ملخص: ينتقل العديد من الأطباء من ممارسة الطب إلى مجالات أخرى في قطاع الرعاية الصحية بسبب شعورهم بالإحباط أو إصابتهم بالاحتراق الوظيفي، لكنّ عملية الانتقال هذه ليست بالأمر السهل. يقدّم هذا المقال 4 نصائح عملية لتسهيل عملية الانتقال والتكيف مع بيئة العمل الجديدة.
مع تصاعد الضغوط وتضاؤل الرضا الوظيفي، يتزايد عدد الأطباء الذين يتركون العمل في الخطوط الأمامية من قطاع الرعاية الصحية ويتجهون نحو تولي أدوار في المجالات التجارية منه، سواء في شركات صناعة الأدوية أو شركات التأمين الصحي أو الإدارة السريرية أو الشركات الناشئة في مجال الرعاية الصحية أو رأس المال المغامر أو الخدمات المالية.
على الرغم من أن هذه الوظائف يمكن أن تكون مُرضية وتوفر مزيداً من المرونة والإبداع الذي يطمح إليه الأطباء، فإن العديد منهم يواجهون تحديات كبيرة أو يتعثرون عند الانتقال إلى هذه الأدوار الجديدة، وعلى الرغم من ذلك، يمكن تجاوز هذه العقبات.
بفضل خبرتي في مساعدة الأطباء وتوجيههم في مجموعة متنوعة من البيئات غير السريرية، مثل المجموعات الطبية وشركات التأمين الصحي وشركات صناعة الأدوية والقطاع الحكومي، أعتقد أن بعض التغييرات البسيطة في طريقة التفكير يمكن أن تحقق تحسناً ملحوظاً في نتائج مسيرة الطبيب المهنية بعد انتقاله من مجال الرعاية الطبية السريرية إلى وظائف أخرى. بناءً على ما سبق، أقدم 4 نصائح تساعد الأطباء على تحقيق النجاح في المجالات الأخرى ضمن قطاع الرعاية الصحية.
1. لا تعتمد على الآخرين في أداء مهامك
يمثل الوصول إلى التشخيص الصحيح أو خطة العلاج المناسبة أعلى درجات الرضا بالنسبة للطبيب المتخصص في رعاية المرضى. عادة، يتعاون الطبيب مع فرق كبيرة تتألف من أفراد يتفاعلون بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مع المريض، لمساعدته في المهام الضرورية لتشخيص المرض وتنفيذ خطة العلاج. على سبيل المثال، يُدخل الطبيب طلب الدواء في نظام السجلات الطبية الإلكترونية. بعد ذلك يتولى الصيدلي مهمة توفير الدواء والتأكد من عدم وجود تداخلات دوائية مع الأدوية الأخرى التي يتناولها المريض، ثم يرسله إلى الطابق الذي يقيم فيه المريض ليتناوله. يقيس الممرض المساعد المؤشرات الحيوية للمريض، في حين تتولى الممرضة تقديم الدواء أو العلاج اللازم له. يكمن جوهر عمل الطبيب المُمارس في اتخاذ القرارات المعرفية المناسبة، وليس تنفيذ الإجراءات الطبية.
يخطئ العديد من الأطباء في اعتقادهم وجود تشابه بين بيئة الشركات والمجال الطبي من ناحية هيكلية العمل ونظام القيم. على الرغم من احتمالية توفر فريق دعم للمساعدة في تصميم المشاريع وتنفيذها في بعض الأحيان، فإن دور الطبيب في بيئة الشركات لا يقتصر على تطوير الأفكار، بل يشمل أيضاً وضع خطط التنفيذ والإشراف على تطبيقها.
يغفل كثير من الأطباء عن حقيقة أن وضع الأفكار والرؤى في المؤسسات يُعد أمراً بسيطاً مقارنة بصعوبة تنفيذها وتحويلها إلى واقع ملموس؛ إذ إن التنفيذ هو العنصر الأساسي لتحقيق النجاح. يفشل العديد من الأطباء في البدء بمشاريع أو مبادرات جديدة بسبب اعتقادهم الخاطئ أنهم غير قادرين على تنفيذها بمفردهم دون وجود فريق عمل داعم، دون أن يدركوا حقيقة أنهم بمثابة الفريق الأساسي للمشروع، لا سيما في مراحله الأولى. بسبب هذه الدينامية، يُصنَّف العديد من الأطباء على أنهم مدراء غير أكفاء.
يتميز أفضل الأطباء العاملين في المؤسسات بقدرتهم على المبادرة وتحقيق الإنجازات، فهم يمتلكون الرؤية ويقودون تنفيذها ويتابعون التفاصيل كافة من كثب ويسهمون بطريقة فعالة في صياغة العمل وتنفيذه على أرض الواقع.
2. تجنب ردود الفعل الدفاعية، وامنح نفسك الفرصة للتفكير والتساؤل لمعرفة المزيد
في كثير من الأحيان، تتطلب الرعاية السريرية التفكير والتصرف بسرعة في المواقف الغامضة والمعقدة. في السيناريوهات المُعقدة التي تحمل مخاطر كبيرة، وعندما تكون المعلومات غير مكتملة، يكون اتخاذ القرارات السريعة أمراً ضرورياً. عندما يتعرض أحد المرضى لنوبة قلبية داخل المستشفى، فلا مجال للتفكير والتردد. يحظى الطبيب الذي يمتلك حدساً قوياً وخبرة واسعة في التعامل مع المواقف الحرجة باحترام وتقدير كبيرَين.
على الرغم من أن بعض المواقف في قطاع الأعمال تتطلب اتباع هذا النهج، فإن غالبية المواقف المعقدة تحتاج إلى تفكير مدروس بعناية، بدلاً من ردود الفعل السريعة والانفعالية. لذلك، من الضروري جمع المعلومات وتحليلها ومعالجتها في مثل هذه المواقف. في مواجهة المواقف المعقدة، يعتمد أفضل القادة الأطباء في المؤسسات على أسلوب الاستفسار وطرح الأسئلة. يؤدي التفكير في الأسئلة المطروحة ودمج أكبر قدر ممكن من البيانات في عملية صناعة القرار إلى اتخاذ قرارات مدروسة وحكيمة، ما يُفضي عادةً إلى اكتساب احترام أكبر لمجموعة مهارات الشخص التنفيذية ووظيفته.
3. ركز على النتائج، وليس على سياسة العمل
تتميز الإدارة في قطاع الرعاية الصحية عادةً بطابعها البطيء والروتيني وتأثرها بالبيروقراطية مقارنة بالممارسات الطبية السريرية والمباشرة. يواجه العديد من المستشفيات الكبيرة وأنظمة الرعاية الصحية عائقاً رئيسياً يتمثل في ضرورة عقد اجتماعات تشاورية كثيرة لبناء التوافق، ما يعوق إنجاز كثير من الأعمال. من الطبيعي أن يستغرق تنفيذ أي تغيير في السياسات أو الإجراءات فترة تتراوح بين 12 إلى 18 شهراً، لأن عشرات الأشخاص في سلسلة قيادة المستشفى أو النظام الصحي يمتلكون القدرة على منع تنفيذ أي تغيير مقترح في السياسات أو الإجراءات.
غالباً، يعتقد الأطباء الذين ينتقلون إلى مجالات عمل أخرى أن المؤسسات جميعها تعمل ببطء وتتسم بالبيروقراطية. على الرغم من أن بعض الشركات غير الطبية تعمل بهذه الطريقة، فإن الكثير منها (أو على الأقل أفضلها) لا تعتمد هذا النهج.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الانخراط في السياسات التنظيمية الحقيقية أو المفترضة يمكن أن يؤدي في كثير من الأحيان إلى توقع الأطباء الذين يعملون في قطاع الأعمال أن وتيرة العمل ستكون بطيئة؛ إذ يكون التركيز على تحقيق التوافق التنظيمي بدلاً من التركيز على تحقيق النتائج، ما يثير تساؤل الآخرين حول سبب قلة الإنجازات. إن تخصيص الوقت لفهم كيفية اتخاذ القرارات التنظيمية فعلياً يمكن أن يساعد الأطباء على تحقيق نتائج أفضل.
4. تعلم اللغة الجديدة
يُعد تعلم اللغة الطبية جزءاً أساسياً من رحلتك لتصبح طبيباً. خلال السنتين الأولى والثانية في كلية الطب، يتعلم الطلاب لغة الطب، وفي السنتين الثالثة والرابعة يتعلمون تطبيقها في المجال العملي، وخلال مرحلة التخصص والزمالة، يتدرب الأطباء على إتقان لغة الطب واستخدامها بطلاقة وتعميق فهمهم لتفاصيلها الدقيقة.
عند الانتقال إلى قطاع الأعمال، يجب على العديد من الأطباء بذل جهد أكبر لتعلم لغة الأعمال والمفاهيم والمصطلحات الأساسية. يمكن أن يساعد اتخاذ بعض الخطوات المبكرة في هذا الاتجاه على تسهيل عملية الانتقال. على الرغم من ذلك، يجب على الأطباء عدم المبالغة في التركيز على جانب الأعمال على حساب مهاراتهم الطبية الأساسية، لأن الاحتفاظ بهوية الطبيب سيكون أحد العوامل الرئيسية لتقديم إسهامات مميزة.
من المؤكد أن مجال الأعمال في قطاع الرعاية الصحية سيستفيد من زيادة عدد الأطباء الذين يتركون ممارسة الطب لتولي أدوار أخرى في منظومة الرعاية الصحية، لا سيما مع التغيرات السريعة التي يشهدها هذا القطاع. من خلال العقلية الصحيحة والنهج والتوجيه المناسبَين، يمكن أن يسهم هؤلاء الأطباء في قيادة نظام الرعاية الصحية نحو مستقبل أفضل يستند إلى المعرفة والعلوم الطبية ويُنظّم لخدمة مصالح المرضى والأطباء الذين يشرفون على رعايتهم.