ملخص: كيف يمكنك توجيه قوتك العاملة نحو المهارات والكفاءات التي يحتاج إليها كل من الشركة والموظفين؟ يكمن الجواب بالنسبة لغالبية الشركات في مسار التعلم؛ مجموعة أنشطة مرتبة بتسلسل معين تتنوع مصادرها وصيغها مصممة بهدف تطوير مهارات الزملاء وسلوكياتهم. في أفضل الحالات تجمع مسارات التعلم المصادر التعليمية المختلفة وتشكل منها رحلات تعلم تثقيفية متماسكة ومتنوعة وغنية توقع أثراً تحويلياً على حياتنا المهنية والشخصية. تنظيم المحتوى نصفه فن ونصفه الآخر علم، ويقدم هذا المقال قائمة مراجعة لطريقة اختيار الموظفين وتنظيمهم وتحفيزهم للإقبال على مسارات تعلم مدهشة توسع آفاقهم وتعززهم مهنياً.
توسعت فجوة المهارات بدرجة كبيرة نتيجة لكلّ التغيرات التي شهدناها مؤخراً في سوق العمل والتي أدت جائحة "كوفيد-19" إلى تسريعها. ووفقاً لحسابات المنتدى الاقتصادي العالمي فإن معالجة هذه الفجوة ستؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بقيمة 6.5 تريليون دولار بحلول عام 2030، كما أن المحتوى التعليمي بات متوفراً بغزارة هائلة في العالم بنفس الوقت. إذن ما أفضل طريقة لضمان أن يعثر الموظفون على المحتوى المناسب ويتفاعلوا معه كي يتمكنوا من تطوير المهارات اللازمة لسد هذه الفجوة وتحقيق النتائج التجارية التي تحتاج إليها مؤسستك بشدة؟
يكمن الجواب بالنسبة لغالبية الشركات في مسارات التعلم؛ مجموعة أنشطة مرتبة بتسلسل معين تتنوع مصادرها وصيغها مصممة بهدف تطوير مهارات الزملاء وسلوكياتهم. تساعد أنظمة التعلم المؤسسية، مثل منصات تجربة التعلم (LXP) وأنظمة إدارة التعلم (LMS)، في جعل مسارات التعلم محوراً لتجربة المستخدم؛ "تعلّم هذا لتتمكن من القيام بذاك". فعلياً، يتم إعداد مسار تعلم غير رسمي كلما شارك أحد الموظفين محتوى تعليمياً مع موظف آخر، سواء عبر البريد الإلكتروني أو عبر منصة "سلاك" أو "مايكروسوفت تيمز" أو "لينكد إن"، كما أن تنظيم المحتوى (Content Curation) يحلّ محل التوجه السابق المتمثل في إنشاء المحتوى (Content Creation) بصورة متزايدة ولكننا لا نراه في عالم الشركات، فالانتشار الكبير لمقاطع "فيديو رد الفعل" (reaction video) على منصتي "يوتيوب" و"تيك توك" مثال على التيار السائد واسع الانتشار المتمثل في تنظيم المحتوى وإضافة القيمة إليه ونشره.
في أفضل الحالات تجمع مسارات التعلم المصادر التعليمية المختلفة وتشكل منها رحلات تعلم تثقيفية متماسكة ومتنوعة وغنية توقع أثراً تحويلياً على حياتنا المهنية والشخصية. وفي أسوأ الحالات، وهي الأكثر شيوعاً، تكون هذه المسارات مجرد قطرات تضاف إلى بحر زاخر بمحتوى الشركات، ولا تؤدي إلا إلى إرباك المتعلمين وتخييب آمالهم.
تنظيم المحتوى نصفه فن ونصفه الآخر علم، وفيما يلي نقدم قائمة مراجعة تساعدك على اختيار الموظفين وتنظيمهم وتحفيزهم للإقبال على مسارات تعلم مدهشة توسع آفاقهم وتعززهم مهنياً.
اختيار مسارات التعلم
ما هي مسارات التعلم التي يتعين عليك بناؤها؟ يمكنك الاستعانة بعدد من مصادر البيانات ذات الصلة من داخل شركتك، ومنها الأسئلة المطروحة في البحث وأولويات الشركة وعمليات البحث عن المهارات الرائجة والمهارات المستقبلية والوصف الوظيفي. طابق هذه البيانات مع نقاشاتك التي تجريها مع جمهورك المستهدف حول ما يرغبون في تعلمه والمشكلات التي تواجههم في التعلم واستمر في طرح الأسئلة إلى أن تصل إلى السبب أو الأسباب الرئيسية. خذ مثلاً زميلاً يقول: "أنا لا أجيد إلقاء العروض التقديمية". بدلاً من اللجوء فوراً إلى حلّ يتمثل بإنشاء مسار تعلم حول تصميم العروض التقديمية أو رواية القصص، حاول أن تتعمق أكثر وتفهم مخاوفه الأساسية عن طريق طرح أسئلة مثل: "كيف تستعدّ للعرض التقديمي؟" أو "ما هي توقعاتك من عروضك التقديمية؟" أو "كيف تشعر قبل إلقاء العرض التقديمي وخلاله؟" قد تكتشف أن تدني الثقة بالنفس والعقلية المحدودة هما السببان الأساسيان لمشكلة هذا الموظف ويمكنك الاعتماد عليهما في تشكيل مسار التعلم الذي سيساعده على تحقيق أهدافه. وعندئذ يمكنك تحديد أولويات بعض الاحتياجات والمسارات المرشحة حسب الوقت المتاح والفائدة المرجوة من أجل تحقيق أكبر قدر من التعلم مما تنفقه في هذا الاستثمار بأسرع وقت ممكن.
