ملخص: قد يكون من الصعب أن تحدّد في المراحل الأولى من مسيرتك المهنية ما إذا كانت مشاعرك السلبية حيال العمل ناتجة عن الطبيعة السامة لوظيفتك، أم لأنها وظيفة غير مناسبة لك. فكيف تعرف، إذاً، إن كنت في سبيلك إلى إنشاء مسيرة مهنية مُرضية أم أنك تسير في الاتجاه الخاطئ؟
- قيّم نفسك. قبل أن تعرف كيف تبدو بيئة العمل الصحية، يجب أن تفهم أولاً الجوانب التي تقدّرها في العمل والغايات التي تريد تحقيقها من حياتك المهنية. فكّر في مواطن قوتك وقيمك واهتماماتك. ابذل أيضاً جهداً لفهم الطريقة التي تتفاعل بها عاطفياً مع مختلف المواقف.
- قيّم مكان عملك. إذا قررت أن ثمة حالة من عدم التوافق بين غاياتك المنشودة ووظيفتك، فقد يكون هذا هو السبب الجذري لمشاعرك السلبية. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فقد تحتاج إلى البحث بمزيد من الاستفاضة. ضع في اعتبارك المؤشرات المعتادة لمكان العمل السام. ألا يوجد مجال للنمو في شركتك؟ هل تعاني المزيد من المصاعب؟ هل تخشى الدفاع عن نفسك؟ هذه كلها إشارات تحذيرية.
- قيّم خياراتك. إذا كنت تشعر بأنك في بيئة عمل سامة، فاعلم أن لديك خيارات. يمكنك، على سبيل المثال، معالجة مخاوفك مع مديرك واقتراح بعض الحلول، ويمكنك العثور على حليف أو نظير موثوق به يشاركك قيمك ليساعدك على الدفاع عن نفسك، ويمكنك الاتصال بمسؤولي الموارد البشرية وطلب مساعدتهم، أو يمكنك ترك مؤسستك والمضي قُدماً.
لا توجد وظيفة مثالية.
هذا ما نقوله لأنفسنا بعد تكليفنا بمهمة نكره أداءها، أو عندما يزعجنا زملاؤنا في العمل، أو عندما تؤدي سياسة الشركة الجديدة إلى زعزعة الثوابت التي اعتدنا عليها. نذكّر أنفسنا حينذاك بأن نكون شاكرين لما نمتلكه بين أيدينا؛ لأن أحوالنا قد تزداد سوءاً إذا التحقنا بالعمل في مكان آخر، أليس كذلك؟
لكنك إذا اعتمدت على هذه العبارة لمساعدتك على اجتياز أيام العمل العصيبة، فإن هذا يدل على أن ثمة شيئاً أسوأ يحدث على مستويات نفسية أعمق. هل يزداد شعورك بالسخرية والتوتر في العمل؟ ألا يمكنك حتى تخيُّل أن ثمة شيئاً أفضل ينتظرك في قادم الأيام؟ هل تشعر بالانفصال عن الشخص الذي اعتدت أن تكون عليه؟
بغض النظر عما تشعر به، فمن المهم أن تكون قادراً على التعرُّف على ما إذا كان ما تواجهه هو نتيجة نمو وتغيير صحيين على المستوى المهني، أم نتيجة بيئة عمل سامة. قد يكون هذا أمراً بالغ الصعوبة، خاصة إذا كنت في مُقتبل مسيرتك المهنية وليس لديك دليل إرشادي يساعدك على تمييز خبرات العمل الصحية والمُرضية.
فكيف يمكنك، إذاً، معرفة إن كانت بيئة عملك سامة، أو أنها "طبيعة الوظيفة"؟ وما الدلائل التي تعرف من خلالها أنك تسير على طريق حياة مهنية مُرضية أو تسير في الاتجاه الخاطئ؟ إليك كيفية اكتشاف الحقيقة:
1. قيّم نفسك
قال الفيلسوف الصيني لاو تزو: "يكمن الذكاء في معرفة الآخرين، فيما تكمن الحكمة الحقيقية في معرفة نفسك. ويكشف فهم الآخرين عن امتلاكك نقطة قوة، فيما يكشف فهم نفسك عن امتلاكك القوة الحقيقية".
قبل أن تعرف كيف تبدو بيئة العمل الصحية، يجب أن تفهم أولاً الجوانب التي تقدّرها في العمل والغايات التي تريد تحقيقها من حياتك المهنية. وقد يؤدي فقدان التوافق بينك وبين عملك إلى مستويات متفاوتة من الاضطراب العاطفي. فإذا كنت تفتقر إلى الوضوح حول تفضيلاتك الخاصة، فسيكون من الصعب قياس ما إذا كانت مشاعرك السلبية حيال العمل ناتجة عن عوامل داخلية أو خارجية. وفي الوقت نفسه، كلما كان إحساسك بهويتك المهنية أقوى، كان من الأسهل جذب الفرص والداعمين المرغوبين، وزاد شعورك بالرضا.
فكّر في هويتك المهنية على أنها مزيج من شخصيتك ونقاط قوتك وقيمك واهتماماتك وتعريفك للنجاح. وللمساعدة على إرشادك في تطوير هويتك المهنية، اطرح على نفسك الأسئلة التالية:
- أيّ من مواطن قوتي يرتبط بعملي الحالي أو ما أود فعله في المستقبل القريب؟
- ما الذي أحتاج إليه من صاحب العمل لإبراز أفضل ما لديّ في العمل؟
- ما الأنشطة أو الموضوعات التي تجعلني أشعر بأنني منخرط تماماً في العمل؟
- ما تعريفي للعمل الهادف والنجاح؟
من المهم أن تضع في اعتبارك أن اهتماماتك وقيمك ستتغير وتتطور خلال الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والحياتية. هذه عملية مستمرة يجب أن تواظب على أدائها بشكل متكرر.
وبمجرد أن تبدأ التفكير في مواطن قوتك وقيمك واهتماماتك، لا تتوقف عند هذا الحد. ابذل جهداً لفهم الطريقة التي تتفاعل بها عاطفياً مع مختلف المواقف. على سبيل المثال، ما شعورك بعد تكليفك بمهمة لا تحبها؟ كيف تتفاعل مع زملاء العمل المزعجين أو العلاقات السيئة التي تنغّص عليك حياتك؟
ومن خلال الوعي بمشاعرك، ستتمكن من قياس مدى قدرتك الشخصية على التحمُّل. على سبيل المثال، قد تكون المشاعر البغيضة، مثل الانزعاج أو الكراهية أو القلق، طبيعية وقد لا تكون مدعاة للخوف، لكن مشاعر الاستياء والحزن قد تدلُّ على شيء مختلف.
2. قيّم مكان عملك
بمجرد الانتهاء من تقييم نفسك، يجب أن تتعرَّف بمزيد من الوضوح إلى أي مشاعر سلبية لديك تجاه العمل. على سبيل المثال، إذا لم يكن ثمة توافق بين غاياتك المنشودة ووظيفتك، فقد يكون هذا هو السبب الجذري لمشاعرك السلبية. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فقد تحتاج إلى البحث بمزيد من الاستفاضة. وهنا تأتي الخطوة الثانية.
ألقِ نظرة على القائمة التالية. كم عبارة من هذه العبارات تمسّ وجدانك؟
- لا أتمتع بالقدر الكافي من الاستقلالية لتحديد المواعيد النهائية لإنجاز مهماتي أو تحديد أهداف ذات مغزى أو وضع آلية العمل المناسبة لي.
- لا أرى أي مجال لحرية الحركة على المستوى الداخلي بالشركة ويوجد نقص في الموارد المهنية لدعمي.
- أفضل جزء من عملي هو الأجر والمزايا التأمينية، وهو الشيء الوحيد الذي يمنعني من المغادرة على الرغم من أنني تعرَّضت لسلوكيات غير أخلاقية.
- أخشى أن أدافع عما أريده وأحتاج إليه لأنني أتعرَّض في الغالب للإهمال أو التجاهل.
- أعاني المزيد من المصاعب والأرق وعدم القدرة على التركيز.
- أشعر بأن ثقتي في نفسي قد اهتزت وبأن تقديري لذاتي قد تضاءل.
- علّق الأشخاص الواقعون في دائرة علاقاتي المقربة على حدوث تغيُّر في علاقتنا.
- أستخدم أساليب غير صحية للتهرُّب من المسؤولية والتعامل مع التوتر.
تعتبر هذه كلها علامات قد تدل على أنك تعمل في بيئة غير صحية. ولا تؤثر أماكن العمل السامة على عواطفنا ورفاهتنا في العمل فحسب، بل قد يمتد أثرها أيضاً ليطول جوانب حياتنا كلها. وإذا كان الكثير من العبارات الواردة أعلاه يعكس ما تشعر به بشكل متكرر، فدوّن ملاحظاتك حيالها.
وعلى النقيض من ذلك، فإليك بعض الإشارات التي تدل على أن بيئة عملك صحية وأنك على الطريق الصحيح:
- يمر الوقت بسرعة في العمل، وليس بطريقة غير مُنتجة، أي بطريقة "لم أنجز أي شيء".
- لا يمنحني رئيسي وزملائي التقدير المناسب فحسب، بل أشعر بالحفاوة أيضاً.
- أشعر بالالتزام وبرغبة صادقة في بذل جهد إضافي، ويمكنني في كثير من الأحيان فعل ذلك دون التضحية بصحتي وعلاقاتي الشخصية.
- أشعر بالانتماء والإنجاز وبوجود غاية حقيقية لعملي وبالقدرة على الإبداع والنمو من خلال التعلم.
- أعرف الشخص الذي أستطيع أن أتوجه إليه عندما أحتاج إلى مساعدة في عملي، أو عندما أواجه مشكلة تحتاج إلى حل.
- أمتلك علاقات عمل إيجابية مع معظم الأشخاص الذين أعمل معهم، وعلى رأسهم مديري وزملائي.
إذا كانت العبارات المذكورة أعلاه تمسّ وجدانك، فإن هذا يدل على أنك تتخذ اتجاهاً إيجابياً وتسير على الطريق الصحيح في العمل وفي حياتك المهنية. هذه علامة جيدة، لكن تذكر ضرورة تفقّدها بنفسك وبشكل متكرر.
3. قيّم خياراتك
إذا كنت تشعر بأنك في بيئة عمل سامة، فاعلم أن لديك خيارات.
يمكنك، على سبيل المثال، معالجة مخاوفك مع مديرك. ما الحلول التي يمكنك طرحها على الطاولة، بوصفها صفقة رابحة للطرفين تعود بالنفع عليك وعلى الشركة؟ على سبيل المثال، إذا اهتزت ثقتك في نفسك بسبب نقص الآراء التقويمية العالية الجودة، فكن صريحاً بشأن الطريقة التي ترغب في أن يتم إرشادك بها ومعدلات تكرارها. قد يكون ثمة أيضاً مجال لطلب الانتقال إلى قسم مختلف أكثر اتساقاً مع غاياتك الشخصية.
قد لا يشعر البعض بالراحة في التوجّه بشكاواه إلى مديره. في هذه الحالة، حاول العثور على حليف أو نظير موثوق به يمكنك أن تفضي إليه بما في نفسك. ابحث عن الأشخاص الذين يشاركونك قيمك والذين سيدعمونك عندما تثير مخاوف ثقافية ترتبط بمؤسستك. وكما يقول المثل، فإن المرء يزداد قوة حينما يضع يده في أيدي الآخرين، وليس ثمة ما يدعو إلى التعامل مع هذا الأمر بمفردك. وبمجرد أن تستقطب عدداً كافياً من الأشخاص للوقوف إلى جانبك، يمكنك أيضاً التفكير في مراجعة قسم الموارد البشرية في مؤسستك؛ لأنه سيكون من الصعب تجاهل المخاوف المشتركة على نطاق واسع.
وأخيراً، إذا كانت بيئة عملك تسبب لك اضطراباً عاطفياً خارج العمل، فحاول استشارة اختصاصي محترف ينظر إلى الأمر من منظور خارجي. يمكن أن يساعدك هذا على فهم ما تشعر به بشكل أفضل وتمييز خطواتك المنطقية التالية.
وفي أسوأ السيناريوهات، قد يكون ترك بيئة سامة هو أفضل خيار متاح أمامك، خاصة إذا كنت قد استنفدت المسارات المشار إليها أعلاه. وإذا كانت التجارب التي مررت بها قد قللت من تقديرك لذاتك، فقد يكون من الصعب تخيُّل مؤسسة أخرى ترغب في توظيفك. لكن حاول تذكير نفسك بما تقدمه على الطاولة. ربما تكون قد طورت فكرة في وظيفتك الحالية أدت إلى تحسين الأنظمة أو العمليات أو السياسات. وهذا يدل على أنك تمتلك قدرات تحليلية وإبداعية وأنك شخص يمكنه تحويل الأفكار إلى إجراءات يكن تنفيذها على أرض الواقع. أو ربما تكون أسهمت في تحسين ثقافة الشركة من خلال رفع المعنويات أو الدفاع عن الرفاهة، ما يدل على امتلاكك قدراً عالياً من حسّ المشاركة الوجدانية.
وفي الأحوال كلها، لا تنسَ أن تكون متعاطفاً ولطيفاً مع نفسك وأنت تمر بعملية تحسين وضعك في العمل. قد يكون من المضني أن تعمل في بيئة غير مواتية تحاول من خلالها أن تبذل جهدك في العمل وتقدم تضحيات للسير على الطريق الصحيح. لكن تذكّر، لا يوجد أي عيب فيك أنت شخصياً. فعندما تحس بأن مشاعر الشك في نفسك تسيطر عليك، ذكّر نفسك بأنك بحاجة إلى الخروج من وضعك الحالي لرؤية الأمور بوضوح. ذكّر نفسك بأنك تستحق فرصة أفضل وبأنك قادر على اغتنامها.
نستحق جميعاً أن نشعر بالتقدير وبأننا موضع احترام وبأن آراءنا تلقى آذاناً مصغية في محيط العمل. ويمكنك بكل تأكيد أن تنال هذا كله خلال مسيرتك المهنية.