ماذا تفعل عندما تشعر أن مسارك الوظيفي لا يتطوّر؟

7 دقائق
الحضور التنفيذي

كانت الرئيسة التنفيذية، التي سنطلق عليها اسم ميرفت، تشعر بالغضب، إذ بعد تقديمها لأداء متميز لمدة سبع سنوات واقترابها من التقاعد، كانت متلهفة لاختيار وإعداد خليفها في الرئاسة التنفيذية. وكان أعضاء فريقها التنفيذي أكفاء من ناحية شغل أدوارهم الحالية ولكن لم يكن أحد منهم مناسباً تماماً لشغل الوظيفة العليا. وبعدما نظرنا في طائفة أوسع من المرشحين المحتملين، قاطع الرئيس التنفيذي للموارد البشرية الحديث الجاري قائلاً: "ماذا عن تامر؟ إنه استراتيجي للغاية ويمكن الاعتماد على فريقه لتسلم مهامه الحالية، ربما يستحق النظر فيه كخيار مطروح". ثم توقف للحظة وأردف قائلاً: "بالطبع ثمة تلك المسألة المتعلقة بحضوره التنفيذي، إذ إنه غالباً ما يسيطر على مجرى الحديث خلال الاجتماعات غير مدرك التأثير السلبي الذي يُحدثه ذلك على زملائه. وحسناً، لا أعرف كيف أقول هذا، لكن لديه رائحة جسم ملحوظة وهو أمر منفر بحق". وافقت ميرفت على ذلك، وأضافت: "يتمتع تامر بعقل تجاري رائع، لكنني فقط لا أجده مناسباً لتمثيل شركتنا". وكما تبين لنا، فإنّ تامراً قد تلقى على مدى 18 عاماً مراجعات ممتازة على الأداء وأعلى المكافآت على قوة أدائه. ولكن في العديد من تلك المراجعات، ذُكر "الحضور التنفيذي" كناحية ينبغي تحسينها ولكن دون تقديم أي تفاصيل، لذلك لم يكن لدى تامر أي فكرة حول المشكلة الحقيقية وكيف يمكن أن تضر بمسيرته المهنية.

بعد تقييم أكثر من 2,000 رئيس تنفيذي وأكثر من 18,000 شخص من كبار القادة التنفيذيين منذ عام 1995، نشعر بالذهول من مدى تواتر تعثر السير المهنية للتنفيذيين الموهوبين أو حتى فشلها بسبب المسائل التي تبدو بسيطة، رغم أنّ أكثريتها تُعتبر قابلة للمعالجة كلياً. نحن نطلق على هذه الأنواع من المسائل اسم "الباندا"، حيث إن الباندا تبدو بريئة، لكن فكوكها القوية تقضم بقوة أكبر من قوة قضمة النمور. قد تكون سمة الباندا باهضة الثمن على نحو مؤلم للأفراد الذين تتعطل مسيرتهم المهنية لأسباب مجهولة بالنسبة لهم وللمؤسسات والمدراء غير القادرين على تطوير القادة الموهوبين لقاء كامل إمكاناتهم.

ومن أجل فهم هذه الظاهرة بصورة أفضل، عملنا على تحليل عيّنة مؤلفة من 113 قائداً من أصحاب الأداء القوي الذين كانوا من المرشحين النهائيين لشغل أدوار كبار القادة التنفيذيين، ولكنهم رفضوا في جولة القرار النهائي. عند مراجعة التقييمات التفصيلية لكفاءاتهم، كشفنا أنّ 62% من أولئك القادة كانت لديهم مشكلة واحدة على الأقل من سمات "الباندا" و10% منهم كان لديهم أكثر من سمة واحدة. بالإضافة إلى ذلك، اعتبرت سمات "الباندا" بالنسبة إلى 35% من هؤلاء التنفيذيين من بين أعلى ثلاثة مخاطر تم تحديدها بالنظر إلى ملائمة هذا الشخص للمنصب. غالباً ما تبقى سمات الباندا هذه مع الشخص لسنوات، ورغم أنها تبدو بريئة فإنها تعرقل في نهاية المطاف السيرة المهنية للقادة الموهوبين بطرق أخرى.

وقد كشف تحليلنا عن أكثر سمات "الباندا" شيوعاً، وهي كالتالي:

  • %36 تتعلق بالحضور التنفيذي
  • %28 تتعلق بأسلوب التواصل
  • %29 تتعلق بالعلاقات مع الزملاء
  • %7 المتبقية تشمل التفاؤل المفرط ونزعة الكمال.

وإليك أدناه نظرة تمحيصية لكل سمة على حدة.

الحضور التنفيذي

يُعتبر هذا التعبير جامعاً وغير واضح المعالم لعدد كبير من المسائل، ابتداء من رائحة الجسم التي تبدو مسألة بسيطة ولكنها في الحقيقة تعيق تطور السيرة المهنية للفرد، وليس انتهاء بتحديات أعمق مثل عدم اضطلاع الشخص بنفسه بطريقة تتسق مع ثقافة الشركة. وكثيراً ما يتلقى التنفيذيون الذين يفشلون في إظهار الثقة ملاحظات تتعلق بالحضور التنفيذي الباهت. إنّ معالجة سمات الباندا تلك هي من مسؤوليتك، إذ يظهر بحثنا أنّ التنفيذيين الذين يتمتعون بثقة عالية على سبيل المثال هم أكثر احتمالاً بمقدار 2.5 مرة أن يتم تعيينهم. يذكّرنا هذا بخبير لامع في مجال الاستثمار في إحدى الشركات الكبرى، وسنطلق عليه اسم بسام، الذي تم تجاهله للحصول على ترقية إلى شريك بسبب حضوره التنفيذي الضعيف. وعندما طُلب منا تدريب بسام، عملنا على جمع آراء مكثفة حوله من زملائه وأطراف خارجية، وتبين أنه على الرغم من اكتسابه الاحترام بسبب ذكائه، فإنه كان يظهر بمظهر الشخص الوديع وغير المؤثر، وترك لدى الآخرين انطباعاً بأنه مبتدئ وغير مستعد لتمثيل الشركة كشريك. قدمنا المساعدة إلى بسام من خلال تحديد السلوكيات التي خلقت هذا التصور ومعالجتها، وقد أصبح اليوم شريكاً ومساهماً أساسياً في توليد الأرباح في الشركة.

أسلوب التواصل

تنطوي الشكاوى المتعلقة بأسلوب التواصل عادة على الأسلوب الذي يتكلم به المرء (أو لا يتكلم به) في المحافل المختلفة. إذ يشكل أسلوب تواصل الشخص الانطباعات الأولى وقد يكون له تأثير ملحوظ على المسار المهني. وأظهرت سمة كفاءة التواصل الضعيفة كسمة تنطوي على مخاطر بالنسبة إلى 28% من التنفيذيين الذين خضعوا لتحليلاتنا. خذ على سبيل المثال عدنان، الرئيس التنفيذي للشؤون المالية والمرشح الأول لقيادة شركة تصنيع أجهزة طبية كبرى، والتي كانت على مشارف الاكتتاب العام. كانت السيرة الذاتية الخاصة بعدنان تحقق جميع الكفاءات المطلوبة (ومن ثم بعض منها)، ولكن تمثلت نقطة ضعفه في أسلوب تواصله المطول جداً والفلسفي تقريباً، والذي يُعتبر ملائماً للتخصص الأكاديمي أكثر من ملائمته لحديث الرئيس التنفيذي للشؤون المالية الذي يمكنه قيادة الأداء وتمثيل الشركة على نحو موثوق ضمن أوساط الاستثمار.

ويظهر بحثنا أنّ المرشحين الذين استخدموا مفردات نخبوية أكثر أو تدل على ثقافة كبيرة أو كأنما يخاطبون الآخرين من "برجهم العاجي"، كانوا أقل احتمالاً للتوظيف بثماني مرات مقارنة بالمرشحين الذين استخدموا لغة عامية أكثر. فإنّ رواية القصص الواقعية المستندة إلى نتائج لا تنسى، هو أسلوب أقوى بكثير من الأسلوب الأكاديمي المتخصص.

