لماذا يخشى رواد الأعمال التحدث عن إمكانية بيع شركاتهم الناشئة؟

6 دقائق
عالم الشركات الناشئة
أكنارين ثيكا/آي إم/غيتي إميدجيز

ملخص: تشكّل عمليات الاستحواذ المآل النهائي الأكثر شيوعاً في عالم الشركات الناشئة مقارنةً بطرح أسهمها للاكتتاب العام الأولي في البورصة. فلماذا لا يتحدث عنها أحد؟ هناك 5 أفكار خاطئة وتحيُّزات شائعة تدفع البعض إلى عدم التحدُّث عنها وتمنع المؤسِّسين من التفكير في المستقبل: التحيز التفاؤلي، التحيز للحاضر، الخوف من الفشل، الفكرة الخاطئة عن طبيعة المخاطرة في مجال ريادة الأعمال، الفكرة الخاطئة عن فشل عمليات الاستحواذ. ويمكن أن يضمن فهم هذه الأمور ومعرفة كيفية التغلب عليها توافر قائمة أوسع من الخيارات الممكنة لدى المؤسِّسين وعدم تدافعهم بلا تفكير أو عقلانية عند طرح صفقة الاستحواذ فجأة على الطاولة.

 

يشهد قطاع الأعمال إتمام أكثر من 30 عملية استحواذ سنوياً مقابل كل طرح للاكتتاب العام الأولي في البورصة. ولكن في حين أن جميع رواد الأعمال تقريباً وأعضاء مجالس إدارات شركاتهم يعرفون أن الاستحواذ هو المصير الأكثر شيوعاً لأي شركة ناشئة ناجحة، فإنهم نادراً ما يضعون خططاً استراتيجية لعمليات البيع المحتملة. ويكتفون بدلاً من ذلك بأخذ خطة الخروج من الشركة على محمل الجد حتى إن كانت شركتهم الناشئة بحاجة ماسة إلى عملية البيع أو من مصلحتها أن تنضم إلى الشركة المستحوذة. ونتيجة لذلك، فإنهم إما يهدرون فرصاً استراتيجية مهمة أو ينتهي بهم الأمر بنتيجة دون المستوى الأمثل.

ويتمثّل السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق المؤسف في أن يضع رواد الأعمال خطة الخروج من الشركة مبكراً وأن يضعوا الأساس لعملية بيع محتملة للجهات المستحوذة قبل اقتراب موعد عملية البيع بوقت طويل. قد تستغرق عمليات الاستحواذ عدة سنوات حتى تؤتي ثمارها. وأستطيع أن أقول من واقع تجربتي الشخصية كمؤسِّس أن الافتقار إلى التخطيط المسبق للخروج من الشركة قد أدى إلى القضاء المبرم على أول شركة ناشئة لي وبيعها، رغم أنها كانت شركة واعدة تحمل اسم جاكستر (Jaxtr)، وهي شركة متخصصة في حلول الاتصالات كانت قد تأسست عام 2005 بدعم من إحدى شركات رأس المال المغامر (الجريء) المرموقة وكانت تضم قاعدة كبيرة من المستخدمين.

وإذا كان تخطيط الخروج من السوق بهذه الأهمية، فلماذا يتم إهماله بهذا الشكل المكثَّف؟ تتمثل الإجابة باختصار في شيوع عدد من الأفكار الخاطئة والتحيزات حول بيع الشركات جعلت مناقشات تخطيط الخروج موضوعاً يشكل أحد التابوهات في منظومة الشركات الناشئة. وبما أن وضع خطة الخروج وتنفيذها ليس مسعىً منفرداً بل يتطلب تعاوناً وثيقاً مع أصحاب المصالح الرئيسيين، وعلى رأسهم القيادة العليا وأعضاء مجلس الإدارة وكبار المستثمرين، فإن هذا التابو يقف عقبة كؤوداً أمام أي مبادرة لتخطيط الخروج قبل أن تبدأ.

لماذا لا نتحدث عن استراتيجيات الخروج؟

يسهم فهم الأفكار الخاطئة والتحيزات الكامنة وراء هذا التابو على النحو المبين أدناه في تمكين رواد الأعمال من التغلب عليه وتحمُّل مسؤولية مصيرهم وإطلاق العنان للإمكانات والخيارات الاستراتيجية الخفية لشركتهم الناشئة.

التحيز التفاؤلي

يُغذّي التفاؤل ريادة الأعمال، لكنه قد يؤدي أيضاً إلى شعور زائف بالثقة ويخلق ما يمكن تسميته النقاط الاستراتيجية العمياء. ويعرف معظم رواد الأعمال أن فرص نجاح أي شركة ناشئة ضئيلة، لكنهم يعتبرون أنفسهم استثناءً من هذه القاعدة ويؤمنون بأن هذه الإحصائيات لا تنطبق عليهم. وفي استقصاء أجريتُه على ما يقرب من 30 مؤسِّساً لشركات ناشئة في مراحلها المبكرة في خريف عام 2021، وافق أكثر من 90% منهم على أن النجاح سيكون حليف أقل من 25% من الشركات الناشئة، وهي النسبة التي تتوافق مع إحصاءات الشركات الناشئة بشكل عام. لكن عندما سألتهم عن احتمالية نجاح شركاتهم الناشئة، كانت استجابتهم أقرب إلى اليقين، ما يدل على أن تفاؤلنا المفرط يمكن أن يعمينا بكل بساطة عن واقعنا الحقيقي. ونتيجة لذلك، يركّز رواد الأعمال بشكل كبير على النتيجة المستبعدة، ألا وهي طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام.

تكمن مشكلة هذه النظرة في أن أي رائد أعمال سيعجز عن وضع خطط استراتيجية مناسبة والتغلب على العقبات التي تعترض طريقه دون رؤية واقعية لآفاقه المستقبلية وطبيعة هذه العقبات. ولإبقاء هذه النقطة العمياء تحت السيطرة، يجب على رواد الأعمال تخصيص بعض الوقت لوضع خطة بعيدة المدى تعكس الفرص الواقعية لطرح أسهم الشركة للاكتتاب العام مقارنة بالبيع الاستراتيجي باعتباره المصير النهائي لشركاتهم الناشئة. كما أنهم بحاجة أيضاً إلى مراجعة هذه الخطة وتدقيقها بشكل دوري في أثناء إقبالهم على جمع بيانات جديدة حول التطورات والتغيُّرات الطارئة والاندماج في قطاع العمل، فضلاً عن ظروف السوق التي تشهد تغيُّرات متلاحقة.

التحيز للحاضر

نميل عموماً إلى إظهار التحيز للحاضر، مع إعطاء الأولوية للنتائج على المدى المنظور على حساب النتائج بعيدة المدى وغض الطرف عن المخاطر والمكافآت المستقبلية. ونظراً لأن رواد الأعمال يقضون معظم وقتهم في علاج المشاكل اليومية المتعددة ويواجهون قيوداً كبيرة على الموارد، فإنهم مُعرَّضون بشكل كبير للوقوع في فخ هذا التحيز. ويَعتبِر الكثير من رواد الأعمال أن التخطيط الاستراتيجي ترفٌ لا مكان له في واقعهم. وقد تشكّل هذه الظاهرة تفسيراً منطقياً لإقدام 70% من المشاركين في الاستقصاء على تخصيص القليل من الوقت أو عدم تخصيصهم لأي وقت على الإطلاق لوضع استراتيجية خروج مناسبة، إضافة إلى اعتبار 60% أنفسهم غير مستعدين تماماً للاستجابة لمطالب الاستحواذ. ويؤدي هذا التحيز للحاضر إلى خلق ديون استراتيجية تتراكم بمرور الوقت قد تُسفر في النهاية عن خسارة رواد الأعمال لشركاتهم. ولا يمكننا تحسين شيء ما لم ننتبه إليه، كما أن تأخير المحادثات والاعتبارات المتعلقة بالخروج الاستراتيجي اليوم يجعل رواد الأعمال غير مستعدين تماماً للحدث الوحيد الذي تتوقف عليه النتائج برمتها في دورة حياة شركتهم الناشئة، ألا وهو البيع التخارجي.

الخوف من وقوع مشكلات

ينجذب مستثمرو رأس المال المغامر إلى رواد الأعمال الذين يلتزمون بتحقيق رسالة معينة والذين يمتلكون الشجاعة لتحمُّل مخاطر كبيرة ويطمحون إلى بناء أعمال توسُّعية. علاوة على ذلك، فهم يتوقعون إصرار رواد الأعمال بيقين لا يتزعزع على مواصلة المسار في أوقات الشدة. ولأن كل الشركات الناشئة تمر بأوقات الشدة، سيكون من المستحيل تقريباً التكيُّف مع المتغيرات والاستمرارية في غياب قوة العزيمة بين المؤسسين والقيادة. ومن هذا المنطلق، فإن المستثمرين لا يحبون المؤسِّسين الذين يظهرون مؤشرات تدل على اتصافهم بالروح الانهزامية، لأنهم يخشون افتقار هؤلاء الأفراد إلى القدرة على التحمل والمثابرة للابتكار من أجل التغلب على العقبات التي ستظهر حتماً في طريقهم وأن ينتهي بهم الأمر إما إلى الهرولة إلى ببيع أعمالهم بأسرع ما يمكن أو فقدان الأمل قبل الأوان. ونتيجة لذلك، يتجنب المستثمرون عادة الدخول في أي محادثات جادة بشأن التخطيط للخروج مع رواد الأعمال.

وعلى الرغم من ذلك، فبمقدور رواد الأعمال تبني النهج الصحيح من خلال فهم هذا النفور الممنهج من قِبَل المستثمرين. ويستلزم هذا تحديد السياق المناسب ومعالجة مخاوف المستثمرين وعدم ارتياحهم قبل مناقشة خطط الخروج. وتتمثّل أفضل طريقة لتحقيق هذه الغاية في تأكيد أن مصلحة الطرفين تقتضي الاستعداد لكافة الاحتمالات المتوقَّعة وتوفير الحماية من المخاطر التي تؤثر سلباً على شركاتهم مع تعظيم إمكانات نجاحها. ويجب على رواد الأعمال توضيح أن إنشاء خيارات استراتيجية قابلة للتنفيذ على المدى البعيد يوجب عليهم التخطيط المسبق وجمع البيانات واختبار فرضياتهم، تماماً كما يفعلون عندما يبحثون ملاءمة المنتج للسوق أو يستكشفون استراتيجية دخول السوق. وهكذا يتحقّق التوافق النهائي للمصالح بين رواد الأعمال والمستثمرين. وحتى إذا كان الهدف هو طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام الأولي في البورصة، فإن وجود جهة مستحوذة استراتيجية في وضع الاستعداد سيؤدي إلى رفع قيمة الاكتتاب. ويكمن الفارق الدقيق هنا في إيصال الحاجة إلى استراتيجية خروج بوضوح وفي ظل السياق الصحيح.

الفكرة الخاطئة عن طبيعة المخاطرة في مجال ريادة الأعمال

يفترض الكثيرون أن الابتكار ينطوي على مخاطر حتمية، وبالتالي فإن استراتيجيات تخفيف حدة المخاطر ستضر دافعية رواد الأعمال التي تدعوهم للابتكار في المقام الأول. إذ يخشون أن يؤدي وجود استراتيجية خروج إلى إغراء رائد الأعمال بالهرولة إلى البيع المتعجّل بدلاً من العمل على تذليل الصعاب وملامسة النجوم.

وهذه المخاوف في غير محلها. فعلى الرغم من عدم وجود دليل يدعم الادعاء بأن التخفيف من حدة المخاطر يضر الابتكار، فإن هناك أدلة متزايدة على الآثار الجانبية السلبية للمخاطر المفرطة وأضرار التوتر الناتج عنها التي تؤثّر سلباً على الصحة العقلية لرواد الأعمال، مثل البحث في العلاقة بين التوتر والإصابة بالاحتراق الوظيفي في مجال ريادة الأعمال وكذلك انتشار متاعب الصحة العقلية بين رواد الأعمال. ولن يختمر الابتكار في عقول رواد الأعمال المثقلة بالأعباء، وذلك لأن الابتكار يتحقق نتيجة للتجارب المتكررة والإبداعية. ولن يسفر التوتر المرتبط بالمخاطر المفرطة سوى عن ازدياد صعوبة تحقيق النجاح.

ولا يوفر مسار الخروج القابل للتنفيذ خياراً استراتيجياً فحسب، بل يجعل إدارة شركة ناشئة أقل إرهاقاً بكثير بسبب ما يُعرف بتأثير "إنذار الذعر": فالاعتقاد بأن المرء يمتلك خيار الهروب من الموقف المليء بالضغوط سيقلل من مقدار التوتر الذي يتعرض له فعلياً في هذا الوضع. وفي حين أن ريادة الأعمال تنطوي بالضرورة على قدر من المخاطرة، فإن شغف رواد الأعمال والتزامهم لا ينبعان من المخاطر المفرطة ولا يزدادان قوة معها. وبدلاً من ذلك، فإن ما يحفز رواد الأعمال هو اقتناعهم بأنهم يشاركون في إنشاء شيء سيكون له أثر دائم، وهو ما يتيحه بالضبط مسار الخروج القابل للتنفيذ.

الفكرة الخاطئة عن فشل عمليات الاستحواذ

أدى تركيز وسائل الإعلام على قصص فشل عمليات الاستحواذ إلى تكريس سردية خاطئة ومفهوم خاطئ شائع مفاده أن معظم عمليات الاستحواذ يدمر القيمة السهمية للشركات ويفشل في تحقيق أهدافه المعلنة. وبطبيعة الحال، فإن أي شخص لديه هذا الانطباع سيتردد كثيراً قبل تبني فكرة بيع أعماله باعتباره مساراً قابلاً للتنفيذ نحو تحقيق رسالة شركته وتحقيق تطلعاته. لكن معظم عمليات الاستحواذ لا يبوء بالفشل. ويجب على أي رائد أعمال يرغب في الانخراط في مداولات جادة حول استراتيجية الخروج مع أصحاب المصالح أن يكون على دراية بالبيانات الفعلية وأن يستجيب لأي شكوك قد يبديها أصحاب المصالح بشأن عمليات الاستحواذ.

وأرى أن أفضل وسيلة لقياس نجاح صفقات الاندماج والاستحواذ أو فشلها هي شعبيتها ومعدل حدوثها، وقد وصَلَتْ إلى عدد قياسي من الصفقات خلال كلٍّ من السنوات الأربع الماضية. ومن المهم ملاحظة أن عمليات الاستحواذ لا تحدث بناءً على هوى أطرافها. إذ يتطلّب إتمام هذه العملية الكثير من التحليل والتخطيط التفصيلي بمشاركة العديد من الأطراف ومستويات الموافقة في كل جانب من جوانب العملية. وعندما يُطلب من صانعي الصفقات تقييم نجاح عمليات الاستحواذ، فإنهم يعتبرون أن غالبيتها تلبّي توقعاتهم أو تتجاوزها. وعلى الرغم من شيوع قصص فشل الاستحواذ، فهناك الكثير من قصص النجاح لمثل هذه العمليات.

لتعظيم احتمالات النجاح وفرص البقاء في السوق، يجب على رواد الأعمال ابتكار استراتيجية خروج وتنفيذها قبل التفكير بجدية في بيع أعمالهم بوقت طويل. وتتمثّل الخطوة الأولى في هذا الاتجاه في التغلُّب على تابوهات الخروج وفتح قنوات التواصل مع أصحاب المصالح الرئيسيين. وكلما أسرع رواد الأعمال في التغلب على هذه الأفكار الخاطئة والتحيزات وبدء حوار صادق حول خياراتهم الاستراتيجية بعيدة المدى، كانوا في وضع أفضل يتيح لهم التأثير في المصير النهائي لشركاتهم الناشئة وتشكيله.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي