تخيل معي الموقف التالي: اليوم هو الخامس عشر من شهر مارس/آذار، ويرتب مدير أميركي يدعى مارك موعداً لتركيب منظومة حوسبة جديدة عالية القدرة، لشركة يابانية. حدد مارك بمساعدة زملائه موعداً في نهاية الشهر وأبلغ به نظراءه اليابانيين، ليتلقى على الفور رداً من الشركة اليابانية تعبّر فيه عن شكرها الشديد له على اختيار هذا التاريخ وعن حماسها للبدء بتركيب المنظومة. سُرَّ مارك، فحفظ الرسالة وانتقل إلى المهمة التالية في جدول أعماله. لكنه صُدم بشدة في اليوم التالي عندما اتصل به مديره وتحدث إليه بغضب عن مدى استياء الشركة اليابانية من الموعد المختار لتركيب المنظومة، وعن ضرورة البدء بالتركيب في موعد أقرب خوفاً من خسارة هذا العميل.
إدارة الاختلافات في أساليب التواصل من أصعب التحديات التي تواجه الشركات العالمية، وأكثرها تطلباً للدقة. في الولايات المتحدة مثلاً نحبذ التواصل المباشر، فنحترم من يدخل في صلب الموضوع دون لف أو دوران ولا نتوقع أن يكون علينا قراءة ما بين السطور. وعموماً، على المتحدث أن يتحدث بوضوح وينقل إلينا المعلومات المطلوبة كلها بكلام موجز وسهل الاستيعاب. أما الذين يحيدون عن هذا الأسلوب، فيقدمون معلومات أكثر من اللازم وتفاصيل عرضية، ينظر إليهم غالباً على أنهم يفتقرون إلى التنظيم أو الاستعداد، كما أن أولئك الذين يردّون بتلميحات وإشارات غير واضحة قد يُنظر إليهم على أنهم ماكرون أو ثقيلو الفهم.
اعتدنا أسلوب التواصل المباشر لدرجة أننا نُفاجأ ونرتبك إذا حاد الآخرون عنه. ومع ذلك، هذا بالضبط ما يحدث عند العمل مع أفراد من ثقافات أخرى لا تستخدم أسلوباً مباشراً في التواصل، كما في المثال أعلاه. فاليابانيون، على سبيل المثال، يراعون جداً الطريقة التي يتواصلون بها، وعلى وجه الخصوص، يتجنبون الكلام الذي يظنون أنه قد يحط من مقام الآخرين ونتيجة لذلك، يعبّرون عن أفكارهم غالباً بمصطلحات غير مباشرة، خلافاً للثقافات التي اعتادت اتباع أسلوب التواصل المباشر كما هي الحال في الولايات المتحدة أو ألمانيا أو سويسرا. ويستخدم اليابانيون التواصل غير المباشر على وجه الخصوص في إطار المجموعة، مع الأشخاص الذين لا يعرفونهم حق المعرفة، وذوي المناصب العليا أو من يفوقونهم نفوذاً. تقدّر الثقافة اليابانية جداً القدرة على قراءة ما بين السطور واستخدام التلميح في إيصال المعلومات مع ضمان فهم المتلقي الرسالة المطلوبة في الوقت نفسه.
لا شك في أن هذا يخلق تحدياً للمدراء الذين يقودون فِرقاً دولية أو يشاركون فيها مع أفراد من ثقافات لا تستخدم أسلوب التواصل المباشر، مثل الثقافة اليابانية أو الصينية أو الكورية. إذاً كيف يمكن لهؤلاء المدراء المشاركة بفعالية في نقاش الموضوعات واتخاذ القرارات ضمن حوار قد يكون افتراضياً، وتتواصل فيه الأطراف الأخرى تواصلاً غير مباشر؟
النصيحة المهمة الأولى هي أن تتذكر أنه عندما تتواصل مع شخص من ثقافة لا تستخدم التواصل المباشر، لا تأخذ بظاهر الكلام. في المثال أعلاه، قالت الشركة اليابانية إنها "متشوقة" للبدء بتركيب المنظومة، بالنسبة إلى شخص أميركي، قد يعني ذلك أنها تتطلع إلى الموعد المحدد في نهاية الشهر. ومع ذلك، فإن إظهار الحماس على هذا النحو يعني لشخص ياباني أن الشركة حريصة جداً على البدء بتركيب المنظومة في أقرب وقت ممكن ومن ثم ترغب في تقريب الموعد. وبطبيعة الحال، بسبب القواعد الثقافية التي تفرض التواصل غير المباشر، قد لا تعبّر الشركة عن رغبتها صراحة كما يتوقع الأميركي.
النصيحة الثانية هي أن تنتبه دائماً إلى الفرق بين الرسالة الفعلية التي تسمعها والرسالة الضمنية، أي أن تسأل نفسك: ما التفسيرات الأخرى لهذه الرسالة؟ في هذه الحالة، قد يقصد المدير الياباني أنه راضٍ عن الموعد المحدد فيواصل العمل كما هو مقترح، أو قد يعني ذلك أنه يرغب في تركيب المنظومة أبكر، ربما ببضعة أيام أو أسبوع، أو قد يعني أن الشركة اليابانية حريصة جداً على تركيب المنظومة قريباً دون إضاعة الوقت. إذا كانت ثقافتك تستخدم التواصل المباشر، فإنك قد لا تعرف درجة الإلحاح، وهنا يأتي دور النصيحة الثالثة: اسأل.
من المهم طرح الأسئلة على الطرف الآخر أو التواصل معه أكثر لتجمع المزيد من المعلومات حول المعنى الحقيقي لرسالته. على سبيل المثال، في الحالة المذكورة أعلاه، يمكن للمدير الأميركي الرد على المدير الياباني وشكره على رسالته، والتأكيد أن الميعاد مناسب للشركة الأميركية، والسؤال عما إذا كانت الشركة اليابانية تفضل تحديد ميعاد مختلف. إذا كانت ثقافة الطرف الآخر تستخدم التواصل المباشر فقد تكون الإجابة واضحة: "نعم، سيكون من الرائع تحديد موعد أقرب". ولكن وفقاً للثقافة اليابانية من المرجح أن تستخدم الشركة التلميح في رسالتها، فتكون من قبيل: "بالطبع لا نريد أن نتسبب في إزعاجك، ولكن تحديد موعد أقرب إن كان ممكناً سيكون مفيداً لنا". بوصفك مديراً ينتمي إلى ثقافة تستخدم التواصل المباشر، سيكون عليك تحليل هذه الرسالة من خلال فهمك للتواصل غير المباشر، فبالإشارة إلى أن تقريب الموعد سيكون مفيداً لها، توضح الشركة تماماً أنها ترغب في تسريع عملية تركيب المنظومة.
تعلم لغة التواصل غير المباشر لا يختلف كثيراً عن تعلم لغة أخرى، مثل الإنجليزية أو الفرنسية أو اليابانية، فالأمر يستغرق وقتاً وممارسة وصبراً وقد ترتكب بعض الأخطاء، ولكن كلما أسرعت في إتقان هذه اللغة بتفاصيلها الدقيقة، صرت مستعداً أكثر للعمل مع مختلف ثقافات العالم.