ملخص: تشمل المخاوف الشائعة التي تعوق الموظف عن التقدم الخوف من الفشل وخذلان الآخرين والظهور بمظهر عديم الكفاءة وفقدان احترام الآخرين، بالإضافة إلى مخاوف بدائية مثل الخوف من التهميش أو الرفض أو عدم القدرة على دعم الذات. لا مبرر منطقي لهذه المخاوف غالباً، ولكن جذورها راسخة في ماضينا. غالباً ما تكون المخاوف التي تعوقنا عن التقدم مخفية، لكن تأثيرها علينا قوي ويؤدي إلى سلوكيات غير منتجة. في هذه المقالة، تقدم المؤلفتان استراتيجيات لكيفية الكشف عن هذه المخاوف وتحدّيها والحد من المعتقدات حتى تتمكن من تفكيك الحواجز التي فرضتها على نفسك وتحقيق نجاح أكبر.
الخوف عاطفة إنسانية فطرية يشعر بها الجميع إلى حد ما. وفقاً لما أورده الخبيران في مجال تنمية البالغين، روبرت كيغان وليزا لاسكو لاهي، في كتابهما "المناعة ضد التغيير" (Immunity to Change): "تعلمنا حقيقة يصعب على الناجحين والقادرين الاعتراف بها، ومفادها أن معظم الناس يتعاملون مع الخوف باستمرار أكثر مما يدركون".
ينشأ التحدي عندما تمنعنا مخاوفنا، سواء كنا واعين بها أو لا، عن تغيير أنماط سلوكنا غير المنتجة، حتى لو أردنا المضي قُدماً والعمل بطريقة جديدة تمكننا من التقدم في مسارنا المهني وتحقيق أهدافنا.
الخوف الذي نتحدث عنه هنا ليس بنفس مستوى الشعور بعدم الأمان النفسي الذي يفرضه قادة المؤسسة، ولكن من المؤكد أن الافتقار إلى الأمان النفسي داخل الفريق هو عنصر مهم يؤثر على الأداء ويمكن أن يؤدي بالتأكيد إلى تفاقم الخوف الذي يشعر به الفرد.
نوع الخوف الذي نشير إليه هنا يتعلق بإحساسنا بالأمان الذاتي الذي يتمحور أساساً حول كيفية رؤيتنا للعالم ومدى شعورنا بالأمان فيه، وغالباً ما ينبع من تجارب الحياة المبكرة التي شكلت الطريقة التي نرى من خلالها مواقفنا اليومية. نحمل المخاوف الكامنة التي تخلق هذا الشعور بالأمان (أو عدم الشعور به) معنا دائماً أينما ذهبنا؛ فتبقى معنا بعد حصولنا على ترقية أو عندما ننتقل إلى قسم آخر أو نبدأ وظيفة جديدة إلى أن نتخذ خطوات فعالة للكشف عنها وفهمها وتحديها.
من خلال تطبيق تعاليم كيغان ولاهي على عملنا، إذ تعمل ريبيكا على تدريب كبار القادة وتعمل روث على دراسة الناجحين مثل الرياضيين الأولمبيين ورواد الفضاء والحائزين جائزة نوبل، تعلّمنا كيف تعوق هذه المخاوف الكامنة الأفراد (والفِرق) وما يتطلبه التغلب عليها بصورة دائمة.
تتطلب مواجهة مخاوفك في العمل والتغلب عليها قدراً كبيراً من التفكير وتقبّل ضعفك والصدق مع نفسك إلى أبعد الحدود، وينطوي ذلك على اتخاذ الخطوات التالية. يمكنك اتباع هذه الخطوات بمفردك، ويُفضل أن تكون تحت إشراف مدرب مهني محترف أو زميل موثوق به يمكنه طرح أسئلة استقصائية صعبة وتحديك ومساعدتك في النهاية على رؤية وجهات نظر جديدة وتبنّيها.
انتبه للمكان الذي تشعر فيه بأنك مقيد، وحدد مخاوفك الأساسية
أولاً، حدد المكان الذي تشعر فيه بالعجز عن إحراز تقدم. قد يكون ذلك مجالاً تريد التحسن فيه ولكنك لم تتمكن بعد من تحقيق ذلك بطريقة هادفة أو متسقة، أو لعلك تتردد في إجراء محادثات صعبة وتحميل الآخرين المسؤولية، أو في أن تكون أكثر حسماً، أو تريد تحويل تركيزك عن التفاصيل اليومية لتعمل على نحو استراتيجي أكثر، أو وضع حدود أفضل والتقليل من قول "لا".
