هل تبحث عن حلول إبداعية؟ ابحث خارج قطاعك

4 دقائق
الاستراتيجيات والرؤى الثاقبة
كاسبر بنسن/غيتي إميدجيز

ملخص: ولّدت الفوضى والأزمات التي حدثت خلال العامين الماضيين جميع أنواع الأسئلة التي طرحها القادة والمؤسسات. وتمثّل أحد أهم الأسئلة في: هل توصلنا إلى أفكار جديدة حول ماهية المجالات التي يمكننا البحث فيها عن أفكار جديدة؟ اعتادت الشركات دائماً اللجوء إلى إدارات البحث والتطوير وأساليبها القديمة التي تستغرق وقتاً طويلاً عندما يتعلق الأمر بالابتكار وحل المشكلات. وعلى الرغم من ذلك، توجد اليوم فرصة لاتباع نهج مختلف عن إجراء عمليات البحث والتطوير، ألا وهو التقليد والتكرار. وتتمثّل أسرع طريقة لمساعدة المؤسسات في فهم التحديات التي تعترضها لأول مرة في التقصي عن المجالات غير ذات الصلة وتحري طبيعة الأفكار التي نجحت فيها على مدى سنوات. لماذا تغامر بتبني الاستراتيجيات والرؤى الثاقبة غير المختبرة إذا كان بإمكانك تطبيق الاستراتيجيات والرؤى الثاقبة التي أثبتت جدواها بالفعل في مجالات أخرى؟ تلك هي الطريقة التي يمكن للقادة من خلالها مساعدة زملائهم في مواصلة التعلم لمواكبة السرعة التي يتغير بها العالم.

 

يتمثل التحدي الكبير في أوقات الزعزعة وعدم اليقين في أن يواصل الموظفون والمؤسسات التعلم لمواكبة السرعة التي يتغير بها العالم، وذلك بهدف تحليل المشكلات التي لم تعترض سبيلهم من قبل، وفهم الفرص التي لم تكن لتخطر على بالهم، ومعالجة العواطف التي لم يختبروا ماهيتها من قبل.

ولهذا السبب، يجب على القادة تشجيع زملائهم على التعلم من الخبراء في المجالات التي لم يسبق لهم أن عملوا فيها. فقد تكون الممارسات التي اعتُبرت روتينية في قطاع ما ممارسات ثورية عندما يتم نقلها إلى قطاع آخر، لا سيما عندما تتحدى الفكر السائد في ذلك القطاع. وهل توجد طريقة أفضل لتنمية خيال شركتك من البحث عن الإلهام خارج قطاعك؟ بمعنى آخر، إذا كنت ترغب في التعلم بسرعة، فتعلم من الغرباء.

يشارك كريستوفر بوغان ومايكل إنلغش في دليلهما التوجيهي الشامل حول القيادة والتعلم المؤسسي دراسة حالة من تاريخ الأعمال توضح قدرة الأفكار المقبولة في قطاع ما على أن تغير قطاعاً آخر بسرعة. حيث كتبا: "شاهد هنري فورد الفضولي رجالاً يقطعون اللحوم في أثناء جولة في أحد المسالخ في شيكاغو عام 1912. كانت الذبائح معلقة بكلاليب ومثبتة على خط حديدي أحادي مرتفع. وكان كل رجل يؤدي مهمته يدفع الذبيحة إلى المحطة التالية. وعندما انتهت الجولة، قال المرشد: "ما رأيك يا سيد فورد؟" التفت هنري فورد إلى الرجل وقال: "شكراً لك يا بني، لقد استلهمت فكرة جيدة حقاً". وبعد أقل من ستة أشهر، بدأ أول خط تجميع في العالم لإنتاج المولدات المغناطيسية في مصنع "فورد هايلاند بارك" (Ford Highland Park).

أو تأمّل دراسة الحالة الحديثة تلك: حيث وصفت مقالة نُشرت مؤخراً في "صحيفة وول ستريت جورنال" النهج الذي اتبعه مدير مستشفى مكتظ في شيكاغو لمساعدة الممرضات في التعامل مع التداعيات العقلية والعاطفية لموجة "كوفيد-19" المبكرة وظهور متحول "أوميكرون". لاحظ هذا المدير الذي كان من قدامى المحاربين في الجيش أيضاً "أن العبارات التي استخدمتها الممرضات في حديثهن كانت مشابهة للعبارات التي سمعها من الجنود الذين خدموا في مناطق القتال". فاستعار المفاهيم والتقنيات التي طورها الجيش لمساعدة القوات في التعامل مع صدمة الحرب لتطوير برنامج يساعد الممرضات في الحفاظ على رباطة جأشهن في مواجهة الفيروس. وتعجبت إحدى الممرضات من المدير وبرنامجه قائلة: "لقد تمكّن من تحديد أوجه التشابه بيننا وبين قدامى المحاربين في الحرب. لم يسبق أن خطر مثل ذلك الترابط على بالي أبداً؛ أنا أعمل ممرضة منذ 20 عاماً في هذه الوحدة، ولم يسبق لي أن رأيت مثل هذا النوع من الصدمات على فريقنا على الإطلاق. وتعجّبتُ عندما توصل إلى هذا الرابط كيف أنني لم أدركه من قبل أبداً".

لن تكون جميع حالات التعلم من الغرباء ملهمة بالطبع، لكنها قد تكون بنفس الفاعلية. على سبيل المثال، كان مستشفى "غريت أورموند ستريت" (Great Ormond Street) للأطفال المشهور برعايته مرضى القلب في لندن يعاني منذ عدة سنوات من سوء تصميم "نظام نقل البيانات" عند نقل المرضى من إجراء طبي معقد إلى إجراء آخر؛  وهو ما دفع الدكتور مارتن إليوت، رئيس قسم جراحة القلب، والدكتور ألان غولدمان، رئيس قسم العناية المركزة للأطفال إلى التواصل مع خبراء متخصصين ذوي قدرات عالية من مجال غير ذي صلة تماماً وكانوا أفضل من أي شخص آخر في تنظيم عمليات النقل، ألا وهم طاقم صيانة سيارات فراري في فريق سباق الفورميولا ون.

عمل الأطباء وطاقم الصيانة معاً في مركز السباق الخاص بالفريق في إيطاليا، وفي بطولة "غراند بركس" (Grand Prix) البريطانية، وفي غرفة العمليات بالمستشفى. وصُدم أعضاء طاقم الصيانة بمدى سوء عمليات نقل البيانات في المستشفى، إضافة إلى حقيقة افتقارها إلى قائد واضح. (في سباقات الفورميولا ون، يستخدم ما يدعى بـ "المرشد" لافتة مستديرة يسهل رؤيتها لإصدار الأوامر). ولاحظوا علاوة على ذلك مدى الضوضاء الذي يصدر عن هذه العملية، في حين يعمل طاقم صيانة سيارات فيراري في صمت إلى حد كبير، على الرغم من (أو بسبب) هدير المحركات من حولهم. وأعادت المستشفى تصميم إجراءات نقل البيانات وقللت بشكل كبير من الأخطاء الطبية بفضل التقنيات التي تعلمها الأطباء من هؤلاء الغرباء، تلك التقنيات التي كانت ممارسات متعارف عليها في حلقات السباق.

وليس من الضروري أن يتعلق التعلم من الغرباء بالتعامل مع موقف غير مألوف أو حل مشكلة معينة دائماً. على سبيل المثال، كان الكولونيل دين إسرمان، خلال الفترة التي قضاها رئيساً للشرطة في مدينة بروفيدنس بولاية رود آيلاند الأميركية وأجرى خلالها تغييرات تحويلية على طريقة أداء فريق العمل، قد حث أعضاء قسمه الانعزاليين على الانفتاح على الأفكار المبتكرة ووجهات النظر وطرق التفكير الجديدة. وتمثّلت إحدى مبادراته في إعداد برنامج إبداعي رائع أطلق عليه اسم "كوبس آند دوكس" (الشرطة والأطباء). حيث انضم محققو إسرمان إلى جلسات الأطباء في كلية الطب بجامعة براون لمناقشة الحالات الصعبة. وراقب المحققون الأطباء واستمعوا إلى كيفية تحليلهم الإشارات التي أعرب عنها المريض (الأعراض)، وكيفية فرز الأدلة (نتائج الاختبار)، وتحديد السبب (المرض).

في المقابل، انضم الأطباء إلى جلسات اجتماع قيادة قسم الشرطة لمعرفة كيفية تعامل رجال الشرطة مع المعلومات المتضاربة والمربكة، وكيفية استبعاد المشتبه بهم، وحل قضاياهم. تمثّل هدف إسرمان في أن يصبح قسمه "مكاناً يحتضن البحوث ويكتشف المنهجيات التي تتبعها كليات الطب وتمارسها". بمعنى آخر، أدرك الرئيس ضرورة أن يتعلم المحققون من الخبراء في مجال لا علاقة له بالشرطة للتوصل إلى وجهات نظر جديدة حول أعمال حفظ الأمن.

ولّدت الفوضى والأزمات التي حدثت خلال العامين الماضيين جميع أنواع الأسئلة التي طرحها القادة والمؤسسات. وتمثّل أحد أهم الأسئلة في: هل توصلنا إلى أفكار جديدة حول ماهية المجالات التي يمكننا البحث فيها عن أفكار جديدة؟ اعتادت الشركات دائماً اللجوء إلى إدارات البحث والتطوير وأساليبها القديمة التي تستغرق وقتاً طويلاً عندما يتعلق الأمر بالابتكار وحل المشكلات.

وعلى الرغم من ذلك، توجد اليوم فرصة لاتباع نهج مختلف عن إجراء عمليات البحث والتطوير، ألا وهو التقليد والتكرار. وتتمثّل أسرع طريقة لمساعدة المؤسسات في فهم التحديات التي تعترضها لأول مرة في التقصي عن المجالات غير ذات الصلة وتحري طبيعة الأفكار التي نجحت فيها على مدى سنوات. لماذا تغامر بتبني الاستراتيجيات والرؤى الثاقبة غير المختبرة إذا كان بإمكانك تطبيق الاستراتيجيات والرؤى الثاقبة التي أثبتت جدواها بالفعل في مجالات أخرى؟ تلك هي الطريقة التي يمكن للقادة من خلالها مساعدة زملائهم في مواصلة التعلم لمواكبة السرعة التي يتغير بها العالم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي