ملخص: مع مجاهدة الفرق للتكيف مع الظروف الجديدة في أعقاب الجائحة، ابتكر الكثير منها طرقاً جديدة مثيرة للحماس ومنتجة بدرجة كبيرة لبناء العلاقات بين أفرادها وإنجاز الأعمال. تمكنت أفضل الفرق من تحويل طرق العمل عبر ما نسميه "القدرة الجوهرية على التكيف"، هذه الفرق هي التي لم تكتفِ باجتياز الأزمة باستجابة تكيفية فحسب، واغتنمت الأزمة لإعادة تقييم إجراءات العمل المتبعة وإعادة ابتكارها لضمان أن تتمكن من التكيف باستمرار مع التغييرات غير المتوقعة في الأعوام المقبلة. يناقش هذا المقال 4 طرق أساسية لبناء الفرق التي تتمتع بالقدرة الجوهرية على التكيف في عالم العمل الجديد: العمل التعاوني والمرونة والقدرة على التحمل وبُعد النظر. تنطوي استجابة التكيف الجوهري على إحداث تغييرات جوهرية في الطرق التي تتبعها المؤسسة لإدارة قوتها العاملة وتطوير نماذج العمل الجديدة وتنفيذ غايتها المؤسسية.
متى سنعود إلى العمل من المقار المكتبية؟
هل تذكر شهر مارس/آذار من عام 2020 عندما كان معظمنا يتوقع أن تكون العودة بعد شهرين أو ثلاثة؟ استمر الانتظار طوال فصل الصيف، ثم الخريف ثم الشتاء، كان البعض يأملون أن نعود إلى العمل من المقار المكتبية في منتصف عام 2021، وبات كل ذلك الآن من الماضي البعيد.
مع دخول الجائحة العالمية في عامها الثالث، آن الأوان لإدراك أننا لن نعود أبداً إلى ما كنا عليه في الماضي، لقد دخلنا إلى عالم عمل جديد كلياً.
حصدت جائحة "كوفيد-19" ملايين الأرواح حول العالم وخلّفت آلاماً وصدمات لا تحصى لأعداد أكبر من الناس الذين عانوا خسائر مالية وأمراضاً مزمنة وحزناً موجعاً. وكما هو حال جميع الأزمات، أخرجت الجائحة أفضل ما في البعض أيضاً؛ فمع مجاهدة الفرق في المؤسسات للتكيف مع الظروف الجديدة، ابتكر الكثير منها طرقاً جديدة مثيرة للحماس ومنتجة بدرجة كبيرة لبناء العلاقات بين أفرادها وإنجاز الأعمال. ما الذي يمكننا تعلمه من التقدم الذي أحرزناه بإلهام من الجائحة؟
وضحنا بالتفصيل في كتابنا "التنافس في عالم العمل الجديد" أن ثمة نمطاً ثابتاً للكفاءات القيادية التي أثبتت أنها الأنجع في هذه الأوقات العصيبة، وفي بحثنا الذي تضمن مقابلات شخصية مع ما يزيد على 2,000 قائد فريق عمل في الشركات لاحظنا أن أفضل النتائج تعود إلى الفرق التي لم تكتف بالتكيف مع ظروفها المتغيرة، تمكنت أفضل الفرق من تحويل طرق العمل عبر ما نسميه "القدرة الجوهرية على التكيف"، هذه الفرق هي التي لم تكتفِ باجتياز الأزمة فحسب، واغتنمت الأزمة لإعادة تقييم إجراءات العمل المتبعة وإعادة ابتكارها لضمان أن تتمكن من التكيف باستمرار مع التغييرات غير المتوقعة في الأعوام المقبلة. فيما يلي 4 طرق أساسية لبناء فرق تتمتع بالقدرة الجوهرية على التكيف في عالم العمل الجديد.
1. التعاون بتبني الشمول
في أثناء الجائحة أُجبرت الفرق على اختراق الأقسام المؤسسية المنعزلة والتوصل إلى حلول ابتكارية حيث أمكن، ضمن المؤسسة وخارجها. نسمي هذه العملية "التعاضد"، وهي تعيد تعريف عضوية الفريق لتشمل أي فرد يتمتع بأهمية حيوية في تحقيق مهمة الفريق.
تبنت أفضل الفرق ثراء التنوع والشمول الذي يتيحه العمل الجماعي عن بُعد وضمن البيئتين الافتراضية والهجينة، وطورت عادات وإجراءات جديدة في العمل بهدف كسب أكبر قيمة ممكنة من هذه الفرص. بدأ بعض المؤسسات استكشاف قدرة الشمول والعمل التعاوني عبر الإنترنت على إذكاء شعلة الابتكار الواسع النطاق. وبدأت شركات عالمية، مثل "جوجل" و"أيه تي آند تي" و"دويتشه تليكوم" تستخدم شبكات موظفيها من أجل حشد مصادر الأفكار حول ابتكار المنتجات وتطوير السياسات. بدأت شركة "داو كيمكال" على وجه الخصوص تستخدم الأدوات الرقمية الافتراضية في العمل التعاوني مع صغار العملاء الذين لم يتواصلوا مع الشركة بصورة مباشرة من قبل، كما ساعد نهج جديد جريء قائم على الشراكات الخارجية عن بُعد في جعل عام 2020 يتميز بالابتكار والتحول في الشركة، إذ ولّدت عملاء محتملين أكثر بنسبة 80% مقارنة بأفضل أعوامها السابقة. قال لنا الرئيس التجاري التنفيذي في الشركة، دان فوتر: "منحنا هذا النهج فرصاً لتنفيذ العمل على نحو أفضل مما مضى، وتغلب على بعض القيود التي يفرضها العمل الشخصي. ما زلنا في بداية استكشاف ما سيحققه لنا".
2. القيادة عن طريق الإدارة المرنة
بيّن بحثنا أن الشركات التي أدت الجائحة إلى زعزعتها والمتنوعة مثل تنوع شركات "دلتا للطيران" و"جنرال موتورز" و"يونيليفر" استخدمت مبادئ الإدارة المرنة لطرح خطوط إنتاج وعمليات جديدة في غضون أسابيع بدلاً من أشهر أو سنوات. إذ أنشأت شركة "دلتا" قسماً جديداً كلياً يسمى "قسم النظافة العالمية" (Global Cleanliness Division)، وأعادت شركة "جنرال موتورز" تجهيز خطوط معاملها في غضون شهر واحد من أجل صناعة أجهزة التنفس الصناعي، وطورت شركة "يونيليفر" منتجاً جديداً لتعقيم الأيدي لم توفره في الأسواق الأميركية من قبل وطرحته في المتاجر في غضون 6 أسابيع.
من خلال العمل في وضع "المرونة تجاه الأزمة" نوعاً ما، منحت هذه الشركات فرق العمل سريعة الحركة وذاتية التنظيم الحرية لاختبار الأفكار بسرعة وتكرار الحلول من دون الحاجة إلى العودة إلى القيادات الأعلى للحصول على الموافقات، فولّدت نتائج استثنائية في زمن قياسي. يتمثل التحدي الآن في التعلّم من تجربة "المرونة تجاه الأزمة" ودمج الممارسات المرنة المستدامة في العمل اليومي.
تتمتع الفرق التي لديها مهمة واضحة وموارد كافية بالقدرة على التنظيم والإدارة الذاتيين؛ فهي تحدد ما يلزمها من أساليب وأفراد وموارد لتحقيق أهدافها، وتتطور السلوكيات ضمن الفريق من قواعد تركز على السلطة لتصبح ثقافات تركز على العملاء، ويسري حس المسؤولية من كل عضو إلى الفريق بأكمله، ومن الفريق إلى كل عضو.
تضم شركات "تارغت" و"ثري إم" و"ديل" وغيرها بالفعل فرقاً مكتملة لتعليم الأساليب المرنة وتنفيذها من قبل أن تنتشر الجائحة، وتضم شركة "تارغت" مركزاً لعلم المرونة يسمى "تارغت دوجو" (Target Dojo) حيث يُتوقع من الموظفين قضاء قرابة خُمُس وقتهم في تعلم مهارات جديدة تركز على المرونة. منح هذا المستوى من الدعم لثقافة المرونة شركة "تارغت" ميزة تنافسية كبيرة في التعامل مع الزعزعة والتغييرات غير المتوقعة التي شهدتها في العام الأول من انتشار الجائحة.
3. تعزيز قدرة الفريق على التحمل
تعرّف القدرة على التحمل بأنها القدرة على النهوض من أي محنة، وكانت تعتبر مسألة شخصية يحمل كل عضو في الفريق مسؤوليتها، لكن الجائحة كشفت الأهمية الحيوية التي تتمتع بها المسؤولية المشتركة. في الفرق العالية الأداء يعزز القادة فكرة أن الجميع مسؤولون عن صحة جميع الأعضاء ورفاهتهم ومعرضون للمساءلة، وعندما يتم التركيز على قدرة الفريق على التحمل ويساند الأعضاء بعضهم بعضاً في حمل المسؤوليات سيتمكن الفريق بأكمله من الحفاظ على طاقاته العاطفية والجسدية حتى عندما يواجه أعضاؤه الصعوبات. ولهذا السبب تفوقت الفرق التي تتمتع بقدرة هائلة على التحمل على التوقعات بسبب قدرتها على النهوض من المحن الكثيرة المرتبطة بالجائحة؛ بل استطاعت هذه الفرق أن تنهض مع تحقيق التقدم في آن معاً.
حددنا مجموعة من سلوكيات الفرق التي تعدّ أهم مؤشرات التشخيص الموثوقة لقدرة الفريق على التحمل، ومنها الأمان النفسي والمقاصد الإيجابية وتفقد الأحوال السريع والمتكرر والسخاء والامتنان والتعاطف. والفرق التي تؤكد أهمية قدرة كل عضو فيها على التعبير عن احتياجاته والتحديات التي يواجهها قادرة على حل المشكلات بسرعة أكبر وعلى نحو تعاوني والتوصل إلى إجراءات أكثر جرأة بسرعة أكبر. يتطلب العمل الجماعي عن بُعد وفي البيئة الهجينة مستوى عالياً من الوعي الذاتي بهذا الخصوص، ويجب أن يعي قادة الفرق الهجينة والتي تعمل عن بُعد ضرورة تفقد أحوال موظفيهم وتقديم التعزيز الإيجابي لهم عبر ممارسات مدروسة بعد أن كان يُقدّم في الماضي عبر ممارسات غير رسمية في التفاعلات الشخصية بدرجة أكثر.
4. تطوير بُعد النظر الحيوي
لماذا كانت الجائحة مباغتة لعدد كبير من الشركات؟ في عام 2006، خصصت مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" قسماً كاملاً يحمل عنوان الاستعداد لجائحة، وتنبأ بيل غيتس في عام 2015 باحتمال أن تقتل "الجراثيم لا الصواريخ" 10 ملايين شخص في العقد المقبل. كانت خطورة أن تزعزع جائحة ما أعمال الشركات في العالم مفهومة ولكن الجميع تقريباً تجاهلها، ونستشهد ببديهية بيتر دراكر حول التنبؤ بالمستقبل بتصرّف لنقول إن التهديد كان "مرئياً ولكننا لم نره بعد".
كم تهديداً آخر وكم فرصة أخرى يحمل أفقنا؟ ما هي الاحتمالات المستقبلية "المرئية الآن ولكننا لم نرها بعد"؟ ينبغي لكل مؤسسة دمج بُعد النظر المؤسسي، الذي يقتصر عادة على ممارسات التخطيط الاستراتيجي، في عملياتها الاعتيادية، يمكن لكل فريق تطوير إجراءات بسيطة ومراجعات شهرية تمنحه القدرة على التنبؤ بمجريات الأحداث، ويمكن للفرق استخدام البيانات ومعارف القطاع التي تجمعها يومياً في عملها التعاوني لإنشاء الحلول وتصميم تصورات العمل التي ستساعدها في تخفيف المخاطر واغتنام الفرص الجديدة.
المضي بالمؤسسة قدماً
يمكن لهذه الممارسات الأربعة؛ العمل التعاوني والمرونة والقدرة على التحمل وبُعد النظر خلق حالة تدفق دائري يمكن للفرق العمل ضمنها بمستوى الأداء الأقصى. تتمثل حقيقة القدرة الجوهرية على التكيف في أنها قابلة للتنبؤ واستباقية، على نحو معاكس تماماً للاستجابات التكيفية النمطية للتغيير التي تتميز بالتفاعل والإذعان. وعلى المستوى المؤسسي، تنطوي استجابة التكيف الجوهري للتغيير على إحداث تغييرات جوهرية في الطرق التي تتبعها المؤسسة لإدارة قوتها العاملة وتطوير نماذج العمل الجديدة وتنفيذ غايتها المؤسسية.