ما الأسئلة التي عليك طرحها عند صياغة استراتيجية الشركة؟

6 دقيقة
الاستراتيجية
ماستر 1305/غيتي إميدجيز

ملخص: الاستراتيجية موضوع معقد بالنسبة لكثير من المدراء، ولكنها تنطوي في جوهرها على 3 أسئلة: ما موقفنا الحالي؟ ما وجهتنا المنشودة؟ ما الطريق الموثوق للوصول إليها؟ لاستخدام هذه الأسئلة بفعالية في التخطيط الاستراتيجي، يجب أن يوضح المدراء موقفهم الحالي بصدق شديد؛ فبمجرد أن تفهم الشركة موقفها الحالي بوضوح ستتمكن من وضع مسار لتطوير منتج أو خدمة فريدة قادرة على توليد قيمة اقتصادية.

حلّ موسم التخطيط الاستراتيجي السنوي، يتكرر المشهد نفسه في غالبية الشركات: تحتدم المنافسة بين الأقسام وتحتد الانفعالات إذ يسعى قادتها جاهدين للحصول على حصصهم من الميزانية، ويستاء خبراء التسويق حين يدلي من ليس لديه خبرة في التسويق نصائح في اختصاصهم، ويشكك مندوبو المبيعات بالأهداف الممتدة الطموحة ويبدون عدم رضاهم عنها، وتعتقد كل وحدة عمل أنها الأهم في الشركة.

معروف أن هذا الروتين المؤسسي يستهلك قدراً كبيراً من الوقت والموارد، فالموظفون يشاركون في هذه الاجتماعات وهم يدركون تماماً أن العديد من القرارات غالباً ما تُتخذ في الاجتماعات الجانبية غير الرسمية والاجتماعات التحضيرية واجتماعات المراجعة اللاحقة. ويترك الرؤساء التنفيذيون فرقهم تخوض منافسة محمومة على التمويل على الرغم من معرفتهم أن الشركة بأكملها مقيدة بإمكانات مالية محدودة ولا يمكن منح كل قسم ما يريده.

لمعالجة هذه المشكلة، جرب الانتقال بمؤسستك من التخطيط الاستراتيجي إلى العلاج الاستراتيجي.

التخطيط الاستراتيجي هو عملية تحليلية منطقية تركز على العوامل الخارجية وتتمحور حول السوق، ولكن تعزيز الصدق، وليس التحليل الإضافي، هو السبيل لإجراء عملية تخطيط استراتيجية سنوية أكثر صحة وفعالية. من ناحية أخرى، العلاج الاستراتيجي هو عملية عاطفية داخلية تركز على الوعي الذاتي، ونحن لا نتحدث هنا عن تمارين بناء الفريق أو تعزيز الثقة، أو إجراء يوازي العلاج التقليدي تماماً، بل نتحدث عن طريق نحو الشفافية والحقيقة. يستخدم العلاج الاستراتيجي التحليلات وأطر العمل نفسها المستخدمة في التخطيط الاستراتيجي، لكنه يجبر القادة على الانخراط في محادثات صعبة يتجنبون الخوض فيها.

دعونا أولاً نبسط مفهوم التخطيط الاستراتيجي. في الحقيقة، تبدو الاستراتيجية معقدة لأن الخبراء من أكاديميين واستشاريين وغيرهم يستفيدون من التصور السائد بأنها معقدة، لكن التخطيط الاستراتيجي في جوهره بسيط لا يحتاج سوى الإجابة عن 3 أسئلة أساسية بمنتهى الصدق.

