ملخص: "قصص أعجبت طلابي"؛ كتاب يضم 12 قصة حقيقة واقعية مليئة بالتشويق والعبر، تسهم في إثارة المشاعر وتأصيل القيم، نستخلص منه 3 دروس لا بد أن تساعد القرّاء على تحقيق النمو الشخصي والنمو المهني.
بوصفه مُعلماً حاصلاً على شهادة الدكتوراة في التربية الخاصة والإرشاد النفسي من جامعة بول ستيت، يسلط الدكتور سعد السعود الكريباني الضوء على الارتباط العميق بين إثارة العواطف واكتساب المعرفة الدائمة، ويؤكد أنه كلما حرص المعلمون وأولياء الأمور على إثارة مشاعر طلابهم وأبنائهم في بيئة التعلم، أصبحت الدروس أكثر ديمومة وتأصلاً في أنفسهم.
لذلك، وإيماناً منه بقدرة القصص على تحريض المشاعر وزرع القيم، عمد إلى تأليف كتاب يضم بين صفحاته 12 قصة واقعية مختارة بعناية، تتجاوز التشويق والإثارة والمتعة وتترك بصمة لا تمحى في قلوب القراء وعقولهم. ومن صفحات هذا الكتاب، نستخلص 3 دروس قد تساعدك على تحقيق النمو والنجاح على المستويين الشخصي والمهني، وقد تلهم أيضاً أولئك الذين يكرسون جهودهم لتنمية تجارب تعليمية أو قيادية غنية ومؤثرة، فأقوى المحفزات هي تلك التي تلعب على أوتار المشاعر.
1. لا ترضَ بأقل مما تستحق
تدور إحدى قصص الكتاب، نقلاً عن حادثة شخصية حصلت مع المدرب المحترف بشير الرشيدي، عن شاب أميّ في سن الـ 24، يُدعى محمداً، عمل سائقاً يوصل الطلبات من دكان أبيه. كان محمد معجباً بالمحاسب الهندي الذي يعمل عند الأب لقدرته على القراءة والكتابة والحساب، فطلب منه مرات عديدة أن يعلِّمه القراءة والكتابة، فيكون الرد في كل مرّة هو الاستهزاء وأن هذه العلوم أكبر من مستوى عقله وعمره.
لكن فكرة التعلُّم كانت تتغلغل في عقله يوماً بعد يوم على الرغم من الحجج النفسية التي كان يسوغها لنفسه؛ مثل أنه لم يعد صغيراً، والعلم في الصغر كالنقش على الحجر، وأن الأوان قد فات، وما إلى ذلك. لكن طموحه ينتصر في النهاية، وينتسب إلى معهد تعليمي ويتعلم القراءة والكتابة باللغة العربية، كما يعلمه صديقه اللغة الإنجليزية. ثم ينتسب بعد عدة شهور إلى دورة في الحاسوب، على الرغم من أنه لم يكن يعلم ما هو الحاسوب أساساً، ثم واظب على التسجيل في الدورات المتتالية في البرمجة، نعم البرمجة! قد يبدو الأمر غريباً لشخص لم يكن يعرف القراءة والكتابة قبل سنوات قليلة، وبعد دورات كثيرة وشهور عديدة، أحرز نجاحاً كبيراً في هذا المجال وتعلم بالفعل لغات برمجة عديدة.
ثم تقدم إلى وظيفة مبرمج في أحد المصارف المشهورة، ونالها بعد أن أثبت جدارته واستحقاقه وتفوقه على خريحيّ الجامعات جميعهم، وحقق تقدماً كبيراً في عمله على الرغم من المصاعب التي واجهته، وتبوأ منصباً مهماً، فهل ينبغي التوقف هنا والاستمتاع بما وصل إليه؟ لا؛ بل استقال من عمله وأسس شركة خاصة للخدمات التكنولوجية، تقدم استشارات للشركات لتساعدها على التطور والنماء والتنافس التكنولوجي، وعلى الرغم من كل النجاح الذي حققه ظلت طموحاته تتوسع وتكبر كل يوم.
