كيف تُسخّر حب الاطلاع للنجاح في مسيرتك المهنية؟

6 دقيقة
الفضول
shutterstock.com/Artem Oleshko

ملخص: تنمية الفضول جانب حيوي لأنه يعزز فعالية القيادة ويسهّل التعلم المستمر، فضلاً عن أنه مهارة تبدي الشركات رغبة شديدة فيها. الفضول مثل أي عضلة في الجسم، لا بد من تدريبها وتقويتها.  يمكنك تعزيز فضولك من خلال التخلي عن الأعذار والنظر إلى الأمور من الزاوية الصحيحة وتغيير روتينك وتجربة أشياء جديدة وتغيير اتجاه تركيزك عندما تفقد اهتمامك. الفضول مهارة قيّمة في سياقات مختلفة، بما فيها مكان العمل والعلاقات الشخصية. إنه يُظهر الاهتمام ويحفز الاكتشاف ويؤدي في النهاية إلى التحول، كل ذلك من خلال طرح أسئلة بسيطة مثل "من" و"لماذا" و"متى" و"أين" و"كيف".

يمكن تعريف الفضول على أنه الحافز الذي يشجعنا على التعلم وتبنّي أفكار جديدة والمغامرة في بيئات أو مواقف غير مستكشفة.  استناداً إلى هذا المعنى، من البديهي أن يكون لدى المرء أسباب وجيهة للاستفادة من فضوله وتنميته:

أولاً، الفضول جانب مهم من فعالية القيادة؛ إذا كنت تطمح لقيادة الآخرين أو إدارتهم، فإظهار الفضول سيكون مفيداً لأنه يحفزهم أيضاً على تسخير فضولهم.

ثانياً، يتيح لك الفضول الحفاظ على رغبتك في الاستمرار بالتعلم، وهي سمة حيوية لضمان نموك المهني وكذلك الشخصي في مواجهة التحديات المستقبلية. يوضح كتابي الأخير، "نحن البشر: الذكاء الاصطناعي والأتمتة والسعي إلى استعادة ما يميزنا" (I, Human: AI, Automation, and the Quest to Reclaim What Makes Us Unique)، كيف أن المهارات اللازمة لمواكبة بيئة العمل المتغيرة تتطور بوتيرة سريعة جداً لدرجة أن شحذ فضولنا أصبح الآن ضرورة وآلية للبقاء.

ثالثاً، تقدّر الشركات الفضول كثيراً، إذ غالباً ما تعدّه بعداً أساسياً من الموهبة بغض النظر عن الوظيفة أو القطاع أو الأقدمية. على سبيل المثال، تعطي وكالات التوظيف ووكلاء المواهب في شركتنا، مان باور غروب (ManpowerGroup)، الأولوية غالباً للفضول عند التوظيف، وهو ما يقدره عملاؤنا. السبب واضح: على الرغم من أننا لا نستطيع التنبؤ بوظائف المستقبل، فإن الموظفين ذوي العقلية الفضولية سيمتلكون حافزاً وقدرة أكبر على اكتساب مهارات جديدة أو صقل مهاراتهم الحالية من أجل التكيف مع هذه الأدوار المستقبلية.

إذاً ما الإجراءات التي يمكنك اتخاذها لتعزيز فضولك وتنميته؟ فيما يلي 5 توصيات مدعومة بأبحاث علمية لتعزيز الفضول:

تخلَّص من الأعذار كلها

لدى كل شخص الرغبة في أن يكون فضولياً، واستخدام فضولنا، سواء في القضايا الصغيرة أو المهمة، يعد من أهم التجارب المُرضية فكرياً. مع ذلك، تمنعنا عوائق كثيرة من إطلاق العنان لعقولنا المتعطشة إلى الفضول، ويشمل أكثرها شيوعاً ضيق الوقت وضرورة التركيز على المهام الروتينية وتحقيق نتائج مضمونة والعمل ضمن بيئات عمل مملة أو غير محفزة.

مع ذلك، هذه مجرد أعذار يمكن التعامل معها. في الواقع، لا شيء يمنعنا من تعزيز فضولنا، فهو لا يتعدى اختيار الأولويات الصحيحة وبذل جهد للتعلم وتجربة أشياء جديدة وسد الفجوة بين معرفتنا الحالية والمعرفة التي نطمح إليها،  لذلك يُظهر الأفراد في الفريق أو المؤسسة نفسها مستويات متفاوتة جداً من الفضول، حتى تحت إشراف المدير نفسه.

إذاً، يجب ألا تعتمد على مديرك في تعزيز فضولك، فهذه مسؤوليتك الشخصية. فيما يلي بعض الأمثلة العملية لمساعدتك على تعزيز فضولك في مكان العمل تدريجياً:

  • خصص 20 إلى 30 دقيقة كل يوم، قبل العمل أو بعده، لتعزيز فضولك.
  • شارك أفكارك مع زملائك، خصوصاً حول القضايا الاستراتيجية الطويلة المدى أو طرق تحسين العمليات والاستراتيجيات الحالية.
  • عوّد نفسك على طرح سؤال "لماذا" كلما استطعت، لمساعدتك على التعمق في دقائق الأمور والبدء باستكشافها بعمق لا بصورة سطحية.

انظر إلى الأمور من الزاوية الصحيحة

أحد الجوانب الحاسمة التي نحتاج إلى معالجتها لتعزيز فضولنا هو معرفة ما يجب أن نبدي الفضول تجاهه. بطبيعة الحال، من الأسهل أن نظهر فضولنا تجاه الجوانب التي نهتم بها بالفعل، لذلك سيفيدك فهم دوافعك الجوهرية، يقول تشارلز بوكاوسكي: "حدد ما تحبه وانغمس فيه". للمساعدة على تحديد اهتماماتك وتحفيز فضولك، اطرح على نفسك الأسئلة الآتية:

  • ما المواضيع التي ترغب في معرفة المزيد عنها؟
  • ما المجال الذي تريد أن تصبح خبيراً فيه؟
  • ما الأسئلة أو المواضيع التي تثير اهتمامك لدرجة أن تفقد الإحساس بالوقت عند استكشافها؟

وبالمثل، من الضروري تحديد "فضاءات مفتوحة"؛ فتراتٍ وأماكن يمكنك فيها الابتعاد عن عوامل التشتيت المرتبطة بالعمل أو المهام الروتينية وتخصيص نفسك للتأمل العميق. في الأساس، يشكل تحديد المسألة التي تثير اهتمامك وتطوير الشغف بها جزءاً مهماً من المعركة، حينئذ سيكون فضولك حافزاً يدفعك إلى الأمام.

لا شك في أن تنمية الفضول حول مواضيع تبدو غير مثيرة للاهتمام مفيدة في كثير من الأحيان، ويكمن السر هنا في تحديد الجانب أو الزاوية التي تثير اهتمامك أكثر من المسألة. على سبيل المثال، قد لا تكون مهتماً بالتكنولوجيا، ما قد يجعل معالجة مشكلة تكنولوجية مرهقة ومملة، لكن لعلك تلحظ بقليل من التأمل والاستكشاف بعض الجوانب الإنسانية أو النفسية التي تهمك من التكنولوجيا، مثل تأثيرها في الإنتاجية أو المعنويات أو العزلة الاجتماعية أو الرفاهة. يمكن باكتشاف الجانب المهم جعل المهام الروتينية المملة هادفة ومفيدة وتحفيز فضولك لتعزيز خبرتك.

غيّر روتينك

تظهر الأبحاث أن الأشخاص المبدعين والفضوليين يكرهون الروتين غالباً لأنه يشعرهم بالملل والانفصال عن العمل بسرعة، وبالتالي، سيولد إدخال تغييرات على روتينك المعتاد تجارب جديدة تثير أفكاراً وأسئلة جديدة.

فكر ببساطة في تغيير الأشخاص الذين تتفاعل أو تعمل معهم أو تلتقيهم خلال يومك العادي، وتعديل كيفية تنفيذ مهامك اليومية وتوقيت أدائها. فكر أيضاً في تغيير الطريق الذي تسلكه إلى العمل، والمكان الذي تتناول العشاء فيه أو الأنشطة التي تنفذها في عطلة نهاية الأسبوع. حتى التعديلات الطفيفة في روتينك يمكن أن تؤثر إلى حد كبير في عقليتك وفضولك. على سبيل المثال، غيّر مكان الكمبيوتر المحمول (اللاب توب) أو تناول طعام العشاء مع أشخاص مختلفين وفكر في الانضمام إلى اجتماعات افتراضية معينة أو التوقف عن حضور اجتماعاتك المعتادة، ومارس هوايات جديدة خارج العمل.

لما كانت أدمغتنا تميل بطبيعتها نحو الكسل، فغالباً ما نبني حياتنا حول ما نألفه، فنتجنب الجديد لأنه يسبب التوتر أو القلق أو يخلق عملاً إضافياً. عندما نواجه موقفاً جديداً، يتعين علينا بذل جهد لمعرفة ما يجب فعله على عكس المواقف المألوفة التي نعمل فيها بطريقة تلقائية. مع ذلك، ستضيف التعديلات الصغيرة على روتيننا اليومي تجارب جديدة وتنوعاً إلى حياتنا، وستكشف لك التغييرات اهتمامات جديدة وتثير فضولك حتى إن كانت عشوائية.

جرّب

الميزة الرئيسية للفضول هي أنه ممتع، فهو يعزز التركيز ويخلق حالة من التدفق الذهني مثالية للإبداع والتجريب. انظر إلى ذلك على أنه فرصة لتجربة أشياء جديدة ودمج أفكار جديدة وطرح أسئلة هادفة أكثر وأعمق تقودك إلى مناطق غير مستكشفة وتساعدك على اكتساب المعرفة المتخصصة.

من المثير للاهتمام أن التقدم في الذكاء الاصطناعي، وخاصة الذكاء الاصطناعي التوليدي، قلل إلى حد ما من أهمية المعرفة البشرية، لأن الذكاء الاصطناعي سيقدم دائماً حلولاً أكثر لمجموعة أوسع من الأسئلة مقارنة بأي إنسان. ومع ذلك، لا يزال الذكاء الاصطناعي يعتمد على البشر لطرح الأسئلة أو الأوامر، وحتى لو طور الذكاء الاصطناعي القدرة على تحفيز نفسه، سيكون الأمر مجرد تقليد أو تكرار لأوامر البشر في الأساس.

في ضوء ذلك، يصبح من الواضح أن القدرة على تجربة الفضول اللامحدود سمة فريدة للبشر ومحصورة بهم. هذا النوع من الفضول مدفوع ذاتياً، بمعنى أنه ينبع من حدسنا واهتماماتنا الشخصية، فضلاً عن أنه عفوي. قد نعرف أين يبدأ فضولنا لكننا لا نعرف إلى أين سيقودنا في النهاية.

لذلك استعد للتجربة، واخرج من منطقة راحتك لاستكشاف مواضيع جديدة وفهم أشياء لم تفكر فيها من قبل. تشير الأبحاث إلى أن السعي إلى الجديد هو أحد أكثر المؤشرات الموثوقة للفضول؛ جرب أشياء جديدة، لا سيما التي لا تبدي ارتباطاً مباشراً بقيمك وتفضيلاتك وخبراتك. اكتشف متعة تطوير اهتمامات جديدة والتجارب المبهجة والتنوع الذي يجلبه الفضول. قالت الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال، إيمي إدموندسن، في كتابها الأخير: "كن فضولياً بما يكفي للتعلم من أخطائك وتحويلها إلى دروس قيمة".

عندما تشعر بالملل، غيّر ما تفعله

يجب أن تكون ممارسة فضولك رحلة ممتعة، وليس بالضرورة أن تكون شاقة ومرهقة. إذا وجدت نفسك في حالة من الجمود أو فقدان الاهتمام أو في حالة من الإشباع التام، مثل الطلاب المجبرين على إكمال الواجبات المنزلية المتكررة والمملة، فانتقل إلى مهمة مختلفة لمنح عقلك حرية الاستكشاف والتفكير دون قيود. يجب أن يدفعك فضولك نحو متعة التركيز والتعلم بأقل جهد، تماماً مثلما تدفع الموجة راكب الأمواج أو تدفع الريح المراكب الشراعية إلى الأمام.

هذا هو الفرق بين الاستكشاف والتجريب الذاتي الذي يطلق العنان لفضولك العميق، والتعلم المستند إلى عوامل خارجية الذي قد يعوق فضولك. لذلك، بدلاً من خنق اهتماماتك الحقيقية وشغفك بالتعلم اسمح لها بقيادتك إلى أهدافك الفعلية.

نقطة أخيرة يجب مراعاتها: مثل أي سمة نفسية، يتأثر الفضول بالفطرة وبالعوامل المحيطة، أي أن لدينا جميعاً استعداداً مسبّقاً طبيعياً لإبداء الفضول بدرجات مختلفة بغض النظر عن مواقعنا أو البيئة التي نعيش فيها. وعلى الرغم من ذلك ثمة مجال كبير لتحسين فضولنا. تشير أدق التقديرات إلى أن نصف فضولنا تقريباً طبيعي، أي أن النصف الثاني مرن وقابل للتعديل، إلا أن قدراً كبيراً منه يترسخ في مرحلة البلوغ. لذلك، وفي حين أنه من المستبعد أن يزداد فضول الشخص غير الفضولي بطبيعته فجأة (أو العكس)، يمكننا جميعاً تعزيز مستوى فضولنا الحالي أو تعديله، ولكن ذلك، مثل المهارات كلها، يتطلب الجهد والالتزام.

هل أنت مستعد لتنمية فضولك؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي