تجتاح العالم موجة من التسريح، مع تفاوت في شدتها بين الدول. وإذا كنت أحد الأشخاص الذين تعرضوا للتسريح، فتنفس بعمق؛ نعم تنفس، صدقني، فقد اختبرت هذا الشعور بنفسي. وما زلت أذكر حالة الذعر التي انتابتني عندما فُصلت من عملي وأنا في السادسة والعشرين من عمري. “كيف سأدفع إيجار المنزل؟” كان ذلك أول ما تبادر إلى ذهني. وكنت غير متزوج آنذاك، وتخيلت شعور الأشخاص الذين يُسرّحون من أعمالهم ولديهم أسر يعيلونها.

ومع ذلك، أهم ما عليك تجنّبه عندما تُسرَّح من عملك هو إرسال سيرتك الذاتية إلى العشرات من الشركات على أمل أن تتواصل إحدى وكالات التوظيف معك، وهذه ليست باستراتيجية جيدة لتحقيق لنجاح. بل ما يحقق النجاح بالفعل هو أن تمضي ما لا يقل عن 24 ساعة لتقبّل هذا التغيير الصادم في وضعك الوظيفي، وأن تتّبع هذه الخطوات الخمس قبل تحديث سيرتك الذاتية أو قبل بدء البحث عن عمل:

احرص على تعديل عقليتك

لا يعني تسريحك من العمل افتقارك إلى المهارات، بل يعني افتقار شركتك السابقة إلى التخطيط السليم واصطدامها باقتصاد مضطرب أو إجرائها تغييرات على استراتيجية الأعمال. فأنت تمتلك قدرات بالفعل، وأنت شخص ذكي، ويمكنك العثور على وظيفة جديدة أو تغيير مهنتك.

وإذا كنت في حالة نفسية سلبية، فمارس أي هواية ترفع معنوياتك وتعزز حالتك العاطفية والنفسية، سواء كانت اليوغا أو التأمل أو الطهي أو الرسم أو حتى الاستماع إلى موسيقى هادئة أو مدونة صوتية (بودكاست). ومن المهم بالفعل أن تخصص وقتاً للتركيز على نفسك ورفاهتك العامة وصحتك النفسية أولاً لكي تكون مركزاً وهادئاً عندما تبدأ رحلة البحث عن عمل.

وإذا كان عقلك محاصراً في دوامة من الحديث الذاتي السلبي، ففكر في التحدث إلى المدراء السابقين في الوظائف التي حقّقت فيها نجاحاً كبيراً، أو قراءة كتاب مُلهم مثل “أسكت صوتك الداخلي!” (Fire Your Narrator!) لفاليري غوردون. باختصار، عليك التحلّي بعقلية إيجابية عند بدء البحث عن عمل لئلا يلاحظ وكلاء التوظيف ومدراء التوظيف حالتك السلبية، ما يؤثر سلباً في ترشحك.

دوّن إنجازاتك

جهّز قائمة بالإنجازات باستخدام أساليب التفكير مثل “كارل” (CARL) (السياق، الإجراء، النتيجة، العبرة) أو “ستار” (STAR) (الموقف، المهمة، الإجراء، النتيجة). يساعدك تدوين إنجازاتك في تحديد مهاراتك وقدراتك الحالية ويسلّط الضوء على نجاحاتك، ما يُعينك على تهدئة سيل الأفكار في عقلك حول عملية البحث عن عمل.

كما أنه يساعدك في التحضير لأسئلة المقابلة السلوكية حول إنجازاتك، على سبيل المثال، “أخبرني عن مهمة أديتها بشأن تحسين عملية غير فعالة”. تكمن الفكرة في تأطير إنجازاتك بحيث تركّز على مهارات حل المشكلات، أو تحقيق هدف ما، أو ترتيب الأولويات تحت الضغط، أو المواءمة بين أصحاب المصالح المتعددي التخصصات، أو تحويل الفشل إلى فوز، أو إكمال مشروع معقد، أو التغلب على عقبة ما. وإذا جهّزت تلك القصص والإنجازات بالفعل، فستكون قادراً حينها على الإجابة عن أي سؤال سلوكي يُطرح عليك.

حدد هدفك

هل تريد العمل في شركة صغيرة أو كبيرة؟ هل ترغب في مواصلة العمل في المنصب نفسه أو الانتقال إلى مجال عمل مختلف؟ هل ترغب في البقاء في الموقع نفسه، أم أنك تفكر في الانتقال إلى مدينة أو ولاية أو دولة أخرى لتشغل المنصب المناسب؟

حدد أهدافك واحتياجاتك بدقة في خطوتك التالية، فتلك هي قيمك، وستضمن عند تحديدها وفهمها بوضوح أن تكون كل وظيفة محتملة متوافقة معها. على سبيل المثال، إذا كان العمل مع كبار القادة في مؤسسة ما أمراً مهماً بالنسبة لك ولن تحظى بهذه الفرصة إذا شغلت منصباً معيناً، فلا تُعتبر الوظيفة متوافقة مع قيمك. وبالإضافة إلى ذلك، قد يساعدك تخصيص الوقت الكافي لضمان توافق المنصب مع قيمك على الشعور بالرضا في منصبك التالي.

قد تقول في قرارة نفسك: “لقد فُصلت من العمل ولا يمكنني التطلّب أو الاختيار”، لكن تحديد قيمك لا يعني تحديد رغباتك، بل يعني تحديد أهدافك التي تساعدك على النجاح في الوظيفة. فإذا كان ما يهمك هو الحصول على راتب والعمل من الساعة التاسعة إلى الخامسة، فيمكن لأي وظيفة حينئذ تحقيق تلك الغاية. لكني لاحظت أن جميع الموظفين الذين قدّمت لهم المشورة خلال هذه العملية يحددون قيماً مثل “أرغب في إحداث تأثير”، أو “أحتاج إلى الشعور بالتقدير”، أو “أرغب في العمل لدى مدير يمكنني التعلم منه”، أو “أرغب في العمل في شركة موجهة بالمهام لكي أشعر أنني أقدّم إسهامات للعالم”. باختصار، يمكنك شغل وظيفة لا تفي بقيمك، لكنك ستشعر بالانفصال والإحباط حينها، وهو ما قد يؤثر سلباً على نجاحك بشكل عام.

ضع جدول مواعيد للبحث عن عمل

إن البحث عن وظيفة هو عمل بدوام كامل بالفعل. لكن التحديق في جهاز الكمبيوتر أو الهاتف في انتظار أن تتواصل معك إحدى وكالات التوظيف قد يجعلك تشعر بالتوتر حيال عملية البحث عن عمل أو تشعر بالذنب لاعتقادك أنك لا تبذل جهداً كافياً،

في حين أن إعداد جدول مواعيد أسبوعي أو يومي سيضمن لك البقاء على المسار الصحيح. حدد الوقت الذي تنوي فيه التواصل وعدد الأشخاص الذين تنوي التواصل معهم، والأيام التي ستبحث فيها عن وظائف مستدامة، وعدد المرات التي ستعيد فيها صياغة سيرتك الذاتية للتقدم إلى الوظائف التي تثير اهتمامك، والمرات التي ستتمرن فيها على الإجابة عن أسئلة المقابلة المحتملة. بمعنى آخر، يساعدك إعداد جدول مواعيد وتحديد النية والهدف بشكل يومي على الشعور بالإنجاز، بمعنى أنك تتقدّم خطوة في هذا المسعى، حتى لو لم تحصل على رد فوري.

ابحث عن وظائف تثير اهتمامك، لكن لا تتقدم لها على الفور

راجع لوحات إعلانات العمل (لينكد إن، بيت.كوم، مونستر، وغيرها) وأجرِ بحثاً على قيم محددة على جوجل (على سبيل المثال، محلل + وظائف). واطّلع أيضاً على مواقع الجمعيات المهنية التي تنشر وظائف.

ثم اطبع أوصاف الوظائف التي تثير اهتمامك وحدد الكلمات الرئيسية فيها قبل تحديث سيرتك الذاتية، فالكلمات الرئيسية ضرورية لتقارن خبراتك مع الوصف الوظيفي ولتضمن أن تعرف وكالات التوظيف ومدراء التوظيف أنك تمتلك المهارات اللازمة للمنصب الشاغر.

على سبيل المثال، راجع الكلمات الرئيسية المكتوبة بخط مائل في هذا الوصف الوظيفي لوظيفة محلل:

  • قادر على توفير القيادة الفنية والتوجيه لأعضاء الفريق بهدف تحقيق أهداف وغايات إعداد التقارير والتحليلات المحوسبة.
  • يطبّق المعرفة التقنية لضمان استخدام أفضل الممارسات في مركز التحليلات المحوسبة.
  • يتعاون مع قائد التحليلات المحوسبة على موارد المشروع/الفريق والمهارات المطلوبة لتحقيق أهداف وحدة العمل.
  • قادر على تنسيق عملية إدارة المشروع وقيادة فِرَق متعددة تحتاج إلى رؤى تحليلية ثاقبة.
  • قادر على التواصل مع أصحاب المصالح والقادة وشرح القضايا الفنية بمصطلحات غير فنية.
  • يفهم إجراءات العمل التي يتبناها النظام.

اطّلع على الكلمات الرئيسية وراقب أي أنماط مشتركة فيها. هل ترى الكلمات الرئيسية نفسها في كل وصف وظيفي للوظائف التي تثير اهتمامك؟ هل هناك موضوعات متشابهة؟

إذا كانت سيرتك الذاتية تفتقد إلى كلمات رئيسية لوظيفة ما، فلن تدخل قائمة المرشحين لعدم امتلاكك خبرة كافية أو نوعاً معيناً من الخبرات. وإذا كنت تتقدم لوظائف مماثلة لها كلمات رئيسية مشتركة، فيمكنك إعداد نسخة واحدة فقط من سيرتك الذاتية. لكن تجنّب تضمين كلمات رئيسية من أنواع متعددة وغير مترابطة من الوظائف، بل عليك إعداد إصدارات متعددة من سيرتك الذاتية لكيلا تبدو أنها غير مترابطة حينها. باختصار، يساعدك البحث عن الكلمات الرئيسية في صياغة كل سيرة ذاتية من عدسة منصب معين.

والأهم من ذلك، خذ وقتك، ولا تتعجل في التقدّم لوظيفة “مثالية” بسيرة ذاتية غير جاهزة تماماً. كما أن نهجك وسلوكك عند إجراء المقابلات والتعارف لا يقل أهمية عن سيرتك الذاتية وملفك التعريفي على منصة لينكد إن. لذلك، بعد التسريح من العمل، استعد لرحلة تمكّنك من العثور على وظيفة أحلامك وتعزز ثقتك بقيمتك.