  1. ما موقفنا الحالي؟
  2. ما وجهتنا المنشودة؟
  3. ما الطريق الموثوق للوصول إليها؟

أحد الأسباب الشائعة لتعثر العديد من الشركات منذ البداية هو فشلها في الإجابة عن سؤال "ما موقفنا الحالي؟" الذي يتضمن التقييم الصادق لمواطن قوتها وضعفها،

فقادة كثير من الشركات الرائدة في السوق لا يدركون تماماً سبب تفوقها، وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أنهم لم يبنوها بأنفسهم بل ورثوها مع موقعها القيادي في السوق، وهم لا يعرفون تفاصيل بناء هذا النجاح، تماماً مثل ابن العائلة الثرية الذي لا يعرف تفاصيل بناء ثروته التي يديرها صندوق ائتماني منذ سنوات طويلة. بعبارة أخرى، حين لا يبني القادة التنفيذيون مواطن قوة شركاتهم بأنفسهم يواجهون صعوبة في تحديد مصدر قوتهم الأساسي وفهمه بدقة.

يطرح قادة الشركات غير الرائدة في السوق افتراضات مماثلة ولكن باتجاه معاكس؛ فهم غالباً عالقون في الماضي ويفترضون أن شركاتهم أضعف من الشركات الرائدة في جميع الجوانب، وحتى لو رأوا أن لديهم موطن قوة، فهم يفتقرون إلى عقلية العلامة التجارية المنافسة ويفترضون أن احتمال الفشل أكبر من احتمال النجاح.

يكمن جوهر الإجابة عن سؤال "ما موقفنا الآن؟" في عقلية العلاج الاستراتيجي في الصدق اللامتناهي بشأن معتقداتك الأساسية المتعلقة بالاستراتيجية ومواطن القوة الحقيقية لشركتك والمنتج وفئته. الخطوة الأولى هي الاعتراف بوجود مشكلة،

وهناك 3 أسئلة فرعية نشجع القادة بشدة على التفكير فيها:

1. ما الجانب الفريد الذي يميز أعمالنا؟

هل هو منتجك؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل يكمن تفرده في فوائده أم تجربة المستخدم التي يوفرها أم سعره؟ أم يكمن في الشركة نفسها بسبب استراتيجياتك التسويقية أو أساليب إدارة المبيعات أو سلسلة التوريد؟ أم أن تفرّدك ليس بسبب منتجك ولا شركتك، بل لأنك ببساطة تصنع منتجاً في الفئة المناسبة وفي الوقت المناسب؟

هذا التمرين مؤلم جداً، هل تجد مسؤولاً عن منتج مستعداً للاعتراف بأن منتجه ليس مميزاً، وأن سبب نجاحه هو الإدارة الممتازة لسلسلة التوريد؟ أو هل تجد خبير تسويق يعترف بأن أسلوبه في التسويق ليس فريداً وأن نجاحه يعتمد على فريق مبيعات رائع؟

أكد القادة الذين جربوا هذه العملية أن مواجهة هذه الحقائق الصعبة منذ البداية تسرّع عملية التخطيط الاستراتيجي بأكملها وتجعلها أسهل وأسلس لأنها تعزز الصدق والتوافق في الفريق.

2. ما درجة تميز الجانب الوحيد الذي يميز أعمالنا؟

حتى لو كان منتجك مميزاً بالنسبة لشركتك فذلك لا يعني بالضرورة أن يكون مميزاً بالنسبة للفئة التي ينتمي إليها. يمكن تكون تمارين التخطيط الاستراتيجي التقليدية مفيدة للإجابة عن هذا السؤال شريطة أن تُستخدم لتشجيع الصدق الكامل.

على سبيل المثال، تكشف المرونة السعرية عن حقيقية منتجك أو خدمتك: هل يمكنك مثلاً زيادة السعر بنسبة 10% غداً دون أن يؤدي إلى انخفاض كبير في المبيعات؟ التفكير بذلك وحده كفيل بأن يسبب التوتر لمعظم القادة. إذا لم يكن بمقدورك رفع سعر منتجك فهو ليس مميزاً حقاً في فئته.