وفي نفس الوقت حاول ألا تتقيد بالتفكير المؤسسي التقليدي، فالبشر أغنى وأكثر تنوعاً بكثير من شخصياتهم الاعتبارية المتمثلة في لقب أو دور أو وصف وظيفي. إذا قمنا بتحليل الوصف الوظيفي لدور إحدى الموظفات للاستدلال على الطريقة المناسبة لتحفيزها على التعلم فسيكون نجاحنا محدوداً، وعلينا بدلاً من ذلك اتباع نهج حر لإثارة اهتمامها وحماسها. لا تنس أن عنوان مسار التعلم مهم أيضاً، "المحادثات الصعبة" و"التعاون مع الزملاء" هي أمثلة على عناوين المسارات الحساسة التي قد تضطر لبنائها، ولكن مسارات "التفاوض في الأزمات" أو "التحكم بالعواطف" أو "تحويل المنظور" مثلاً قادرة على إثارة اهتمام الموظفين وحماسهم.
المسارات المؤثرة
ما أن تفهم احتياجات المتعلمين واهتماماتهم يحين الوقت للبدء ببناء مسارات تدعمهم، وينطوي تصميم المسارات الجيد على اتباع نهج مدروس لتنظيمها وتحديد مصادر محتواها.
تحتاج المسارات المفيدة إلى هيكل تنظيمي مناسب، هل حددت غاية المسار بوضوح؟ لمن توجهه؟ هل الهدف منه هو الإرشاد أم تقديم المعلومات أم الإلهام أم له هدف آخر؟ هل له ترتيب منطقي يروي قصة يمكن للمتعلم اتباعها؟ هل يضم المزيج المناسب من المحتوى المثير للاهتمام الذي يحفز اندماج المتعلم منذ البداية والمواد الأكثر تقدماً التي تعمق فهمه المزدهر؟ بالنسبة لعناصر المحتوى، هل يكمّل بعضها بعضاً أم فيها تكرار غير ضروري؟ هل مدة المسار الإجمالية مناسبة لجمهورك المستهدف والفائدة المرجوة؟
ثم يجب عليك تزويد هيكل المسار التنظيمي بالمحتوى، لاحظ أن وجود الهيكل التنظيمي سيسرع عملية إنشاء المسار بدرجة كبيرة إذ يصبح البحث مدروساً ومحدداً أكثر. فيما يلي قائمة مراجعة تساعدك على تحديد المحتوى المناسب لمسارك.
- تنوع الأساليب. سيؤدي تقديم مجموعة متنوعة من أشكال المحتوى (مقالات ومقاطع فيديو ومدونات صوتية ورسوم بيانية وما إلى ذلك) إلى الحفاظ على اندماج المتعلمين لمدة أطول وزيادة قدرتهم على تذكر المفاهيم وتلبية مجموعة أكبر من أساليب التعلم المفضلة لديهم.
- الجدة والحداثة. المحتوى الحديث أساسي في المجالات سريعة التغير مثل تعلم الآلة، أما الكلاسيكيات المتجددة (مثل هذه المادة المكتوبة عام 1973 عن التفكير والكتابة) فهي قادرة على البقاء لعدة عقود في المجالات التي تتطور ببطء أكثر، مثل مجال الكتابة.
- المزودون. احرص على أن يضم المسار مزيجاً من المزودين المختلفين ومجموعة متنوعة من المؤلفين ووجهات النظر من أجل ضمان التنوع والحدّ من التحيزات الخفية.
- المدة. المحتوى القصير رائع لجذب انتباه المتعلم وتقديم المفاهيم وتلخيصها، ويمكن تكميله بالمحتوى الأطول من أجل بناء الكفاءة.
يبدو بناء مسارات التعلم عملية تكرارية غير خطية، وسيؤثر اختيار عنصر محدد في شكل بقية المسار وسيحدد الاحتمالات المقبولة والمرفوضة فيما تبقى منه. قد تعتقد أنك عثرت على المقال المثالي لتقوم بحذفه لاحقاً من أجل استبداله بمقاطع فيديو أو مقررات تعليمية لضمان التنوع ودعم مواهب الاكتشاف لدى المتعلمين وحداثة المحتوى وشموله في المسار (وهي الميزات المذكورة غالباً في أنظمة التوصية). قد تجد أن عليك إعادة النظر في خطوات البحث والتحديد كي توضح احتياجات المتعلم عندما تتعرف أكثر على المحتوى المتاح.
إليك مثالاً عن الهيكل التنظيمي لمسار تصور البيانات:
- مقدمة - إدوارد توفت: "أدلة جميلة (أبرز النقاط)"، "إنتلجنس سكويرد" (فيديو - يوتيوب)
- شرح بسيط يسهل الوصول إليه - "أهم 5 مبادئ للعرض المرئي للبيانات، نحو علم البيانات" (موقع "ميديوم")، مقال
- المنهجية الأولى - "تحليل البيانات ومهارات إلقاء العرض التقديمي: اختصاص شركة برايس ووتر هاوس كوبرز"، منصة "كورسيرا"، مقرر تعليمي
- المنهجية الثانية - العرض المرئي للبيانات: "العرض المرئي للبيانات وأساسيات برنامج ’تابلو‘"، منصة "فيوتشر ليرن"، مقرر تعليمي
- المنهجية الثالثة - مقدمة عن العرض المرئي للبيانات في لغة بايثون، "نحو علم البيانات"، (موقع "ميديوم")، مقال
- المثال الأول على تطبيق المهارات - "العرض المرئي للبيانات" مركز الرؤى في هارفارد بزنس ريفيو، تقرير
- المثال الثاني على تطبيق المهارات - "الأخطاء، ارتكبنا بعضاً منها" صحيفة ذي إيكونومست (موقع "ميديوم")، مقال
- مواد إضافية للقراءة -"المفردات المرئية في صحيفة فايننشال تايمز"، صحيفة فايننشال تايمز (موقع "غيت هاب")، رسم بياني
المسارات الشائعة
إذا أنشأت المسار، فهل سينضم المتعلمون إليه؟ ارفع احتمالات انضمامهم إليه بتوضيحه والتحدث عنه بما يكفي.
سيزداد حماس المتعلمين لاستثمار أوقاتهم عندما يفهمون السبب الذي يجعل مسار التعلم مفيداً لهم. وضح الفوائد، سواء تمثلت في إنجاز المهام أو التطوير الشخصي أو الاستمتاع بالتعلم ببساطة، كي يحظى المتعلمون بفرصة موازنتها مع التكاليف الحتمية (وقتهم وتركيزهم المحدودين). خذ مثلاً الطرق التالية لتوضيح قيمة مسار التعلم الذي أنشأته:
- على مستوى المسار، اشرح قدرته على مساعدة المتعلمين على تحقيق إنجازات مهمة، وحاول تقديم شرح ينطبق على المؤسسة أو القطاع إن أمكن، كمساعدته لمبادرة تشمل الشركة بأكملها، أو تقديم شرح مختلف لكل قسم أو فريق حول قدرة مسار التعلم على مساعدته بصورة خاصة.
- وعلى مستوى المحتوى، اشرح سبب اختياره أو ما يمنح بعض الأقسام الفرعية أهمية خاصة. هذا الشرح ليس مفيداً وفاعلاً فحسب وإنما يطمئن المتعلم أن من أنشأ المسار قام بمراجعة المحتوى بنفسه على النحو الملائم (فهذا لا يحدث دائماً).
- الدليل الاجتماعي. إذا قام خبير مختص أو قائد مؤثر بتنظيم مسار التعلم أو اعتماده فستزداد احتمالات انضمام المتعلمين إليه.
يجب أن توضح هذه النواحي من المسار وفوائده للجمهور الذي تستهدفه إذا أردت أن يلقى الإقبال الذي يستحقه. بإمكانك ربطه بمناسبة أو مبادرة رئيسية وبالتالي سينتشر المسار بصورة كبيرة، وبإمكانك أيضاً منح المسار زخماً أكبر بتخصيص حملة له على قناة التواصل المفضلة في الشركة وإقناع كبار القادة وأصحاب المصلحة المؤثرين بترويجه على نحو هادف.
بإمكان أي شخص في مؤسستك أن يصبح منظماً لمسارات تعلم مذهلة، وستؤدي هذه المسارات دوراً مهماً في رحلة تحسين المهارات في شركتك وقد توقع أثراً تحويلياً على المتعلمين من الموظفين. احرص على تثقيف موظفيك وتشجيعهم ليصبحوا خبراء مختصين ويشاركوا خبراتهم عن طريق إنشاء مسارات تعلم مرغوبة وعالية الجودة. وجه قوتك العاملة نحو المهارات والكفاءات التي يحتاج إليها كل من الشركة والموظفين.