ملخص: يتطلّب وضع غاية دائمة تميّز الشركة عن المنافسين وأصحاب العمل أن تمهّد فرق القيادة السبيل إلى تحقيقها. فوجود فريق تنفيذي فعّال ومتوائم وملتزم هو أمر أساسي لتشكيل غاية الشركة المؤثرة واستدامتها، فهو يمثّل إحدى آليات الحوكمة وهو المعني بتشكيل قصة المؤسسة خلاف أي فريق آخر. ومن الواضح أن النجاح في بيئة عمل ما بعد الجائحة هو حليف المؤسسات الهادفة التي أصبح استبقاء المواهب وزيادة الإنتاجية فيها من الأولويات التنفيذية العليا. وعلى القادة بالتالي إنشاء ثقافة قائمة على الثقة الراسخة يفهم الموظفون فيها غاية الشركة ويؤمنون بها ويشعرون بالأمان لاتخاذ الإجراءات التي يجدون أنها مناسبة لصالح المؤسسة، ليقود هذا المزيج من الوضوح والثقة إلى تعزيز الابتكار وتحقيق نمو استثنائي. ويقدم المؤلفون خمس استراتيجيات تساعد القادة على وضع غايات شركاتهم موضع التنفيذ.
شقّ مصطلح غاية الشركة طريقه إلى قاموس مفردات الإدارة لأسباب وجيهة كثيرة. فقد أثبتت الأدلة من مختلف القطاعات الصناعية أن المؤسسات الموجّهة بالغاية بصدق تتفوق على منافساتها غير الموجّهة بالغاية في عدد من المقاييس المهمة. على سبيل المثال، تتفوّق العلامات التجارية التي لديها التزام واضح بتحسين جودة حياة زبائنها على سوق الأسهم بنسبة 120%، كما شهدت العلامات التجارية الموجّهة بالغاية ارتفاعاً هائلاً في قيمتها بلغ نسبة 175% على مدى العقد المنصرم. ففي إحدى الدراسات التي شملت 28 شركة على مدى 17 عاماً، نمت الشركات الموجهة بالغاية بنسبة 1,681% مقارنة بمتوسط مؤشر ستاندرد آند بورز 500 البالغ نسبة 118% خلال الفترة ذاتها. والمثير للاهتمام أن 77% من المستهلكين يشعرون بارتباط أقوى مع الشركات الموجّهة بالغاية مقارنة بالشركات التقليدية، وأن 66% من المستهلكين قد يفضّلون شراء منتج من شركة موجّهة بالغاية ويتخلّون عن المنتج الذي اعتادوا شراءه.
من أين تبدأ رحلة هذا الأداء المُلهم إذاً؟ لا غرابة أنها تبدأ من القمة. فوجود فريق تنفيذي فعّال ومتوائم وملتزم هو أمر أساسي لتشكيل غاية الشركة المؤثرة واستدامتها، فهو يمثّل إحدى آليات الحوكمة وهو المعني بتشكيل قصة المؤسسة خلاف أي فريق آخر. وإليكم الأسباب.
تستخدم شركة كونتيكسز (Contexis)، وهي شركة استشارات بحثية حائزة على شهادة بي-كورب ومقرها لندن، مؤشر كونتيكسز لقياس غاية الشركة وتأثيرها بالشراكة مع جامعة كامبريدج. وبعد إجراء استقصاء على أكثر من 100,000 موظف في 26 دولة، كشفت البيانات عن العوامل الرئيسية التي تحدد مدى التزام موظفي المؤسسة بالغاية. وتشير مثل العوامل التالية إلى مدى التأثير الهادف الذي تخلقه الغاية على الأداء:
- الوضوح. هل يعرف الموظفون غاية الشركة؟
- التوافق. هل الإدارة ملتزمة بتحقيق الغاية؟
- الملكية. هل يشعر الموظفون بالملكية العاطفية على المؤسسة؟
- الثقة. هل يشعر الموظفون بالأمان العاطفي لاتخاذ إجراءات موجّهة بالغاية؟
وفقاً للرئيس التنفيذي لشركة كونتيكسز، جون روسلينغ:
تتميّز المؤسسات ذات الغاية الصادقة والمفهومة بوجود مستويات ملحوظة من الوضوح في الاستراتيجية والأهداف النهائية، وسرعة ملحوظة في اتخاذ القرارات، وقدرة استثنائية على التكّيف. وفي المتوسط، يتمتع موظفو المؤسسات الذين يشعرون بالارتباط بغاية مفهومة بمستويات أكثر بنسبة 30% من الوضوح والقدرة على التكيّف مقارنة بمتوسط أقرانهم في المؤسسات الأخرى.
ومن الواضح أن النجاح في بيئة عمل ما بعد الجائحة هو حليف المؤسسات الهادفة التي أصبح استبقاء المواهب وزيادة الإنتاجية فيها من الأولويات التنفيذية العليا. ويواصل روسلينغ قائلاً:
تحقق فرق القيادة الملتزمة بترسيخ الغاية في ثقافتها مكاسب ملحوظة في سلوكيات الموظفين الإنتاجية تتراوح بين 25 و40%، وزيادات مماثلة في معدلات الاستبقاء. ولاحظنا بعد انتهاء الجائحة أن معدل دوران الموظفين بين أولئك الأقل ارتباطاً بالغاية بلغ نسبة 40% تقريباً، لكنه نادراً ما زاد على نسبة 2% بين أولئك المرتبطين بالغاية المؤسسية.
لكن لا يمكن أن تتجلى الفوائد الحقيقية لهذا الوضوح في ظل ثقافة قائمة على الخوف أو اللوم. وعلى القادة بالتالي إنشاء ثقافة قائمة على الثقة الراسخة يفهم الموظفون فيها غاية الشركة ويؤمنون بها ويشعرون بالأمان لاتخاذ الإجراءات التي يجدون أنها مناسبة لصالح المؤسسة، ليقود هذا المزيج من الوضوح والثقة إلى تعزيز الابتكار وتحقيق نمو استثنائي.
وإذا كنت جزءاً من فريق القيادة، فإليك كيفية ترسيخ الغاية بشكل صادق في ثقافة شركتك.
التركيز على الغاية الموّجهة بالاستراتيجية وتجنّب عقلية القطيع
من السهل أن ينساق القادة وراء وضع غاية رغبة منهم في كسب المزايا المتأتية منها. لكن اتضح أن العالم أدرك بسرعة مفهوم "غسل الغاية" الذي يتظاهر القادة فيه بالالتزام بالغاية، ويبذل خبراء التسويق فيه كل ما في وسعهم لتمييز علاماتهم التجارية وشركاتهم من خلال سرد قصص الشهرة التجارية. لكن لم تعد تلك الحيل تنطلي على المستهلكين والموظفين. وتُظهر إحدى الدراسات حول غاية الشركات أنه على الرغم من أن 84% من المستهلكين يضعون عامل الثقة في حسبانهم عند الشراء، لا تثق إلا نسبة 34% منهم فعلياً بالعلامات التجارية التي يشترون منها، في حين تعتقد نسبة 53% منهم أن الشركات تمارس غسل الغاية.
لكن من الضروري أن تصوغ فرق القيادة غاية فريدة ومتوافقة مع استراتيجية المؤسسة تجبر الموظفين على اتخاذ إجراءات مناسبة وتحقيق أداء إيجابي. تمثّلت غاية شركة دبليو دي 40 (WD-40)، التي شغل فيها غاري منصب الرئيس التنفيذي لمدة 25 عاماً، في "خلق ذكريات إيجابية لا تُنسى عند حل المشكلات في المصانع والمنازل وورش العمل حول العالم"، وخلق شعور قوي بالانتماء وترسيخه في الثقافة. وتوصّلت الشركة إلى تلك الغاية من حقيقة أن العلامة التجارية كانت تخلق بالفعل ذكريات لا تُنسى بحسب تعليقات الزبائن المتكررة: "أذكر عندما أصلحت دراجتي مع والدي" وقصصاً أخرى مماثلة.
كانت غاية شركة دبليو دي 40 فريدة نظراً لثقافة الانتماء القوية التي خلقتها على مر السنين، والتي أسفرت بدورها عن التميّز في الأداء. وكان تقديم حلول فريدة عالية القيمة تعزز الثقة جزءاً لا يتجزأ من غايتها الاستراتيجية. ولعلّ أفضل مكان لخلق مثل تلك الحلول هو بيئة يشعر فيها الموظفون بالثقة ويكونون موضع ثقة.
إدارة توقعات أصحاب المصالح المتنافسين
عادة ما يكون الفريق التنفيذي مسؤولاً عن التعامل مع طلبات العديد من أصحاب المصالح (المتضاربة غالباً) خلاف أي مجموعة أخرى من الموظفين في أي مؤسسة. فالطلبات اللامتناهية تأتي من كل من الزبائن والمساهمين ومجالس الإدارة والموردين والمجتمعات والهيئات الحكومية والتنظيمية ومن الموظفين بالطبع. وغالباً ما تكون تلبية بعضها مخيّبة لآمال الآخرين. لكن إدارة التوقعات تُعدّ أمراً مهماً لتضمن ألا تفقد مصداقيتك تماماً، لا سيّما في الأوقات الصعبة.
وتحدد الغاية القوية والواضحة موقف الشركة، فهي تقلل من حالات القرارات الجدلية والمشكلات المتكررة وتزيد من سرعة اتخاذ القرارات. ويمكن للقادة التعامل مع خيبات الأمل إذا كانت القرارات واضحة ومتخذة بالاستناد إلى غاية الشركة، حتى عندما لا تكون تلك القرارات متوافقة مع أهواء أصحاب المصالح. لكن عندما تفشل في الإجابة عن السؤال: "ما سبب اتخاذ هذا القرار؟ سيشعر الموظفون حينها بالإحباط الشديد. لذلك، يجب أن يكون "السبب" مضمناً بغاية الشركة.
إدارة عواقب عدم الالتزام
يجب اعتبار بيانات هوية الشركة، مثل غايتها وقيمها، أمراً معظّماً. لكن بمجرد أن تتحول الغاية إلى برنامج تطوعي، سيفترض الموظفون أنك غير جدّي بشأنها. كشفت دراسة رون الطولية التي دامت 15 عاماً على أكثر من 3,200 قائد أن الشركات التي لا تتطابق أفعالها مع أقوالها تزيد احتمالية أن تضم أشخاصاً غير أمناء بمعدل ثلاث مرات، لأن فجوة القول والفعل تعني "أننا نتخذ قراراً وننفّذ قراراً آخر".
وعلى القادة تحديد العواقب التي تنتظر أولئك الذين تتعارض سلوكياتهم مع الغاية أو لا تتماشى معها لإبراز أهميتها. كما عليهم أن يتحلّوا بالشجاعة للوقوف في وجه أي موظف مؤذٍ يفسد غاية الشركة. وعليهم في تلك الحالة إما تدريبه على إعادة توجيه سلوكه أو تسريحه من العمل. وعلى فرق القيادة اعتبار مهمة الالتزام بالثقافة المستندة إلى الغاية أكثر أهمية من مساهمة أي موظف.
على سبيل المثال، عندما بدأ غاري مسيرته القيادية بصفته رئيساً تنفيذياً لأول مرة، صرّح عن توقعاته حول كيفية تطوير القادة والاستثمار في الآخرين. وأخبر المؤسسة أنه إذا فُصل موظف ما بسبب الفشل في تطويره، فسيلجأ إلى تسريح القائد الأعلى في ذلك القسم و"تقديمه للمنافسين". وخضع لذلك الاختبار بالفعل عندما علم بواقعة فُصل فيها أحد الموظفين. فتوجه أولاً إلى المشرف المباشر لذلك الموظف وطلب الاطلاع على خطة تطويره فلم يجدها. وأوفى بوعده بالتوجه إلى الشخص الذي يشغل أعلى منصب في ذلك القسم، وهو منصب أعلى بعدة مستويات من ذلك المشرف والموظف المفصول وسرّحه من العمل. وعلى الرغم من أن تصرفه ذلك يبدو قاسياً بلا داعٍ، من المهم أن يُدرك الموظفون مدى جدّيتك في الالتزام بمبادئ هادفة. فالأسلوب الذي تتبعه في التعامل مع الانتهاكات في المبادئ التي تدّعي أنها معظّمة سيبيّن للموظفين مدى حزمك بشأن أهميتها. جعل غاري التوقعات واضحة ووفّر للقادة الموارد لتلبيتها، لكن عندما فشل أحدهم في الالتزام بها، نفّذ العواقب التي شاركها مع الموظفين منذ البداية.
الالتزام بإجراء مقايضات صعبة ومشاركتها
هناك دائماً مقايضات صعبة يجب إجراؤها عند الاستثمار في مبادرات ذات غايات قصيرة وطويلة الأجل. فالتوجّه بالغاية هو استراتيجية طويلة الأمد، كما أن رفض الأفكار، حتى العظيمة منها، هو السر وراء استدامة الغاية. فضلاً عن أن التحلي بالشفافية والوضوح بشأن كيفية إجراء هذه المقايضات وسبب إجرائها مهم للحفاظ على المصداقية مع الموظفين.
وفي الواقع، يخشى العديد من المدراء التنفيذيين إحباط موظفيهم ويُعربون عن تشجيعهم لهم بدلاً من ذلك، ما يضعف تركيز الشركة ومواردها نتيجة وجود العديد من الأولويات والالتزام غير الواضح بالغاية الحقيقية. على سبيل المثال، تمثّل أحد الالتزامات الأساسية لشركة دبليو دي 40 في عدم استخدام أي مكونات تسبب مرض السرطان في تركيباتها، إذ إن مرض السرطان هو أبعد ما يكون عن الذكريات الإيجابية الخالدة. فإذا عُرض على شخص ما في مؤسسة سلسلة التوريد فرصة لخفض التكاليف بشكل كبير باستخدام مكون مسبّب للسرطان، فستكون الإجابة رفضاً قاطعاً، بغض النظر عن احتمال زيادة الربحية أو مكاسب المساهمين.
التحلي بالجرأة عند وضع التطلعات
ليس من السهل تشكيل غاية تُلهم الموظفين وتشجعهم على تحقيق أفضل أداء وطرح أكثر الأفكار جرأة، بل إن الشجاعة مطلوبة للانتقال من مهمة وضع الشعارات إلى وضع طموح يرسم مسار الشركة. كما أن وجود غاية يختلف عن بيان الغاية، فالسعي إلى تحقيق الغاية يختلف عن قراءة بيانها، والجرأة لا تعني التشدّق بضرورة إنقاذ الكوكب أو تغيير العالم، بل يجب أن تكون الغاية صادقة وأن تمثّل مؤسستك وقطاعك أفضل تمثيل وأن توضح كيفية خدمة أصحاب المصالح.
ويُعد العمل الذي أداه هيوبرت جولي خلال فترة عمله بصفته رئيساً تنفيذياً لشركة بيست باي أفضل مثال على ذلك، فقد ترسخت غاية الشركة المتمثلة في "إثراء الحياة من خلال التكنولوجيا" في مختلف أنشطة المؤسسة، بما فيها إنشاء مراكز تقنية في المجتمعات المحرومة.
كما أن "خلق ذكريات إيجابية لا تُنسى" في شركة دبليو دي 40 شجّع الموظفين على العمل بنشاط كل يوم، والمساهمة في تحقيق إنجازات عظيمة، وتعلّم خبرات جديدة، وإطلاق العنان لإبداعاتهم بالاستناد إلى قيم جذابة. بمعنى أنهم يعودون إلى منازلهم سعداء، والأشخاص السعداء يعني مجتمعات سعيدة. وهذا هو الطموح الجريء. وكما قال تياغو داميكو، المدير العام لمنطقتي أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي: "توفر ثقافتنا بيئة إيجابية ومعززة تجعلني أشعر بالأمان والانتماء وتلهمني لخدمة الصالح العام والمساهمة فيه. كما تمثّل قيمنا إطار عمل يشجعني على اتخاذ الإجراءات المناسبة والتعلم، فضلاً عن أنه يحفز النمو ويعزز السلوكيات التي تنطوي على تأثير إيجابي على عائلتي ومجتمعي".
يتطلب وضع غاية دائمة تميّز الشركة عن المنافسين وأصحاب العمل أن تمهّد فرق القيادة السبيل إلى تحقيقها، وهي مهمة صعبة بالطبع. لكن جذب أفضل المواهب وكسب رضا الزبائن يستلزم وضع غاية صادقة. فكّر في القصص التي قد يرويها الناس عن مؤسستك بعد سنوات من الآن، هل ستكون غايتك محور تلك القصص؟