كيف يمكنك ترك انطباع جيد عن نفسك وزيادة فرصك في الحصول على عرض العمل عندما تذهب إلى مقابلة من أجل وظيفتك التالية؟ ربما ترغب بالتركيز على طموحك وأهدافك التي ترجو تحقيقها كنتيجة للعمل في هذه الشركة، أي دوافعك الخارجية للعمل. ولكن إلى أي مدى يجب عليك في نفس الوقت التشديد على حبك لعملك وما ترجو تحقيقه في مرحلة من مراحل عملك في الشركة؟ يشمل ذلك دوافعك الذاتية للوظيفة، ويدرك معظمنا مدى أهمية الانسجام الدائم في العمل، ولكن هل يهتم أرباب العمل بسماع ذلك منك حقاً؟
يشير بحثنا إلى أن أرباب العمل يهتمون بذلك فعلاً، وأن المتقدمين للعمل لا يستثمرون هذا الاهتمام. ووجدنا بالفعل أن الموظفين غير قادرين على توقع قوة تأثير جملة تصف الدوافع الذاتية على الانطباع الذي يتركونه لدى أرباب العمل.
ومن أجل اختبار مشكلة التوقع هذه، أي التباين بين ما يظن المتقدمون أنه سيعجب أرباب العمل وما يعتبره أرباب العمل مثيراً للإعجاب فعلاً، أجرينا استطلاعات لآراء 1,428 موظفاً بدوام كامل وطلاب شهادة الماجستير في إدارة الأعمال ضمن خمس دراسات. فقدم البعض توقعاتهم وخمنوا ما قد يعتبره أرباب العمل مثيراً للإعجاب عند تعيين أحد المتقدمين للعمل. وأخبرنا بعض أرباب العمل عما إذا كانت تلك التوقعات ذات قيمة لديهم فعلاً عندما اتخذوا قرارات التعيين.
طلبنا في الاختبار الأول من موظفي الدوام الكامل أن يطلعوا على بعض الجمل التي يمكنهم قولها في أثناء مقابلة عمل. كانت بعض هذه الجمل تركز على الدوافع الذاتية، كالرغبة في وظيفة مثيرة للاهتمام وذات معنى، وركز البعض الآخر على الدوافع الخارجية كالاهتمام بالتقدم المهني والأمان المالي. ووضع المتقدمون تقييماً لمدى إثارة كل جملة لإعجاب أرباب العمل بحسب اعتقادهم. واطلعت مجموعة أخرى من الموظفين على هذه الجمل وأخبرونا عن درجة إعجابهم بكل منها في حال صرح بها متقدم للعمل لديهم في المقابلة. وفي حين تمكن الموظفون من توقع مدى إعجاب أرباب العمل الجمل التي تركز على الدوافع الخارجية بدقة، إلا أنهم لم يدركوا مدى إعجابهم بالجمل التي تركز على الدوافع الذاتية. إذ كان التركيز على حب عمل معين ذا أهمية كبيرة بالنسبة لأرباب العمل أكثر مما توقعه المتقدمون.
وقد لاحظنا النمط ذاته، أي عدم قدرة الموظفين على توقع أهمية التعبير عن الدوافع الذاتية، عندما عكسنا الأدوار. ففي هذه الدراسة توقع أرباب العمل ما يجذب الموظفين إلى الشركة وما يقنعهم بقبول عرض عمل لديها. إذ طلبنا من طلاب شهادة الماجستير في إدارة الأعمال تحديداً الاطلاع على جمل تصف ثقافة الشركة بما فيها الدوافع الخارجية والذاتية لموظفيها الحاليين وتوقع مدى فعالية كل جملة منها في إقناع متقدم مقبول بالانضمام إلى الشركة. واطلع طلاب آخرون على الجمل ذاتها وأخبرونا عما إذا كانوا سيقبلون عرض عمل في شركة تستخدم هذه الجمل في ثقافتها أم لا. وعلى الرغم من أن أرباب العمل تمكنوا من وضع توقعات دقيقة عن رغبة المتقدمين بالعمل لدى شركة تركز ثقافتها على الدوافع الخارجية، فقد استهانوا بمدى تثمين المتقدمين للعمل لدى شركة تركز ثقافتها على الدوافع الذاتية، حيث كان اهتمام المتقدمين للعمل بأن يكون العمل مثيراً لاهتمام الموظف وأن يكون ذا معنى بالنسبة له، أكبر من توقعات من أخذوا دور أرباب العمل.
لماذا يستهين المتقدمون وأرباب العمل بمدى تثمين الآخرين للدوافع الذاتية؟ لقد وجدنا أنه على الرغم من معرفة الموظفين أنهم يهتمون بالدوافع الذاتية إلا أنهم لا يدركون أن الآخرين أيضاً يثمنونها بالقدر ذاته، وهذا يؤثر على ما يقولونه عند محاولة إثارة انطباع جيد لدى الآخرين.
تؤثر عدم القدرة على إيلاء الأهمية المناسبة لاهتمام الآخرين بامتلاك دوافع ذاتية على ما نقوله في مقابلات العمل. طلبنا في إحدى الدراسات من طلاب ماجستير إدارة الأعمال اختيار أحد خطابين قصيرين من أجل مقابلة عمل. كان الأول يركز على الدافع الذاتي (مثلاً: "أنا أحب العمل في وظيفتي") وركز الآخر على الدافع الخارجي (مثلاً: "سيكون هذا المنصب منصباً ممتازاً من أجل تقدمي في مسيرتي المهنية"). وسيكون الطالب مؤهلاً للفوز بجائزة إذا اختار الخطاب الأكثر إقناعاً بحسب اختيار أغلبية أرباب العمل (الطلاب في المجموعة الثانية). وجدنا أنه في الوقت الذي اختار 43% من المتقدمين خطاب الدافع الذاتي، كان 69.5% من أرباب العمل يعتبرونه أكثر تفوقاً ويتمتع بفرص أعلى للحصول على العمل.
كيف يستطيع الباحثون عن عمل ضمان التركيز على الدوافع التي يهتم بها أرباب العمل؟ إحدى النصائح هي النظر من منظور رب العمل. طلبنا من الموظفين الاطلاع على خطابين قصيرين يركز أحدهما على الدافع الذاتي والآخر على الدافع الخارجي، ثم اختيار الخطاب الذي سيثير إعجاب رب العمل وقسمناهم إلى مجموعتين. وطلبنا من إحداهما اتخاذ وجهة نظر رب العمل قبل الاختيار. ففكر كل واحد في هذه المجموعة بمن سيوظفه إن كان هو رب العمل قبل أن يختار الخطاب الذي يظن أنه سينال الإعجاب في المقابلة. أما الموظفين في المجموعة الثانية فلم يفكروا بوجهة نظر رب العمل قبل الاختيار، فكانت النتيجة أن اتخاذ وجهة نظر رب العمل ساعد المجموعة الأولى من المتقدمين على توقع أن يحظى خطاب الدافع الذاتي بالإعجاب، واختاره 45.9% منهم مقابل 31.7% فقط من المجموعة الثانية التي لم تفكر بوجه نظر أرباب العمل.
إذن، النصيحة هنا جلية وواضحة. يجب أن يركز المتقدمون في مقابلة العمل على المعنى الذي يحققونه من عملهم، ويجب على أرباب العمل التركيز على عمل موظفيهم في الأدوار التي يحبونها. فأخذ وجهة نظر الآخر، أي وضع نفسك مكان الآخرين، هو إحدى الطرق لضمان التركيز على الدافع الذاتي.