ملخص: إذا كنت تشعر بعدم الارتياح عندما تتلقى المديح والثناء، فأنت لست وحدك، إذ ربط نحو 70% من المشاركين في استقصاء ضمن دراسة أجراها مؤلف هذه المقالة مشاعر الإحراج وعدم الراحة بتلقي الثناء. لماذا ينتابنا هذا الشعور؟ يبدأ الأمر بالمفاجأة؛ تتبع استجابات جسمنا الفيزيولوجية لحدث غير متوقع نمطاً يمكن التنبؤ به: نتجمد لحظة، ونحاول البحث عن تفسير لما حدث، ثم نغير وجهة نظرنا، ونخبر الآخرين بها. من الصعب في كثير من الأحيان توفيق وجهات نظر الآخرين الإيجابية نحونا مع نظرتنا السلبية تجاه أنفسنا. ومن ثم فإن التفاعل بين عنصر المفاجأة وصورتنا الذاتية قد يؤدي إلى صعوبة معالجة الأشياء الإيجابية التي نسمعها عن أنفسنا. من الصعب تغيير استجاباتنا المقيدة للمديح بين عشية وضحاها، ولكن هناك بعض الطرق التي يمكن أن تساعدنا في تغيير استجابتنا لها. فيما يلي 3 طرق لتحقيق ذلك: 1) افهم أن المديح يتعلق بمن يمنحه وليس بمن يتلقاه، 2) انظر إلى ضعفك على أنه انفتاح، 3) استكشف سلوكياتك المكتسبة.
تعود إلى مكتبك بعد تناول بعض القهوة، فيمر مديرك ويثني على عملك في المشروع، ويقول: "كان التقرير الذي أعددته متميزاً حقاً. أعجبتني طريقة تنسيقك الرسوم البيانية خصوصاً، يمكن فهمها بسهولة جداً".
ما هو رد فعلك الأول على هذا الإطراء؟
1) ترد بمزحة: "أعتقد أني كنت محظوظاً هذه المرة لأني تمكنت من إنجاز المهمة".
2) تبادله المجاملة: "لا، أنت من يستحق الثناء في الواقع. لم يكن ذلك ممكناً لولا توجيهاتك!"
3) تغير الموضوع بسرعة مع ابتسامة باهتة: "حسناً، هل شاهدت مباراة كرة القدم الليلة الماضية؟"
4) تقلل من شأن عملك: "ليس بالأمر العظيم، كنت أقوم بعملي فقط، كان بإمكان أي شخص إنجازه".
5) تشارك الفضل: "لقد كان جهداً جماعياً".
6) تقنعه أنك لست بهذه الروعة: "لا أعتقد أنني فعلت ذلك على أفضل وجه جيد، كان يمكن إنجازه بصورة أفضل".
هل تبدو أي من هذه الردود مألوفة لك؟
ربما تشعر بالحرج عندما يمدحك شخص ما أو يقدّر عملك، ولكنك لست الوحيد. لا يعرف الكثير منا كيفية تقبل المجاملة، وغالباً ما تكون ردودنا محرجة على غرار الأمثلة أعلاه. في دراسة أجريتها شملت أكثر من 400 شخص في بوسطن قبل بضع سنوات، أفاد نحو 70% منهم بأنهم شعروا بالإحراج أو عدم الارتياح عند تلقي التقدير أو الإطراء على عملهم.
من الشائع أن نعزو عدم ارتياحنا للثناء إلى تدني تقدير الذات، لكن الأمر في الواقع أكثر تعقيداً من ذلك. يقول عالم النفس والمؤلف غاي ونش: "إن الذين يعانون تدني تقدير الذات يشعرون بعدم الارتياح لتلقي المجاملات غالباً، ولكن ليس كل من يشعر بعدم الارتياح عند تلقي المجاملات يعاني بالضرورة تدني تقدير الذات".
شهدت شخصياً هذه الظاهرة واختبرتها؛ شاهدت على مدار مسيرتي المهنية بعضاً من الرؤساء التنفيذيين الوقورين يشعرون بالإحراج الشديد عندما يمدحهم شخص ما فجأة.
ما سبب ردود الفعل هذه إذاً؟
استجابتنا للتقدير معقدة، ولا يوجد تفسير واحد بسيط يشرح سبب استجابتنا بطرق مختلفة، ومع ذلك، لاحظت أن ما يُشعرنا بالإحراج في معظم الحالات هو أن المجاملات تفاجئنا.
تُعرّف المؤلفتان، تانيا لونا ولي آن ريننغر، المفاجأة في كتابهما "مفاجأة: تقبل ما لا يمكن التنبؤ به وتكيف مع ما هو غير متوقع" (Surprise: Embrace the Unpredictable and Engineer the Unexpected) على أنها "حدث أو ملاحظة غير متوقعة (لم أتوقع ذلك!) أو خاطئة (ليس هذا ما توقعت حدوثه)". ينشط الموقف غير المتوقع، سواء كان مجاملة لطيفة لم تكن مستعداً لتلقيها أو دباً قابلته في أثناء نزهتك في الغابة، نفس أنماط الاستجابة البدائية القديمة في أدمغتنا الحديثة. تُدعى هذه الاستجابة "تسلسل المفاجأة"، وتتكون من 4 مراحل.
ببساطة، نمر بالمراحل التالية عندما نواجه مفاجأة:
- المرحلة 1: نتجمد لحظة
- المرحلة 2: البحث عن تفسير للحدث غير المتوقع
- المرحلة 3: نغير منظورنا لاستيعاب المعلومات الجديدة
- المرحلة 4: مشاركة ما نشعر به مع الآخرين
غالباً ما تثير المفاجآت مشاعر الفرح أو الحماس، ومع ذلك، قد يجد البعض صعوبة بالتعامل حتى مع المفاجآت الإيجابية والعاطفية. (المرحلة 1: نتجمد لحظات) خلال هذه اللحظات، قد تتسارع نبضات القلب وربما تتسع حدقة العينين وقد تتعرق راحة اليدين مع ارتفاع مستويات الدوبامين. لفهم كيف تؤثر هذه التغييرات الفيزيولوجية على عواطفنا، أجريت مقابلة مع تانيا لونا ولي آن ريننغر. تقول لونا: "إن هذه التجربة العاطفية الشديدة قد تبدو غير مريحة وتزعزع استقرارنا، ونتيجة لذلك قد يرغب بعضنا غريزياً في التخلص منها في محاولة لاستعادة شعورنا بالاستقرار والراحة مرة أخرى". وبالتالي قد تكون الاستجابة بأحد ردود الفعل المحرجة المذكورة أعلاه طريقتنا غير الواعية لاستعادة شعورنا بالسيطرة في موقف يجعلنا نشعر بالانكشاف العاطفي.
بعد زوال عنصر المفاجأة الأولية، نبدأ البحث عن إجابات. (المرحلة 2: البحث عن تفسير) قد نحاول في هذه المرحلة فهم سبب مدح شخص ما لنا، وقد يكون من المربك قبول وجهة نظر إيجابية تجاهنا لا تتطابق مع نظرتنا السلبية لأنفسنا. وفقاً للونا وريننغر، يُعرف ذلك بالانحياز التأكيدي، وهو الميل إلى البحث عن معلومات تؤكد وجهات نظرنا وتجاهل وجهات النظر التي تتحداها، لذلك ستشعر بشيء من الصدمة عندما يثني عليك شخص ما على عرض تقديمي رائع تعتقد أنه لا يرتقي للمستوى الذي تطمح إليه.
قد يؤدي التفاعل بين عنصر المفاجأة وصورتنا الذاتية إلى صعوبة معالجة الأشياء الإيجابية التي نسمعها عن أنفسنا والتعامل معها. أخبرني الأستاذ المشارك في التنمية الاجتماعية في جامعة ووترلو بكندا، دينيس ماريغولد، أن البعض قد يتجاهل المديح لحماية نفسه من الإخفاقات المستقبلية المحتملة أو خيبات الأمل أو رفض الآخرين، ويضيف: "نخاف من أننا إذا تقبلنا الإطراء وشعرنا بالرضا حياله، ثم فشلنا وخيبنا أمل الآخرين أو أنفسنا في المستقبل، فقد يؤثر ذلك إلى حد كبير في تقديرنا لذاتنا".
بالمحصلة، يستجيب العديد للمجاملات بطريقة محرجة سعياً لحماية أنفسهم دون وعي، وللأسف يحرمنا ذلك من التواصل مع الآخرين ويضر بعلاقتنا معهم، ويمنعنا من قبول كلماتهم الطيبة وامتنانهم.
هل يمكننا أن نتعلم الشعور بالسعادة بدلاً من القلق عندما نتلقى المديح والثناء؟
نعم! يمكن أن تساعدنا المرحلتان الأخيرتان من "تسلسل المفاجأة" في هذا الصدد؛ بعد أن نحاول العثور على تفسير للمجاملة التي تلقيناها (المرحلة 2: البحث عن تفسير)، نبدأ بتغيير منظورنا (المرحلة 3: تغيير منظورنا) في محاولة لملائمة هذه المعلومات الجديدة مع تصورنا الحالي لذاتنا. قد يعني ذلك للكثيرين تجاهل المجاملة أو تقليل قيمتها، ولكن مع القليل من الممارسة، يمكننا أن نتعلم كيفية التعامل مع المجاملة بطريقة سليمة حتى لو لم نتفق معها في البداية. غالباً ما يساعدنا مجرد التعبير عن مشاعرنا ببساطة (المرحلة 4: المشاركة) حول الموقف في التوقف عن القلق والشعور بالتحسن.
لا أحد (على الأقل الذين التقيت بهم حتى الآن) قادر على تغيير ردوده المقيدة على المجاملات بين عشية وضحاها، فالأمر يستغرق وقتاً ويتطلب جهداً وممارسة. فيما يلي بعض الطرق البسيطة لتحسين طريقة تعاملك مع المديح يمكنك البدء بها.
افهم أن المجاملة تتعلق بمن يمنحها وليس بمن يتلقاها (أنت)
عندما يثني عليك شخص ما، فهو يعبّر عن نظرته تجاه ما فعلته وأثره فيه. ربما أعددت ذلك التقرير على عجل، أو أغفلت جزءاً مهماً من العرض التقديمي، أو لم تطهُ ذاك الطبق على النحو الأمثل، ولكن عندما يقول شخص ما إنه أُعجب بما فعلت، عليك أن تدرك أن ذلك يعكس تجربته وليست تجربتك؛ فهو يخبرك عن شعوره هو، وبالتالي ما عليك سوى قبول وجهة نظره واحترام مشاعره حتى لو كنت لا تتفق معها تماماً. يمكنك البدء بقول عبارة بسيطة مثل "شكراً لك".
أعِد النظر في إدراكك لضعفك
قد لا يكون بمقدورك التحكم برد فعلك الفيزيولوجي الطبيعي على الإطراء، لكن يمكنك تغيير وجهة نظرك تجاه التجربة. توصي لونا وريننغر بالنظر إلى ضعفك على أنه انفتاح وليس ضعفاً؛ بعبارة أخرى، يجب ألا تنظر إلى الثناء على أنه شيء غير متوقع أو مخيف، وإنما فرصة للتواصل مع شخص آخر، أو تعلّم كيف ينظر إليك الآخرون أو يرون عملك.
في المرة القادمة التي يثني فيها شخص ما عليك، قل له مثلاً: "وجهة نظرك مثيرة للاهتمام حقاً". بينما تستمر في ممارسة هذا النهج، سيزول القلق وستبدأ التعامل مع المجاملات على أنها مفاجآت لطيفة غير مخيفة.
استكشف سلوكياتك المكتسبة
في الواقع، العديد من ردود فعلنا اللاإرادية تجاه المجاملات هي سلوكيات مكتسبة، إذ غالباً ما تتأثر بما نراه ونلاحظه ونختبره من حولنا. على سبيل المثال، إذا كان والداك يتجاوبان عادة مع المجاملات بإلقاء النكات أو شكر الله، أو يغيران الموضوع عندما يمتدحهما أحدهم، فربما تكتشف أنك تقلدهما وتفعل الشيء نفسه. وبالمثل، إذا شاهدت زملاء الدراسة يتعرضون للسخرية أو الاستبعاد بعد تلقي التقدير، فقد تتجنب دون وعي مواقف مماثلة تتلقى فيها التقدير خوفاً من التعرض للرفض أيضاً.
فيما يلي سلسلة من الأسئلة لمساعدتك في فهم سبب شعورك بعدم الارتياح عند تلقي المجاملات والتعمق فيه. دوّن ما تشعر به على ورقة وانظر ما ستكتشفه.
1) ما الطريقة المناسبة التي تعلمتها من ثقافتك أو عقيدتك حول كيفية الرد على المديح؟ هل تعلمت أن تقول شكراً فقط أو تحمد الله أو تتجاهل المجاملة والتحديق في اتجاه آخر؟ هذه الردود ليست خاطئة، فقط لاحظ ما تعلمته وكيف يؤثر على كيفية استجابتك الآن.
2) ما مقدار الثناء أو التقدير الذي كنت تتلقاه في طفولتك؟ هل كان مَن حولك يظهرون السعادة والحماس عندما تحصل على درجات عالية في الاختبارات؟ أم يعبرون عن إحباطهم ويتساءلون عن سبب عدم حصولك على العلامة الكاملة؟ كيف كان شعورك حيال ذلك؟ كيف تعتقد أن ذلك يؤثر على تجربتك في تلقي التقدير الآن بصفتك شخصاً بالغاً؟
3) ما هي القواعد غير المعلنة حول التقدير في عائلتك؟ قال أحد الأشخاص الذين قابلتهم ضمن دراستي: "ببساطة، إذا لم يخبرني أحد في عائلتي أني أخطئ في أمر ما فأدرك ضمناً أني أفعله بطريقة صحيحة، ولكن لا أتوقع أن أتلقى الثناء على ذلك". هل كان لدى عائلتك أي قواعد غير معلنة حول الثناء والتقدير منذ كنت طفلاً إلى أن أصبحت بالغاً؟
4) عندما كبرت، هل كان الناس من حولك يكثرون من استخدام المديح بطريقة لا توحي بصدقهم؟ هل كانوا يمدحونك مباشرة قبل طلب خدمة منك؟ هل كان مدرسوك يستمرون بمدح أحد الطلاب في محاولة لإثارة الغيرة بين الآخرين؟ هل كان والداك يمدحان الآخرين وجهاً لوجه، ثم ينتقدونهم بعد مغادرتهم؟ إذا وجدت يوماً أنك تشكك في مصداقية مديح الناس لك، فقد تكون هذه التجارب السابقة هي السبب.
5) هل تتذكر أي أحداث من ماضيك، ربما في المدرسة أو مع عائلتك، شعرت فيها بعدم الارتياح لأن شخصاً ما أثنى عليك (أو لأنه لم يفعل ذلك)؟ هل كبرت وأنت تسمع عبارات مثل "الأمر ليس بهذه الأهمية" أو "لا يغرنك أنك تلقيت الثناء بشأن ذلك". عند التفكير بها، برأيك ما تأثير تلك التجارب على تجربتك الحالية؟ بصفتك اليوم شخصاً بالغاً أكثر وعياً بذاتك، كيف يمكنك التفكير بطريقة مختلفة في تلك الحوادث لتغيير نظرتك إليها، وبالتالي تشكيل تجربتك الحالية؟
6) كيف تتصرف عادة عندما يمتدحك شخص ما بشكل غير متوقع الآن؟ هل تلجأ إلى إلقاء النكات؟ هل ترد على مجاملته بالمثل؟ أو ربما تجد نفسك تشرح ما يجعل أداءك أو إنجازك بالجودة التي يتصورونها؟
يدور جانب مهم من عملي حول إبطاء هذه الاستجابات المقيدة المتأصلة أو تعطيلها لتمكيننا من الشعور بالامتنان. تماماً مثل أي تغيير سلوكي آخر، يبدأ تطوير القدرة على قبول المجاملات بلباقة بالوعي الذاتي، وهي عملية بدأتها بالفعل بقراءة هذه المقالة؛ كلما ازداد وعيك بأنماط تفكيرك وكيفية تأثيرها عليك، شعرت بقدر أكبر من الحرية في إعادة تشكيلها وتطويرها.
حتى بعد عقد من تدريب الناس على كيفية منح التقدير وتلقيه، ما زلت أبذل جهداً واعياً كي لا أتجاهل مديح الآخرين لي، فالتخلي عن حذري وقبول امتنان الآخرين صعب ومحرِّر في الوقت نفسه، حتى في المواقف التي أشعر فيها أنني لا أستحق ذلك. آمل أن تشعر بالإلهام لتجربة ذلك أيضاً.