الآن، سمِّ المخاوف التي تمنعك من فعل هذه الأشياء (عادة ما يوجد عدد قليل منها على الأقل)، ولا تحاول التقليل من تأثيرها وتلطيفها. قد يكون من المحرج الاعتراف بها أو ذكرها صراحة، لكنها غالباً ما تكون طبيعية جداً، وهي موجودة فينا جميعاً. قد تخشى الإضرار بعلاقة ما إذا حمّلت زميلاً المسؤولية، أو تشويه سمعتك إذا اتخذت قراراً خاطئاً، أو فقدان السيطرة إذا فوضت مسؤولياتك إلى شخص آخر، وقد تخشى أن يُنظر إليك على أنك غير ملتزم إذا رفضت طلباً لزميلك.
ثمة أنواع محددة لا حصر لها من القلق، لكن الأنواع الشائعة التي نراها تعوق الموظف عن التقدم تشمل الخوف من الفشل أو الإضرار بالمسار المهني أو خذلان الآخرين أو الظهور بمظهر عديم الكفاءة أو فقدان السيطرة، نرى أيضاً عدداً أكبر من المخاوف البدائية، مثل الخوف من العجز أو التهميش أو الرفض أو الخشية من عدم القدرة على إعالة المرء ذاته مالياً.
غالباً ما تكون المخاوف التي تمنعنا من التقدم مخفية، لكن تأثيرها علينا قوي ويؤدي إلى سلوكيات غير منتجة، وربما كانت هذه السلوكيات مفيدة لنا في مرحلة ما في وقت سابق من حياتنا أو مسارنا المهني، ولكنها الآن تمنعنا من تحقيق أهدافنا. ولكن من خلال تحديد هذه المخاوف والتعبير عنها، يمكننا البدء بفحصها من كثب لفهم كيف تقوض ذاتنا في العمل بصورة أساسية.
تعرضت شريكة في شركة خدمات مهنية، ولنسمها ربا، للتوتر بصورة متكررة وغالباً ما كانت تبدي ردود فعل عاطفية في العمل. كانت تتوق بشدة لخلق حياة لنفسها بعيداً عن العمل لتحقيق توازن أكبر، ولكنها مع ذلك لم تكن ترفض السفر للعمل، وسمحت للعمل بمنعها من وضع خططها الشخصية ومتابعتها، وأعطت الأولوية للعمل على حساب صحتها ورفاهها، ولم تضع حدوداً هادفة بين عملها وحياتها. عندما فكرت في وضع بعض الحدود في عملها، نشأت لديها عدة مخاوف مثل احتمال خسارة العملاء وعدم كسب المال الكافي والخشية من أن يتفوق عليها شخص آخر في العمل، وغير ذلك من المخاوف.
تلقى جميل، وهو قائد في مؤسسة غير ربحية، تقييماً يفيد بأنه لم يكن متعاوناً. كان عليه تبني وتيرة أبطأ للسماح للآخرين بمواكبة طريقة تفكيره والتماس أفكار الآخرين والانفتاح عليها والتخلي عن درجة معينة من السيطرة، وكانت سلوكياته مدفوعة بمخاوف أساسية من أن فعل هذه الأشياء سيجعله يبدو غبياً وسيفقد السيطرة، لذلك كان يميل إلى التصرف سريعاً حتى لا يتمكن الآخرون من مواكبته، وبالتالي يبدو أذكى منهم ولا يسمح لهم بالتشكيك في أفكاره أو الإسهام بأفكارهم الخاصة.
تخيل لو تحققت أسوأ مخاوفك
لنفترض أن هذه المخاوف قد تحققت. ماذا سيحدث بعد ذلك؟ ما هي أسوأ نتيجة تتوقعها إذا فشلت، سواء كان فشلك عبارة عن فقدان عميل أو خسارة وظيفتك أو خذلان شخص ما أو الظهور بمظهر الغبي أو أي شيء آخر؟ قد تبدو هذه التوقعات السلبية حول النتائج المحتملة لمخاوفك حقيقية جداً أو مؤكدة بالنسبة لك، لكنها عادة ما تكون بعيدة كل البعد عن الواقع.
لم يكن خوف ربا من الفشل (فقدان العملاء وعدم كسب ما يكفي من المال وتفوق شخص آخر عليها وما إلى ذلك) العامل الأقوى الذي يمنع تقدمها، بل منعته أيضاً قناعتها بأنها لن تتمكن أبداً من إصلاح هذه الأضرار إذا حدثت، أي إذا فقدت عملاءها، فلن تتمكن من العثور على عملاء جدد؛ وإذا كانت نتائجها هذه السنة سيئة، فلن تتمكن من تحسينها في العام التالي؛ وإذا فقدت وظيفتها، فلن تتمكن من العثور على وظيفة جديدة. في النهاية، كانت مقتنعة بصحة أسلوبها كما تقول: "إذا لم أعمل بصورة مكثفة، فلن أكون ناجحة".
بالنسبة لجميل، ومن خلال النظر بعمق في مخاوفه من فقدان السيطرة أو الظهور بمظهر سيئ، أدركت أن لديه اعتقاداً مُقيداً بأن أفكاره تفقد قيمتها إذا شارك شخص آخر فكرة جيدة (عقلية المحصلة الصفرية). كان يخشى أن يعتقد الآخرون بعد ذلك أنه غير كفؤ ولن يرغبوا في العمل معه، أي أن يهمّش عملياً. غذّت هذه المخاوف العميقة والمعتقدات المقيدة المرتبطة بها حاجته المستمرة إلى السيطرة والسعي دائماً للظهور على أنه الشخص الأكثر ذكاءً.
فكّر في أصل القصة
من أين تأتي هذه المخاوف والمعتقدات المقيدة في حياتك؟ قد تتعرف على مصدر مخاوفك على الفور، أو قد تحتاج إلى التفكير قليلاً للإجابة عن هذا السؤال. يمكن أن يساعدك الوعي بمكان تشكّل هذه النظرة المحدودة أو المنقوصة للعالم وزمانه على التحرر منها من خلال تسليط الضوء على مدى اختلاف الظروف أو الموقف في ذلك الوقت من حياتك وعدم ملاءمتها لسياقك الحالي.
على سبيل المثال، كانت ربا تخشى من أن عدم العمل بصورة مكثفة ووضع حدود بين عملها وحياتها من شأنه أن يهدد الأمن المالي لأسرتها، ولكن عندما تعمقت في مخاوفها، أدركت أن شعورها هذا ينبع من فقدان والدها لوظيفته عندما كانت صغيرة والصعوبات المالية التي واجهتها أسرتها نتيجة لذلك. كان الأمر مرعباً بالنسبة لفتاة صغيرة أن تعلم أنه قد يتعين على أسرتها إخلاء المنزل بعد شهر واحد فقط، وبقي هذا الشعور بالعجز والضعف في مخيلتها كغمامة سوداء واستمر معها عندما كبرت.
أدرك جميل أن مخاوفه وافتراضاته المقيدة (والسلوكيات الناتجة عنها) لا تظهر إلا عندما يكون مع أقرانه، وليس عندما يتفاعل مع زملائه الأكبر أو الأصغر سناً منه. قد تبدو هذه التفاصيل ثانوية، لكنها مهمة وساعدته في الكشف عن أصل مخاوفه الكامنة التي كانت قد نشأت أصلاً عن المنافسة التي خلقها والداه بينه وبين شقيقه. وهكذا كان يرى في أقرانه في العمل منافسين طبيعيين أو منافسين يجب التفوق عليهم، ولم يكن يعتبرهم زملاء عمل كما يُفترض به.
أجرِ تجارب آمنة
بما أن المعتقدات المقيدة قد تشكلت نتيجة التجارب المباشرة السابقة، فقد يتطلب التحرر منها خوض تجارب جديدة ومختلفة و(أو) رؤية وجهات نظر مختلفة أو أوسع لأشخاص آخرين تثق بهم وتحترمهم. لتحقيق ذلك، يجب عليك إجراء سلسلة تجارب آمنة لاختبار معتقداتك المقيدة وتخفيف سطوة مخاوفك الأساسية عليك تدريجياً.
يجب ألا تنطوي التجربة الآمنة على خطورة تعزيز افتراضك المقيد الرئيسي أو احتمال حدوث عواقب سلبية مادية إذا فشلت، بعبارة أخرى، يجب ألا تخاطر بفقدان وظيفتك مثلاً لاختبار قدرتك على التعافي من هذا الفشل. باختصار، يجب أن يكون الاختبار أو التجربة الآمنة صغيرة ومنخفضة المخاطر وسهلة التنفيذ، والهدف منها جمع معلومات حول صحة معتقداتك المقيدة لإثبات زيفها، وسيؤدي ذلك إلى تخفيف سيطرتها عليك وعلى سلوكك، ما يمنحك حرية أكبر في كيفية عملك. وبمرور الوقت، ستتمكن من التحرر من الأنماط السلوكية القديمة وتطوير أخرى جديدة أكثر إنتاجية وتقليل احتمال العودة إلى السلوكيات السابقة.
قد تتضمن التجربة الآمنة التحدث إلى أشخاص تعرفهم أو القراءة عن القادة الآخرين للاستفادة من تجاربهم، أو إجراء تغييرات سلوكية صغيرة جداً. بالنسبة لربا، تضمنت تجربتها الآمنة اكتشاف قدرتها على التمتع بحياة متوازنة وأن تكون ناجحة في عملها أيضاً. لذلك تحدثت إلى أشخاص تحترمهم في قسمها وطرحت عليهم مجموعة من الأسئلة مثل "ما هي الحدود التي تضعونها وتحافظون عليها؟" و"كيف يساعدك التوازن في حياتك على أن تكون أكثر نجاحاً دون العمل طوال الوقت؟". أما الاختبار الثاني الذي ساعدها في التخفيف من شعورها بانعدام الأمن المالي فكان مقابلة خبير تخطيط مالي ساعدها على اكتشاف أنها تتمتع بقدر أكبر من الأمان المالي مما كانت تتصور. كما تحدثت مع إحدى وكالات التوظيف التنفيذية الكثيرة التي كانت تتصل بها بانتظام لمناقشة فرص العمل المحتملة التي يمكن لها شغلها، وساعدتها هذه المحادثة على إدراك أن ثمة الكثير من الفرص أمامها للعمل في مكان آخر إذا فقدت وظيفتها الحالية على الرغم من أن ذلك لم يكن مرجحاً. لقد أدركت ربا من خلال إجراء هذه الاختبارات التي تتحدى معتقداتها المقيدة أن مخاوفها الكامنة التي كانت تحملها منذ الطفولة لم تعد تعكس واقعها الحالي بدقة، وسمحت لها رؤية هذه الحقيقة بوضوح لأول مرة بالتخلي عن معظم مخاوفها والضعف الذي كانت تشعر به وأعطتها إحساساً أكبر بالتمكين وأتاحت لها إعادة صياغة حياتها ومستقبلها.
وبالمثل، أجرى جميل بعض التجارب التي ساعدته على البدء بالتخلي عن معتقداته التي كانت تقيده. أولاً، عقد جلسة عصف ذهني لمشروع أدى فيه دور الميّسر، وركز على السماح للآخرين بالإسهام بأفكارهم لاكتشاف إمكانية النظر في عدد من الأفكار الجيدة بدلاً من طرح فكرة واحدة يُنظر إليها على أنها الخيار الوحيد القابل للتطبيق. تضمّن الجزء الثاني من هذا الاختبار معرفة ما إذا كانت مشاركة الآخرين لأفكارهم تجعله يشعر بأنه أقل قدرة بالفعل، وقد دُهش عندما لم يحدث ذلك. كما طلب من أحد الزملاء أن يعلّمه عن أحد مجالات المؤسسة التي لم يكن على دراية كافية بها (الشؤون المالية) لمعرفة ما يشعر به في أثناء عملية التعلم، ليدرك بعد ذلك أنه لا مبرر لشعوره بالتهديد حتى لو كان شخص آخر ملماً بموضوع معين أكثر منه. أتاحت هذه التجارب لجميل التخلي ببطء عن مخاوفه المتبقية والانخراط في سلوك تعاوني أكثر مع الآخرين.
من الطبيعي أن تشعر بالخوف والقلق في حياتك وفي عملك، ولكن يمكنك التخفيف من معتقداتك ومخاوفك التي تقيدك وتعوق تقدمك حالياً باستخدام الاستراتيجيات المذكورة أعلاه، ما يسمح لك بالمضي قدماً بصورة أكثر إنتاجية وبنتائج أفضل. من المحتمل ألا تتماشى الحقيقة التي كنت تؤمن بها في الماضي مع واقعك الحالي، وكشف هذه المخاوف والمعتقدات المقيدة وتحديها سيسمح لك بكسر الحواجز التي فرضتها على نفسك وتحقيق نجاح أكبر.