ملخص: تتبنى شركات كثيرة نظرة محدودة إلى القدرة على التحمل باعتبارها مجرد ضمان لاستمرار العمليات على المدى المنظور في أثناء الأزمات. لكن القدرة على التحمل الحقيقية هي مفهوم أوسع، فهي قدرة الشركة على امتصاص الضغوط واستعادة قدرتها الوظيفية الأساسية وتحقيق الازدهار في ظل الظروف الجديدة. القدرة على التحمل ليست اعتباراً تشغيلياً فحسب، بل هي ميزة استراتيجية محتملة تمنح الشركات إمكانية الاستفادة من الفرص التي تتاح عندما تكون الشركات المنافسة في أدنى درجات الاستعداد. يستكشف المؤلفون في هذا المقال 5 خرافات حول القدرة على التحمل ويقدمون 7 إجراءات تساعد القادة في بناء مؤسسات أكثر قدرة على الصمود.
على مدى الأعوام القليلة الماضية واجه قادة المؤسسات باستمرار ما يذكرهم بالترابط الداخلي بين الشركات والأنظمة الاقتصادية والمجتمعات وتقلبها. وقد أدت الكوارث الإنسانية، بدءاً من الجائحة وصولاً إلى الحرب في أوكرانيا، إلى خلق موجات صدمة تؤثر في القضايا الجيوسياسية والأنظمة الاقتصادية والتجارة والطاقة والأسواق المالية، وتأثر بها كل من سمعة الشركات والأسواق وسلاسل التوريد والموظفين بطرق لم تكن متوقعة.
ليس من المفاجئ أن تصبح القدرة على التحمل -القدرة على الازدهار في ظل التغيير- على رأس جداول عمل الكثير من القادة. وكما رأينا في جائحة "كوفيد-19"، فالشركات التي تتمتع بقدرة أكبر على التحمل حققت نتائج أفضل، حتى إن بعضها خرج من الأزمة بصفته الرابح الجديد.
ولكن التاريخ يخبرنا أن الشركات تفقد اهتمامها بالقدرة على التحمل مع زوال الأزمة غالباً، وقلة من الشركات قامت على نحو منهجي بتسجيل الدروس التي تعلمتها حول القدرة على التحمل وعملت على ترسيخها في مؤسساتها.
هذا لأن شركات كثيرة تتبنى نظرة محدودة إلى القدرة على التحمل باعتبارها مجرد ضمان لاستمرار العمليات على المدى المنظور في أثناء الأزمات. لكن القدرة على التحمل الحقيقية هي مفهوم أوسع، فهي قدرة الشركة على امتصاص الضغوط واستعادة قدرتها الوظيفية الأساسية وتحقيق الازدهار في ظل الظروف الجديدة. القدرة على التحمل ليست اعتباراً تشغيلياً فحسب، بل هي ميزة استراتيجية محتملة تمنح الشركات إمكانية الاستفادة من الفرص التي تتاح عندما تكون الشركات المنافسة في أدنى درجات الاستعداد.
ومن أجل بناء مؤسسات مرنة بحق يجب على القادة أولاً فهم 5 خرافات ربما كانت سبباً في إعاقتهم.
الخرافة الأولى: القدرة على التحمل هي مشكلة متعلقة بسلسلة التوريد أساساً
الحقيقة: القدرة على التحمل ضرورية في جميع أقسام المؤسسة الأساسية.
سلاسل التوريد المضطربة والشحنات المتأخرة هي مشكلات واضحة وآنية ولكن التركيز على إدارة الأزمات الحادة فقط يحرف الصورة، وعندما تترسخ القدرة على التحمل في جميع الأقسام الأساسية، بدءاً من قسم الشؤون المالية مروراً بتكنولوجيا المعلومات وصولاً إلى خدمة الزبائن، ستتمكن الشركات من استعادة قدرتها الوظيفية وأدائها العالي بسرعة وفعالية أكبر بكثير.
الخرافة الثانية: القدرة على التحمل مرادفة لتخفيف المخاطر
الحقيقة: تتعلق المرونة بتمكين الاتجاه الصعودي بقدر ما تتعلق بالحماية من مخاطر الانحدار.
تساعد القدرة على التحمل في التخفيف من تأثير الأزمة المباشر عن طريق منح الشركات القدرة على توقع الصدمات والاستعداد لمواجهتها وحماية نفسها منها، وتتيح أيضاً الاستجابة للأزمات باغتنام الفرص التي ترافقها والازدهار في الظروف الجديدة وتشكيل بيئة تنافسية تخدم مصالح الشركة.
الخرافة الثالثة: القدرة على التحمل هي اعتبار تشغيلي أساساً
الحقيقة: القدرة على التحمل ذات طابع استراتيجي.
يقلل كثير من القادة اليوم من قيمة القدرة على التحمل معتقدين أنها محصورة بمجموعة ظروف محدودة واستثنائية، ولكنها لا تقدم القيمة في أثناء الأزمات فقط وإنما بعد انتهائها بزمن طويل أيضاً، وهي قادرة على خلق ميزة تنافسية بعدة طرق، مثل:
- تمييز الخدمة بدرجة أعلى من الجدارة بالثقة.
- التركيز على الفرص العابرة مثل المواهب الملائمة وأسواق الاستحواذ.
- اكتساب حصة سوقية بعروض جديدة تلائم الظروف الجديدة.
الخرافة الرابعة: القدرة على التحمل هي كلفة تتحملها الشركة
الحقيقة: القدرة على التحمل هي محفز للقيمة.
تقدم القدرة على التحمل فوائد مستقبلية كبيرة إذا تم استثمارها بصورة استباقية، ويتطلب بناء ما يلزم من الفائض الاحتياطي والوحدات المنفصلة القابلة للتجميع والتنوع والقدرة على التكيف تبني مقايضة مع الفاعلية على المدى المنظور. تؤدي الصعوبة في استخدام المقاييس التقليدية لقياس القيمة ذات الأجل الطويل للقدرة على التحمل إلى اتخاذ القادة قرارات قصيرة النظر تولي قيمة مبالغ فيها للفاعلية ذات الأجل القصير.
غير أن تحليل تأثير القدرة على التحمل الذي أجري على مدى 25 عاماً يبين أنها تحقق قيمة أداء متميزة طويلة الأجل. على الرغم من أن الأزمة حدثت في 11% فقط من الفصول السنوية، فإجمالي عائد المساهمين النسبي في أثناء هذه الفترات كان مسؤولاً عن 30% من إجمالي عائد المساهمين النسبي طويل الأجل في الشركة. بعبارة أخرى، كان أثر الأداء في فترات الأزمات يعادل 3 أضعاف أثره في فترات الاستقرار.
الخرافة الخامسة: الأزمات نادرة جداً وفريدة من نوعها على نحو يجعل الاستثمار في القدرة على التحمل غير منطقي
الحقيقة: تحتاج الشركات إلى القدرة على التحمل لتجاوز عالم متقلب بدرجة متزايدة.
تمنح القدرة على التحمل الشركات القدرة على الاستعداد لمواجهة الصدمات المستقبلية والاستجابة لها على نحو أفضل، سواء كانت جائحة أو نزاعاً جيوسياسياً أو أثراً من آثار التغيير المناخي أو تهديداً للأمن السيبراني أو اضطراباً في قطاع معين، أو غير ذلك من التحديات غير المتوقعة.
في عالمنا المتقلب بصورة متزايدة، قد تصبح الأزمات الخارجية المنشأ أكثر تكرراً ولكن لا يمكن تفادي الضرر والخسارة. يجب أن يستعد القادة للعمل على قيادة مؤسساتهم بفعالية في أوقات الأزمات والاستقرار على حد سواء.
بناء مؤسسة مرنة
يجب على القادة اتخاذ 7 إجراءات حاسمة من أجل ترسيخ القدرة المنهجية على التحمل في المؤسسات:
1. احرص على تبني نظرة موسعة للقدرة على التحمل
انظر للقدرة على التحمل على أنها فرصة استراتيجية وضرورة تشغيلية في آن معاً، واحرص على ترسيخها في كل قسم من أقسام الشركة عن طريق تقييم أثر فقدان القدرة الوظيفية أو ضعفها وتبني نهج مصمم خصيصاً لمعالجتها.
2. احرص على فهم المقايضة بين القدرة على التحمل طويلة الأجل والفاعلية قصيرة الأجل ومعالجتها
فيما يتعلق بالفاعلية، يؤدي عدم الاستثمار بدرجة كافية إلى فقدان القدرة التنافسية وبالتالي الشلل، في حين أن عدم الاستثمار بدرجة كافية في القدرة على التحمل يسبب فشل الشركة أو معاناتها وضعاً غير مؤات للمنافسة على المدى الطويل. لن يتمكن القادة من تسويغ جهود القدرة على التحمل وضبطها إن لم يعالجوا هذا التحدي مباشرة.
3. عدّل ذهنيتك
انظر للأزمة على أنها اضطرابات حتمية يجب الاستعداد لها وإدارتها والاستفادة منها لخلق فرص تنافسية، بدلاً من اعتبارها أحداثاً استثنائية لا تتكرر يجب التصدي لها بأساليب مرتجلة. سيساعد تغيير النظرة بهذه الطريقة المؤسسات على صنع قرارات استباقية موجهة نحو المستقبل في أثناء الأزمة تتيح لها النجاح وتشكيل مشهد ما بعد الأزمة.
4. احرص على قياس القدرة على التحمل
احرص على وضع معايير الشركة التي تقيس المرونة وقابلية الاستجابة (مثل معدلات التعافي مقارنة مع المنافسين والحصة المكتسبة من الأرباح القصيرة الأمد وسيولة المحفظة الاستثمارية وسرعة التعبئة) من أجل نقل التركيز ليتعدى تحسين الأداء على المدى المنظور وإعادة توجيهه نحو إمكانات النمو طويلة الأجل.
5. ضع القدرة على التحمل موضع التنفيذ
احرص على بناء القدرة على التحمل عبر عدة جداول زمنية عن طريق تطبيق 6 مبادئ أساسية:
- توقع الصدمات المستقبلية باستخدام مبدأ الاحتراز
- الاحتراز: في حين قد لا يكون من الممكن توقع المستقبل بدقة في كثير من الأحيان، فمن الممكن وضع تصورات عن المخاطر على نحو معقول. لذا، طور أنظمة للإنذار المبكر من أجل كشف التغيرات واستخدم التخطيط للطوارئ وألعاب الحروب من أجل الاستعداد من الناحيتين الفكرية والسلوكية لهذه الأحداث المستقبلية المحتملة.
- احرص على امتصاص أثر الأزمات عن طريق بناء الفائض والتنوع والوحدات المنفصلة القابلة للتجميع
- الفائض: حافظ على الدرجة المناسبة من القدرة على امتصاص أثر الأزمات من خلال المخزونات الإضافية (أي السيولة النقدية والمخزون) أو القدرة التشغيلية الإضافية (أي الموردين ومنشآت التصنيع). قد يكون تكرار العناصر خطوة غير فاعلة على المدى المنظور ولكنه يشكل حرزاً يقيك من الأحداث غير المتوقعة.
- التنوع: استثمر في تنوع عناصر الشركة الأساسية (المنتجات ونماذج العمل وطرق التفكير) من أجل تمكين الاستجابة للتغيرات غير المتوقعة وتفادي ترابط الاستجابات في أي نظام لأنه يؤدي إلى فشل النظام بأكمله.
- الوحدات المنفصلة القابلة للتجميع: تعدّ المكونات الجزئية المنفصلة وغير المترابطة (كالشركات التابعة والمعامل والفرق) بمثابة "قواطع الدارة" التي تحمي النظام من الانهيار عندما يعاني أحد مكوناته ضغطاً كبيراً.
- تكيف مع البيئات الجديدة الناشئة وأعد تخيلها
- الرسوخ: احرص على تحقيق التوافق بين أهداف شركتك وأنشطتها من جهة وأهداف الأنظمة الاقتصادية أو الاجتماعية التي تنتمي إليها وأنشطتها من الجهة الأخرى، فذلك سيوطد علاقات شركتك مع الموظفين والعملاء والحكومات والشركاء الذين يمكن الاعتماد عليهم في الأزمات، كما سيحمي الشركة من "الأزمات البطيئة"؛ أي: الانحراف التدريجي في السلوكيات والقيم الذي يعطل نموذج العمل أو يدمّره.
- التكيف: ليس من الممكن غالباً التخطيط للتغييرات الخارجية المنشأ، وهي تتطلب نهجاً قابلاً للتكيف ينطوي على التجريب والاختيار وتوسيع النتائج الناجحة. احرص على وضع الخطط على نحو ديناميكي وإعادة تخصيص رأس المال بحسب تغير الظروف.
- الخيال: إلى جانب التكيف، احرص على أن تكون المتحكم بالتغيير لا ضحيته عن طريق إعادة تصور الأعمال وتشكيل بيئاتها بصورة استباقية.
6. كن قدوة يحتذى بها في السلوكيات القيادية
يتطلب تبني القدرة على التحمل تغييراً ثقافياً. قد يكون من الصعب التغلب على الإفراط في التركيز على الكفاءة على المدى القصير، وهو أمر مترسخ من خلال تعليم إدارة الأعمال، وثقافة مكان العمل، والمقاييس المتخلفة، والحوافز المنحرفة. لذا يجب أن يعزز القادة هذا التغيير عن طريق الدعوة الصريحة إلى بناء القدرة على التحمل وترسيخ الدروس التي تعلموها من الأزمات التي مروا بها مؤخراً.
7. ساهم في تحسين القدرة على التحمل في الأنظمة المجتمعية التي تعتمد عليها شركتك
أدت جائحة "كوفيد-19" إلى توضيح أمر على نحو لا يترك مجالا للشك؛ لا يعمل القادة ومؤسساتهم في فراغ، بل يؤثرون في المجتمعات التي ينتمون إليها ويتأثرون بها. لا يمكن أن تنجح الشركات إذا فشل المجتمع، والقدرة على التحمل هي صفة تميز الأنظمة المتكاملة لا أجزاءً من أنظمة، كالشركات أو وحدات العمل المفردة. وبالتالي يجب أن تؤدي الشركات دوراً في القضايا الأشمل التي تتعدى الحدود المؤسسية التقليدية. يجب أن يسعى القادة لتخفيض درجة التقلب والضعف في الأنظمة والمجتمعات التي يعتمدون عليها، عن طريق تعزيز النسيج الاجتماعي بجهود مثل تقليص الاستقطاب وتحسين القيمتين الاجتماعية والتجارية وإعادة تصور نماذج العمل لأجل تحقيق الاستدامة.
لم تكن جائحة "كوفيد-19" الاختبار الأول لقدرة الشركات على التحمل، ولن تكون الأزمة الأوكرانية الاختبار الأخير، لذا يجب أن تتحرك الشركات الآن وتتخذ الإجراءات اللازمة لترسيخ القدرة على التحمل قبل أن يتلاشى أثر دروس هذه الأزمات وتصبح غير مستعدة لمواجهة الأزمات القادمة.