وهناك فخ شائع آخر في التواصل يتعلق باستخدام ضميري المتكلم "نحن" و"أنا". إذ استخدم أضعف المرشحين لشغل مناصب كبار القادة التنفيذيين ضمير "أنا" ضعف عدد مرات العينة المتبقية. أما المرشحون الذين حققوا قدراً أعلى من النجاح فكانوا واضحين حول مساهماتهم الفردية دون الإفراط في استعمال ضمير "أنا". والمرشحون الذين يسترسلون كثيراً في الحديث عن إنجازاتهم الخاصة يبهرون صنّاع القرار أقل من أولئك الذين يقولون على سبيل المثال: "تمثل الإنجاز الأكثر مدعاة للفخر بالنسبة لي في اللحظة التي بدأ الفريق فيها بأداء مهامه على نحو استثنائي"، ثم يبينون بوضوح دورهم في الإنجاز الذي حققته المجموعة.

حول البحث

تستند هذه المقالة إلى بحث أجري على مدى 10 سنوات لدعم كتابنا الذي يحمل عنوان: "الرئيس التنفيذي القادم" (The CEO Next Door) (كارانسي، 2018). إذ عملنا في شركة جي آتش سمارت على جمع طائفة من بيانات تقييمات خاصة بأكثر من 18,000 من كبار القائدة التنفيذيين عبر جميع فئات الصناعات الرئيسة وعبر مختلف أحجام الشركات. وقد شمل تقييم كل قائد تنفيذي على بيانات مفصلة حول مسيرته المهنية وتاريخه التعليمي وتقييمات الأداء ومعلومات حول أنماط السلوك والقرارات ونتائج الأعمال. وقد جُمعت هذه البيانات عن طريق مقابلات منظمة مع كل قائد تنفيذي.

ولكن أخيراً، شعرنا بخيبة أمل للكشف عن أنّ المرشحين لشغل منصب الرئيس التنفيذي للشركات القائمة في الولايات المتحدة الذين كانت لكنتهم ثقيلة هم أقل احتمالاً بمقدار 12 مرة لأن يتم تعيينهم. بينما كان الانحراف ضمن المجموعة مسألة عميقة ومتواترة في التوظيف، فقد وجدنا بالنسبة إلى بعض هؤلاء التنفيذيين على الأقل بأنّ طلاقتهم اللغوية القاصرة عرضتهم لأن يُنظر إليهم على أنهم أقل كفاءة مما كانوا عليه بالفعل. وبعد أن سُلط الضوء على هذا الانحراف وعملوا على تحسين طلاقتهم اللغوية والحد من لهجتهم الثقيلة تحسن في المقابل مسار حياتهم المهنية.

العلاقات مع الزملاء

كثيراً ما نرى تنفيذيين موهوبين يؤدون وظائهم على أحسن حال ويحققون نجاحاً كبيراً ضمن قسمهم الخاص، ولكنهم يفشلون في تحقيق النجاح نفسه مع أقرانهم ضمن المجموعة. خذ مثالاً على ذلك دانيا، وهي مسؤولة تنفيذية موهوبة في مجال التسويق، والتي ساعدت على إعادة إحياء بعض العلامات التجارية الأكثر شهرة في العالم في مجال البيع بالتجزئة. ولكن ما كلف دانيا في نهاية المطاف عدم قدرتها على شغل وظيفة الرئيس التنفيذي للتسويق هو نمط من أنماط العلاقات الضعيفة مع الزملاء. فقد كانت مراجعات أداء دانيا زاخرة بالثناءات من مدرائها ومرؤوسيها المباشرين حول نتائج عملها الممتاز وشغفها الحثيث، ولكن كان زملاؤها يعتقدون أنّ تطورها الشخصي هو أكثر أهمية بالنسبة لها من نجاح الفريق. إنّ الأفراد مثل دانيا غالباً ما يعملون على نحو جيد جداً ضمن صفوف الإدارة الوسطى ولكنهم يتعثرون في أثناء سيرهم نحو تسلّم مناصب كبار التنفيذيين، لأنهم يبدون غير قادرين أو غير راغبين في التفكير أبعد من قسمهم أو مهامهم. والحديث حول إمكانية تحقيق التوازن في ذلك أسهل من القدرة على تنفيذه، خاصة أنّ أنظمة الحوافز في الشركات الكبرى غالباً ما تكافئ الأفراد على تحقيقهم أهدافهم الفردية. زد على ذلك النزاعات الهيكلية عبر الوظائف التي تُعتبر شائعة ضمن المؤسسات الكبيرة والمعقدة، ما يترك مجالاً لنشوب الصراع بين الزملاء من أجل الموارد المحدودة، أو يتركهم على خلاف حول المشاريع والقضايا الأخرى. ومع ذلك، فإنّ القادة الذين يتمتعون بإمكانات عالية يجدون طرائق لتحقيق هدفهم ويحققون أيضاً ذلك التوازن مع كامل فريق القادة.

لقد كشف بحثنا سي إي أو غينوم (CEO Genome) أنّ المرشحين الأقوياء لشغل المناصب القيادية أكثر فاعلية من ناحية إقناع الآخرين، بمن فيهم زملاؤهم. ووجدنا أيضاً أنّ الرؤساء التنفيذيين أصحاب الأداء المرتفع هم أكثر احتمالاً من أصحاب الأداء المنخفض لمعاملة الآخرين باحترام (73% من أصحاب الأداء المرتفع مقابل 59% من أصحاب الأداء المنخفض). وقد يخالفون ذلك التوقع عند حاجتهم إلى تحقيق النتائج، لكنهم يبنون على المدى الأطول أتباعاً أقوياء وسمعة جيدة بأنهم يقدمون ما يصب في مصلحة الشركة.

إذاً، لماذا لا يتم تقويم سمات الباندا الخطيرة هذه وتبقى مع الفرد لفترة طويلة؟ تكمن المشكلة في عمليتي إعطاء وتلقي جميع جوانب التقييم. فبالنسبة إلى المدير الذي يقدم تقييمه، فقد يرى أنّ هذه المشكلات شخصية جداً وتافهة إلى حد ما بحيث يصعب الإدلاء بها بصورة مباشرة، لا سيما إذا كان الأداء متميزاً، ومن الأسهل تحاشي المشكلة خاصة عندما لا تكون معيقة للأداء الحالي. أما بالنسبة للشخص الذي يستقبل التقييم، فغالباً ما نصرف نظرنا عن سمة الباندا باعتبارها غير مهمة "بل ربما جميل أن نمتلكها" أو قد نرى أحياناً أنّ تغييرها يتضارب مع قيمنا، ونقول: ينبغي الحكم على أدائي، وليس على الوقت الذي أقضيه في الاجتماعات! لسوء الحظ، وكما خلصنا من خلال بحثنا، فإنّ تجنب هذه المحادثات الصعبة أو عدم اتخاذ إجراءات بشأن التقييم سيضر بالسيرة المهنية للأفراد الموهوبين.

بصفتك مديراً، فإنّ مسؤوليتك هي تطوير فريقك من خلال تقديم ملاحظات صريحة بشجاعة ولطف. ومن خلال التهرب من ذلك، تكون في الواقع قد أسأت إلى مرؤوسك المباشر وإلى فريقك ككل. وبغض النظر عن مدى شعورك بعدم الارتياح، فإنه يجب أن تكون واضحاً فيما يتعلق بالملاحظات. أعطي أمثلة محددة واشرح تأثير تصرفات الشخص، أو تقاعسه عن فعل التصرف الصحيح، على قدرته على تحقيق أهدافه في الدور الحالي الذي يشغله وكذلك على إمكانات تطوره.

وبصفتك متلقياً لتلك الملاحظات، لا تنخدع بالمظهر البريء للباندا. فإذا تجلّت إحداها في مراجعة أدائك، فاطرح أسئلة توضيحية لتصل إلى جذر المشكلة وتفاصيلها، وافهم أيضاً كيف تؤثر تلك المشكلة على أدائك وتصورات الآخرين نحو أدائك وإمكاناتك. وفي حال لم تحصل على إجابة صريحة من مديرك رغم سؤالك؛ أشرك طرفاً ثالثاً لكي تحصل على ملاحظات صريحة ومتعمقة، ولكن لا تدع سمات الباندا التي تبدو بريئة على نحو خطير تلحق الضرر بمسيرتك المهنية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي