كيف تتجنب السقوط في فخ استنساخ نجاح الشركات الأخرى؟

7 دقيقة
الصيغة المجربة
ماستر 1305/غيتي إميدجيز

ملخص: ربما تكون الصيغة المجربة أسلوباً نجح بالتجربة العملية في تجاوز تحديات الأعمال، ولكن هذا لا يعني خلوها من أوجه القصور. فقد لا يكون الحل الناجع بالأمس قابلاً للتطبيق أو منطقي الاستخدام اليوم. وتكمن ثلاث نقاط ضعف جوهرية في التعويل على الصيغ المجربة عند معالجة معضلات في بيئة أعمال متغيرة دوماً: 1) أنها ليست فعالة بالقدر نفسه في جميع السياقات؛ و2) يمكن للمنافسين تكرار تنفيذها؛ و3) أنها لا تخلو من مخاطر خفية. لذلك، تحتاج الشركة إلى مجموعة أدوات مختلفة حتى يتسنى لها السيطرة على أعمالها في بيئة متقلبة. ويجب على الشركة التركيز على تغيير طريقة تفكير الموظفين بدلاً من الاعتماد على الصيغ الثابتة التي نجحت في السابق. وهو ما يتطلب التركيز على صقل المهارات المعرفية لدى الموظفين، حتى يتمكنوا من تحديد المشاكل وتقييمها وحلها بطريقة أفضل من خلال نهج مختلف. يغطي هذا المقال ثلاثة أساليب يمكن بها للشركة أن تصقل المهارات المعرفية لموظفيها في مختلف إداراتها. فإذا عرفنا كيفية التكيف، نصبح مؤهلين لتحقيق النجاح مستقبلاً في أي بيئة نجهلها.

إن الثابت الوحيد في عالم الأعمال هو التغيير، الذي تسارعت وتيرته مؤخراً بما يصعب مواكبته. وإذا كان لنا أن نعتبر ارتفاع معدلات إرهاق الموظفين مؤشراً، فما من مؤشر على تباطؤ تلك الاضطرابات. ولن يبتعد الموظف عن براثن التوتر والقلق المتزايد بسبب استمرار أجواء عدم اليقين والغموض. وللتخفيف من هذه الوطأة، تلجأ الشركات في أغلب الحالات إلى ما ألفته؛ إلى الصيغ المجربة التي حققت نجاحات في الماضي. على أن ما نجح في الماضي لا يمكنه التصدي بصورة كاملة لتحديات الحاضر، وذلك لأنها وليدة بيئة مغايرة كلياً.

وعلى سبيل المثال، واجهت مؤسسة خدمات مالية عميلة لدينا تراجعاً مزمناً في العضوية. وصل هذا التراجع إلى نقطة حرجة وصار عرضةً لخطر الانتقال إلى تدهور تام. وجرى تكليف فريق المبيعات بمهمة التحول والسعي لمضاعفة حجم قوة المبيعات. حين تراجع عدد العضوية من قبل، أدى تدفق الموظفين الجدد إلى ارتفاعها مرة أخرى، وهكذا بدا الأمر وكأنه صيغة مجربة يمكن الاعتماد عليها. غير أن هذه الصيغة لم تسفر عن النتائج المأمولة، وذلك لتغير تفضيلات مشاركة المستهلكين الذين اتجهوا إلى تنفيذ المزيد من الأعمال عبر الإنترنت.

لماذا لا يُعد الاعتماد على الصيغ الناجحة المجربة حلاً؟

ربما تكون الصيغة المجربة أسلوباً نجح بالتجربة العملية في تجاوز تحديات الأعمال، ولكن هذا لا يعني خلوها من أوجه القصور. فقد لا يكون الحل الناجع بالأمس قابلاً للتطبيق أو منطقي الاستخدام اليوم. وهناك ثلاثة أسباب أساسية تعلل عدم الاعتماد على الصيغ المجربة التي سبق لها النجاح:

1. تتفاوت فعالية الصيغة ما بين سياق وآخر

يُعرف عن شركة ماكدونالدز أنها تستعين بصيغة مجربة عند منحها تراخيص غير حصرية جغرافياً لمن يحوزون امتيازها التجاري. ولأنها صيغة ناجحة، فقد اعتمدها العديد من مانحي الامتيازات الجدد. ولكن بحثاً أظهر أن منح تراخيص غير حصرية يزيد من احتمال فشل مانح الامتياز الجديد. ويخشى مَن ينتظرون الحصول على الامتياز أن تتأثر أعمالهم في حال افتتاح وحدة أعمال أخرى للعلامة التجارية نفسها في منطقة قريبة منهم. ولما كان مانحو الامتياز التجاري الجدد حريصين على نجاح حائزي الامتياز ونموهم، فبالتالي لم تكن صيغة اللاحصرية هذه مناسبة لأن تطبقها علامة تجارية ناشئة.

وتعد جيه سي بيني نموذجاً آخر. في يونيو/حزيران 2011، تولى المسؤول عن متاجر التجزئة لشركة آبل، التي تحقق أرباحاً عالية للغاية، والتنفيذي السابق في شركة تارغت، رون جونسون، قيادة شركة التجزئة المتعثرة. وانصبّ تركيزه على تطبيق الصيغة التي ثبت نجاحها في الشركتين اللتين سبق له العمل بهما؛ ألا وهي خفض الأسعار باستمرار، وتطوير المتاجر إلى وجهات تمتلئ بمنتجات العلامات التجارية الخارجية، مع تقليل كم منتجات العلامات التجارية الخاصة بالمتجر. وما هي إلا ستة عشر شهراً حتى أقيل جونسون من منصبه. وذلك بعد أن تراجعت مبيعات المتجر بنسبة 25%، وسجلت الشركة خسارة قدرها مليار دولار، وتراجعت قيمة سهمها بنحو 19.72%. فما أفلح مع آبل وتارغت لم يتكرر في جيه سي بيني، لأن عملاءها لم يكونوا يبحثون عن تجارب فريدة؛ بل عن عروض مستمرة، ومقاسات خاصة يصعب العثور عليها، وبيئة بسيطة تقدم لهم علامات تجارية منزلية عالية الجودة. واتضح أن صيغة رون جونسون على النقيض تماماً مما يبحث عنه عميل جيه سي بيني.

2. عمر الصيغة الناجحة قصير لأن المنافسين يستنسخونها

عندما أصبح بيل والش مديراً فنياً لفريق سان فرانسيسكو فورتي ناينرز في الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية عام 1979، طبّق صيغة تُعرف باسم "هجوم الساحل الغربي". وبخطة هجوم الساحل الغربي هذه، قاد والش فريق فورتي ناينرز إلى لقب بطولة السوبر بول لمواسم 1981 و1984 و1988. ومع أن الفريق استمر في الفوز ونال لقبي سوبر بول آخرين، فإن مزايا خطة هجوم الساحل الغربي تراجعت بعد أن شرع مدربون آخرون في تنفيذ صيغ مماثلة لها مع فِرقهم.

أما النموذج الآخر فهو "طريقة تويوتا" الشهيرة؛ أي نظام الإدارة الأسطوري الذي أشاعه جيفري لايكر في كتابه الصادر عام 2004. يركز إطار هذه الطريقة على مجموعة من مبادئ ثقافة الشركة وسبل التحسين المستمر (الكايزن)، والاهتمام بالسبب الجذري للمشاكل، والانخراط في عملية ابتكار مستمرة. وهي صيغة اقتنصت بها تويوتا حصة كبيرة في السوق الأميركية بين عامي 1986 و1997. ولكن المنافسين اعتمدوا هذه الصيغة منذ ذلك الحين، بما في ذلك فورد وهوندا وجنرال موتورز وستيلانتس، الأمر الذي حد بدرجة كبيرة من الميزة التنافسية لتلك الصيغة.

3. لا تخلو الصيغ الناجحة من مخاطر خفية

أظهر بحث أجري على الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا في وادي السيليكون أن "نموذج الإدارة العالي الالتزام"، الذي يهتم باختيار الموظفين على أساس التوافق الثقافي وبناء روابط عاطفية قوية معهم، أبعد عن الفشل وأقرب إلى التطور والانتقال إلى مرحلة طرح أسهمها في أسواق الأوراق المالية، مقارنة بنظيراتها التي تعتمد أساليب توظيف أخرى. غير أن البحث وجد أن تغيير هيكلية التوظيف بعد إطلاق الشركة الناشئة يزيد من احتمالية فشلها ثلاث مرات. فمع أن هذه الصيغة فعالة في شركة صغيرة محدودة الإدارات، فإنها تفقد هذه الفعالية بمجرد أن تبدأ الشركة في التوسع. وهو ما يفرض تغييراً كبيراً في ممارسات التوظيف، وبالتالي تتعرض الشركة للخطر.

قدمت تويوتا كذلك صيغة إنتاج فريدة أخرى أسمتها "الإنتاج المبرمج" (Just-In-Time). تُفضي هذه الطريقة إلى كفاءة التصنيع، بطلب الكميات المحددة من المواد الخام التي تحتاج إليها في العملية الإنتاجية دون أي فائض أو عجز وتزويدها لقسم الإنتاج في الوقت المحدد وبالجودة المطلوبة، ما يجعل كمية المخزون تصل إلى صفر. ومع ذلك، عندما تفشت الجائحة في عام 2020، لم يكن لدى الشركات المصنعة سوى مخزون قليل لتلبية الطلب على الإنتاج، وعجزت عن سد النقص في الإمدادات. ونتيجة لذلك، ما يزال تأثير هذا النقص العالمي قائماً في سلاسل التوريد وإنتاج الشركات المصنعة حتى اليوم.

لذلك، تحتاج الشركة إلى مجموعة أدوات مختلفة حتى يتسنى لها السيطرة على أعمالها في بيئة متقلبة. ويجب على الشركة التركيز على تغيير طريقة تفكير الموظفين بدلاً من الاعتماد على الصيغ الثابتة التي نجحت في السابق. وهو ما يتطلب التركيز على صقل المهارات المعرفية لدى الموظفين، حتى يتمكنوا من تحديد المشاكل وتقييمها وحلها بطريقة أفضل من خلال نهج مختلف.

طريقك إلى صقل مهارات المعرفة الإدراكية في شركتك

يقصد بمهارات المعرفة الإدراكية تلك العمليات الذهنية التي تزودنا بإدراك المعلومات وفهمها وتحليلها والإحاطة بها، وهي ضرورية لحل المشكلات واتخاذ القرار والتفكير الناقد. وفي هذا الصدد، بحث عالما النفس دانيال كانيمان وآموس تفيرسكي خبايا هذه العمليات الذهنية العالية الرتبة، وقدّما ما توصلا إليه من نتائج في كتابهما الأكثر مبيعاً: "التفكير السريع والتفكير البطيء" (Thinking, Fast and Slow). وجدا أن مهارات المعرفة الإدراكية؛ التي اعتبراها من قبيل التفكير البطيء، تتطلب المزيد من الوقت والطاقة لتقييم المنطق وتطبيقه على المشكلة بفعالية. وفي المقابل، فإن "التفكير السريع" هو استجابة أكثر تلقائية وتفاعلاً. ونحن بحاجة أساسية إلى تطبيق مهارات التفكير "البطيء" لاتخاذ قرارات أفضل وتجاوز التحديات المعقدة بفعالية أكبر. ومن حسن الحظ أن مهارات المعرفة الإدراكية قابلة للنمو والتطور بالممارسة والتدريب. هاك ثلاثة أساليب أساسية تصقل بها مهارات المعرفة الإدراكية في شركتك:

1. حلل المخاطر التي تعلمها 

اشتهرت مقولة وزير الدفاع في إدارة جورج دبليو بوش، دونالد رامسفيلد: "كما نعلم، فهناك المعلوم المعلوم، وهو ما نعلمه عن يقين. وهناك المعلوم المجهول وهو ما نعلم أننا لا نعلمه؛ أي أننا نعلم أن هناك ما لا نعلمه. ولكن هناك كذلك المجهول المجهول؛ أي أشياء نجهل أننا نجهلها".

رامسفيلد لم يصك هذا المفهوم، ومع ذلك فإن ما يعرف بـ "مصفوفة رامسفيلد" هي طريقة معرفة إدراكية تحدد بها الأشياء التي تعتقد أنك تعرفها، ثم يتبين لك أنك لم تكن تعرفها. وهناك فئات أربع للتفكير تنطوي عليها هذه المصفوفة: 1) المعلوم المعلوم: أشياء ندركها ونفهمها؛ 2) المجهول المعلوم: أشياء ندركها ولكن لا نفهمها؛ 3) المعلوم المجهول: أشياء نفهمها ولكن لا ندركها؛ 4) المجهول المجهول: أشياء لا ندركها ولا نفهمها. وباستخدام هذا النهج نحدد النطاقات المحجوبة عن إدراكنا والافتراضات الخاطئة وفجوات المعلومات على نحو أفضل.

فعلى سبيل المثال، قد تعلم إحدى الشركات أن هناك مخاطرة خسارة 10% من عملائها لصالح شركة منافسة جديدة (المعلوم المعلوم) ويمكنها بسهولة إدارة هذا التأثير وقياسه. ومع ذلك، فقد تعرف أيضاً أن هناك مخاطرة تتمثل في أن يؤثر المطر في العمليات التجارية، ولكن هناك نقص في معرفة كمية الأمطار التي سوف تهطل (المجهول المعلوم). يستدعي هذا السيناريو خطط عمل متعددة للحصول على النتائج الأكثر احتمالاً والاستعداد للتحول إلى خطة العمل السليمة ما إن يتوافر المزيد من المعلومات.

2. شجع التفكير المتشعّب

التفكير المتشعب عملية تفكير نستخدمها في توليد أفكار مبدعة باستكشاف العديد من الحلول الممكنة. وجوهر هذا التفكير هو تفكيك المشكلة إلى مكوناتها المختلفة للتوصل إلى رؤية بشأن مكوناتها المختلفة. ومن خلال أسلوب عفوي متدفق، تتولد الأفكار عشوائياً دون تنظيم.

ومن أمثلة التفكير المتشعب توليد أكبر عدد ممكن من الاستخدامات لأشياء حياتية عادية. ومن ذلك، استخدام عملة معدنية مثل مفك مسطح الرأس، أو مثل شوكة نحفر بها. فبالنظر إلى موقف من منظور مختلف، يصل بنا إلى حل مختلف. وللشركات تطبيق التفكير المتشعب بأساليب متنوعة. ومن أبسط تلك التطبيقات الجمع بين مجموعات من الموظفين الذين لا يتواصلون في العادة معاً لأجل ممارسة أسلوب التفكير الإبداعي المركب (Synectics)؛ وهو آلية للإبداع والتفكير الابتكاري تولد أفكاراً جديدة مبتكرة للتغلب على التحديات. فمثلاً، عوضاً عن تكليف الموظفين بإيجاد طرق للاحتفاظ بالعملاء، يمكن أن يواجهوا تحدياً يتمثل في وضع قائمة بطرق فقد العملاء، ليتوصلوا منها إلى أفكار جديدة لم تكن لتخطر لهم قط لو أنهم تعاملوا مع المشكلة بالطريقة التقليدية.

3. طبّق التفكير من المبادئ الأولى 

التفكير من المبادئ الأولى استراتيجية لحل المشكلات تعتمد على تفكيك المشكلة إلى حقائقها (عناصرها) المبدئية ومن ثم إعادة تجميعها بالكامل. فكل لعبة تكتيكية نشاهدها خلال مباريات كرة السلة الأميركية للمحترفين أساسها أن هناك من فكّر في مرحلة ما متسائلاً: "ماذا سيحدث إن قام اللاعبون بهذا؟"، ثم بادر بتطبيق الفكرة. ومنذ ذلك الحين، أبدعت آلاف، إن لم يكن ملايين، الألعاب التكتيكية خلال المباريات.

وهذا لأن المدراء الفنيين للفرق فكروا انطلاقاً من المبادئ الأولى. والمبادئ الأولى هنا هي قواعد كرة السلة؛ لأنها تحكم ما يمكنك وما لا يمكنك فعله. وكل لعبة ممكنة ما دام أنها تتماشى مع القواعد. يتيح التفكير من المبادئ الأولى استمرار التركيز بمستوى أفضل على المكونات الجذرية للمشاكل بدلاً من الاستجابة لأعراضها فحسب.

ومن ذلك مثلاً، أن إيلون ماسك حاول، في سعيه إلى تطوير السفر إلى الفضاء من خلال شركته سبيس إكس، شراء صواريخ حتى يتسنى له إطلاقها لتستقر في مدارها. ولكن تكاليف شراء صاروخ بالكامل كانت مرتفعة للغاية إلى حد يمنع نجاح شركة سبيس إكس. فبدلاً من ذلك، طبّق التفكير من المبادئ الأولى وفكك الصاروخ إلى مكوناته ومواده الأساسية. أدرك أن سعر المواد اللازمة لبناء صاروخ أقل بكثير من سعر الصاروخ جاهزاً؛ أي أن بناء سفينة فضاء صاروخية أكثر منطقية بالنظر إلى نموذج الأعمال الذي كان يبتكره.

وكما هي حال أمور عدة، فإن قوام النجاح هو الاعتدال. لا مانع في أن تكون الصيغ الناجحة مرشداً يوجهنا، وأن نستفيد منها، ولكن التحديات المعقدة تستدعي في العادة رؤى ووجهات نظر مختلفة لا تتأتى إلا بتطبيق مهارات التفكير المعرفي الإدراكي. كما أن التركيز على هذه المهارات يساعد الموظفين في اكتساب استقلالية أكبر خلال تجربة التعلم. فإذا عرف الموظف كيفية التعلم، فسوف ينمي لديه قدرات وسلوكيات يمكن تطبيقها على شتى السياقات والمشكلات التي يواجهها، وهذا هو جوهر فن التنفيذ الفعال للتغيير. وما دمنا عرفنا كيفية التكيف، نصبح مؤهلين لتحقيق النجاح مستقبلاً في أي بيئة نجهلها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي