألغى مدير اجتماعاً عاماً للموظفين وأقام بدلاً منه بعض الحوارات الثنائية مع موظفيه. إن استخدامك لغةً أفضل ليس خطوتك الوحيدة نحو التغيير الشامل لثقافة الاجتماعات في شركتك، ولكنه أقوى بداية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي