ملخص: يشتكي الكثير من المدراء من أن عملية صياغة الاستراتيجية غالباً ما تنحصر في وضع خطة عمل تشغيلية تشبه سابقتها. ولمنع حدوث ذلك، يجب أن يتذكر المدراء أن الاستراتيجية تتمحور حول بناء نظام يتفاعل من خلاله أصحاب المصلحة في شركة ما لخلق ميزة مستدامة لتلك الشركة. والتخطيط الاستراتيجي هو الطريقة التي تصمم بها الشركة هذا النظام، وهو يختلف تماماً عن خطة العمل التشغيلية في أنه لا يكون أبداً قائمة مهمات ثابتة بل يتطور باستمرار بينما يكتسب صائغو الاستراتيجيات المزيد من الرؤى حول الكيفية التي يمكن بها لنظام أصحاب المصلحة تحقيق قيمة.
ولكن لا يلزم أن ينحصر التخطيط الاستراتيجي في وضع خطة عمل، ولا ينبغي أن يحدث ذلك. والسبيل إلى جعل التخطيط الاستراتيجي ممارسة استراتيجية هو أن تضع في اعتبارك بوضوح ما يُعد استراتيجياً وما هو ليس كذلك. لتوضيح هذه النصيحة، سنتناول الغاية من الاستراتيجية وسنضع بعض القواعد الأساسية لتحقيق هذه الغاية.
ما الغاية من التخطيط الاستراتيجي؟
تتعلق الاستراتيجية بتحديد مكانة المؤسسة، سواء كانت شركة أو حكومة أو كياناً غير ربحي، مقارنة بمنافسيها. وقبل أن تعترض، دعني أوضح هذه النقطة: لجميع المؤسسات منافسون يريدون الحصول على العملاء والموظفين والأموال والموارد.
نرى تأثير ذلك في الطريقة التي تحدد بها مرسيدس بنز مكانتها للعملاء في مواجهة منافسيها مثل فورد وبي إم دبليو وجنرال موتورز. فهي تقوم بذلك على أساس العوامل الاستراتيجية ذات الصلة بخيارات العميل مثل مجموعة المنتجات وتصميمها وأسعارها وخدمة العملاء والعلامة التجارية، وما إلى ذلك.
لكن المؤسسات أيضاً تضع نفسها في مكانة تؤهلها لجذب أصحاب المصلحة الرئيسيين مثل الموظفين أو الموردين. تشتهر جوجل، على سبيل المثال، بأنها تنتقي موظفيها بحرص شديد. والعوامل الاستراتيجية ذات الصلة بجذب أفضل الموظفين هي الأجور واحتمالات الحصول على ترقيات وظروف العمل والثقافة المؤسسية وما شابه.
قد تعتقد أن الهيئات الحكومية أو المؤسسات غير الحكومية ليس لديها منافسون، بل على العكس؛ إذ تتنافس الهيئات الحكومية مع جميع الهيئات والوكالات الأخرى للحصول على تمويل، بينما تتدافع المؤسسات غير الحكومية للحصول على إعانات. كما أنها تتنافس على الموظفين مع الهيئات الحكومية الأخرى والمؤسسات غير الحكومية، وتتنافس على الإمدادات مع جميع المؤسسات الأخرى تقريباً. وتتنافس على الإمدادات والموارد الأساسية مع المؤسسات الأخرى التي لديها الاحتياجات نفسها (من النقل إلى البرمجيات)، وإن كانت في كثير من الأحيان تتنافس على خدمات مختلفة.
من المهم التعمق في العلاقات مع أصحاب المصلحة، ولكنه ليس سوى جزء واحد فقط من التخطيط الاستراتيجي الذي يتعلق أيضاً برسم خرائط للعلاقات بين أصحاب المصلحة. على سبيل المثال، التعامل بشكل جيد مع الموظفين لا يمنحك قدرة تنافسية في جذب أفضل الموظفين فحسب، بل يجذب العملاء أيضاً نتيجة لتحسُّن أداء الموظفين.
وهذا ينقلنا إلى تعريفي للتخطيط الاستراتيجي: تصميم نظام يتفاعل فيه مختلف أصحاب المصلحة الرئيسيين في مؤسسة ما لبناء حلقة إيجابية تكون بدورها مصدراً لميزة تنافسية مستدامة. إذا فعلت ذلك بشكل صحيح فستتمكن من تتبع نجاح مؤسستك بسرعة.
التخطيط لخلق ميزة
فيما يلي بعض المؤشرات لمساعدتك على جعل جلسة التخطيط الاستراتيجي التالية "استراتيجية" حقاً.
1. ميِّز بين الخطط التشغيلية والاستراتيجية
الحجة القائلة إن الخطط الاستراتيجية ليست بالضرورة "استراتيجية" هي حجة ضعيفة. إذ يخلط المنتقدون بين الخطط الاستراتيجية والخطط التشغيلية، ثم يوضحون كيف أن الخطط الاستراتيجية ليست استراتيجية. الخطط التشغيلية ليست استراتيجية، فالتركيز الأساسي للخطة الاستراتيجية هو القدرة التنافسية، وتُصمَّم للاستجابة للتغيير والفرص المستقبلية بطريقة تساعد على إيجاد ميزة. أما الخطة التشغيلية فهي تركز بشكل أساسي على الكفاءة، وتُصمَّم لبدء تنفيذ الاستراتيجية عبر برامج الأقسام الداخلية التي تضعها أقسام الموارد البشرية وتكنولوجيا المعلومات والتسويق والتصنيع، على سبيل المثال.
لنأخذ تويوتا مثالاً على ذلك. تحدد تويوتا وضعاً استراتيجياً على المستوى المؤسسي يتحقق من خلال إضافة السيارات الكهربائية إلى مجموعة منتجاتها. ثم يتم تنفيذ ذلك من خلال خطة إنتاج يتم تعميمها في مصانعها. وبذلك فإن الخطة الأولى استراتيجية والثانية تشغيلية.
2. لا تعتقد أن خطتك الاستراتيجية ثابتة
قليل من الخطط فقط هي التي تُنفَّذ كما وُضعت بالضبط. قد يكون من المنطقي قول ذلك بعد الجائحة عندما تعيَّن على كل مؤسسة على وجه الأرض إجراء تغييرات للنجاة. لكن يبدو أن منتقدي التخطيط الاستراتيجي يعتقدون أن المخططين الاستراتيجيين يفترضون دائماً أن العالم لا يزال كما هو، وبالتالي فإن مصيرهم الفشل في عالم يتغير باستمرار.
لا تنسَ أن أصل كلمة "الاستراتيجية" يعود إلى الكلمة اليونانية "Strategos" التي تعني قائداً لجيش. ولا يتوقع القادة العسكريون أن خطتهم للهجوم ستظل ثابتة بعد الاشتباك مع العدو، ولا ينبغي لهم توقُّع ذلك.
3. احرص على اكتساب بصيرة
وهذا هو التحول الأصعب على الإطلاق. غالباً ما كنت أخرج من جلسات التخطيط الاستراتيجي وأنا أشعر أننا لم ننجح. ولا يعني ذلك أن العملاء لم يكونوا سعداء، فقد كانوا كذلك. كنت أشعر أن هناك شيئاً لم نستفِد منه. وقد أدركت أن شعوري بخيبة الأمل يرجع إلى انعدام البصيرة، فماذا أعني بذلك؟
إنها لحظة الاكتشاف التي تمرُّ بها عندما ترى شيئاً ما بعيون جديدة. إذا مررت بهذه اللحظة في أثناء التخطيط الاستراتيجي، فاعلم أنك ستتقدم على منافسيك إذا تصرفت بناءً عليها.
يمكن أن تأخذ البصيرة عدة أشكال: فربما عرفت أخيراً الشريحة السوقية الأكثر ربحية لاستهدافها، أو المنتج الجديد الذي سيلبي احتياجات العملاء على نحو أفضل، أو ربما فهمت ما يريده جيل الموظفين الجديد من الشركة الحديثة ليكونوا أكثر حماساً.
لذا، في معتكف التخطيط الاستراتيجي التالي، أقترح أن تبذل كل ما بوسعك إلى أن تقول "وجدتها". إذ يجب أن تعثر على هذا الفارق الذي يُعد مهماً لأصحاب المصلحة الرئيسيين، سواء كانوا العملاء أو الموظفين أو الموردين. فهذه البصيرة ستميزك عن الآخرين، وتهيئك لتحقيق نجاح حقيقي. وقد يستغرق اكتسابها بعض الوقت، لكنها تستحق الجهد المبذول.
تنطوي الاستراتيجية على خطة، سواء أكانت مكتوبة أم لا، لخلق ميزة. أو بعبارة أخرى، الاستراتيجية هي خطة لتحقيق قيمة لأصحاب المصلحة الرئيسيين تخلق بدورها ميزة تنافسية. يمكن كتابتها أو تنظيمها في رأسك، وفي كلتا الحالتين، ينبغي ألا يقمع التخطيط قدرتك على وضع استراتيجية واضحة.