إن المشكلةَ الرئيسة التي تواجه صناع القرار ومتخذيه في الأسواق المالية في الوقت الراهن هي حجم البيانات الهائل الذي تتوفر عليه، حيث إن حجم البيانات في العالم زاد زيادة مطّردة في أسواق الأسهم خاصة مع بروز الرقمنة والذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء، ونظراً لأن أسواق الأسهم تتحرك بسرعة نحو التحسين المستند إلى البيانات، فيجب على متخذي القرار بالشركات المدرجة الاستجابة لهذه التغيّرات بطريقة مدروسة وشاملة، والاستفادة الكاملة من قدرات البيانات لتقديم معلومات ذات معنى تساعد في اكتشاف المزايا التنافسية ودفع فرص جديدة في السوق، فضلاً عن إمكانية تحسين أداء الشركات المدرجة فيما يتصل بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (Environmental, Social, and Governance. ESG).
ومع تطور النُهج التحليلية الجديدة، برز دور نُظم دعم القرار (Decision Support Systems. DSS) التي يعود تاريخ بداياتها إلى ظهور نظم المعلومات الإدارية العامة عام 1967، حيث كانت تقتصر حينها على تقديم المعلومات الدورية والمبرمجة مسبقاً. لاحقاً تطورت التكنولوجيا وزاد حجم البيانات وتعقيداتها وظهرت قواعد البيانات وكذلك الحاجات المختلفة الجديدة، ما أدى إلى تطوير نظم معلومات متخصصة في عدة مجالات من بينها نظم دعم القرار. يمكّن نظام دعم القرار المدراء من التفاعل مباشرة مع الكمبيوتر والحصول على البيانات ومعالجتها وتحليلها والوصول إلى نتائج وتقارير مباشرة، فهو يُساعد في تحليل البيانات بعمق بواسطة النماذج الرياضية وعرضها بصورة مبسطة وبصرية باستخدام الأشكال والرسوم البيانية، كما يوفر إجابات فورية عن أسئلة المدراء العاجلة، وما يجعل هذه النظم موضوعية وحيادية هو عدم ارتباطها بالعامل البشري.
تُعدّ نُظم اتخاذ القرار من الأنظمة الممكّنة لتسهيل استخدام البيانات وتحليلها وتحويلها إلى معلومات، وجعل عملية اتخاذ القرارات القائمة على البراهين مسألة أكثر كفاءة ومرونة، ففي أسواق الأسهم تسمح باتخاذ قرارات أكثر استنارة فيما يتعلق بحل المشكلات في الوقت المناسب، وتحسين الكفاءة في أداء الشركات، والتعامل مع مشكلات الاستثمار المستدام الأمثل. ومن منظور أكاديمي، ذكر أستاذ إدارة المعلومات ورئيس قسم علوم الإدارة والعمليات في كلية لندن للأعمال (London Business School) بروس ويبر في كتابه "في كتيب حول نُظم دعم القرار 2" (In Handbook on Decision Support Systems 2)، أن نُظم دعم القرار (DSSs) تؤدي أدواراً أكثر أهمية وتعمل على تحسين جودة القرارات التي يتخذها المستثمرون، بالتالي يوصى باستخدامها من أجل دعم المستثمر في اتخاذ القرارات بفعالية.
تواجه الشركات ضغوطاً وقلقاً متزايداً من الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمعات لتعزيز الاستدامة، ونتيجة لذلك، لم تعد العوامل المالية هي العوامل الحاسمة الوحيدة في قرار الاستثمار، بل أصبحت أيضاً العوامل غير المالية وخاصة العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة مهمة. بعبارة أخرى، لم تعد الشركات تركز فقط على هدف تعظيم الربح، بل تأخذ في الاعتبار استدامة الشركة الذي يعتمد على تأثيرها البيئي والاجتماعي والحوكمة. وعليه قد تلجأ الشركاتُ المدرجة في أسواق الأسهم عالمياً إلى تحقيق معايير الاستدامة والاستثمار المستدام بالاعتماد على المعايير البيئية والاجتماعية، بجانب معايير مالية أُخرى باستخدام نظم دعم القرار، وذلك لصنع قرارات من شأنها تطوير أداء تلك الشركات من خلال مقارنة أدائها بأداء الشركات المماثلة لها التي تأخذ في الحسبان المعايير البيئية والمجتمعية، ومن جهة أخرى تُسهم في صنع قرارات لاستقطاب المستثمرين والمساهمين المهتمين بالاستثمارِ المستدام للاستثمار في هذا النوع من الشركات. يؤكد رئيس قسم أبحاث الشؤون البيئية والاجتماعية والحوكمة في ساستينالاتيكس (Sustainalytics) سيموت مكماهون أن "معظم المؤسسات الاستثمارية الكبيرة اليوم تستعين بأبحاث الشؤون البيئية والاجتماعية والحوكمة إلى حد ما. ويعود السبب في ذلك إلى أن هذه البيانات يمكن أن تقود إلى محصلات أفضل"، ويضيف: "قبل عقد من الزمن، كانت 10% من الشركات فقط تتجاوب مع طلباتنا وتتحدث إلينا بخصوص تحليلنا. أما اليوم، فإن أكثر من 60% من الشركات الكبيرة تشاركنا بالمعلومات، وهذا الرقم في تصاعد كل عام".
قدنا دراسة أكاديمية حديثة كفريق بحثي من جامعة الملك فيصل بتمويل من كرسي علمي باسم "كرسي البنك السعودي للاستثمار لدراسات الوعي الاستثماري"، حيث تناولت عيّنة الدراسة 24 شركة كبيرة مدرجة في البورصة السعودية، واستخدمنا نظام دعم قرار مبتكر من أعضاء الفريق لتقييم كفاءة أداء هذه الشركات ضمن إطار يشمل معيار الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. وتمت هذه الدراسة من خلال تكامل متغيرات مالية وغير مالية متعددة، على سبيل المثال: إجمالي الأصول، وعدد الموظفين، ونفقات التشغيل، ومؤشرات المعايير البيئية والاجتماعية، والقيمة السوقية، والعائد على حقوق المساهمين، وخلُصت نتائج الدراسة إلى أن نظام دعم القرار يمكن أن ينتج عدداً من النتائج المختلفة بناءً على البيانات السابقة للشركة والمدخلات الحالية لتحقيق استدامة أداء الشركات وزيادة تنافسيتها بما يتعلق بالاستثمار المستدام. كما أشارت نتائج هذه الدراسة إلى أهمية مؤشرات المعايير البيئية والمجتمعية ودورها في تحسين القيمة السوقية للشركات المدرجة بالسوق السعودية. كما وفرت النتائج التجريبية في هذه الدراسة فهماً جديداً لكلّ من صانعي القرار والمستثمرين في الشركات. وأخيراً، النموذج المبتكر المقترح (DSS) يمكن تطبيقه على شركات من مختلف القطاعات أو الدول مع إمكانية إضافة أو استبدال متغيرات مالية وغير مالية تلائم احتياجات الأبحاث المحتملة التي تدعم عملية صنع القرار بأسواق الأسهم.