تكشف نمذجة المزيج التسويقي حقيقة فعالية جهودك في مجال التسويق. هل فزت بجوائز؟ هذا رائع، ولكن هل تظهر الحسابات أن كل دولار يُنفق على التسويق يولّد أكثر من دولار في هامش الربح الإجمالي؟ إذا لم تسهم جهودك التسويقية في زيادة الإيرادات أو القيمة السوقية فهي مجرد أنشطة إبداعية دون أي قيمة استراتيجية.

يمكن أن تكشف المقارنة المعيارية للإنفاق الإعلاني بالمبيعات عن حقيقية منتجك وعلامتك التجارية، إذا كانا مميزين حقاً فلماذا يتعين عليك إنفاق المليارات على الإعلانات لمحاولة إقناع المستهلكين بأن منتجك فريد؟ يعبر مؤسس شركة جيك سكواد (Geek Squad)، روبرت ستيفنز، عن هذا الجانب بأفضل طريقة قائلاً: "الإعلان هو الضريبة التي تدفعها مقابل عدم تميز منتجك".

ويكشف تحليل مصدر حجم مبيعاتك عن مدى تميز منتجك وشركتك وفئتك عن الآخرين. هل نمت حصتك السوقية العام الماضي؟ هذا رائع، ولكن من أين أتت هذه الحصة؟ إذا كانت على حساب المنافسين الآخرين، فهذا يشير إلى أن العملاء يرون أن منتجك قابل للاستبدال. ولكن إذا كنت تجتذب شرائح جديدة تماماً من المستهلكين إلى هذه الفئة، مثل ألعاب الفيديو التي تجتذب نساءً في منتصف العمر الآن، فأنت تفعل شيئاً مبتكراً.

3. إلى أي مدى نحن مستعدون لضمان أن يكون جانبنا الفريد متميزاً حقاً؟

هناك 3 مستويات من التفرد يجب السعي لتحقيقها: التفوق على الآخرين أو أن تكون صاحب الأداء الأفضل أو أن تكون مختلفاً أو فريداً. يكتفي معظم القادة بالتفوق على الآخرين بدلاً من السعي إلى الأداء الأفضل أو الاختلاف عن الآخرين.

يتعلق التفوق على الآخرين بالفوز على منافسيك؛ لا هدف أكبر من أن تكون قائد الشركة التي تستحوذ على الحصة السوقية الأكبر، وقيادة التكلفة وتحقيق وفورات الحجم أهم من الابتكار وتقديم الفوائد للمستهلكين، ويعتمد مقياس هامش الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك وإهلاك الدين على الحجم والكفاءة التشغيلية.

من ناحية أخرى، ينطوي السعي إلى أن تكون صاحب الأداء الأفضل على تحسين الجودة والقدرة على زيادة سعر منتجك، وهنا تكمن أهمية البحث والتطوير والابتكار والعلامة التجارية، ويعتمد هامش الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك وإهلاك الدين على استراتيجية التسعير وإجمالي هوامش الربح.

أخيراً، ينطوي التفرد والاختلاف على الابتكار والتميز. تحدد الشركات المتميزة المشكلات ضمن فئة المنتج وتقترح منظوراً أو حلاً مختلفاً جذرياً، حيث تشجع الابتكار في منتجاتها ونماذج أعمالها وبياناتها، ما يعزز هامش الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك وإهلاك الدين من خلال الزيادات الكبيرة في إجمالي إيرادات المبيعات وارتفاع هوامش الربح الإجمالي والتشغيلي.

أثبت بحثنا أن الشركات التي تختار "أن تكون مختلفة" بصفتها مبتكرة لفئة المنتج يمكن أن تزيد ربحيتها إلى حد كبير. مع ذلك، تتبنى غالبية الشركات دون وعي استراتيجية تركز على التغلب على المنافسين، لأن هذا ما تعلمته. والعديد من المسؤولين التنفيذيين الذين التقيناهم يؤمنون بأن الاستراتيجية هي لعبة محصلتها صفرية، ولكي ينجحوا يجب أن يخسر منافسوهم. هذه العقلية ليست مستغربة، حيث إن العديد من المفاهيم الاستراتيجية التقليدية مستمدة من الاستراتيجية العسكرية. على سبيل المثال، يحمل أحد أشهر الكتب حول الاستراتيجية عنوان "الاستراتيجية التنافسية" (Competitive Strategy)، وهو من تأليف مايكل بورتر.

لكن هل هذا المنظور دقيق فعلاً؟ لنتأمل هنا شركتَي آبل ومايكروسوفت اللتين كانتا تتنافسان ذات يوم على سوق أنظمة التشغيل؛ أصبحت هاتان الشركتان اليوم تكمل إحداهما الأخرى وبلغت القيمة السوقية لكل منها تريليونات الدولارات لأن كلاً منها قررت ابتكار مسار مختلف ومتميز لمستقبلها.

في التخطيط الاستراتيجي، يمكن للميل الطبيعي للمنافسة أن يطغى في كثير من الأحيان على الاعتبارات الأهم. هل هدفنا الحقيقي هو أن نستحوذ على الحصة السوقية لشركة أخرى منافسة؟ أم أننا غير متأكدين من أن قدرتنا على الابتكار الحقيقي ترقى إلى المستوى المطلوب؟

على سبيل المثال، تتمثل رؤية تويوتا في أميركا الشمالية في أن تصبح شركة السيارات الأكثر نجاحاً واحتراماً في أميركا، (أي ما يجسد هدف التفوق على الشركات الأخرى جميعها). بينما تطمح مجموعة بي إم دبليو إلى أن تكون شركة تصنيع السيارات الفاخرة الأكثر نجاحاً واستدامة في مجال التنقل الفردي (ما يجسد هدف أن تكون صاحب الأداء الأفضل).

أما رسالة تيسلا فهي "تسريع تحول العالم إلى الطاقة المستدامة"؛ من الواضح أنها تتبنى استراتيجية التميز والاختلاف. اتخذت شركة تيسلا خطوات مثل فتح شبكتها للشحن أمام العلامات التجارية الأخرى، وجعلت براءات اختراعها مفتوحة المصدر، حتى أنها عرضت أن تمنح ترخيصاً باستخدام برنامجها للقيادة الذاتية الكاملة للشركات الأخرى. هل الخطوات التي اتخذتها تيسلا مربحة؟ نعم على الأرجح، ولكن على المدى الطويل، في تنطوي على تكاليف على المدى القصير. ولكن هل كانت تويوتا أو بي إم دبليو ستفعل الشيء نفسه؟

في الواقع، قرار السعي إلى التفوق على الآخرين أو تحقيق الأداء الأفضل أو الاختلاف والتميز متجذر في المعتقدات الأساسية لدى القائد حول وفرة الموارد أو ندرتها في العالم. غالباً ما يركز القادة الذين يؤمنون بالندرة على المنافسة على حصة في السوق دون إيلاء اعتبار يذكر للاعتبارات بعيدة المدى، وبالمقابل يميل القادة الذين يؤمنون بالوفرة إلى تقدير الابتكار وتصميم فئات المنتجات ويهدفون إلى خلق مستقبل جديد يعالج المشكلات القائمة التي لا تستطيع فئة المنتج الحالي حلها. مع ذلك، لم يستكشف كثير من المسؤولين التنفيذيين بعد بعمق معتقداتهم الأساسية هذه،

وهذا ما يجعل العلاج الاستراتيجي أهم من التخطيط الاستراتيجي التقليدي. ينطوي العلاج الاستراتيجي على الصدق الشديد وتبني ما قد يبدو اعتقاداً ساذجاً بالوفرة؛ الصدق أداة قوية متاحة يمكن للجميع الاستفادة منها، وعقلية الوفرة وسيلة لخلق فرص جديدة ووضع أعظم الاستراتيجيات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي