في سبتمبر/أيلول من عام 1966، أصدر زايد بن سلطان آل نهيان المرسوم الأميري رقم 2، والذي تم بموجبه إنشاء الدوائر الأساسية لحكومة أبوظبي الحديثة، وبهذه الخطوة، بدأت مسيرة النهضة والتنمية التي أسهمت في وصول إمارة أبوظبي إلى إنجازاتها العالمية اليوم. وقد كان إيمان زايد بن سلطان بأهمية التخطيط والبناء المدروس واضحاً عبر مسيرة خمسين عاماً من تاريخ حكومة أبوظبي، حيث أصدر منذ بدايات المسيرة مرسوماً يُعنى بمجلس للتخطيط، وتحميله مسؤولية التخطيط الحضري بما يشمل وضع الخطوط العريضة لرسم خطط الإعمار، وتصديق الخطط وتحديد ميزانيتها والإشراف على تنفيذها، وتصديق المناهج السنوية المنبثقة من الخطة.
ومن خلال التخطيط والدراسة، تمكنت حكومة أبوظبي من تحديد أولويات وأسس أسهمت في تطوير الإمارة والارتقاء بمجتمعها واقتصادها، ومن أهم أولوياتها الاجتماعية التي تم تحديدها قبل خمسين عاماً ولا يزال العمل بها مستمراً تطوير التعليم، ودعم المرأة والاستقرار الأسري، إضافة إلى تطوير الخدمات الصحية.
سعت حكومة أبوظبي إلى تطوير التعليم منذ عام 1966، حيث لم تتوفر في إمارة أبوظبي سوى 5 مدارس، أما اليوم، فقد وصل عدد المدارس في الإمارة إلى 256 مدرسة حكومية، إضافة إلى 188 مدرسة خاصة توفر ما مجموعه 16,004 صف دراسي. كما وفرت الحكومة الدعم للمرأة، فقد كان زايد بن سلطان يرى بأن المرأة هي المحور الذي يدور حوله الاستقرار الأسري، وكان يناشد بسعيها في التعليم وتوجهها إلى سوق العمل، وقد أثمرت جهوده إلى ما وصلت إليه المرأة اليوم، حيث تقلصت نسبة الأمية في النساء الإماراتيات إلى أقل من 8% ووصلت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 2.2% في عام 1975 إلى 32.8% عام 2015، ووصل عدد الإماراتيات الملتحقات بالجامعة إلى 22,819 إماراتية عام 2014.
وقد كان الارتقاء بالخدمات الصحية من أساسيات توفير الحياة الكريمة للمجتمع، ففي بداية المسيرة، كان المستشفى الأول في إمارة أبوظبي هو مستشفى "الواحة"، ولم يتكون حينها سوى من غرفة طينية، أما اليوم، فقد وصلت حكومة أبوظبي إلى أعلى معايير الجودة العالمية للخدمات المتوفرة، حيث بلغ معدل الزمن المستغرق لاستجابة سيارات الإسعاف داخل مدينة أبوظبي إلى 15 دقيقة، كما أصبحت أبوظبي وجهة طبية تخدم المدن والدول المجاورة لها، على سبيل المثال، "مستشفى كليفلاند كلينك-أبوظبي" يملك طاقة استيعابه تتعدى الـ 360 سريراً وتُجرى به ما يقارب الـ 5,500 عملية معقّدة في العام الواحد.
أما بالنسبة للتنمية الاقتصادية في إمارة أبوظبي خلال الخمسين عاماً الماضية، فإن العمل الحكومي المستمر في المجال الاقتصادي ما زال يسهم في تطوير اقتصاد الإمارة، حيث إن حكومة أبوظبي لم تعتمد على النفط فحسب مصدراً للدخل، بل وضعت منذ الخطة الخمسية الأولى للحكومة مشاريع خاصة في مجالات تطوير السياحة والصناعة والاستثمار. ركزت بدايات العمل الاقتصادي على دعم الأسواق ومنها سوق القطارة، وقد بُني عدة أسواق في جميع القرى التابعة لأبوظبي بعد نجاح التجربة في العين.
أما اليوم، فإن سياسة دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة مستمرة مع إنشاء "صندوق خليفة لتطوير المشاريع"، وهو الذراع الحكومي المسؤول عن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، حيث موّل الصندوق حتى الآن 1,240 مشروعاً بقيمة إجمالية بلغت مليار ونصف المليار درهم إماراتي، منها ما يقارب 370 مشروعاً توفرت خدماتهم ومنتجاتهم في الأسواق المحلية بينما وصل بعضهم إلى العالمية. وخلال الثلاثة أعوام السابقة فقط، كانت عائدات "صندوق خليفة" على القطاع الاقتصادي غير النفطي في أبوظبي نحو ملياري درهم.
وتدعم المنطقة الإعلامية في أبوظبي (توفور 54) "twofour54"، المشاريع الناشئة باستثماراتها التي تجاوزت أحد عشر مليون درهم، والتي تسهم اليوم بصنع فرص للعمل في قطاعات مختلفة تدعم القطاعات الحكومية، وتدرب ما يقرب من 6,800 شخص في مرافق الإنتاج العالمية، مما يسهم في استقطاب صناعة الأفلام العالمية إلى أبوظبي، حيث إن البنية التحتية المتوفرة والعناصر البشرية في الإمارة على قمة الاستعداد لتوفير ما تحتاجه هذه الأفلام العالمية. ظهرت نتيجة هذا الاستثمار بعد أن أكملت "twofour54" دراساتها وتبين أن كل درهم أنفقته "twofour54" لتحفيز صنّاع الأفلام على العمل في الإمارة عاد إلى اقتصاد أبوظبي بـ4.5 دراهم.
أثبتت هذه المعادلة أن صناعة المحتوى لا تنعش القطاع الإعلامي فحسب، بل إن الخطوات المتخذة لتحفيز الاستثمار وريادة الأعمال في قطاع الإعلام تنعش قطاع السياحة في الإمارة، فقد تبين بأن تصوير الأفلام العالمية في أبوظبي أدى إلى إرتفاع الحركة الفندقية نتيجة ازدياد عدد السياح الوافدين إلى أبوظبي.
وقد عملت حكومة أبوظبي على تطوير مجال الصناعة، وإنشاء مصانع إماراتية لإنتاج المواد المختلفة ومنها الجلود والأغذية والألمنيوم والأسلحة إضافة إلى تصنيع أجزاء هياكل الطائرات لكبرى شركات الطيران في العالم، والتي تسهم بما يقارب المليار درهم من الاقتصاد غير النفطي للإمارة.
بعد مسيرة خمسين عاماً من التطوير والبناء، لا تزال حكومة أبوظبي تسعى من خلال الجهات الحكومية المختلفة التي تندرج ضمن قطاع التنمية الاقتصادية إلى بناء اقتصاد متنوع بمجالاته، ومنفتح عالمياً، ومستدام برؤيته وقوته، وهي مستمرة في تطوير بيئة الاستثمار وتحفيز القطاع الخاص، بالإضافة إلى الارتقاء بمستوى المجالات الاقتصادية المتنوعة والتي تشمل الصناعة والسياحة والإعلام.