والعبرة واضحة أليس كذلك؟ يمكن للإصرار والتعلم المستمر والطموح والاستفادة من المعرفة لخلق فرص للابتكار والنمو التغلب حتى على أعظم العقبات، وينبغي ألا يمنع العمر أو القيود الأولية المرء من المواظبة على نيل المعرفة التي يمكن أن تؤدي إلى النجاح على المستويين الشخصي والمهني. في الواقع، غالباً ما تكون العقبات أمام التعلم نفسية توهِم صاحبها أنه عاجز عن تحقيق ما يصبو إليه، على الرغم من أن الدراسات قد أوضحت أن الإنسان قادر على تعلم مهارات جديدة كلياً حتى في الثمانينيات من العمر. وإليك دراسة منشورة في مجلة علم الشيخوخة (Journal of Gerontology Science) عام 2019 مثالاً على ذلك؛ إذ توصلت إلى أن تعلم كبار السن (58-86) لمهارات جديدة ومتعددة في بيئة مشجعة سيؤدي إلى نموهم المعرفي، تماماً مثلما يحدث في مرحلة الطفولة.
لكن لا بد من التذكر دائماً أن الطريق قد لا يكون سهلاً أو قصيراً، وأن أولئك الذين يحققون نجاحات باهرة لا يحققونها في ليلة وضحاها، بل نتيجة الصبر والمواظبة. ويمكن لهذه القصة أيضاً أن تلهم الشركات على تحديد الإمكانات داخل فرقها وتشجيعها؛ فتحوُّل محمد من سائق أميّ إلى رجل أعمال ناجح يدل على أن الاستثمار في الناس، وتوفير الفرص المناسبة لهم لتعزيز مهاراتهم، وتعزيز ثقافة التعلم المستمر يمكن أن يؤدي إلى نتائج مبهرة تسهم في نجاح المنظمة.
2. كُن طموحاً ومرناً واسعَ إلى اقتناص الفرص
إحدى أجمل القصص وأكثرها إلهاماً وذكاءً التي أوردها المؤلف هي قصة راي كروك (Ray Kroc)؛ رجل ابتدأ حياته بطفولة متواضعة وعمل بسيط من دون تفوق يُذكر أو طموحات جريئة، وأنهاها بقصة نجاح من أروع القصص في ريادة الأعمال. ولد كروك في شيكاغو عام 1902، لم يكمل تعليمه وترك المدرسة عندما وصل إلى الصف الثامن، ثم عمل سائقاً لسيارة إسعاف في الحرب العالمية الأولى، فعازف بيانو في فرقة لموسيقا الجاز، ثم بائع أكواب ورقية مدة 16 عاماً، ثم مسوِّقاً لآلة خفق الحليب. وفي أثناء عمله في تسويق هذه الآلة، التقى كروك بمطعم الوجبات السريعة الأخوين ريتشارد وموريس ماكدونالد (Richard and Maurice McDonald) في الخمسينيات من القرن الماضي، وأقنعهما أن يصبح وكيل الامتياز الخاص بهما، وبدأ فعلاً بتأسيس شركة ماكدونالدز عام 1955.
أسهمت رؤية كروك وفطنته التجارية وخططه التسويقية المتواصلة في تحقيق النجاح العالمي للشركة، ما جعله شخصية رئيسية في صناعة الوجبات السريعة. بحلول عام 1984، العام الذي توفي فيه كروك، كان لدى ماكدونالدز أكثر من 33,000 مطعم حول العالم. تُظهر رحلة راي كروك من سائق سيارة إسعاف إلى مؤسس إمبراطورية ماكدونالدز قوة التصميم والقدرة على اقتناص الفرص بغض النظر عن عدد سنين العمر. وقد ذكر الكاتب 9 صفات تمتّع بها كروك ومبادئ التزم بها أدت إلى نجاحه وفقاً للمختصين؛ هي:
- الرؤية: لم تقتصر رؤية كروك على فتح فرعين أو ثلاثة؛ بل مئات الأفرع في كل بلدة ومدينة أميركية. يؤكد المؤلف أنه إن كنت تحلم بتأسيس عمل صغير، فإن عملاً صغيراً هو ما ستحققه، أما إن كنت تطمح إلى تأسيس ما هو أكبر من ذلك، فتأكد أنك قادر على ذلك. يستطيع الطموح والتخطيط الاستراتيجي والتفكير المستقبلي أن يقودك إلى النجاح عند وجود الدافع والتصميم.
- التصميم والكفاح: لا يعتمد النجاح فقط على الموهبة أو الذكاء أو التعليم؛ بل يتطلب تصميماً لا هوادة فيه والتزاماً لا يتزعزع ومثابرة للتغلب على التحديات وتحقيق الأهداف.
- الحماسة: تتجلى الحماسة في شغف كروك بصناعة الهامبرغر وكل ما يتعلق في هذا المجال. والشغف عنصر حاسم للنجاح؛ إذ يغذي المثابرة والقدرة على الصمود في مواجهة النكسات، ويحفز السعي النشط لتحقيق الأهداف، ويعزز الإنتاجية والابتكار. وينصح المؤلِف القادة من أجل بث الحماس في موظفيهم؛ إشراكهم في الرؤية، وغرس الثقة فيهم من خلال الاعتماد عليهم، وتفويض السلطة، والتحلي بالمرونة مع اقتراحاتهم وطلباتهم.
- المرونة: الانفتاح على اقتراحات الجميع، من الموظفين والعملاء، والاستماع إليهم وتقبل نصائحهم هو أمر حاسم للنجاح. تتجاوز المرونة الاستماع إلى الأفكار وتنفيذها؛ إنها استراتيجية البقاء الأساسية. وفقاً للخبيرة في التفكير الاستراتيجي مارسيا ستيل، فإن الشركات تتبنى واحداً من 3 أوضاع في السوق؛ الأول وضع الجبل الذي يركِّز على البقاء من دون إعطاء الأولوية للمنافسة، الثاني هو وضع النار وهي الشركات التي تهدف إلى السيطرة على السوق والتفرد بمنتجاتها واكتساح المنافسين الضعفاء، والوضع الثالث هو المياه (أو الرياح) التي تتبنى المرونة والإبداع والتجديد المستمر، ما يصعِّب على المنافسين تحجيمها أو إيقافها.
- التعاون: يشدد الكاتب على أهمية العمل المشترك والربح المشترك بين جميع أفراد العمل من عمال وقادة ومستثمرين في سبيل تحقيق النجاح. في الواقع، إن لم يشعر الموظفون الموهوبون بأنهم شركاء مسهمون وذوو قيمة في أعمال شركاتهم، فغالباً ما يبحثون عن أعمال أخرى.
- الرقابة: إحدى المهارات التي سببت نجاح كروك هي قدرته الدقيقة على تصيّد الأشخاص الموهوبين والمبدعين وتعيينهم في المناصب المناسبة لهم، وهذا ما ينبغي لجميع القادة التمتع به.
- التفاؤل: كان تفاؤل كروك الدائم، حتى في الشدائد، مفتاح نجاحه. أسهم إيمانه بخلق السعادة الذاتية وتحمل المسؤولية عن المشكلات في تعزيز صموده وسط التحديات. وقد كان لهذه الإيجابية تأثير فاق توقعاته في تحقيق الانتصارات الشخصية والمهنية.
- الأخلاق: يستشهد المؤلف بقول الكاتب ستيفن كوفي في كتابه "العادة الثامنة" أن أسمى صفة يتحلى بها القائد هي الاستقامة؛ ومن دونها لا يمكن تحقيق أي نجاح. فأياً يكن منصبك في العمل، سواء كان قائداً أو موظفاً، فإن التمتع بالتواضع واللطف والصدق يعزز الثقة بين الزملاء والشركاء والعملاء، ويزيد تقبل الأفكار، ويسهم في تحقيق الإنجازات الشخصية والمهنية.
- العطاء: العطاء ليس بالمال فقط، بل بالعلم والنصائح والرحمة والعطف والاهتمام أيضاً.
3. إياك والاستسلام
يروي المؤلف قصة قصيرة مستوحاة من كتاب زيغ زيغلار "أراك على القمة"، أنك إن وضعت البراغيث في وعاء مغلق، فإنها ستقفز عالياً وتصطدم بالغطاء على نحو متكرر. ثم وبعد مدة من الزمن، ستلاحظ أنها تستمر في القفز لكنها لا تقفز إلى الارتفاع الكافي للاصطدام بالغطاء، وإن أزلت الغطاء حينها، فلن تخرج البراغيث من الوعاء أبداً مع أنها تستمر في القفز. السبب بسيط، لقد تكيّفت البراغيث بعد فشلها المتكرر في القفز إلى ارتفاعات محدودة. وبعد تكيفها، سيكون هذا الارتفاع هو أقصى ما تستطيع الوصول إليه ولن تتجاوزه أبداً.
حسناً، الفكرة في العبرة بعيداً عن التشبيه؛ إذ يعقِّب الكاتب على هذه القصة أن أصحاب الطموحات العالية يواجهون عوائق وصعوبات، لكنهم يدركون أنها ليست عيوباً شخصية أو حظوظ سيئة، بل يستوعبون أنها جزء طبيعي من الطريق إلى النجاح وضريبة للإنجاز، ولا بد من التمتع بالمرونة والفطنة والثقة في النفس للتغلب عليها. الشرط الأساسي هو عدم الاستسلام، أو عدم السماح للصعوبات المتكررة بالحد من الطموح، لأن التغلب على الصعوبات جزء لا يتجزأ من الوصول إلى أقصى إمكانات الفرد.