بفضل السيرة الذاتية، أول ما يعرفه صاحب العمل عن المتقدمين للوظيفة هي أسماؤهم وأين يعيشون. السيرة الذاتية تربط الشخص بمكان ويعرف من خلالها أصحاب العمل بصورة غير مباشرة، ما هو المحيط الذي يعيش فيه المتقدم والمواصلات التي سيحتاجها ومستوى الدخل والمرافق ووسائل الراحة والترفيه في الحي. هذا الجزء من المعلومات ربما يؤثر على اختيار أصحاب العمل. فهل يمكن أن يؤدي إدراك هذه المعلومات عن المكان إلى استمرار التحيز وعدم الإنصاف؟
في دراسة ستُنشر قريباً، اختبرت كيف يستجيب أصحاب العمل لمقدمي طلبات متشابهين يذكرون عناوين سكنية مختلفة. كنت مهتماً بصورة خاصة بمعرفة ما إذا كان التصور المسبق عن مكان ما يمكن أن يديم الفقر وعدم المساواة. لذلك، اخترت مع فريقي من الباحثين المساعدين مجموعة من الوظائف ذات الأجور المتدنية في ولاية واشنطن خلال صيف العام 2014، وأرسلنا 2,260 سيرة ذاتية لأشخاص خياليين للتقدم إلى هذه الوظائف. اختلف المتقدمون في مدى قربهم من موقع العمل ومستوى الحي الذي يعيشون فيه. لم يتلقَ 4 من كل 5 من المتقدمين أي رد، ورُفض عدد قليل منهم، وحصل حوالي 1 من كل 5 على رد إيجابي، مثل الدعوة لإجراء مقابلة.
تظهر نتائجي أنّ المتقدمين الذين يعيشون في أحياء بعيدة تلقوا من أصحاب العمل ردوداً إيجابية بنسبة أقل من أولئك الذين يعيشون بالقرب من مكان العمل. في الواقع، تلقى المتقدمون المقيمون على مسافة خمسة إلى ستة أميال من مكان العمل ردوداً أقل بنسبة الثلث تقريباً. إنّ مقدار الغبن الناجم عن ذلك يشبه الغبن الواقع على الشخص لدى معرفة لونه أو انتمائه القومي من خلاله اسمه). وللحصول على معلومات حول خلفية الموضوع: هناك دراسات بارزة أخرى تقارن ردود أصحاب العمل على المتقدمين الخياليين الذين تشير أسماؤهم إلى انتمائهم العرقي أو القومي. فهي توفر بعض أوضح الأدلة على التمييز الكبير الواقع في التوظيف وتأجير المساكن. ومقارنة التمييز العنصري بالغرامة أو العقوبة جراء السكن البعيد عن العمل أمر معقد لأسباب عديدة ليس أقلها أنّ العرق ومكان السكن مترابطان في واشنطن. لكن المقارنة توفر على الأقل معياراً. ففي دراستي، تقلل ستة أميال إضافية من المواصلات فرص مقدم الطلب بقدر ما يفعل إدراج اسم يشير إلى أنّ صاحبه أميركي أسود مثل جمال أو لاكيشا).
يُعد منطقياً من وجهة نظر صاحب العمل استبعاد المتقدمين الذين يحتاجون لقضاء وقت طويل في المواصلات. إذ يرتفع معدل ترك العمل والتغيّب في الوظائف ذات الأجور المنخفضة، وهو ما يمكن أن يتفاقم عندما يكون أمام الموظف رحلة طويلة يجتازها. قبل فترة قصيرة وخلال برنامج إذاعي ناقش بحثي، اتصل مدير توظيف سابق في الضواحي ليعبر عن هذا الشعور: "واجهتنا صعوبات للعثور على متقدمين للوظائف متدنية الأجر لأن المتقدمين كانوا يعيشون في المدينة. لقد وجدنا أنه ليس بوسعنا الاحتفاظ بهؤلاء الموظفين لفترة طويلة بسبب طول مدة المواصلات، لذلك، عند اختيار الموظفين، كنا نأخذ في الاعتبار مكان إقامتهم". ربما تكون وسائل النقل أكثر أهمية بالنسبة لصغار الموظفين الأقل قدرة على استخدام وسائل نقل مستقرة من نظرائهم أصحاب الأجور المرتفعة.
بطبيعة الحال، يختلف المتقدمون للعمل الحقيقيون من الأحياء البعيدة والقريبة في نواح أخرى غير مجرد تنقلاتهم. في واشنطن، تعتبر الأحياء البعيدة عن أماكن العمل هي الأحياء الأكثر فقراً، ويواجه المتقدمون للوظائف من تلك الأحياء عقبات بسبب العرق والمستوى الاجتماعي وما إلى ذلك. أردت أن أفهم ما إذا كان أصحاب العمل يهتمون بمكان السكن بسبب المسافة أم بسبب هذه العوامل الأخرى. اتضح أنّ أرباب العمل يهتمون أكثر بمسافة التنقل. عندما عرضت على أصحاب العمل اثنين من المتقدمين من حيين متشابهين في مستوى الثراء ولكن على مسافات مختلفة، فضلوا مقدم الطلب القريب. كما قمت بتغيير كل ما يتعلق باسم الشخص الخيالي، وتاريخه المهني ومستوى التعليم وما إلى ذلك، بحيث يبدو المتقدمون من أحياء مختلفة متشابهين في المتوسط. عندما تساوت العوامل الأخرى، كانت المسافة هي الأهم.
ومع ذلك، حتى وإن لم يكن التحيز هو الدافع وراء تغريم المتقدم جراء المسافة الطويلة، فإنّ اختيار الموظفين بناء على المسافة التي تبعدهم عن العمل قد يؤدي إلى انعدام المساواة الاجتماعية. تُظهر البيانات الإحصائية في العاصمة الأميركية أنّ الشخص الأسود يعيش، في المتوسط، أبعد بميل واحد عن الوظائف ذات الأجور المنخفضة من الشخص الأبيض. وفي العديد من المدن، أدى التجديد الحضري أيضاً إلى زيادة الإيجارات والتطوير والتحسين الذي تسبب بانتقال الأقليات ذات الدخل المحدود بعيداً عن الوظائف. لذلك، عندما يتجنب صاحب الوظائف متدنية الأجر الموظف بسبب المواصلات، تؤثر هذه العقوبة بشكل غير متناسب على المجموعات السكانية التي تعاني من مظاهر سلبية أخرى. قد ينتقل أي شخص إلى حي بعيد حيث الإيجار منخفض لأنه يواجه صعوبات اقتصادية مؤقتة، ومن ثم يصبح أسير عنوانه. لا يحتاج الأمر لأن يكون التحيز صريحاً لتعزيز عدم الإنصاف.
إذاً، كيف يمكن لأصحاب العمل أن يحلوا معضلة اختيار قوة عاملة يمكن الاعتماد عليها وتعميق عدم المساواة العرقية والفقر في الأحياء؟ تتمثل الخطوة الأولى ببساطة في إدراك تأثير ممارسات محايدة في الظاهر على مستوى الظلم. يمكن أن تتسبب شركة تعاين عنوان سكن المرشح بعدم الإنصاف حتى وإن لم يكن ذلك عن طريق استبعاد مجتمعات بأكملها. وبالمثل، قد يتسبب تغيير جداول العمل باستمرار في تعطيل ترتيبات الانتقال الهشة للعمال المعروفين بالتزامهم بالعمل.
ثانياً، يمكن أن يساعد تحسين مسافة انتقال الموظفين ونوعيتها وكلفتها على تحمل التكاليف. ربما تكون برامج النقل العام على مستوى المجتمع ككل، مثل البرامج الحديثة منخفضة التكلفة، خارج نطاق اهتمام الشركات الخاصة. مع ذلك، تعمل بعض الشركات التي تدفع أجوراً مرتفعة بهمة لتسهيل انتقال موظفيها. تقدم العديد من شركات التكنولوجيا خدمة حافلات مخصصة إلى مقرها الرئيسي في وادي السيليكون. هذه الشركات ترى بوضوح أنّ فوائد هذه الخدمات لجهة إنتاجية الموظفين والاحتفاظ بهم تفوق التكلفة الكبيرة لتشغيل نظام الحافلات. فهل هناك برامج مماثلة يمكن تطويرها للعمال الأقل أجراً؟ لدى توفر الظروف المناسبة، يمكن أن يساعد توفير خدمات نقل للموظفين الشركة وفي الوقت نفسه يحقق فوائد للمجتمعات التي يعيشون فيها.
أخيراً، لدى مجموعة أوسع من أصحاب العمل، يمكن للشراكات مع الحكومة المحلية أو مقدمي الخدمات الاجتماعية أن تحقق الأهداف المشتركة للربحية والصالح العام. بعض هذا يحدث بالفعل. تعمل الحكومات المحلية وأصحاب العمل في الأماكن الأقل كثافة بالسكان، بما في ذلك في مدينتي في إنديانا، معاً لتوفير ترتيبات غير متوقعة لتأمين نقل العاملين ذوي الأجور المتدنية باستخدام خدمات الركوب المشترك. واستعانت شركات أخرى بمنظمات الخدمات الاجتماعية لتقديم خدمات في الحي تساعد الموظفين على التغلب على عدم الاستقرار في حياتهم، بما في ذلك ما يتعلق بوسائل النقل، وهي كلها مشكلات من شأنها أن تدفع باتجاه ترك العمل. وفي حين هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لضمان فعالية هذه الخيارات من حيث التكلفة، يمكن أن تساعد الشراكات المبدعة في التغلب على الضغوط التي يواجهها صاحب العمل من أجل توظيف موظفين يمكن أن يصلوا إلى العمل في الوقت المناسب من دون تعزيز الظلم الاجتماعي.