كيف أثر العمل من المنزل لمدة عام على علاقاتنا في العمل؟

7 دقائق
رأس المال الاجتماعي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: بعد مرور أكثر من عام على جائحة “كوفيد-19” والعمل من المنزل، أظهر بحث جديد أجرته شركة “مايكروسوفت” أن الموظفين والفِرق أصبحوا أكثر عزلة. وعلى وجه الخصوص، تقلصت العلاقات مع الأشخاص خارج فرقنا المباشرة على نحو كبير، ما أدى إلى وجود فرص أقل للتواصل حول الأفكار المبتكرة وبناء رأس المال الاجتماعي. علاوة على ذلك، فإن العمل من المنزل يتسبب في شعور الموظفين بالوحدة والعزلة. للمساعدة في معالجة هذه المشكلة، ينبغي للقادة التركيز على أن يكونوا استباقيين بشأن الربط بين الموظفين على نطاق المؤسسة، وإتاحة فرص للتواصل خارج نطاق الاجتماعات الرسمية، والتشجيع على تقديم الدعم الاجتماعي والمكافأة على ذلك، وتحسين هيكل الاجتماعات.

هناك أمور لم نفعلها منذ فترة طويلة، على سبيل المثال: هل تتذكر مقابلة زملائك بالصدفة في ردهة المكتب، والدردشة حول خططكم لعطلة نهاية الأسبوع أو العمل معاً على مشروع كبير؟ هل تتذكر عندما كنت تجد نفسك في المكان المناسب في الوقت المناسب أو عندما قدمت لأحد زملائك معلومات تنقصه أو عندما عرّفت زميلك على زميل جديد؟ ربما لم تدرك، مثل الكثير من الأشخاص، مدى أهمية هذه المحادثات إلا عندما أصبحت تعمل من المنزل.

رأس المال الاجتماعي

تُعد هذه التفاعلات غير الرسمية أمراً أساسياً لما يُعرف بـ “رأس المال الاجتماعي”؛ أي: الفوائد التي يمكن أن يجنيها الأشخاص بسبب الأشخاص الذين يعرفونهم. فأنت تعتمد على رأسمالك الاجتماعي في كل مرة تصل فيها إلى طريق مسدود ويتدخل أحدهم لمساعدتك، على الرغم من أنه لم يكن مضطراً إلى فعل ذلك. كما أنك تستخدم رأس المال هذا عندما تحتاج إلى اكتساب خبرة في مجال ما، ثم يقدمها لك شخص ما قابلته مرة واحدة فقط. أنت أيضاً تساعد الآخرين في بناء رأسمالهم الاجتماعي عندما تبذل قصارى جهدك لدعمهم بالمعرفة أو التوجيه أو التصرف معهم بلطف. والسبب في أنه يمكنك اللجوء إلى شخص آخر وتقديم مساعدة إضافية أنك بنيت قاعدة من الألفة والنوايا الطيبة من خلال هذه التفاعلات غير المخطط لها التي كانت تملأ أيام عملنا فيما مضى.

هناك دور حاسم يخص رأس المال الاجتماعي وهو الأمر الذي يتعلق في بناء مكان عمل مزدهر على نحو أشمل، لكل من الموظفين والمؤسسات. فهو يساعد على تدفق المعرفة والمعلومات، والخروج بأفكار جديدة وتنشيط تفكيرنا. كما أنه يسهم في تقليل نسبة التغيب عن العمل وانخفاض معدل الدوران الوظيفي وتحسين أداء المؤسسة.

ومع ذلك، فإن الانتقال إلى العمل عن بُعد غيّر طبيعة رأس المال الاجتماعي في المؤسسات، وليس بالضرورة إلى الأفضل. ففي حين ذكر الموظفون أن الاجتماعات أصبحت أكثر من أي وقت مضى، لفتوا إلى زيادة الشعور بالعزلة وقلة التواصل.

في هذا العام (2021)، أجرت الفِرق في شركة “مايكروسوفت” (بما في ذلك فريقنا) أكثر من 50 دراسة لفهم كيفية تغيُّر طبيعة العمل نفسه منذ أوائل عام 2020. يُعد “مؤشر توجهات العمل” السنوي التابع لـ “مايكروسوفت” جزءاً من هذه المبادرة، ويتضمن تحليلاً لتريليونات من المؤشرات على الإنتاجية، مثل رسائل البريد الإلكتروني والاجتماعات والمحادثات (الدردشة) والمنشورات، في قاعدة مستخدمي “مايكروسوفت” و”لينكد إن”. كما يتضمن استطلاعاً لآراء أكثر من 30 ألف شخص في 31 دولة حول العالم.

ومن أكبر التغييرات وأكثرها إثارة للقلق التي رأيناها خلال هذه الدراسات هو التأثير الكبير الذي أحدثه عام من العمل عن بُعد بدوام كامل في العلاقات المؤسسية التي تُعد الركيزة الأساسية لرأس المال الاجتماعي. يذكر الأشخاص باستمرار أنهم يشعرون بالانفصال والعزلة، ومن خلال دراسة توجهات التعاون بين الأشخاص دون معرفة هويتهم في مليارات من رسائل البريد الإلكتروني في برنامج “آوتلوك” (Outlook) والاجتماعات عبر برنامج “مايكروسوفت تيمز” (Microsoft Teams)، رأينا توجهاً واضحاً: أدى التحول إلى العمل عن بُعد إلى تقليص شبكات علاقات الأشخاص.

على وجه التحديد، شهدنا في بداية الجائحة زيادة في التفاعلات داخل شبكات العلاقات الوثيقة، في حين تضاءلت التفاعلات مع الأفراد في شبكات العلاقات البعيدة. فعندما تم فرض الحظر الشامل، ركز الأشخاص على التواصل مع الأشخاص الذين اعتادوا على رؤيتهم بانتظام، ما أدى إلى انهيار العلاقات الأضعف. ببساطة، أصبحت الشركات منعزلة أكثر مما كانت عليه قبل الجائحة. وفي حين لا تزال التفاعلات مع الأفراد في شبكات العلاقات الوثيقة تتم بصورة متواترة، فقد لاحظنا، بعد عام تقريباً من الجائحة، أنه حتى هذه التفاعلات الوثيقة بين أعضاء الفريق بدأت تتضاءل.

كشفت المحادثات عبر برنامج “مايكروسوفت تيمز” عن توجه مماثل. بين شهري أبريل/نيسان عام 2020 وفبراير/شباط عام 2021، انخفض عدد الأشخاص الذين ينشرون محادثات في قنوات “تيمز”، المصممة لتضم الفريق بأكمله، بنسبة 5%. في المقابل، زاد عدد الأشخاص الذين ينشرون محادثات لمجموعات صغيرة أو لأفراد بنسبة 87%.

يُعد بناء علاقات قوية في مكان العمل مهماً لأسباب عديدة، وقد حدد “مؤشر توجهات العمل” الكثير منها. يُظهر الاستطلاع أن شبكات العلاقات القوية في مكان العمل تؤثر في شيئين مهمين للنتائج المالية: الإنتاجية والابتكار. فيما يتعلق بالإنتاجية، أفاد الأشخاص الذين قالوا إنهم يشعرون بمزيد من الإنتاجية بوجود علاقات أقوى في مكان العمل ممن لا يملكون الشعور ذاته. بالإضافة إلى شعورهم في أيام العمل العادية أنهم مشمولون. وفيما يتعلق بالابتكار، فإن هؤلاء الذين قالوا إن تفاعلاتهم مع زملائهم قد قلت هذا العام كانوا أقل احتمالية للنجاح في الجوانب التي تؤدي إلى الابتكار، مثل التفكير الاستراتيجي والتعاون أو العصف الذهني مع الآخرين واقتراح الأفكار المبتكرة.

أظهرت الدراسة أيضاً أن العمال الأصغر سناً والعمال الجدد في الشركة قد يعانون من الشعور بالعزلة الاجتماعية علة نحو أكبر. فقد صعّب العام الماضي على الموظفين الجدد الشعور بالثقة والراحة في العمل لأنهم لم يمروا بمراحل إعداد الموظفين الجدد والتعارف والتدريب التي يمر بها الموظف الجديد في الظروف العادية. يقول هؤلاء الموظفون إن علاقاتهم بفرقهم المباشرة ونسبة استفادتهم من القادة كانت أسوأ من هؤلاء الذين عملوا في الشركة لفترة أطول. وذكر العاملون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً أنهم يواجهون صعوبة أكبر في الشعور بالاندماج أو الحماس في العمل، والحصول على فرصة للتعبير عن رأيهم في الاجتماعات، وطرح أفكار جديدة مقارنة بالأجيال الأكبر سناً.

ولكن ثمة أمل؛ فعندما درسنا التوجهات في الدول التي عاد فيها المزيد من الأشخاص إلى بيئات العمل الهجين، لاحظنا تحسناً في شعور الفِرق بالعزلة. على سبيل المثال، في نيوزيلندا لاحظنا زيادة كبيرة في شعور الفِرق بالعزلة، التي تم قياسها بمقدار التواصل مع الأفراد في شبكات العلاقات البعيدة، عندما تم فرض الحظر الشامل. وعندما تم تخفيف إجراءات الحظر الشامل، قل شعور الفِرق بالعزلة. ولاحظنا هذا التوجه في دول أخرى أيضاً مثل كوريا.

تدعم هذه البيانات فرضيتنا: العمل عن بُعد يجعل الفِرق أكثر عزلة، ولكن قضاء بعض الوقت في الدردشة وجهاً لوجه في مكان العمل سيساعد في تقليل هذا الشعور.

ضمان أن تكون أماكن العمل في المستقبل جذابة ومبتكَرة ومنتجة وشاملة للجميع سيعتمد على وضع هياكل وسياسات تدعم العلاقات الاجتماعية في العمل. ومؤسسات المستقبل، التي سيتوق الأشخاص إلى العمل لديها، هي تلك التي تعزز الروابط الاجتماعية الداعمة لكل من العاملين من المكتب والعاملين من المنزل. فيما يلي بعض الأشياء التي يجب أخذها في الاعتبار.

كن استباقياً

عند العمل عن بُعد والعمل الهجين، لا يمكنك الاعتماد على الأحاديث التي تُجرى في أروقة الشركة لتشكيل روابط بين الموظفين. بدلاً من ذلك، شجع الفِرق على التماس وجهات نظر متنوعة من خلال جلب زوار من فِرق أخرى أو من خارج المؤسسة لحضور الاجتماعات ومن خلال مشاركة الدروس المستفادة على نطاق واسع، وعرض القيام بالشيء نفسه للزوار. تجنب انجراف الفريق إلى “تفكير القطيع” عن طريق الاستفادة من أفكار أشخاص من خارج الفريق. بالإضافة إلى ذلك، تُظهر البحوث، بما في ذلك بحوثنا المستمرة، أن أداء الموظفين الهجينين والموظفين الذين يعملون عن بُعد يتحسن عندما يخصص المدراء وقتاً لإجراء لقاءات فردية بانتظام. لذا، اطلب من المدراء أن يكونوا بمثابة حلقة وصل بحيث يساعدون في التقريب بين الموظفين، بما في ذلك على نطاق المجموعات التي لا تربط بينها أي صلة ظاهرياً.

أتح فرصاً لبناء رأس المال الاجتماعي

يُظهر “مؤشر توجهات العمل” أنه في العديد من الدول، تضاعف الوقت الذي يُقضى كل أسبوع في الاجتماعات هذا العام، وزادت المحادثات المرسلة لكل شخص في الأسبوع بنسبة تزيد على 40%، ولا تزال هذه الأرقام في ارتفاع. فبناء رأس المال الاجتماعي يتطلب وقتاً وجهداً، مثل بناء الصداقات الشخصية. وإذا كان العمال غارقين في الاجتماعات ويشعرون أنهم مثقلون بالأعمال الإضافية، فإن مطالبتهم بقضاء بعض الوقت في توسيع نطاق شبكات علاقاتهم وتبادل الأفكار ستبوء بالفشل. لذا، سيحتاج القادة والمدراء إلى البحث عن طرق لتقليل أعباء العمل وتحقيق التوازن بين الموارد بحيث يكون لدى الموظفين الوقت والطاقة لجعل العلاقات في مكان العمل من الأولويات.

