ملخص: مع تزايد الشواغر وارتفاع معدلات الدوران الوظيفي بدرجات كبيرة في سوق العمل يجب على الشركات منح الأولوية لاستبقاء أصحاب المواهب من موظفيها الحاليين. ولكن يبين بحث جديد أجرته شركة غارتنر، أن 33% فقط من الموظفين الذين يسعون للحصول على أدوار جديدة يبحثون عنها داخل الشركات التي يعملون فيها أولاً. تسبب 3 عوامل متعلقة بعدم المساواة انصراف الموظفين عن الأدوار الشاغرة الداخلية في شركاتهم، هي المعرفة بالفرص المتاحة وإمكانية الوصول إليها ودعم التنقل بين الوظائف. تتحدث مؤلِفات المقال عن طرق لنشر المعرفة بالفرص وتوسيع نطاق إمكانية الوصول إليها وبناء الدعم الذي يحتاج إليه الموظفون للتنقل بين الوظائف داخلياً.
في الولايات المتحدة وحدها، يعمد أكثر من 4 ملايين موظف إلى الاستقالة من وظائفهم كل شهر، وأحد أسباب ذلك هو اهتمام الموظفين المتزايد بإعادة النظر فيما يرغبون بتحقيقيه في وظائفهم وحياتهم المهنية. في دراسة استقصائية أجرتها شركة غارتنر (Gartner) في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2021 شملت 3,515 موظفاً، قال 65% من المشاركين إن الجائحة دفعتهم لإعادة النظر في دور العمل في حياتهم، وكان معنى ذلك بالنسبة لكثير منهم مغادرة الشركات التي يعملون فيها لأجل العمل في دور جديد لدى شركة أخرى.
للأسف، حين يبحث الموظفون عن فرص جديدة لا يفكر معظمهم في الشركات التي يعملون لديها بالفعل. أجرت شركة غارتنر دراسة استقصائية شملت 3,000 موظف حول العالم في شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران من عام 2021، وتوصلت من خلالها إلى أن 33% فقط من الموظفين الذين سعوا للحصول على فرص جديدة في الأشهر الاثني عشر السابقة بحثوا عنها داخل شركاتهم أولاً.
ووضحت التحاليل الموسعة 3 عوائق أساسية تصرف الموظفين عن التقدم إلى وظائف جديدة ضمن شركاتهم، وهي:
المعرفة
من السهل الاطلاع على الفرص المتاحة لدى الشركات المنافسة. كشف التحليل الذي أجرته شركة غارتنر أن 51% فقط من المرشحين يعرفون بشأن الأدوار الشاغرة الداخلية المتاحة، ويتم إعلامهم عنها بطرق غير رسمية غالباً، لكن انتقال الخبر من موظف إلى آخر على هذا النحو يمنح الأفضلية للموظف الذي يتمتع بالعلاقات الاجتماعية الأقوى، وهو يعزز تحديات التنوع والمساواة والشمول الاجتماعي.
إمكانية الوصول
حتى وإن كان الموظف يعرف أن وظيفة ما أصبحت شاغرة، فمن المحتمل أن يعتقد أنه لن يتمكن من الوصول إليها، ويتمثل أهم عائق في تصور أن موظفاً آخر يحظى بالأولوية للحصول على الدور. عادة، تحظى إتاحة الفرص لأصحاب المواهب ذوي الإمكانات العالية بالأولوية لدى المؤسسات والمدراء، وبالنسبة للموظفين الذين ركزوا بحثهم على الوظائف الخارجية، قال 32% منهم إنهم توجهوا إلى خارج شركاتهم لأن تحقيق النمو المهني في شركة أخرى أسهل.
الدعم
لا يشعر الموظفون بدعم مدرائهم أو أقرانهم أو المؤسسة ككل في البحث عن أدوار داخلية جديدة، ووفقاً لبحث شركة غارتنر، يشعر 17% فقط من الموظفين أن مدراءهم يسهّلون عملية تقدمهم إلى الأدوار الشاغرة الداخلية، ويشعر 20% فقط بدعم أقرانهم وفرقهم. يرى كثير من الموظفين أن البحث عن وظائف خارجية أسهل، لأنهم يستطيعون تفادي الإحراج في التعبير عن اهتمامهم بتغيير وظائفهم والتلميحات المحتملة بعدم الرضا عن ذلك.
ببساطة، سوق العمل الداخلي لا ينصف الجميع؛ تزداد احتمالات أن لا تعرف النساء بشأن الأدوار الشاغرة الداخلية بنسبة 55% مقارنة بالرجال، كما أن النساء المنتميات إلى الفئات الناقصة التمثيل لا تعتبرن صاحبات إمكانات عالية.
إذاً، كيف يمكن أن ترفع المؤسسات مستوى الإنصاف في أسواق العمل الداخلية؟ توصلنا إلى 3 استراتيجيات:
1. نشر المعرفة بشأن الأدوار الشاغرة عن طريق التكنولوجيا
يجب أن تبدأ الشركات بالتعامل مع الموظفين كما تتعامل مع المرشحين الخارجيين المحتملين. يتلقى أصحاب المواهب المطلوبة عدة إشعارات كل يوم من المؤسسات التي تسعى لملء شواغر لديها، ومع ذلك فالشركات لا تفعل ذلك مع موظفيها الحاليين.
على الرغم من أن لوحات إعلانات العمل الداخلية تشكل بداية جيدة، فالشركات ذات الفكر الاستشرافي تقوم بأكثر من ذلك إذ توجه عمليات استكشاف الموظفين عبر منصات تعمل على المواءمة بين الموظفين والوظائف بناء على مهاراتهم. يمكن أن تساعد أفضل المنصات الموظفين على بناء خطة تطوير تعدّهم للأدوار موضع الاهتمام.
كما يجب أن تتيح منصات الأدوار الشاغرة الداخلية للموظفين الإشارة إلى الأدوار التي تهمهم سواء كانت متاحة أو لا، وهذا سيساعد الموظفين على عدم إضاعة الفرص ويساعد قادة الموارد البشرية على التثبت من اهتمامات الموظفين ومن جودة المسار الداخلي لاستقطاب أصحاب المواهب في دور معين. كما يمكن للمؤسسات استخدام هذه المعلومات من أجل إنشاء جلسات لتقديم المعلومات أو تطوير الفرص المرتبطة بالأدوار موضع الاهتمام.
2. إتاحة الوصول إلى الفرص للجميع
يمنح القادة عادة مشاريع إنمائية للموظفين الذين يرون أنهم يتمتعون بإمكانات عالية، وذلك بدوره يتيح لهؤلاء الموظفين فرصاً أكبر في الشركة. ولكن الواقع هو أن الكثير من الموظفين يتمتعون بإمكانات نمو عالية إذا أتيح لهم ما يناسبهم من فرص التطوير والتوجيه. واليوم، يتوقع الموظفون الحصول على هذه الفرص إذ قال نحو 75% من المرشحين إن أهمية فرص النمو اليوم أكبر مما كانت عليه منذ 3 أعوام.
في حين يتبع معظم المؤسسات عملية منظمة لوضع خطة نمو الموظف ضمن دوره وتحديد أهدافها، فالمؤسسات ذات الفكر الاستشرافي تسعى لكشف طموحات الموظفين فيما يتعدى نطاق مناصبهم أو مساراتهم المهنية الحالية وتستعين بمدربين مهنيين أو موجهين يعملون مع الموظفين لإظهار اهتماماتهم وشغفهم ودوافعهم واستكشاف فرصهم المهنية.
في شركة إس أند بي غلوبال (S&P Global) الرائدة في تقديم التقييمات الائتمانية والمقاييس المعيارية والتحليلات المحوسبة في أسواق رأس المال والسلع الأساسية والسيارات، يحصل جميع الموظفين في جميع أنحاء العالم على التدريب المهني الفردي. تفيد جلسات التدريب المهني الشخصية والهادفة في تمكين الموظفين ليستكشفوا مكامن القوة لديهم واهتماماتهم مع منحهم فرصاً مهنية في جميع أقسام الشركة.
يتواصل الموظف مع المدرب المهني الداخلي في الشركة عبر جلسات تدريب منتظمة، حيث يعملان معاً على استكشاف طموحات الموظف وحوافزه وأولوياته وقيمه ويحددان الخطوات التي تساعده على تحمل المسؤولية. بعد عامين وتدريب 1,700 موظف، تنوعت النتائج بين العثور على فرص داخلية وتولي مهام تنموية قصيرة الأمد والانتقال والترقية والوظائف الخارجية. كانت التقييمات إيجابية، إذ أكد أحد المتدربين أن "العمل مع المدرب المهني كان بمثابة العمل مع مجموعة اختبار الأفكار التي تساعد على توليد الأفكار من دون إطلاق أحكام، والتحدث عن التصورات ومسارات التقدم المحتملة التي يمكن النظر فيها". ويعدّ برنامج إس أند بي غلوبال للتدريب المهني الذي طورته الرئيسة التنفيذية لغاية الشركة، ديميترا مانيس، جزءاً أساسياً من فلسفة الشركة التي تضع الموظفين على رأس أولوياتها وواحدة من الطرق الكثيرة التي تتبعها الشركة لمساعدة الموظفين على تحديد مساراتهم المهنية.
يشعر الموظف أن استكشاف مسارات مهنية جديدة في المؤسسة التي يعمل لديها بالفعل أقلّ خطورة من الانتقال إلى دور جديد في شركة أخرى.
3. إظهار الدعم لتنقل الموظفين بين الوظائف
قد يشعر الموظف أن التقدم إلى وظيفة داخلية هو خداع لشركائه، إذ يمكن أن يخشى من أن يكون بحثه عن بديل أفضل بمثابة خيانة لمديره وفريقه. يزداد هذا القلق سوءاً بسبب السياسات التي ترغم الموظفين على إخبار مدرائهم عن نيتهم التقدم إلى دور جديد، في حين أن التقدم إلى وظيفة خارجية يقي من هذا القلق بالكامل.
وهذا ما يجعل دعم المدير والفريق والمؤسسة ككل يتمتع بأهمية حاسمة فيما يتعلق بالتنقل بين الوظائف الداخلية. في الحقيقة، يفضل كثير من المدراء خسارة أفضل موظفيهم لصالح قسم آخر في الشركة على خسارته لصالح شركة أخرى، ولكن قد يكون ذلك صعباً عندما تكون الانفعالات العاطفية قوية.
يجب أن يسعى المدراء لجعل المحادثات مع الموظفين حول أدوارهم التالية أمراً طبيعياً، وتحويل النقاشات التي تدور حول الخيارات المهنية المحتملة إلى محادثات لتحديد الأهداف وتقييم الأداء. يمكن أن يساعد قادة أقسام الموارد البشرية في تسهيل هذا الأمر بجمع المسارات المهنية المحتملة لكل دور ومنها التنقلات الأفقية التي تتطلب مهارات مماثلة للتي يمتلكها الموظف بالفعل. يمكن لهذه التوجيهات مساعدة المدراء على تحديد اهتمامات موظفيهم وتقصي الشواغر المحتملة، وبعد تحديد الخيارات ينبغي للمدراء طرح أسئلة مثل: "إن كنت ستتولى دوراً مختلفاً في هذه الشركة، أي دور سيكون ولماذا اخترته؟" كما يمكن أن يتحدث المدراء عن المسارات المهنية التي اتبعها موظفون آخرون ومساعدة الموظف على توسيع شبكة معارفه لتتعدى نطاق فريقه أو قسمه.
تتيح هذه المحادثات للمدراء وقتاً للاستعداد للنقلة التي سيقوم بها الموظف في نهاية المطاف أكثر مما يتيحه انتقاله إلى وظيفة جديدة خارجية، ومن المحتمل أن تساعد الموظفين على الشعور بثقة أكبر في أدوارهم الحالية إذ يشعرون بأنهم يحظون بالدعم ويملكون فرصاً للنمو فيها.
يجب أن تفكر الشركات أيضاً في تخفيف طلبات تقديم إشعار بالمغادرة كي يتمكن الموظفون من استكشاف الفرص بحرية أكبر. مثلاً، يمكن تعديل السياسات كي لا يكون الموظف مجبراً على إعلام مديره بنيته الانتقال إلى دور آخر قبل أن يصل إلى مرحلة مقابلة العمل ويعرف أن مسؤول التوظيف يفكر جدياً في تعيينه في الدور.
تعني التحديات التي تواجه عمليات التوظيف اليوم أن الوقت قد حان لتتمعن المؤسسات في العقبات التي تتسبب في انصراف الموظفين عن الأدوار الشاغرة الداخلية. وباتباع هذه الاستراتيجيات الثلاث؛ نشر المعرفة بشأن الفرص وتوسيع إمكانية الوصول إليها وإظهار الدعم لتنقل الموظفين بين الوظائف، ستتمتع المؤسسات ذات التفكير الاستشرافي بالأفضلية إذ ستتمكن من حماية نفسها من الشركات المنافسة واستبقاء موظفيها أصحاب المواهب.