ملخص: من المعروف أن المشاركة في أنشطة اجتماعية قد تساعد الموظفين على تطوير مساراتهم المهنية، كالتعارف ومخاطبة الجمهور. وتشير البحوث أيضاً إلى أن الأشخاص الانطوائيين بفطرتهم قد يشعرون بالحماس وبتحسن في معنوياتهم عند مشاركتهم فيها. لكنها تشير أيضاً إلى أن تصرّفهم كأشخاص منفتحين قد يخلّف آثاراً نفسية كبيرة عليهم على المدى الطويل، ما يؤدي إلى انخفاض مستويات طاقاتهم وتقليل الفوائد الشخصية والمهنية. وعلى هذا النحو، يناقش المؤلفون مسألة ضرورة أن يقيّم الأشخاص الانطوائيون بفطرتهم فوائد التصرّف كأشخاص منفتحين، وأن يمنحوا أنفسهم فرصة شحن طاقاتهم إذا قرروا المشاركة في أي نشاط اجتماعي.
إن تصميم أماكن العمل الحديثة موجّه للأشخاص المنفتحين. ويحصل المنفتحون بالفعل على رواتب أعلى وترقيات أسرع وتقييمات إيجابية من قبل زملائهم ومدرائهم. وليس من المستغرب بالتالي أن يُعرب كثير من الموظفين عن رغبتهم في أن يصبحوا أشخاصاً مُنفتحين، وأن يُنصح الموظفون الذين يتطلعون إلى تحسين مساراتهم المهنية بالمشاركة في أنشطة اجتماعية، كالتعارف ومخاطبة الجمهور. وإذا لم تكن شخصاً منفتحاً بطبيعتك، فهل يؤتي التصرّف كشخص منفتح ثماره حقاً؟
أظهرت البحوث أن تصرّف الموظفين كأشخاص مُنفتحين قد يعزز معنوياتهم ويثير حماسهم، بمن فيهم الأشخاص الانطوائيون بطبيعتهم. على سبيل المثال، تم فرز المشاركين في إحدى الدراسات التطبيقية للمشاركة في أنشطة اجتماعية أو منعزلة بشكل عشوائي، ووجد الباحثون أن المشاركين في المجموعة المنفتحة أبلغوا عن مستويات أعلى من السعادة بعد التجربة فوراً. وأكّد بحثنا وجود تأثيرات مماثلة في بيئة العمل الواقعية؛ فعندما تصرف الموظفون كأشخاص منفتحين على غير طبيعتهم، شعروا أنهم أكثر سعادة ونشاطاً ولاحظوا وجود تحسّن في معنوياتهم.
ومع ذلك، أظهر كل من بحثنا وبحوث الآخرين أن التصرف بطريقة مغايرة للشخصية قد يستنزف طاقة الموظف على المدى الطويل. وعلى وجه الخصوص، وجدت إحدى الدراسات أنه عندما تصرف الموظفون الانطوائيون كأشخاص مُنفتحين، شعروا بتحسن في حالاتهم المزاجية ومستويات طاقاتهم على المدى القصير، لكن بما أن تلك السلوكيات لم تكن متوافقة مع شخصياتهم وتفضيلاتهم الطبيعية، انخفضت مستويات طاقاتهم بشكل كبير بعد ساعة واحدة فقط من الواقعة، ما أعاق في النهاية قدرتهم على الاستفادة من تلك الأنشطة. وتشير تلك النتائج إلى وجود تأثيرات نفسية كبيرة مرتبطة بتصرف الموظفين كأشخاص مُنفتحين، وهي تأثيرات قد تفوق الفوائد على المدى الطويل أحياناً.
على سبيل المثال، قد تكون المشاركة في حدث تعارف فرصة لمقابلة أشخاص يمكنهم مساعدتك على التطور مهنياً وزيادة حماسك في العمل. لكن إذا كنت شخصاً انطوائياً، فقد تكون تلك الفعاليات مرهقة جداً لدرجة تشعر فيها بالتوتر وانعدام الكفاءة، ما يؤدي في النهاية إلى إلغاء أي فوائد محتملة قد تعود على حياتك المهنية أو شعورك بالرفاهة. ومن المؤكد أن يستفيد الأشخاص الانطوائيون بطبيعتهم من تبني سلوكيات الأشخاص المنفتحين أحياناً. لكن يؤكد البحث أهمية ممارسة تلك الأنشطة باعتدال، وأن يخصص الموظف لنفسه وقتاً كافياً ليعيد شحن طاقته عندما يختار التصرف كشخص مُنفتح على غير عادته.
كيف يمكن تحقيق التوازن الصحيح إذاً؟ يُعتبر التأمّل الذاتي الخطوة الأولى المهمة. تدبّر ماهية مشاعرك في المواقف الاجتماعية المختلفة، وراقب مقدار الوقت الذي تحتاج إليه للتعافي من الأنشطة الاجتماعية. وقد يكون أحد الأنشطة مجدداً لطاقة شخص ما ومعنوياته ومرهقاً لآخر، لذلك من الضروري أن تتّبع نهجاً مخصصاً وتجرّب خيارات مختلفة لتحدد ماهية الأنشطة الأكثر فعالية بالنسبة لك.
وبمجرد أن تحدد أثر السلوكيات المختلفة عليك، يمكنك تبنّي بعض التقنيات المدعومة بالبحوث التي تساعدك في الحفاظ على مستويات طاقتك الاجتماعية. قد تكون جدولة فترات الراحة بشكل استباقي طريقة جيدة لتضمن أن تخصص وقتاً كافياً لإعادة شحن طاقتك بعد فترة من الانبساط النفسي. على سبيل المثال، أفاد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أن تخصيص "وقت مستقل" يمضيه بمفرده ساعده على إعادة شحن طاقته باعتباره شخصاً انطوائياً تطلبت وظيفته أنشطة اجتماعية (ومستنزفة بالنسبة له) كإلقاء الخطب، والاجتماع بالقادة الآخرين، والمشاركة في المناقشات العامة. ويجد بعض الناس أيضاً أن ممارسات اليقظة الذهنية أو التأمل مفيدة، في حين يجد بعضهم الآخر أن كتابة اليوميات وسيلة فعالة لمعالجة الإعياء والتفكير في المواقف التي يشعرون أنها مستنزفة ولاكتساب رؤى ثاقبة حولها، وللتخفيف من حدة قلقهم وتوترهم.
والأهم من ذلك، لا تنتظر أن تستنفد طاقتك ثم تبدأ رحلة علاج "مخلفات الانبساط النفسي"، إذ لن تحل الحلول السريعة المشكلة، مثل قيلولة تجديد الطاقة أو الاعتماد غير الصحي على الكافيين، فهي حلول ستعزز في النهاية شعورك بالتوتر على المدى الطويل، بل حدد الاستراتيجيات التي تناسبك ومارسها في حياتك بشكل استباقي قبل أن ينال الإعياء منك. بمعنى آخر، حدد الأنشطة المستنزفة للطاقة والأخرى المجددة لها، ثم ابدأ التخطيط مسبقاً لتضمن الحفاظ على مستويات مستدامة من الطاقة في أثناء تحقيق أهدافك.
لا أحد ينكر الفوائد المهنية لتبنّي سلوكيات الأشخاص المنفتحين، إذ يتطلب العديد من عناصر حياتنا العملية قدراً معيناً من الانبساط النفسي للمضي قدماً، سواء كان ذلك من خلال إلقاء محاضرة في مؤتمر مهم، أو التحدث في حفل تعارف، أو حتى مجرد التحدث في اجتماع. ومع ذلك، يشير البحث إلى أن تصرّف الأشخاص الانطوائيين كأشخاص مُنفتحين قد يُسفر عن نتائج عكسية خطيرة، إذ قد تؤدي تلك السلوكيات إلى شعورهم بالاستنزاف والإعياء بدلاً من التحفيز والتعزيز. فقبل أن تستقل رحلة الانبساط النفسي، فكّر في ماهية الأنشطة الاجتماعية التي قد تحفزك، وتلك التي قد تُلحق فيك ضرراً أكثر من النفع. باختصار، تعلّم وضع الحدود، واستخدم طاقتك الاجتماعية بحكمة، وامنح نفسك وقتاً كافياً لتُعيد شحن طاقتك عند الحاجة.