شجِّع على تقديم الدعم الاجتماعي وكافئ على ذلك

مساعدة الآخرين على بناء شبكات علاقاتهم وإدارة تحدياتهم وتخفيف شعورهم بالتوتر، هي أمور عادة ما تحدث خلال الأحاديث غير المتصلة بالعمل وخارج نطاق الاجتماعات الرسمية. ونتيجة لذلك، غالباً ما تكون غير مرئية بالنسبة إلى المؤسسة ولا يُنظر إليها على أنها عمل أساسي على الرغم من أنها كذلك. ومع ذلك، تُظهر بحوثنا المستمرة أن الأشخاص الذين يذكرون أن شركاتهم تشجعهم وتكافئهم على تقديم الدعم للآخرين من خلال منحهم علاوات إضافية وترقيتهم، يكونون على الأرجح أكثر رضا عن وظائفهم وأكثر سعادة بمكان عملهم. كما أنهم يفيدون بأن تفاعلاتهم الاجتماعية ذات جودة أعلى، وهي تُعد ضرورية لبناء فريق عمل عالي الأداء. وبذلك يمكن أن يعتمد نظام المكافأة الخاص بالشركة على الكيفية التي يستفيد بها الموظفون من عمل الآخرين ويدعمونه، وليس على الإنجازات الفردية فحسب.

خطط للاجتماعات واجعلها شاملة للجميع وجماعية

على الأرجح ستشمل الاجتماعات في المستقبل مزيجاً من الموظفين الذين يعمل بعضهم في المكاتب الفعلية والبعض الآخر من خلال مؤتمرات الفيديو. إذ إن بحوثنا المستمرة القائمة على ملاحظات مئات من موظفي شركة “مايكروسوفت” بشأن الاجتماعات تُظهر أهمية الاجتماعات التي تركز على هدف محدد والمخطط لها جيداً. وضمان شمول كل فرد في الاجتماع قد يتطلب اضطلاع رؤساء الاجتماعات والميسرين بدور جديد وأكثر أهمية. إذ يجب أن تتضمن وظيفة رئيس الاجتماع دعوة هؤلاء الذين ليسوا حاضرين في المكتب للنقاش، ومساعدة جميع الحاضرين على التعبير عن رأيهم في الموضوعات الصعبة، والتأكد من اندماج الجميع في المحادثة بسلاسة. ومع زيادة عدد الاجتماعات وتواترها، لاحظنا أيضاً أنه في بعض الحالات، يتم استبعاد المجاملات والمزاح والتفاعلات الاجتماعية، ومن قبيل المفارقة أن فقدان هذه اللحظات من التواصل والمرح والدعم يمكن في الواقع أن يجعل العمل أكثر إنهاكاً. نظراً إلى أن الاجتماعات هي لب أماكن العمل في جميع أنحاء العالم، ينبغي أن تسعى الفِرق جاهدة إلى بناء تفاعلات مخطط لها جيداً يشعر الجميع من خلالها أنهم مشمولون وأن لديهم الوقت لتقوية الروابط الاجتماعية مع الأشخاص الذين يعملون عن بُعد.

باختصار، ثقافة اللطف والمرح والتعاون مهمة بالنسبة إلى تحقيق النتائج المالية تماماً مثل قائمة المهمات اليومية. إذ يجب أن تفهم المؤسسات أن التصرف بلطف مع زملائنا والدردشة معهم والقيام بأنشطة ممتعة معاً هو جزء من عملنا في المؤسسة. كما أن التفاعلات العفوية غير الرسمية المعرضة للخطر في بيئة العمل الهجين وبيئة العمل عن بُعد لا تصرف الانتباه عن العمل أو تضر بالإنتاجية. فهي تعزز العلاقات والروابط بين الموظفين التي تؤدي بدورها إلى زيادة الإنتاجية والابتكار، فهذه التفاعلات هي التربة التي تنمو فيها الأفكار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .