دروس حياتية ومهنية من تجربة شخصية بعد عام من المعاناة

9 دقائق
دروس حياتية
shutterstock.com/ yingko

يا له من عام عاصف مرّ في حياتي، فقد اضطررت خلاله لترك العمل في شركة "بيكو"، والتعامل مع التداعيات المريرة للجائحة، وشهدت بلادي خلاله واحداً من أعنف الانفجارات التي هزت العالم!

لا أكتب لكم لأقصّ عليكم محنتي لأنني أعلم أن الكثيرين قد عانوا كافة أنواع الخسائر التي عانيتها، بل ربما تكبدوا خسائر تفوق خسائري بمراحل. لقد مر العام 2020 على الكثيرين مؤلماً ومشحوناً بالعواطف والصعوبات، وكما هي الحال مع معظم المصاعب في الحياة، فإنك تواصل التعلم والنمو وتتفتح مداركك وتصبح أكثر وعياً بنفسك وبخبراتك الحياتية على أمل أن تتمكن من الاستفادة من هذه المعارف في المحطات التالية من حياتك، وما إلى ذلك. ومن جهتي، فقد تعلمت الكثير خلال العام الماضي، وأردت أن أشارك معكم مجموعة دروس حياتية مستقاة من تجربتي الشخصية على أمل أن يستفيد الآخرون من سماعها. اسمحوا لي بأن أبدأ بتحديد السياق.

دروس حياتية من تجربة شخصية

التحلي بالهدوء والعيش بطريقة متوازنة

حينما اتخذت قرار الاستقالة من شركة "بيكو كابيتال" (BECO) في يوليو/تموز من العام الماضي، لم أكن مستعداً للتعامل مع شعوري العام بالارتباط الوثيق بالشركة التي أسهمت في بنائها على مدار السنوات التسع الماضية. فلم أعرف نفسي إلا باسم أمير فرحة، المؤسس المشارك لشركة "بيكو كابيتال" (BECO Capital). ولكم تساءلت: "مَنْ أنا دون بيكو؟ من هو أمير؟" أردت إنشاء استوديو للشركات الناشئة وصندوق استثماري متخصص في التمويل قبل الأولي، أو هكذا اعتقدت، لكنني كنت منهكاً ولم أكن مستعداً ذهنياً لهذه النقلة. وهكذا، كانت مغادرة شركة "بيكو" من أصعب الأشياء في مسيرتي المهنية وكان تأثيرها عليّ شديد الوطأة من الناحية النفسية.

كنت خائفاً في البداية من مغادرتها، فحرصت على الاستعانة بإحدى المدربات لمدة عامين، وساعدتني على اجتياز هذه الفترة العصيبة من خلال إصغائها لي والاستماع إلى مخاوفي وتوجيهي بالأسئلة والرؤى الثاقبة. واستطاعت صياغة موقفي بطريقة مثيرة للاهتمام، موضحة أنني الآن كمن يهيم على وجهه في البرية وحيداً لا يعرف ما ينتظره، ونبهتني إلى أن حالة عدم اليقين هذه مخيفة، ولكن قدر الأبطال أن يخوضوا رحلة تستلزم التحلي بالشجاعة والمثابرة حتى يصلوا إلى بر الأمان.

ثم جاء انفجار بيروت، أحد أعنف الانفجارات التي هزت العالم على الإطلاق، بعد أيام فقط من مغادرتي للشركة وفي بلدي الأم. كان حجم الدمار هائلاً، وكنت في حالة من الصدمة الشديدة، شأني شأن الجميع، لدرجة أنني لم أستطع النهوض من الفراش في صبيحة أحد أيام شهر سبتمبر/أيلول. كنت تائهاً. لم أكن أدري ما يحدث لي. لقد رأيت بلادي تتعرض للدمار ورأيت أشخاصاً من كل الأعمار يفقدون أحباءهم ومصادر رزقهم بين عشية وضحاها. كان فيروس كورونا المستجد متفشياً في جميع أنحاء العالم ولم يفقد زخمه بعد. وليس لديَّ أي هدف محدد. شعرت بالوحدة والضياع. كنت بحاجة إلى الحب والتواصل، وكانت الأسرة هي المصدر الوحيد للحصول عليهما دون قيد أو شرط. لقد كانوا أشبه بهيكل الدعم الذي أحتاج إليه لاجتياز المحنة واكتساب الشجاعة والثقة اللازمتين لعبور البريّة، لكنني لم أكن مستعداً بعد، كان هناك شيء مفقود. لم أكن واثقاً من نفسي.

وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2020، ومن خلال سلسلة من اللقاءات غير المتوقعة، وجدت نفسي أمارس التأمل الصامت "فيباسانا" (Vipassana) لمدة 10 أيام في رأس الخيمة. بدأت ممارسة التأمل عام 2017، ومنذ ذلك الحين أمارس هذه العادة لكن بشكل غير منتظم. فممارسة التأمل الصامت لمدة 10 أيام لا تحتاج إلى استعدادات مسبقة. كانت هذه واحدة من أكثر التجارب تحدياً في حياتي ولكنها أيضاً من أكثرها تنويراً. انظر إلى الأمر باعتباره نوعاً من التخلص من سموم العقل. بدت الأيام القليلة الأولى صعبة ومُتعِبة، فيما بدت الأيام الأخيرة ساحرة وباعثة على النشاط. لقد منحتني هذه التجربة الوعي الذي كنت أحتاجه بشدة للانفصال عن الماضي والتخلي عن كل الأفكار السلبية الحبيسة في عقلي الباطن، علاوة على ذلك فقد منحتني أداة أستطيع استخدامها طوال الحياة. لقد علمتني التحلي بالهدوء والعيش بطريقة متوازنة لا ميل فيها إلى الرغبات الجامحة ولا النفور المبالغ فيه. لقد تعلمت عدم التعلق بالنتائج أو الأغراض الزائلة، بل العيش دون تعلق بأي شيء. أعلم أن التأمل الصامت لا يصلح للجميع، لكنني أنصح به بشدة.

في غضون ذلك، وتحديداً في يناير/كانون الثاني من هذا العام، تلقيت عرضاً بإدارة صندوق استثماري في دبي، وهو العرض الذي جاء في وقت كنت لا أزال أراجع فيه مجريات حياتي، لذلك أبديت سعادتي به للحظة، ولكنني ما لبثت أن رفضته في النهاية مع توجيه الشكر للجهة صاحبة العرض. فالحياة تُلقي "المُغريات" في طريقك لتختبر قوة عزيمتك، وكانت هذه إحدى تلك اللحظات. وقد تسببت هذه الفرصة في تعزيز قناعتي بقيمي وهدفي النهائي، بالإضافة إلى إكسابي الثقة التي أحتاجها لمواصلة المشوار وتكريس كل جهدي العضلي والفكري لمشروعي التالي. استطعت الآن أن أبصر النور عبر البريّة، وكنت أمضي قدماً بوضوح تام وعزيمة لا تلين.

عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء، أجد العام الماضي حافلاً بالمرونة والنمو، اكتشفت فيه الكثير من الحقائق عن ذاتي. وأتناول فيما يلي بعض النقاط التي اكتشفتها خلال هذه الرحلة:

العلاقات أهم من أي شيء آخر

تتأثر الحياة بنوعية علاقاتك وقوتها، وليس كميتها. فالأمر يرتبط بتكوين علاقات عميقة، وبناء العمق ليس بالأمر السهل، إذ يجب أن تكون منفتحاً وصادقاً. يجب أن تكون مستمعاً جيداً وأن تمتلك روح حب الاستطلاع وتُبدي اهتمامك الحقيقي بالآخر. فعندما مررت بكل هذه المحن في العام الماضي، أدركت أهمية الأشخاص الذين يحيط بهم المرء نفسه. وتستطيع التمييز بين العلاقات التي تمتاز بالعمق والقوة الحقيقيين وتلك التي لا تعدو أن تكون مجرد علاقات نفعية سطحية. فاحرص على بناء العمق والمعنى في علاقاتك ولاحظ مقدار القيمة المستمدة منها. ففي غياب هذه العلاقات الحقيقية، سيكون من الصعب أن تحشد مصادر القوة والثقة اللازمة لتجاوز هذه الفترة العصيبة أو أي تحديات أخرى تلقيها الحياة في طريقك.

الناس يظهرون في حياتك في أوقات غير متوقعة بالمرة

إذا كنت منفتحاً ومستعداً للترحيب بالآخرين، فسيأتون إليك. إنه ليس شيئاً تفعله بوعي، ولكن عندما تكون صادقاً مع نفسك وقيمك، فإنك ستجذب أشخاصاً مشابهين لك وتُدخلهم إلى عالمك. فهم يأتون عندما لا تنتظر مجيئهم، ولكن إذا كنت مدركاً ومنفتحاً، فستتمكن من إدراك قيمتهم. يمكنني أن أخبركم بأنني كوّنت عدداً قليلاً من العلاقات الحقيقية والصادقة خلال فترة تفشي فيروس كورونا مع أشخاص لم أكن أتوقعهم. تم كل ذلك عبر وسائل التواصل الافتراضي. لقد دخلوا حياتي عندما كنت في أسوأ مراحل رحلتي العقلية. إذ كانت ثقتي في نفسي في أدنى مستوياتها، لدرجة أنني تساءلت عن مصير عملي في مجال الاستثمار وما إذا كان هذا شيئاً أريد الاستمرار فيه. ثم ظهر هؤلاء الناس ومنحوني أسباب القوة. لقد أظهروا لي مشاعر التقدير والاحترام. لقد رفعوا معنوياتي، ويسعدني أن أُبدي لهم مشاعر الامتنان حتى آخر العمر.

الثقة أهم شيء

ولا بد للثقة من تحري الصدق. إذ يتطلب الأمر أن تكون منفتحاً وصادقاً بشأن طبيعة شخصيتك ومشاعرك وأن تكون على استعداد للتعرض للأذى في سبيل هذه المكاشفة. من الصعب تعزيز الثقة وعندما يتم بناؤها، فإن الحفاظ عليها يستلزم التعامل معها بشيء من الحساسية. وهذا يشمل الثقة في نفسك وفي الآخرين. وعند إجراء أي تغييرات جادة في الحياة، عليك أن تتعلم الثقة في حدسك. وهذا ليس بالأمر السهل لأنه يتطلب الكثير من الشجاعة. فقد تركت "بيكو" وأنا أثق في حدسي، لكن عندما دخلت المرحلة التالية من حياتي، فقدت كل الثقة في نفسي. وكان عليَّ أن أتعافى بأسرع ما يمكن. وبناء الثقة أشبه بوضع عملات معدنية في حصالة نقود، فكلما اتخذت قرارات استناداً إلى ثقتك في حدسك، وضعت المزيد من العملات المعدنية في الحصالة. الأمر نفسه ينطبق على الثقة في الآخرين. فالثقة تأتي أولاً، ثم تأتي تنمية هذه الثقة من خلال الوضوح ومراعاة الصدق والانفتاح والشفافية في التواصل. وتعتبر الثقة أداة تؤثر بقوة على كل ما تفعله في الحياة، فهي تسهم في تعميق العلاقات وفي اتخاذ القرارات الحياتية وفي الاتساق مع أحاسيسك الحقيقية تجاه ذاتك.

تخلَّص من التعريفات والمعتقدات الضارة

معظم الناس مهيأون للإيمان بأشياء معينة والقطع بصحتها. وتنبع هذه الأشياء من طفولتك أو ظروف نشأتك ويصعب التخلي عنها بسبب ترسخها في أعماق عقلك الباطن لمدة طويلة من الزمن. لكن عندما ترجع خطوة إلى الوراء وتنظر إلى هذه التعريفات والمعتقدات بطريقة مدروسة وتضعها تحت المجهر، فستدرك في الغالب أنها عارية تماماً من الصحة. ولك أن تنظر مثلاً إلى الخوف من الفشل الذي يعتبر أحد أهم الأشياء التي تمنع الناس من تأسيس الشركات. إذ تعتقد أن الفشل هو نهاية العالم وتؤمن بهذا الاعتقاد إيماناً لا يتزعزع لأن هذا ما قاله لك والداك في طفولتك (أو معلمك أو صديقك أو شقيقك، إلخ). لكنك إذا تعرضت للفشل (والجميع معرضون للفشل في واقع الأمر)، فستدرك أن الأمر ليس كارثياً وأنه ليس بهذه الخطورة التي كنت تتصورها. إذ يمكنك النهوض مجدداً والمحاولة من جديد. وما الغرور إلا مظهر من مظاهر تعريفات المرء ومعتقداته، وكلما أسرعت بإدراك المعتقدات الخاطئة وبادرت بالتخلص منها، زادت قدرتك على التحرر من غرورك بصورة أسرع وصرت أكثر سعادة.

ابحث عن الشخصيات المعطاءة وتخلص من الاستغلاليين

هناك كتاب رائع من تأليف آدم غرانت، بعنوان "الأخذ والعطاء" (Give and Take)، يصف هاتين الشخصيتين أو نمطيّ السلوك: "المعطاء" و"الاستغلالي". يحوم كلاهما حولك طوال الوقت، ومهمتك أن تستطيع التمييز بينهما بمهارة. وقد صادفتُ الكثير من الشخصيات الاستغلالية في حياتي، فهم يثيرون إعجابك ويلحون عليك في الطلب عندما يحتاجون إليك، ومع ذلك فهم لا يمنحونك أي وقت أو اهتمام عندما تحتاج أنت إليهم. وتُوصف العلاقة مع هؤلاء الأشخاص بأنها علاقة نفعية سطحية. وستلاحظ أن الاستغلاليين يستنزفون طاقتك عندما تتفاعل معهم، فاحرص على التخلص منهم متى لاحظت ذلك أو شعرت به. أما الشخصيات المعطاءة فأصحابها أكثر مراعاة لمشاعر الآخرين ولا يبخلون عليهم بوقتهم أبداً لأن العطاء وخدمة الآخرين يولّدان لديهم الشعور بالرضا. وهم يعتبرون أن الواجب يملي عليهم التعامل بهذه الطريقة، ويبثون الطاقة بشكل عام في العلاقة. ويُقصَد بمفهوم العطاء أنك إذا أعطيت شيئاً، فسيعود إليك أضعافاً مضاعفة، وأنا من أشد المؤمنين بذلك. أعط أولاً وأحِط نفسك بشخصيات معطاءة في كل جوانب حياتك، ومن ثم ستجني الثمار العظيمة لهذا المسلك على المدى البعيد.

تحلَّ بالصبر، فكل شيء يأتي في أوانه

كان عليّ أن أبدأ المشوار وحدي، وكان هذا في غاية الصعوبة. فقد كان لديّ فريق مكوّن من 14 شخصاً يمكنني الاعتماد عليه، وها أنا الآن وحدي دون سند أو مُعين. لقد مثّل لي هذا تغييراً جذرياً. كنت وحيداً. بذلت قصارى جهدي في البداية للعثور على أشخاص يعملون معي بدوام كامل وتواصلت مع معارفي في شبكة علاقاتي، لكنني سرعان ما أدركت أنني لم أكن مستعداً حتى لبدء مشروعي. كنت أتعجّل الأمر خوفاً من الوحدة، ومن منطلق اليأس. كنت بحاجة إلى وضوح الرؤية والاقتناع الداخلي وكان لا بد من إدراكهما بمفردي. لذلك بدأت في بناء قصتي من جديد، ويوماً بعد يوم، كنت أحرز مزيداً من التقدم. كنت صبوراً. وأعترف بأنني وجدت صعوبة في التحلي بالصبر في بداية الأمر، ولكنني وجدتها مهارة تستحق التقدير. كان لديَّ أيضاً حرية اتخاذ قرارات سريعة وحرية انتهاز أي فرصة تلوح أمامي والتفاعل مع أي شخص أريده. كانت هذه الحرية شيئاً جديداً بالنسبة لي. فقد كان لديّ شركاء في الماضي وكان عليّ أن أدرس الكثير من الأفكار وأُقلّب الأمور على كافة الجوانب حتى أحصل على آرائهم. ولكن الأمر كان مختلفاً هنا. كنت حراً. من ناحية أخرى، كان الأمر لا يزال يمثل تحدياً صعباً. فقد كنت، وما زلت، أشعر بالوحدة في كثير من الأيام. وكل المسؤوليات تقع على عاتقي وحدي. وأضطر إلى قضاء ساعات في العمل بمفردي لأن كل ساعة أعمل فيها تمثل خطوة للأمام. وبمجرد وضع نظام محدد والالتزام به، تبدأ في إحراز التقدم. وبمجرد أن تبدأ في إحراز التقدم، سيُقبِل الناس على الانضمام إليك، ولن تصير بمفردك.

راهن على نفسك دائماً

كان العرض الذي تلقيته في يناير/كانون الثاني بالعمل في الصندوق الاستثماري بمثابة اختبار لثقتي في نفسي. هل أريد أن أعمل لدى شخص آخر؟ هل أؤمن بنفسي وبقدراتي؟ وقعت في البداية ضحية لوهم الأمن المالي في وقت كنت أفتقر فيه للأمن المالي. واعتقد معظم المحيطين بي أن قبول العرض سيكون إضافة قوية لسيرتي الذاتية وأنني يجب أن أقبله. لذلك، ومن منطلق أنني شخصاً يهيم على وجهه في البريّة وتعتريه مشاعر الشك وعدم اليقين، فقد عكفت على دراسة الفرصة بمزيد من التفصيل. وبعدما أجريت عدداً من الاجتماعات مع الأطراف المعنية، أدركت أن هذا العمل سيقلل من قيمتي وأنهم لن يمنحوني الحرية التي أحتاج إليها للنجاح في هذا المنصب. ولا أخفيكم سراً أنني شعرت بأن شغلي لهذا المنصب سيعطيني ثِقَلاً في هذا المجال، لكن حدسي كان يهمس في أذني يحرضني على الرفض. والحقيقة أنك (وحدسك) تعرفان نفسك أكثر من أي شخص آخر، وإذا كانت لديك فكرة، فراهن دائماً على نفسك. قد لا تحصل على الإجابة الصحيحة في كل مرة، ولكن إذا كانت تأتي بقناعة تامة من الموضع الصحيح ومتسقة مع أهدافك ورسالتك في الحياة، فستكون أكثر سعادة وأكثر إنجازاً في النهاية.

لا بد من إعادة ابتكار رأس المال المغامر (الجريء) في الشرق الأوسط

مر العام الماضي صعباً على الجميع، وعلى الرغم من ذلك فقد شهد أحداثاً مدهشة، وأشعر بالامتنان الشديد لذلك. فعندما غادرت "بيكو"، أصبحت مستقلاً في بيئة عمل مليئة بالكثير من أصحاب المصلحة وديناميات السلطة. كنت أتجاذب أطراف الحديث حول التفاعل مع رواد الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال المغامرة والشراكات المحدودة وحصلت على التعليقات ذاتها التي تدعم قراري بالمغادرة. فالمنطقة بحاجة إلى تحول ثقافي. ويجب أن يولي المستثمرون مزيداً من الاهتمام بالمؤسسين. فقد ولّت منذ زمن بعيد أيام بيئة العمل التي يقودها المستثمرون. وبات رواد الأعمال يمتلكون اليوم البطاقات الرابحة، والمستثمرون الذين يعرفون كيفية بناء علاقات حقيقية مع المؤسسين هم الذين سيتمكنون من إقامة شراكات ناجحة مع أفضل وأذكى المؤسسين.

لقد ولّت أيام علاقات العمل البحتة. ويجب أن نهتم جميعاً ببعضنا، وهذه ليست لعبة صفرية. وقد لاحظت في تفاعلاتي مع المؤسسين خلال العام الماضي أن كل تعليقات تنصّب في اتجاه واحد: من النادر أن تجد مستثمراً يعرف كيفية بناء شراكات حقيقية وناجحة، خاصة في المراحل المبكرة. فالجميع ينتظر الرواج. وتنتشر في المنطقة ما يعرف بثقافة "الفومو" (أي الخوف أن يفوتنا شيء)، ولا أحد يحب المخاطرة، على الرغم من أن المخاطر هي السبب الرئيسي لنشوء رأس المال المغامر. ومن هذا المنطلق حددت هدفي.

إذ نعتزم بناء رأس المال المغامر الذي يسهم في إعادة ابتكار الطريقة التي نستثمر بها في منطقتنا من خلال إقامة شراكات حقيقية وناجحة مع المؤسسين في المراحل المبكرة، واتخاذ قرارات سريعة وعدم إضاعة وقت أي شخص في هذه العملية، ومن خلال الاستثمار بقناعة في العنصر البشري، وليس انتظار الرواج. إذ يبدأ التغيير ببضعة أفراد، وبمجرد أن يترسخ التغيير المطلوب، إذا به يحدث أسرع بكثير مما نتخيل. وأنا من أشد المتحمسين لمستقبل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وللأعداد المتزايدة من المؤسسين الطموحين والمذهلين الذين يتطلعون إلى تغيير وجه المنطقة والعالم بأسره للأفضل.

يمكن تعلم شيء جديد في كل موقف، وهذه بعض الدروس التي تعلمتها خلال العام الماضي. وآمل أن تستفيدوا منها أيضاً، وأشكركم على حُسن قراءتكم لهذا المقال. فالحياة قصيرة ولا يسعنا إلا أن نُحسن اختيار الموضع الذي نوجّه إليه انتباهنا ونكرّس له وقتنا. فدعونا نوجههما الوجهة الصحيحة ونحفّز أنفسنا على إخراج أفضل ما فينا، حتى نستطيع مواصلة بذل ما في وسعنا لجعل الشرق الأوسط مكاناً أفضل لنا ولأجيال المستقبل.

والآن، لنحقق هذه الأحلام على أرض الواقع!

هناك أشخاص مميزون لعبوا دوراً ملموساً في هذا التحول الذي شهدته حياتي مؤخراً. وهم يعرفون أنفسهم جيداً، وأشعر بالامتنان الشديد لوجودهم في حياتي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي