ملخص: لا تفي غالبية برامج التعلم والتدريب في الشركات بالغرض منها. يقول 60% من الموظفين إنهم مهتمون بفرص تحسين المهارات والتدريب، لكن 57% يقولون إنهم يبحثون عنها خارج مكان عملهم. يعتقد المؤلف، الذي ترأس سابقاً قسم الابتكار والإبداع في شركة ديزني، أن الإبداع هو الحلقة المفقودة لجعل عملية تحسين المهارات جذابة وفعالة. واستناداً إلى خبرته، يقترح 4 استراتيجيات لتعزيز الإبداع في التدريب: 1) شجّع على طرح سؤال "ماذا لو؟" 2) تبنَّ سؤال "هل من طريقة أفضل؟" في مواجهة التحديات، 3) امنح الموظفين وقتاً للتأمل من خلال تشجيع المرح، 4) حوّل التدريب إلى لعبة.
أظهر استقصاء مشترك أجرته شركتا غالوب وأمازون أن نحو 60% من الموظفين مهتمون جداً بالمشاركة في برامج تحسين المهارات، لذلك من المحتمل أن يكون موظفوك مهتمين بهذا الجانب أيضاً. ولكن لماذا يتولى 57% من الموظفين تعلمهم بأنفسهم؟ السبب الرئيسي هو أن غالبية برامج التعلم المؤسسية لا تفي بالغرض منها بسبب افتقارها إلى العنصر الضروري: الإبداع.
حين عُينت رئيساً لقسم الابتكار والإبداع في شركة ديزني قبل 10 سنوات، طُلب مني ترسيخ ثقافة الابتكار والإبداع في القيم الأساسية للشركة. في ذلك الوقت، كانت شركة ديزني قد استحوذت مؤخراً على شركات مارفل (Marvel) وبيكسار (Pixar) وإي إس بي إن (ESPN) ولوكاس فيلم (Lucasfilm) وأيه بي سي (ABC)، وكانت فِرق هذه الشركات كلها تعمل بصورة منفصلة معتمدة على عمليات ابتكار مختلفة. بالإضافة إلى ذلك، كانت الشركة تدرك أنها بحاجة إلى عملية تدريب وأدوات قوية للمبتكرين فيها، على غرار طريقة دراسة المحامين في كلية الحقوق وتلقي خبراء تكنولوجيا المعلومات مقررات علوم الكمبيوتر.
لم تكن رحلتي نحو النجاح سهلة وتطلبت 4 محاولات. استعنتُ في البداية بمستشارين في مجال تعزيز الابتكار، وكانوا أكفاء حقاً لكنهم لم يُحدثوا تغييراً كبيراً. بعد ذلك، أسست فريقاً داخلياً للابتكار، الأمر الذي جعل الأفراد خارج الفريق يعتقدون أن مسؤولية الابتكار يجب أن تقع على عاتق هذا الفريق فقط، وليس عليهم. ثم عقدنا شراكة مع شركات تكنولوجيا ناشئة صغيرة من خلال برنامج تسريع الأعمال، فتمكّنا من تحفيز الابتكار فعلاً، لكن لدى نحو 1% من موظفينا فقط.
لم تنجح هذه المحاولات، ثم أتت لحظة الاكتشاف.
أدركت أن مجرد توجيه الموظفين إلى تغيير طريقة تفكيرهم أو المخاطرة أو المشاركة في جلسات العصف الذهني لم يكن كافياً، بل كان علينا أيضاً أن نزودهم بالأدوات اللازمة لجعل الإبداع في العمل جزءاً اعتيادياً من عملهم. مثلما يكون الطاهي الذي يستخدم مجموعة كاملة من السكاكين أكثر ثقة في المطبخ من الطاهي الذي يستخدم سكيناً واحدة غير حادة، فامتلاك الأدوات المناسبة يمكّن الموظفين من التفوق في مجالهم. لضمان قدرة أفراد فِرقنا على إطلاق العنان لإبداعهم عند الحاجة، كان علينا تزويدهم بموارد تحفز قدرتهم على الإبداع.
انطلاقاً من هذا الفهم، شرعتُ في إنشاء مجموعة أدوات مصممة لتجاوز رهبة الابتكار وجعل التفكير الإبداعي متاحاً وممتعاً للموظفين المشغولين بمهامهم اليومية. أردت منهم أيضاً تخفيف الملل الذي يعانيه نحو نصف الموظفين يومياً في مكان العمل، وكانت النتيجة ازدياد العمل الإبداعي غير الممل.
يكمن مفتاح تنشيط برامج التعلم المؤسسية على هذا النحو في إدراك القوة الهائلة للإبداع في تحويل عملية تحسين المهارات من مهمة رتيبة إلى رحلة ممتعة. فمن خلال دمج طرق التدريب الإبداعية وأدوات تحسين المهارات المبتكرة، يمكننا أن نغرس شغف التعلم في موظفينا، وضمان أن يكتسبوا مهارات جديدة ويستمتعوا أيضاً بعملية التعلّم، ما ينمّي ثقافة النمو والابتكار المستمرين.
شرارة الإبداع التي تبث الحياة في برامج التدريب تبدأ بك
يمكنك تحفيز موظفيك من خلال تصميم برنامج التدريب بطريقة فيها شيء من الإبداع. غالبية نماذج التدريب الحالية مملة وتفتقر إلى الإلهام، خصوصاً التي تتاح على الإنترنت، فهي غالباً ما تتبع نهجاً روتينياً يعتمد على أسئلة الاختيارات المتعددة مع التركيز على تحقيق درجة لا تقل عن 80% للنجاح، وتكرار العملية من دون تفاعل حقيقي؛ ليس لديك سوى فرصة إكمال المهمات الإلزامية.
إذا كنت ترغب في جعل برامج التدريب وتحسين المهارات ممتعة، فعليك اعتماد نهج مختلف، وإلا فستستمر في رؤية النتائج الكارثية نفسها. وفقاً للإحصائيات الحالية، يقول 18% من الموظفين إنهم لا يشاركون بفعالية في البرامج التدريبية، في المقابل يقول 32% فقط إنهم ينخرطون فيها فعلاً، وبالتالي من المرجح أن يكون نصف موظفيك في مكان ما بين هؤلاء ويستحقون تجربة تدريب أفضل مما تقدمه النماذج التقليدية.
من غير المحتمل أن تخلق تجارب تحوّل التطوير المهني من مهمة مملة إلى نشاط ممتع ما لم تدمج الإبداع في برامج التدريب. ابدأ بمساعدة موظفيك على شحذ خيالهم من خلال ممارسة السلوكيات الإبداعية، وإلا فلن يتمكنوا من تطبيق إبداعاتهم في ورش العمل على أدوارهم اليومية.
فيما يلي بعض العناصر التي أشجّع على إضافتها إلى مجموعة أدوات الإبداع والابتكار في شركتك:
1. شجع على طرح سؤال "ماذا لو؟"
عادة ما يجيب الموظفون عندما تسألهم عن العقبات التي تحول دون الابتكار في عملهم ببعض الإجابات الشائعة مثل "ليس لدينا الموارد" و"نخضع لقوانين صارمة جداً"، لكن يمكنك تخطي هذه العقبات باستخدام سؤال "ماذا لو؟".
دمج سؤال "ماذا لو؟" في الممارسة العادية أمر بسيط ومباشر. أولاً، اكتب القواعد التي تحكم قطاعك كافة. ثانياً، اختر قاعدة واحدة وفكر في طرق جريئة أو غير تقليدية لكسرها وإلغائها. تمكّنك هذه العملية من الاستفادة من ثروتك المعرفية التي تتيحها لك خبرتك وتجربتك. ما دمت منفتحاً على التفكير بطريقة مختلفة، يمكنك التعمق في ثروتك المعرفية والاستفادة منها.
بصراحة تامة، لم أبتكر أنا استراتيجية "ماذا لو؟"؛ من ابتكرها هو والت ديزني. لقد كان محبطاً لأنه لم يستطع خلق تجربة غامرة بالكامل من خلال إدخال عناصر مثل الضباب والحرارة إلى دور العرض السينمائي في أثناء عرض أفلام الفانتازيا، لذلك أعدَّ قائمة بجميع قواعد قطاع دور العرض السينمائي جميعها: يجب أن يذهب الأشخاص في وقت محدد، وأن يجلسوا في مقاعد محددة، وألا يشاهدوا إلا ما تعرضه دور العرض. لم يكن بمقدور منتجي الأفلام مثل ديزني التحكم في بيئة دور العرض، لذلك شكّك في تلك القاعدة المتعارف عليها في القطاع وتساءل: "ماذا لو لم تكن هذه القاعدة ملزمة لنا، وكان بمقدوري التحكم في البيئة من خلال نقل أفلامنا خارج دور العرض وتقديم شخصيات ثلاثية الأبعاد؟".
كان هذا تفكيراً جريئاً جداً في ذلك الوقت. إذ كيف له أن يجمع القراصنة ورعاة البقر والأميرات في مكان واحد حيث يمكنهم التفاعل مع الأشخاص العاديين؟ كان الحل هو ديزني لاند؛ مساحة تتكون من أراضٍ ذات طابع خاص حيث يمكن للزوار الانغماس في رؤى والت الخيالية، وحيث يمكنه التحكم في كل جانب من جوانب البيئة المحيطة.
2. تبنَّ سؤال "هل من طريقة أفضل؟" في مواجهة التحديات
هذه أداة أخرى لتحفيز الإبداع ابتكرها والت ديزني أيضاً. كان والت يسأل نفسه "هل من طريقة أفضل؟" عندما كان يفكر في كيفية تمييز ديزني لاند عن غيرها من مناطق الجذب الأخرى. والنتيجة؟ أطلق على الزبائن "الضيوف"، وأطلق على الموظفين "أعضاء الفريق"؛ أي أعاد صياغة العلاقة بين المستهلكين والموظفين ببساطة. أدى نهجه "هل من طريقة أفضل؟" إلى مستوى لا مثيل له من الضيافة يحاول العديد من المؤسسات الأخرى تقليده باستمرار.
كيف يمكنك بينما تستكشف طرقاً مبتكرة لتدريب موظفيك، تطبيق نهج "هل من طريقة أفضل؟" ابدأ بتمرين عملي. لنفترض أنك ستفتتح مغسلاً للسيارات: ما أهم 3 مكونات أساسية للعمل؟ الماء وفُرش الصابون والمكانس الكهربائية. والآن، ماذا لو أعدنا تخيل مغسل السيارات من خلال طرح سؤال "هل من طريقة أفضل؟" ربما يمكننا تحويله إلى "منتجع صحي للسيارات" حيث نقدم خرق التنظيف على أنها "أردية فاخرة".
يمكن تطبيق نهج "هل من طريقة أفضل؟" في سياق أي عمل تجاري. لقد استخدمنا في ديزني هذا النهج لزيادة النتائج الفصلية بنسبة 3% دون زيادة أسعار التذاكر، فبدلاً من رفع رسوم الدخول ركزنا على تقليل الوقت الذي يقضيه الضيوف في طوابير الانتظار؛ اكتشفنا صيدلية في طوكيو تستخدم تكنولوجيا تحديد الهوية بموجات الراديو (RFID) لتقليل وقت الانتظار في الطوابير، فتبنينا هذا المفهوم الذي أدى إلى ابتكار سوار ماجيك باند (MagicBand) المزود بهذه التكنولوجيا، ومنح هذا المنتج الضيوف وقتاً أطول للاستمتاع وإنفاق المزيد من الأموال، وكان من أنجح المنتجات التي حققت أعلى الإيرادات في تاريخ منتزهات ديزني.
3. امنح الموظفين وقتاً للتأمل من خلال تشجيع المرح
لا يُمنح معظم الموظفين وقتاً للتأمل، لذلك غالباً ما يتوصلون إلى أفضل أفكارهم خارج مكان العمل. غالباً ما يكون عقلنا الواعي وعقلنا الباطن مكبوتَين خلال ساعات العمل، ولكن عندما تتاح لنا حرية التفكير دون قيود، كما هي الحال في أثناء الاستحمام أو ممارسة التمارين الرياضية، تزداد قدرتنا على الإبداع والمرح.
الضحك هو إحدى طرق تحفيز الإبداع في مكان العمل. في اللحظة التي أسمع فيها الضحك في إحدى جلساتي التدريبية، أدرك أن المشاركين في حالة ذهنية إبداعية؛ بمعنى آخر، سهّلت الجلسة التواصل بين العقل الواعي والعقل الباطن، وعند هذه النقطة يمكنهم البدء بالانخراط في تلك العقلية المبدعة والمرحة.
أوصي بالبدء بنشاط مليء بالحيوية أدعوه "وحوش في الخزانة" (Monsters in the Closet)؛ اطلب من كل موظف التعاون مع موظف آخر، واطلب منهما رسم وحشهما المفضل خلال دقيقة واحدة بحيث يتناوبان على رسم أجزائه. وعندما تنتهي الدقيقة اطلب من كل فريق تسمية وحشه باستخدام مزيج من اسمي الشريكين، ثم اطلب من كل شريكين تقديم وحشهما، مع مشاركة اسمه وقوته الخارقة. يمكن لنشاط بسيط مثل هذا أن يثير الضحك والمرح، ما يحفز العقلية التي يمكن أن تتشكل فيها أفضل الأفكار لدى موظفيك.
من خلال تشجيع المرح وتخفيف الضغط الذي يفرض عليك الجدية أو النجاح في إنجاز مهامك من المحاولة الأولى، ستتيح للموظفين القدرة على التفكير في المشكلات من وجهات نظر جديدة.
4. حوّل التدريب إلى لعبة
قد تكون أساليب التدريب التقليدية مملة، ويمكن أن يساعد دمج الألعاب على الحفاظ على مشاركة الموظفين، ولا سيما في التدريب الافتراضي، فضلاً عن أن الألعاب مسلية وتساعد على ترسيخ المعلومات. وفقاً لدراسة شملت ألفي طفل، كان أداء الأطفال الذين شاركوا في ألعاب الفيديو 3 ساعات أو أكثر يومياً أفضل في اختبارات المهارات الإدراكية المتعلقة بالذاكرة العاملة مقارنة بالذين لم يمارسوا ألعاب الفيديو قط. يمكن للألعاب أيضاً أن تعزز الذاكرة والإدراك لدى كبار السن، بالإضافة إلى تعزيز الإنتاجية في فِرق العمل الجديدة وتحسين العمل التعاوني في فِرق العمل الافتراضية. الألعاب في جوهرها ممتعة وتضفي على التعلم طابعاً تجريبياً يطغى على طابعه التكتيكي.
خذ مثلاً لعبة فورتنايت (Fortnite) التي تقدم المبادئ الأساسية لحل المشكلات الإبداعي؛ يمكنك اختيار فريقك ومغامرتك وأدواتك وحتى ملابسك، ويمكن للاعبين أن يجتمعوا للعمل معاً على حل التحديات في الوقت الفعلي من أي مكان. يمكنك من خلال إضافة عناصر اللعب إلى تدريبك الافتراضي تغيير مضمون التجربة تماماً، وهذا الجانب التجريبي مهم خصوصاً لموظفي الجيل زد، لذلك يمكنك من خلال تحويل التدريب الافتراضي إلى لعبة منحهم تجربة ممتعة لا تُنسى كما يرغبون.
يبرز الواقع الافتراضي وسيلةً إضافية لتعزيز التدريب؛ يمكن لمؤسستك إنشاء مجموعة متنوعة من البيئات الافتراضية، مثل قاعات المحاضرات والحرم الجامعي أو ملاعب كرة القدم وغيرها، ويمكن للموظفين في أثناء تواصلهم عبر الإنترنت أن يستخدموا الأقنعة والألبسة الافتراضية التي تتيحها المنصات المختلفة في تواصلهم، أو أن يكتبوا ملاحظات لاصقة افتراضية ويضيفوها إلى شاشات زملائهم. شاركت ذات مرة في ورشة عمل إبداعية مع زميلة في جنوب إفريقيا حيث استخدم كلانا نظارات الواقع الافتراضي وتفاعلنا في عالم غير موجود؛ أعطتني قلماً افتراضياً، فاستخدمته في الكتابة على ورقة افتراضية، ثم أعطيتها الورقة الافتراضية. كانت تجربة مذهلة دمجت أنواع التعلم السمعي والبصري والحسي والحركي.
قد يتطلب دمج هذه التكنولوجيا تخصيص قدر أكبر من الأموال للتدريب، لكنها ستؤتي ثمارها على المدى الطويل. في الواقع، يشعر نحو ثلاثة أرباع الموظفين بأنهم لا يستفيدون من كامل إمكاناتهم في العمل بسبب نقص فرص التطوير، كما يعتقد 76% من موظفي جيل الألفية أن فرص التطوير المهني من أهم جوانب ثقافة الشركة (ومن المرجح أن الأجيال الأخرى تشاركهم الشعور نفسه).
من خلال التوقف عن الانشغال بتزويد الموظفين بمهارات جديدة، والتركيز أكثر على تغيير نظرتهم إلى التعلم وحل المشكلات، يمكنك فتح آفاق جديدة من الفرص. تخيّل مكان عمل يتمتع فيه كل موظف بالكفاءة وينخرط فيه بصورة خلاقة ويعمل بحافز داخلي أيضاً. هذا هو مستقبل التدريب، حيث يحلّ التشويق والنمو المستمر والاستكشاف مكان الخوف من الرتابة والملل. من خلال تبنّي هذا النموذج، سوف نلبي احتياجات موظفينا ونقدم لهم ما يستحقونه ونخلق بيئة لا تعرف الملل يمثل كل يوم فيها فرصة للابتكار والتفوق.