ما مقدار الوقت والطاقة اللذين نضيعهما في التنقل بين التطبيقات الإلكترونية؟

7 دقائق
التنقل بين التطبيقات
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو/أليكسي ياكوفينكو/ماكروشكا/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يقضي الموظفون الكثير من الوقت في التنقل بين التطبيقات ومواقع الويب للقيام بوظائفهم. لكن كم مرة يفعلون ذلك في الواقع، وكم يستغرق ذلك فعلياً؟ درس المؤلفون 20 فريقَ عمل يضم إجمالاً 137 مستخدماً عبر 3 شركات مدرجة في قائمة “فورتشن 500” لمدة بلغت 5 أسابيع. وقد اكتشفوا أن الموظفين يتنقلون بين التطبيقات 1,200 مرة تقريباً كل يوم، أي أنهم يقضون نحو 4 ساعات أسبوعياً في إعادة تكييف أنفسهم بعد التنقل إلى تطبيق جديد، ما يعادل 9% من وقتهم في العمل. في حين أن شركات كثيرة قد تنظر إلى هذا العمل على أنه تكلفة طبيعية لممارسة الأعمال في بيئة رقمية، فهو غالباً ما يكون خياراً متعمداً تتخذه الشركات والمدراء حول كيفية إنجاز العمل والبرامج المستخدمة من أجل ذلك. ولكن يجب على المدراء إدراك أن زيادة التوظيف لن تعالج المشكلات التي تسببها العمليات السيئة، ويجب التركيز بدلاً من ذلك على تحديد المجالات التي يتسبب فيها تصميم العمل في معظم الصعوبات وإعادة توزيع أعباء العمل على الموظفين. ويجب على القادة ترشيد تكلفة الحصول على حلول برمجية أفضل أو تطويرها، والتركيز على تجربة المستخدم والاستثمار في بناء مخطط عمل لفهم رحلات موظفيهم بشكل أفضل.

 

هل تساءلت يوماً عن عدد المرات التي تقوم فيها بالتنقل بين تطبيق وآخر على مدار اليوم؟ بالنسبة للموظفين الرقميين (الموظفين الذين يستخدمون الأدوات الرقمية والتكنولوجيا لأداء مهام وظيفتهم)، أصبح التنقل بين عدة تطبيقات في أثناء العمل جزءاً أساسياً من طبيعة عملهم في هذا الوقت.

ولكن كيف وصل بنا الحال إلى هنا؟ ببساطة، ونظراً لتطور احتياجات الأعمال باستمرار، يتم إدخال تطبيقات جديدة لمعالجتها، لكن المدراء والرؤساء التنفيذيين للمعلومات يجدون صعوبة في التخلص التدريجي من التطبيقات القديمة والحفاظ على عدد يمكن إدارته من التطبيقات. وهكذا، قد يكون لدى المؤسسات الكبيرة آلاف التطبيقات التي يُطلب من الموظفين استخدامها، وغالباً ما يكون لدى الشركات الصغيرة عشرات التطبيقات وأحياناً المئات منها. ونتيجة لذلك، يقضي الموظفون وقتاً طويلاً جداً في التنقل بين تطبيق وآخر في أثناء العمل.

على سبيل المثال، في دراستنا لإحدى مؤسسات السلع الاستهلاكية المدرجة على قائمة “فورتشن 500″، وجدنا أن تنفيذ معاملة سلسلة توريد واحدة يتطلب من الموظف المعني التنقل نحو 350 مرة بين 22 تطبيقاً مختلفاً وموقع ويب فريداً، أي أن موظفاً واحداً سيقوم بالتنقل بين التطبيقات والنوافذ أكثر من 3,600 مرة وسطياً في يوم العمل العادي. هذا مرهق جداً في الواقع.

تنظر الشركات إلى هذا النوع من العمل غالباً على أنه ببساطة من طبيعة العمل نفسها، حتى لو كان مرهقاً للموظفين ومضيعةً للوقت والطاقة والتركيز. من المرجح أن تستمر هذه الاتجاهات وتزداد سوءاً نظراً لتصاعد وتيرة التحول نحو العمل الرقمي والعمل عن بُعد، لذلك يجب على الشركات إعادة النظر في العيوب المحتملة لهذا النهج، فإذا تبين لها أن تكلفة طريقة العمل هذه أعلى من تقديراتها، فقد تتمكن من تطوير طرائق أفضل للعمل.

تكلفة التنقل

لا يتطلب تنقل الموظف من تطبيق لآخر مجهوداً جسدياً يتمثل في الضغط على لوحة المفاتيح فحسب، بل ويستغرق وقتاً للتكيف مع التطبيق وسياقه الدلالي والغرض منه بعد الانتقال إليه، حتى كان ما يقوم به مجرد النظر إليه فقط. على سبيل المثال، عندما تنتقل من تطبيق البريد الإلكتروني إلى تطبيق جداول بيانات، ستضطر إلى التعامل مع واجهتين وتخطيطين وغرضين مختلفين تماماً، وقبل أن تتابع تنفيذ المهمة التي انتقلت إلى تطبيق جداول البيانات من أجلها، ستحتاج إلى لحظات للتكيف ذهنياً بسرعة معه.

لعملية إعادة التكيف هذه تأثير سلبي. لقد أثبتت أبحاث علم النفس والأعصاب أن التنقل بين مهمة وأخرى -وهو ما يُعرف أيضاً بـ “تبديل السياق” (context switching)- عملية معرفية مرهقة، وقد وجدنا في بحثنا أنه حتى التنقل بين التطبيقات يرقى إلى تبديل السياق، حيث يزيد التنقل المفرط من إنتاج الدماغ للكورتيزول (هرمون التوتر الأولي)، ما قد يؤدي إلى صعوبة التركيز ويبطئ من أدائنا.

يهدف بحثنا إلى قياس مقدار الوقت والطاقة الضائعين إجمالاً نتيجة التنقل بين المهام والتطبيقات.

مستخدمين برنامجاً يُدعى “ورك غراف” (Work Graph) يظهر كيفية تفاعل فرق العمل مع التطبيقات لإنجاز عملها، أجرينا قياساً شاملاً لتكلفة الجهد المعرفي للتنقل. للقيام بذلك، درسنا 20 فريقَ عمل يضم إجمالاً 137 مستخدماً عبر 3 شركات مدرجة في قائمة “فورتشن 500” لمدة بلغت 5 أسابيع، وهو ما يتوافق مع مجموعة بيانات تعادل 3,200 يوم عمل. عمِل معظم هذه الفرق في وظائف المكاتب الخلفية أو المتوسطة في مجالات المالية والموارد البشرية وسلاسل التوريد والتوظيف وإدارة المخزون وما شابه ذلك. من خلال تحليل هذه البيانات، قِسنا مقدار الوقت الإضافي الذي يستغرقه المستخدم للانخراط في الخطوة التالية من مهمته بعد التنقل، أي الوقت اللازم للتكيف مع التطبيق الجديد ومعرفة ما يجب عليه فعله بعد ذلك.

وقد وجدنا أن تكلفة التنقل تزيد قليلاً على ثانيتين في المتوسط، وأن المستخدم العادي في مجموعة البيانات يتنقل بين التطبيقات والمواقع المختلفة 1,200 مرة تقريباً يومياً، أي يقضي هؤلاء الموظفون نحو 4 ساعات أسبوعياً في إعادة تكييف أنفسهم بعد التنقل إلى تطبيق جديد، وذلك يعادل 5 أسابيع عمل أو 9% من وقت عملهم السنوي.

تكلفة تنفيذ الأعمال التجارية

هل هي مشكلة حقاً أم أنها مجرد تكلفة لممارسة الأعمال التجارية في البيئة الرقمية؟ لإلقاء بعض الضوء على هذه القضية، ألقينا نظرة فاحصة أيضاً على كيفية عمل الموظفين وقسنا الوقت الذي يقضونه بين كل تنقلين متتاليتين.

وجدنا أن الموظفين استغرقوا أقل من 11 ثانية للتنقل إلى تطبيق آخر بعد القيام بـ 65% من التنقلات. بكلامٍ آخر، الوقت الذي يقضيه الموظف في استخدام التطبيق ليس أعلى بكثير من الوقت المطلوب للانتقال إلى هذا التطبيق، والنتيجة هي استنفاد الموظفين بسبب الحاجة إلى إعادة التركيز باستمرار وتشتيت انتباههم طوال الوقت. تحدث هذه الحالة من التشتيت بسبب سوء تصميم العمل وعدد التطبيقات الكبير، أي أن طريقة عملنا في حد ذاتها تعمل على تشتيتنا بشكل أساسي.

