مع تسجيل المؤسسات الصحية نمواً أفقياً ورأسياً في العقد الماضي، اعتادت جميعها تقريباً أن تطلق على نفسها اسم "أنظمة صحية". لكن هذا المصطلح لا يفي بالغرض لوصف ما هو في الحقيقة وفي أماكن عدة مجرد مجموعات من الأصول الصحية التي تحمل اسم علامة تجارية مشتركة. إنّ اﻷداء اﻟﺗﺷﻐﯾﻟﻲ اﻟسيئ الذي لحظناه أخيراً في اﻟﻌدﯾد ﻣن "الأﻧظمة اﻟﺻﺣﯾﺔ" اﻟﻣﻌروﻓﺔ ﻋﻟﯽ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟوطﻧﻲ ﯾطرح ﺑﻌض اﻷﺳﺋﻟﺔ اﻟجدية ﺣول مدى قدرتها على إنتاج ﻗﯾﻣﺔ ﻗﺎﺑﻟﺔ ﻟﻟﻘﯾﺎس ﻓﻲ مشروعاتها التجارية.
إذا توقع قادة مؤسسات الرعاية الصحية جني فوائد من نمو شركاتهم، على هذه الشركات أن تصبح فعلياً أنظمة للرعاية الصحية. وهذا يتطلب من المؤسسات القيام على الأقل بما يلي:
أن تكون شركة تشغيلية، وليس شركة قابضة. مجرد امتلاك الأصول لا يعني شيئاً للمرضى وعائلاتهم. كما أنه لا يفعل شيئاً لضمان مستوى مقبول من الأداء المالي. يجب أن تعمل الأصول التي يمتلكها النظام الصحي في انسجام وبطريقة منظمة لتوفير تجربة كاملة للمريض. يجب عليها مشاركة موظفي الدعم وأنظمة تقارير الإدارة لتقليل النفقات العامة وقياس الأداء التشغيلي بطريقة متسقة وتوليد عائد إلى رأس المال يزيد عن التكاليف الثابتة والمتغيرة. وأخيراً، يجب أن تتجلى رؤية قيادة النظام الصحي في كل جزء من نظام الرعاية.
أن تكون في جوهرها مؤسسة استشفائية. يجب أن يكون جوهر النظام الصحي كياناً إكلينيكياً استشفائياً مدركاً لدوره يديره الأطباء أنفسهم، مع نظام دعم لوجستي ومالي. وهذا يعني أنّ أطباءها، سواء كانوا موظفين أو متعاقدين أو ممارسين مستقلين، يجب أن يتعاونوا بطريقة متسقة عبر مختلف أجزاء النظام. يجب أن تكون الرعاية التي يقدمونها منظمة وليست مرتجلة وأن ترتكز على تطبيق أفضل الممارسات المتفق عليها وتؤسس على أفضل الأدلة العلمية المتاحة للنهج التي ثبت نجاحها. ولتحقيق نتائج، على المؤسسة الاستشفائية الاعتماد على قيم مهنية متينة يتم التعبير عنها عبر القيادة الإكلينيكية، وليس صيغ المكافآت المالية. وينبغي أن يخضع أداء الرعاية باستمرار للمعاينة والتحسين.
توفير تجربة سلسة ومتسقة للمرضى والعائلات في مختلف أقسام النظام. قد يحتوي النظام الصحي على عشرات أو مئات من مواقع الرعاية، لكن يجب الحرص على أن تحظى مجموعات المرضى والعائلات بتجربة عالية الجودة على الدوام بغض النظر عمن يكونون أو أين أو كيف يدخلون نظام الرعاية.
يجب أن تكون المسارات التي يتبعها المرضى عند تلقيهم الرعاية "محددة مسبقاً"، أي مكتوبة ومنصوصاً عليها بصورة مفصلة إلى أقصى حد ممكن. يجب شرح خطة الرعاية بوضوح للعائلات في بداية تجربة الرعاية والحرص على أن يفهم أقرباء المريض دورهم في تعافيه وما يمكن توقعه من المخاطر الإكلينيكية التي يمكن التعرف عليها. إذا لم يكن مسار الرعاية المحدد للمريض والتحويلات والمخاطر التي يمكن السيطرة عليها على هذا المسار واضحة للعائلة، فهذا يعني أنّ نظام الرعاية لم يؤد عمله على أكمل وجه.
"التحكم الفعال" بتكلفة الرعاية المقدمة. يستحيل التحكم بصورة فعالة أو إدارة تكاليف الرعاية بشكل فعال من دون الحصول على معلومات دقيقة وفي الوقت المناسب من مركز الرعاية وتوافق آراء الأطباء حول أفضل الممارسات والتعاون المتسق داخل فريق الرعاية لتحقيق ذلك. يجب أن يضمن النظام الصحي التواصل الجيد بين أعضاء فريق الرعاية وأن يحصل انتقال المرضى عبر نقاط النظام بكفاءة. يجب أن يعمل أعضاء الفريق معاً لتقليل الوقت الضائع في عمل الفريق المهني وإزالة التعقيدات السريرية التي يمكن تجنبها مثل العدوى والأخطاء الدوائية التي تزيد كلاً من التكلفة والمخاطر على المريض.
إنّ التحكم في التباينات غير الضرورية في توفير الخدمات الإكلينيكية واستخدام الموارد هو المفتاح لتقليل الخسائر المالية في أنظمة الدفع الثابت مثل "مديكير" و"مديكيد" الأميركيين. وهو بالمثل أمر أساسي لجني المال في إطار نماذج المدفوعات القائمة على المخاطر مثل رسم التأمين الفردي الموحد أو المخاطر المشتركة.
النظام الصحي الفعال يتطلب أكثر من مجرد التغطية الجغرافية أو حافظة شاملة من الخدمات. حافظة الخدمات لا تهتم بمفردها بالمرضى والإدارة الفعالة للمؤسسة الاستشفائية هي التي تميز نظام الرعاية الحقيقي من مجرد مجموعة من الأصول التي توفر الرعاية الصحية. قال المؤلف الأميركي النمساوي الأصل الخبير في إدارة الأعمال بيتر دراكر قبل أكثر من عقدين أنّ المستشفى الحديث هو أكثر مشاريع الأعمال تعقيداً في اقتصادنا. وعليه، فإن إدارته هي التحدي الإداري الأكثر تعقيداً. ومن ثم فإن اليد الإدارية الموجهة، بالشراكة مع القيادة الطبية المستنيرة، أساسية من أجل ضمان استدامة وفعالية النظم الصحية.