اعتقد بهاء أنه لن يترك أبداً الوظيفة المريحة التي كان يستمتع بالعمل فيها طوال العقد الماضي. ولكن عندما تواصلت معه شركة أخرى وقدمت له عرضاً جذاباً للغاية، وافق عليه وترك وظيفته. ثم بدأ الخوف بالتسلل إلى نفسه لأنه لم يجرب الانتقال إلى وظيفة جديدة منذ 10 سنوات. قرأ كتاب "التسعون يوماً الأولى" (The First 90 Days) وعلم أنه بحاجة إلى إحداث تأثير بسرعة، لذلك بدأ على الفور بمحاولة حل المشكلات.
وبعد مرور أسبوعين، كان بهاء قد حل بالفعل إحدى المشكلات، وكان هذا أول نجاح يحرزه. لكنه كان يلاحظ أن زملاءه في العمل غير ودودين. وذكر مديره أن السبب في ذلك هو أنه بحاجة إلى العمل بوتيرة أبطأ، لكنه لم يخبره أن هناك شكاوى تَرد بشأن نهجه في العمل. لم يدرك بهاء أن نجاحه الأول لم يكن يتعلق في الواقع بتحقيق هدف ما، بل بطريقة إنجاز عمله.
تلك الأسابيع الأولى في الوظيفة الجديدة هي التي تعطي فيها الانطباع الأول عنك، ومن الصعب تغيير تصورات الأشخاص بمجرد تكوينها. فيما يلي 5 نصائح حول كيفية الانتقال إلى وظيفة جديدة خاصة إذا كان قد مر وقت طويل منذ أن اتخذت مثل هذه الخطوة.
ابنِ علاقات
يُعد بناء العلاقات من أهم الأولويات عند الانضمام إلى شركة جديدة. إذا كنت تعمل في وظيفة لفترة طويلة، فربما لا تدرك كم كان لعلاقاتك تأثير مباشر على نجاحك. ينطوي بناء العلاقات على بناء الثقة، ما يسمح لك بالتحرك بشكل أسرع نظراً إلى ثقة الآخرين في طريقة صناعتك للقرارات.
إذاً، كيف يمكنك أن تبني علاقات بسرعة؟ أولاً، كن فضولياً بشأن الآخرين وعملهم بقدر فضولهم تجاهك "كموظف جديد". افهم أدوارهم والكيفية التي يمكنك بها تقديم قيمة لهم قبل اقتراح أي تغييرات. إذ إن فهم احتياجات زملائك في العمل هو الخطوة الأولى في عملية بناء العلاقات، لأن اهتمامك وحده سيجعلهم يشعرون بالرضا حيال انضمامك إلى الشركة.
ثانياً، عند إجراء هذه المحادثات، احترم التاريخ! إذا عمل الأشخاص في شركة ما لفترة طويلة، فهم بذلك قد أرسوا أسسها وربما يحافظون على تماسك الأنظمة أو العمليات القديمة بأقل الإمكانات بسبب الافتقار إلى التمويل أو الموظفين أو القدرة. أظهر الاحترام لما هو قائم في الوقت الحالي من خلال الاعتراف بسنوات العمل الشاق التي استغرقتها الشركة للوصول إلى ما هي عليه الآن. وفي المحادثات اللاحقة، اصطحب زملاءك في رحلة لعرض رؤيتك للمستقبل. لا تتسرع في إتمام الخطوة الأولى! فقد يستغرق بناء العلاقات أسابيع أو شهوراً أو حتى سنة (وهذا يتوقف جزئياً على ما إذا كنت تعمل وجهاً لوجه أم عن بُعد).
تعرّف على الشركة وثقافتها
عند الانتقال إلى وظيفة جديدة في شركة ما، قد لا تكون على عِلم بالكثير عنها باستثناء ما قرأته عنها للتحضير للمقابلات. وسينظر إليك زملاؤك الجدد على أنك شخص لا يعرف شيئاً عن طبيعة العمل. لذا، اقضِ بعض الوقت في التعرف على الشركة وثقافتها.
تحتوي معظم المواقع الإلكترونية للشركات على رابط غرفة الأخبار التي تضم جميع بياناتها الصحفية. إذا كنت تعمل في شركة مساهمة عامة في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، فألقِ نظرة على تقريرها السنوي الشامل "نموذج 10-K"، الذي تطلبه هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية من الشركات العامة ويتضمن عادة تقريرها السنوي، والمعلومات المتوفرة عن المستثمرين. اِعرف: كيف تحقق الشركة إيرادات؟ وما هي المنتجات التي تبيعها؟ وكيف تعمل المنتجات؟ وما هي الأهداف الفصلية والسنوية للشركة؟ وما هي المقاييس المستخدمة لقياس نجاح الشركة والتأكد من نموها؟ إلى أين تتجه الشركة في السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة؟ ستساعد الإجابات عن هذه الأسئلة على معرفة كيفية ارتباط وظيفتك بأعمال الشركة ككل.
علاوة على ذلك، اعرف أكثر عن ثقافة الشركة. كيف يعمل الموظفون على المهمات المشتركة بين الأقسام؟ هل الشركة مرنة وسريعة الحركة أم تتحرك ببطء وحذر؟ ما الذي يؤثر على سرعة العمل؟ كيف يتواصل الموظفون معاً؟ هل يتواصلون عبر البريد الإلكتروني أم الدردشة أم هاتفياً في أي وقت؟ هل يمكن لأي مستوى التواصل مع أي مستوى، أم أن التواصل قائم على التراتبية؟ أياً كان المنصب الذي تشغله، كلما زادت معرفتك بالشركة وثقافتها، ستكون أكثر نجاحاً في مواءمة عملك مع أهداف الشركة والتصرف بطريقة تتسق مع ثقافتها.
افهم كيف ينظر الآخرون إلى وظيفتك
في أثناء بناء العلاقات والتعرف على الشركة، اطرح أيضاً أسئلة لمعرفة كيف ينظر الآخرون إلى وظيفتك لفهم توقعاتهم منك ومن دورك ووظيفتك عموماً. فحصولك على المسمى الوظيفي أو المنصب الوظيفي نفسه الذي كنت تشغله في شركتك السابقة لا يعني أن الوظيفة الجديدة ستكون هي نفسها وظيفتك السابقة، وكذلك الطريقة التي ستحقق بها قيمة في دورك الجديد.
عندما انضممت إلى إحدى الشركات، وجدت أن كل صاحب مصلحة لديه توقعات مختلفة من دوري، ولم يكن لدى أحد القادة أي فكرة عن دوري أو الكيفية التي يمكنني بها استخدام مهاراتي لتحقيق قيمة لمؤسسته. أدركت أنني سأحتاج إلى قضاء بعض الوقت لتعريف الجميع بما ينطوي عليه دوري، وما لا ينطوي عليه، حتى أتمكن من تلبية توقعاتهم.
اِفهم التبعيات
افهم التبعيات وكيفية سير العمل بين الأقسام لتحديد مَن سيحتاج إلى شيء منك وما الذي ستعتمد عليه لتتمكن من توفير هذا الشيء. لمَن يجب أن تقدم نتائج العمل؟ وكيف سيستخدمها أصحاب المصلحة الذين تتقاطع مهماتهم؟ اسأل مديرك عن أهم 10 أشخاص تتقاطع مهماتهم ويتفاعل فريقك معهم. وبعد ذلك، اقضِ بعض الوقت في فهم كيف يرون سير العمل بين الأقسام وما يحتاجون إليه من دورك لتحقيق النجاح. وافهم توقيت سير العمل حتى تتمكن من الوفاء بالمواعيد النهائية وتقديم أكبر قيمة لعملك.
امنح نفسك وقتاً
يريد الأشخاص أن يشعروا أنهم مرتبطون بالشركة بمجرد أن يقبلوا وظائفهم، لكن هذا لا يحدث دائماً. إذ يُعد بدء العمل والاندماج في شركة جديدة أمراً صعباً، لا سيما إذا كان العمل عن بُعد. امنح نفسك فرصة للتنقل عبر "منحنى كوبلر روس للتغيير"؛ في البداية ستكون متحمساً، ثم ستُصدَم لما قد تجده مختلفاً أو أصعب في الوظيفة الجديدة، ثم ستمر بحالة إنكار لحجم هذا الاختلاف، ما يمكن أن يتحول بسرعة إلى شعور بالإحباط. وقد تسوء حالتك المزاجية وتدخل في حالة شبيهة بالاكتئاب، قبل أن تبدأ بالتجربة والاندماج بطريقة تجعلك تشعر بالرضا حيال وظيفتك الجديدة.
وفي النهاية، ستندمج وتشعر بالراحة في الشركة الجديدة. يتنقل كل شخص عبر المنحنى بوتيرة مختلفة، لذا كن صبوراً وتمالك نفسك وحاول العثور على شخص يمكنك التواصل معه إذا لم يكن لديك موجه. واعلم أن التغيير صعب على الجميع تقريباً، فتقبله وآمِن أنه جزء من نموك.
. . .
أفضل طريقة لتنفيذ هذه الخطوات هي أن تصغي أكثر مما تتكلم، وأن تصوغ كل فكرة في شكل سؤال. على سبيل المثال، إذا كنت في اجتماع وراودتك فكرة رائعة، يمكنك أن تقول: "أعتقد أنه ينبغي لنا القيام بذلك". ونتيجة لذلك فإن كل مَن في الغرفة إما أ) سيرفضون فكرتك لأنها جُرِّبت من قبل وفشلت، ب) وإما سيتجاهلونها لأنك موظف جديد ولا تعرف طبيعة العمل، ج) وإما سيرون أنها مثيرة للاهتمام ولكنهم سيتجاهلونها أيضاً لأنك موظف جديد.
بدلاً من ذلك، صُغ إسهامك في شكل سؤال، مثل "يساورني الفضول، هل حاولنا القيام بذلك من قبل؟". إذا لم تكن الفكرة سديدة لأنها فشلت من قبل، فسيتم إعلامك بما حدث في الماضي وسيُنظر إليك كشخص يحاول التعلم. وإذا لم تكن جُرّبت من قبل ويمكن أن تنجح، فإن فضولك سيجعلك بطلاً.