لا توجد طريقة واضحة يمكن لمعظم الموظفين من خلالها تجنب التنقل ذهاباً وإياباً بين المستندات ومواقع الويب والتطبيقات لأنها الطريقة التي يجب أن يتم من خلالها العمل ببساطة. ولم تُصمم غالبية تطبيقات المؤسسة كي يتصل بعضها ببعض، ما يعني أن الموظف يؤدي عدة مهام يتطلب تنفيذها مجموعة من الموظفين، حيث عليه جمع البيانات وتحويلها من تطبيقات مختلفة ثم إدخالها في أنظمة أخرى، وبالتالي فإن جزءاً مهماً من عمله يتمثل في القيام بدور الوسيط بين التطبيقات المختلفة. يشيع هذا النمط من العمل في كل المؤسسات تقريباً بغض النظر عن قطاع أو حجم المؤسسة، حيث يتم تصميم العمليات والمهمات التي يقوم بها الموظفون لتشمل تطبيقات متعددة، ولذلك تتطلب طبيعة عملهم اليوم التنقل المستمر بين التطبيقات.

لكن لا يتعين علينا قبول ذلك على أنه واقع لا مفر منه. إذ يمكن للمدراء والقادة -ويجب عليهم- اتخاذ إجراءات لتحسين الموقف.

ما الذي يمكن للمدراء فعله؟

بالتأكيد، نحن لا نقول إن عملية التنقل بين التطبيقات سيئة إجمالاً، ومن غير المنطقي الدعوة إلى تطوير تطبيق مؤسسي شامل. ولكن هناك بعض الدروس التي يمكن للمدراء استخلاصها من هذه النتائج.

تعيين المزيد من الموظفين لن يحل المشكلة

يمكن بالطبع توظيف أشخاص للعمل كحلقة وصلٍ بين التطبيقات المختلفة لتكنولوجيا المعلومات، ولكن ذلك يغطي على حقيقة أن تطبيقات تكنولوجيا المعلومات المجزأة هي السبب الجذري، ويزيد أيضاً من تكلفة عدم حل هذه القضية. في الواقع، تؤدي طريقة تصميم عمل الموظفين إلى دفع الموظفين تكلفة التنقل، وتشتيت تركيزهم وانتباههم. إذا فكرت في تعيين المزيد من الموظفين لمعالجة هذه القضية، فعليك مراعاة حقيقة أن معاناتهم من تجربة العمل السيئة ستؤثر على إنتاجيتهم أيضاً.

ابحث عن الأماكن التي يؤدي فيها تصميم العمل إلى معظم الصعوبات

تتمثل إحدى طرائق العثور على الأماكن التي تكون فيها تكلفة التنقل مرتفعة في البحث عن الفرق التي تعمل مع تطبيقات متعددة. وسيؤدي الاستثمار في تحسين تصميم العمل بالنسبة لمثل هذه الفرق وتقليل “بصمة التطبيق” (Application footprint) إلى تبسيط تجربة عملهم.

إعادة توزيع أعباء العمل

يُعد الموظفون المكلفون بمهام تتطلب التنقل باستمرار بين التطبيقات أكثر عرضة للشعور بالملل والتشتت، وبالتالي هناك احتمال ألا يظل هؤلاء الموظفون في الشركة أو قد يصبحون غير مبالين بمهامهم، فلا أحد يرغب في الواقع بوظيفة يقضي فيها معظم وقته في التنقل مراراً وتكراراً بين تطبيقات مختلفة. لتجنب ذلك، ضع في اعتبارك موازنة الأعباء لمثل هذا النمط من العمل بين جميع أعضاء الفريق.

ما الذي يمكن للقادة فعله؟

يتمتع أصحاب المناصب التنفيذية العليا بسلطة أكبر لإجراء التغييرات، ومن الضروري أن يدركوا أنه لم يعد بإمكانهم عند تصميم العمل والأنظمة بالاعتماد على عينة تقتصر على سمات شخصية محدودة جداً تمثيل مجموعة كبيرة من الموظفين. بدلاً من ذلك، يجب الحرص على تخصيص تصميم التطبيقات الحديثة بحيث تلائم جميع المستخدمين في المؤسسة وليس فقط عدداً قليلاً من المستخدمين المتميزين (كما هو الحال اليوم). وعلى وجه التحديد:

ترشيد تكلفة إدخال تطبيقات جديدة إلى مكان العمل

يجب إشراك المستخدمين النهائيين الحقيقيين في كل مرحلة من مراحل تطوير البرمجيات بدلاً من الاعتماد فقط على عدد قليل من المستخدمين المتميزين. على سبيل المثال، عندما استبدلت إحدى سلاسل صيدليات البيع بالتجزئة المدرجة في قائمة “فورتشن 500” بنظامها الحاسوبي المركزي القديم المخصص للحصول على الموافقة على صرف الوصفات المشمولة بالتأمين نظاماً جديداً قائماً على الويب، فضّل معظم الصيادلة استخدام واجهة البرنامج القديمة وسرعة استجابته على الرغم من أن واجهة النظام القائم على الويب كانت أكثر وضوحاً وسلاسة. كانت السرعة والموثوقية أكثر أهمية بالنسبة لهم.

التركيز على احتياجات المستخدم وتجربته

يجب تصميم التطبيقات المثالية كي تعمل بسلاسة وتشجع المستخدم على التركيز وتقلل من تكلفة التنقل والتشتيت الرقمي إلى الحد الأدنى. ولتحقيق هذه الغاية، يجب تكليف فرق التركيز على المستخدم (UC) وتجربة المستخدم (UX) لقيادة عملية تصميم العمليات والأنظمة الجديدة وإشراك العديد من المستخدمين من مختلف المستويات، وليس قلة مختارة فقط، في عملية التصميم.

استثمر في بناء مخططات العمل وتحديثها باستمرار

تنفق شركات العلامات التجارية الاستهلاكية ملايين الدولارات في التخطيط لرحلات المستهلك الطويلة والرسومات البيانية للمستهلكين مستخدمة الملايين من نقاط البيانات المحددة حول كيفية تصرف المستهلكين وتفاعلهم عبر القنوات والتطبيقات والبيئات المادية. ثم تنفق مئات الملايين من الدولارات في نشر الرسائل والتفاعلات المناسبة للدفع نحو إنشاء تجربة تسوق سلسة.

يمكن للقادة تعلم فعل الشيء نفسه مع موظفيهم باعتبارهم أصول المؤسسة الأكثر إنتاجية، فلكل موظف ملايين نقاط الاتصال ويستحق نفس التخصيص والاهتمام. تحتاج جميع الشركات بشدة إلى إنشاء مخططات رحلة الموظف الطويلة -مخططات العمل تحديداً- التي تمنح القادة رؤى ثاقبة فريدة وتمكنهم من حل مشكلات ظروف العمل الرقمية. على سبيل المثال، لم تكن عمليات الموافقة على دمج أوامر الشراء عبر بريد أوتلوك الإلكتروني مدمجة في الإصدار الأول لمعظم برامج المشتريات الداخلية، ولكنها أصبحت الآن ميزة قياسية فيها. بشكلٍ مثالي، يجب إجراء تحسينات أسبوعية أو شهرية، ومن شأن مخططات العمل تمكين اكتشاف المشكلات وحلها بشكل أسرع.

لقد قال مؤسس شركة إنفوسيس، نارايانا مورثي، ذات مرة: “تغادر أصولنا العمل في نهاية كل يوم، وعلينا الحرص على عودتهم في صباح اليوم التالي”.

في عصر معدلات الاستبقاء المنخفضة جداً، من الضروري للقادة إعطاء الأولوية لتحسين تجربة الموظف بقدر ما يهتمون بالنمو وتجربة العملاء والأرباح. تظهر تكلفة التنقل الحاجة إلى المشاركة الوجدانية في كيفية تجربة الموظفين لعملهم، ومن خلال هذه المشاركة الوجدانية المدعومة بمخططات العمل، يمكن زيادة احتمالية عودة أصولنا القيمة إلى العمل في اليوم التالي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .