ملخص: لا شك في أن مغادرة الشركة التي كانت بمثابة بيتك المهني طوال سنوات أو عقود عدة تمثل تحولاً كبيراً يغمرك بالحماسة والقلق في آن معاً. تعرض لنا المؤلفتان في هذه المقالة 6 تحديات تتعلق بهذه الخطوة، وهي 1) التفكير المفرط والشكوك؛ 2) الشعور بالذنب؛ 3) الخوف من فقدان المكانة؛ 4) الحاجة إلى التكيف؛ 5) التعامل مع تصورات زملائك الجدد؛ 6) موازنة المشاعر المتعارضة. وتقدمان نصائح لتجاوز هذه التحديات الستة واستراتيجيات تضمن لك النجاح في وظيفتك أو مهنتك الجديدة كما في سابقتها.
ثمة جوانب إيجابية وأخرى سلبية للتقاعد من وظيفة أمضيت فيها معظم حياتك المهنية، إذ ستشعر بالرضا عند إتمام فصل من حياتك المهنية بنجاح، وستواجه تحديات في الانتقال إلى مرحلة جديدة من حياتك.
لكن ترك وظيفة عملت بها سنوات عديدة من أجل تأسيس مشروعك الخاص أو الانتقال إلى شركة أخرى تجربة مختلفة تماماً على الصعيدين العاطفي والعملي.
قد تكون هذه النقلة الخطوة الصحيحة لحياتك الشخصية ومسيرتك المهنية، ولكنك قد تشعر بأنها غامضة وغير محسومة؛ وقد تشعر بأنك تخون شركتك وزملاءك. اكتشفنا 6 تحديات رئيسية يجب أن تأخذها في الحسبان عندما تفكر في الانتقال من شركة قضيت فيها معظم حياتك المهنية، وذلك من خلال خبرتينا المباشرتين، إذ أجرت إحدانا (دوري) أبحاثاً لإعداد دليل للانتقال الوظيفي الذي يحمل عنوان "أعد ابتكار نفسك"، وتركت الأخرى (ناتالي) وظيفتها التي استمرت 16 عاماً في المجال الأكاديمي.
التفكير المفرط والشكوك
التحدي الأول الذي ستواجهه هو التخلص من دوامة التفكير في مسألة "هل أبقى أم أرحل؟" يقضي العديد من الموظفين سنوات في مناقشة مسألة ترك شركاتهم التي يعملون بها منذ فترة طويلة، ولا يغادرونها إلا عندما يصلون إلى مستوى لا يطاق من الاستياء وعدم الرضا.
عليك ألا تطيل التفكير في ذلك، حدد طرقاً بسيطة لاختبار الفكرة التي ترغب في تطبيقها (هل سأستمتع بالعمل مصوراً محترفاً؟) وابدأ بعمل جانبي صغير وراقب النتائج (هل سيقبل الناس عليه؟). حين تجرب الخطوة التي ستأخذها بعد ترك العمل حينما تكون المخاطر منخفضة، ستكون أكثر انفتاحاً على التعلم وتكرار المحاولة واتخاذ تلك الخطوة جدياً بثقة وعن بيّنة، ولن تعوقك دوافع تحقيق الكمال.
على سبيل المثال، أسست ناتالي عن غير قصد نموذجاً تجريبياً لشركتها الحالية، فيغر 8 ثينكينغ (Figure 8 Thinking)، بعد أن ألقت محاضرة على منصة تيد إكس (TEDx) في عام 2014 ناقشت فيها كيف صممت الشركات المتقدمة في الابتكار أنظمة وطرق عمل ارتجالية، وشبّهت مستقبل العمل بموسيقى الجاز، فتلقت بعدها سلسلة دعوات متتالية من عدة شركات لتتعمّق أكثر في بحث هذا الموضوع. كانت ناتالي حينئذ تعتبر العمل في شركتها فيغر 8 ثينكينغ عملاً جانبياً تقدم فيه الاستشارات الموجزة والمحاضرات إلى جانب عملها بدوام كامل، لكن هذا العمل الجانبي وفّر لها بيانات حول ما تحتاج إليه السوق وما تجيد تقديمه وما تستمتع به، وفي النهاية أصبح هو وظيفتها الرئيسية بدوام كامل.
الشعور بالذنب
لا بد أنك بنيت الثقة المتبادلة مع زملائك على مدار السنوات، وكان الأساس المنطقي لعلاقتك بهم هو أنه يمكنهم الاعتماد عليك. والآن ستتركهم، ربما قبل إنهاء مشاريع طويلة الأجل لك فيها إسهامات كبيرة.
من الطبيعي أن تشعر بالذنب حيال توديع فريق عملك. وفي حال أمضيت في الشركة بضع سنوات فقط، لن يفاجأ إلا القليل من الموظفين بانتقالك وسيقولون: هذا حال الموظفين هذه الأيام. ولكنك إن أمضيت سنوات طويلة فيها، فسيعتبر الموظفون أنك ملتزم بالشركة مدى الحياة، سواء بوعي أو بغير وعي.
بالإضافة إلى التحديات المعتادة للانتقال التي كنت تتوقعها مثل نقل حساب التقاعد وتوقيع المعاملات في قسم الموارد البشرية وإنهاء تفاصيل المشاريع، قد تواجه موجة من المشاعر الصعبة بدءاً من القلق من تخليك عن زملائك وصولاً إلى الخوف من نظرتهم إليك، فقد يعتبرونك منافقاً (قال إنه سيكون دائماً إلى جانبنا) أو خائناً (كيف يتركنا ويعمل مع منافس؟).
الخوف من فقدان المكانة
ثمة مشكلة أخرى شائعة بين الموظفين الذين يتركون العمل في شركاتهم التي عملوا بها فترة طويلة وهي التخلي عن التقدير المهني وتوكيد الذات المرتبطين بمناصبهم.
عندما فكرت ناتالي في ترك مهنتها الأكاديمية التي قضت فيها سنوات طويلة للانتقال إلى ريادة الأعمال، أدركت أن جزءاً كبيراً من ترددها كان مرتبطاً بمكانتها باعتبارها أستاذة جامعية، وهي مكانة عملت بجد لاكتسابها. وفي الوقت نفسه، لا يحظى روّاد الأعمال الناشئون (أو الموظفون الجدد في الشركة) بتقدير كبير يميزهم عن غيرهم، وهو ما قد يشعرهم بالتراجع. يمكن أن يساعدك التعرف على رد فعلك تجاه مسألة التقدير والتخلي عن مكانتك على استكشاف مجالات جديدة لإعادة ابتكار مسيرتك المهنية.
الحاجة إلى التكيف
من الأمور الأخرى التي تجدر الإشارة إليها هي قدرتك على التكيف مع أساليب العمل الجديدة، أو العادات الغريبة والنقاط المبهمة التي تتضح لك فجأة.
على سبيل المثال، إذا عملت في بيئة الشركات الكبيرة فترة طويلة من الزمن فقد تكون معتاداً على الاعتماد على حزمة من الموارد والميزانيات لإنجاز عملك، وإن كنت ستنتقل إلى مؤسسة غير ربحية أصغر حجماً أو ستعمل على مشروعك الخاص، فمن الضروري أن تكون مبدعاً متعدد المواهب وواسع الحيلة.
وفي المقابل، إذا كنت ستنتقل إلى مؤسسة أكبر بكثير تضم مستويات إدارية متعددة، فامنح نفسك الوقت الكافي للمراقبة وتعلم الثقافة وبناء العلاقات مع الأطراف الفاعلة الرئيسية (أفقياً وعمودياً) حتى لا تتدخل في مجالات الآخرين دون قصد. إن معرفتك بأنماط تفكيرك ستمكّنك من التكيف بسرعة أكبر وتجنب الأخطاء غير المقصودة في منصبك الجديد.
التعامل مع تصورات زملائك الجدد
من المهم أيضاً أن تدرك أن زملاءك الجدد قد يرون شخصيتك أو مهاراتك قديمة أو محدودة بغض النظر عن مدى صحة ذلك. للحد من هذا الخطر، فكّر في السلوكيات التي يجب التركيز عليها (مثل استعدادك لتعلم تكنولوجيا أو أنظمة جديدة) أو تجنبها (مثل الإشارة باستمرار إلى "أمجاد الماضي").
تعرفت دوري ذات مرة على مسؤول تنفيذي كان زملاؤه يحسبون عدد المرات التي يشير فيها إلى طريقة عمل شركته القديمة في الاجتماعات، ولم يكن مستغرباً أن عمله في الشركة الجديدة لم يدم طويلاً؛ من المهم أن يرى الآخرون بوضوح استعدادك لتعلم أساليب جديدة وأنك لست متشبثاً بالماضي.
موازنة المشاعر المتعارضة
من البديهي أن ترغب في أن تكون عملية إعادة ابتكار مسيرتك المهنية واضحة ومنطقية هدفها التقدم والتحسن، ولكن من المهم أن تدرك أن رحلتك العاطفية ستكون أكثر تعقيداً خاصة عند مغادرة شركة عملت فيها سنوات طويلة، إذ ستختلط الحماسة مع مشاعر الحزن. ستشعر بالحماسة لكل ما ينتظرك من تعلم واكتشاف ومغامرات جديدة، ولكن من المحتمل أن تشعر بالحزن والخوف أيضاً، وستسأل نفسك: ماذا لو أخفقت؟ ماذا لو اتضح أنني لست بارعاً في مشروعي الجديد؟ ومن سأكون من دون وظيفتي التي كنت بارعاً فيها خلال السنوات الماضية؟
وبالفعل، تساءلت ناتالي إذا ما كانت نشاطات عملها الجانبي الأولية مجرد صدفة، أو أنها جاءت فقط نتيجة "تأثير الهالة" التي ترتبط بمكانتها بالجامعة. هل سيستمر الناس في طلب خدماتها إذا استقلت بنفسها؟ مرت بفترة عانت فيها متلازمة الدجال، ولكنها نجحت في التعافي منها بمساعدة عدد من الإجراءات، أحدها أخذ إجازة مدة أسبوع لتختلي بنفسها. وحين أعادت التفكير في تلك التجربة، وجدت أن ذلك الوقت الذي أمضته بمفردها في مواجهة آمالها ومخاوفها بطريقة بنّاءة كان ضرورياً لخطوتها التي اتخذتها بعد ذلك.
من المهم أن تعترف بأن المشاعر المتضاربة طبيعية في هذه الحالة؛ وكما تنصح ناتالي، يكون الوقت مناسباً للانتقال من وظيفتك القديمة عندما تشعر بالرعب بنسبة 50% والبهجة بنسبة 50%، لأن الرعب سيجعلك تفكر بطريقة منطقية والحماسة ستبقيك متفائلاً ومبتهجاً.
لا شك في أن مغادرة الشركة التي كانت بمثابة بيتك المهني طوال سنوات أو عقود عدة تمثل تحولاً كبيراً يغمرك بالحماسة والقلق في آن معاً. ولكن بالتعرف على هذه التحديات الستة مسبّقاً، ستكون قادراً على اجتياز المرحلة الانتقالية وضمان نجاحك في وظيفتك أو مهنتك الجديدة بقدر نجاحك في سابقتها.