بحث: كيف تؤثر الاختلافات الثقافية في فرق العمل العابرة للحدود؟

5 دقائق
الاختلافات الثقافية

ملخص: يمكن أن يشكل التنوع فائدة وتحدياً في آن معاً بالنسبة لفرق العمل الافتراضية، لاسيما فرق العمل العابرة للحدود منها. يتحدث المؤلفون عن بحثهم الأخير حول تأثير التنوع في فرق العمل العاملة عن بعد والذي خلص إلى أنه من الممكن تفسير الفوائد والسلبيات بواسطة طريقة تعامل الفرق مع جانبين من جوانب التنوع، وهما الجانب الشخصي والجانب الخاص بظروف العمل. توصل المؤلفون إلى أن الاختلافات الثقافية والتنوع في ظروف العمل أساسي في تعزيز الإبداع وصناعة القرار وحلّ المشكلات، على خلاف التنوع الشخصي. ولاحظوا أن الفرق التي تتمتع بتنوع أكبر في ظروف العمل أنتجت تقارير استشارية ذات جودة أعلى، وكانت حلولها إبداعية وابتكارية بدرجة أكبر، ومن ناحية جودة العمل كان أداء هذه الفرق أفضل. لذا، يجب تصور التحديات المحتملة الناجمة عن التنوع الشخصي وإدارتها، لكن من المرجح أن تتفوق الفوائد الناتجة عن التنوع في ظروف العمل على هذه التحديات.

توصلت دراسة استقصائية جديدة أجريت على موظفين في 90 دولة إلى أن 89% من الموظفين الإداريين (ذوي الياقات البيضاء) يكملون مشاريعهم في بعض الأحيان على الأقل في عملهم ضمن الفرق الافتراضية العابرة للحدود التي ينتشر أفرادها في مختلف بقاع العالم ويعتمدون على أدوات الإنترنت للتواصل فيما بينهم. وهذا أمر لا يثير الدهشة، ففي عالم تسوده العولمة والمسافات الاجتماعية أصبح من غير الممكن الاستغناء عن التعاون عبر الإنترنت لجمع الموظفين.

وعلى الرغم من تعدد فوائد الفرق الافتراضية الدولية فإن العمل التعاوني الافتراضي لا يخلو من التحديات. ولا يخلو العمل التعاوني الافتراضي بين فرق العمل الدولية من بعض الصعوبات. إذ تتأثر طرق عملها وتعاونها فيما بينها بالاختلافات بين المناطق الزمنية واللغات والثقافات ومستويات المهارات، ناهيك باختلاف الظروف الاقتصادية والأنظمة السياسية في الدول التي يعمل أفراد الفرق منها.

في دراسة جديدة تمكن فريقنا من معرفة كيف تساهم الاختلافات بين فرق العمل الدولية في تشكيل طرق عمل أفرادها. وإذا تمكن المدراء من فهم هذه الديناميات فسيصبح بإمكانهم الحفاظ على سعادة هذه الفرق وإنتاجيتها.

فوائد التنوع الجغرافي وتحدياته

تتوفر أبحاث كثيرة تدرس تحديات التواصل والعمل التعاوني بين الثقافات المختلفة. اكتشفنا من خلال مراجعة أجريناها مؤخراً لما يزيد عن 1,100 دراسة نشرت على مدى 24 عاماً في مجلة دراسات الأعمال الدولية أن 95% من هذه الدراسات ركزت على الآثار السلبية للاختلافات بين أفراد الفريق، كما بينت أبحاث كثيرة أن عوامل العمر أو النوع الاجتماعي أو الاختلافات العرقية قادرة على تعقيد التفاعلات بين أفراد الفريق.

لكن يمكن أن تكون الاختلافات بين أفراد الفريق مفيدة جداً للأداء الجماعي. فقد بينت دراسات كثيرة أن الفرق الأقل تجانساً تتمتع بدرجة أكبر من الإبداع، كما تنظر هذه الفرق في عدد أكبر من الخيارات وتحلل الحقائق بدقة أكبر وتقل احتمالات وقوعها في فخ التفكير الجماعي، وبالتالي فهي تصنع قرارات أفضل.

والسؤال هنا: متى يكون أداء الفرق التي يعمل أفرادها من دول مختلفة أفضل، ومتى تواجه الصعوبات؟ يفسر بحثنا كيف تؤثر أشكال التنوع الجغرافي المختلفة في الفرق.

ما هي الاختلافات الثقافية التي تتمتع بأهمية أكبر في فرق العمل الدولية؟

عملنا في دراستنا على مراقبة السلوكيات والتفاعلات بين 5,728 فرداً في 804 فرق دولية عاملة عن بعد في عملهم على مدى عدة أشهر في مشاريع استشارية للشركات. يتألف كل فريق مما يتراوح بين 6 و8 أفراد من دول مختلفة يعتمدون بصورة كاملة على أدوات التواصل الرقمية.

تمكنا من تحديد فئتين عامتين من الاختلافات، وهما التنوع الشخصي والتنوع في ظروف العمل. يشمل التنوع الشخصي الاختلافات في السمات الشخصية التي يسهل ملاحظتها، كالعمر والنوع الاجتماعي واللغة والمهارات والقيم. بينما يشير التنوع في ظروف العمل إلى الاختلافات في البيئات التي يعيش ضمنها أفراد الفرق، كاختلاف مستوى التنمية الاقتصادية وأنواع المؤسسات والأنظمة السياسية في بلدانهم.

كما راقبنا أداء المهام والمناخ ضمن الفرق. ويشمل أداء المهام مؤشرات أداء الفريق في المشروع المتمثلة في جودة نتائج الفريق وتماشيها مع الجدول الزمني المحدد، ومن هذه المؤشرات: الصلاحية الاقتصادية وحداثة خطط العمل، وهي مبنية على تقييم خبراء القطاع الخارجيين وتصميمات المنتجات التي طورتها الفرق لعملائها. وشمل مناخ الفريق النتائج النفسية، مثل تماسك الفريق ورضا المشاركين في المشروع عن أفراد فرقهم واستمتاعهم بإجراءات العمل واهتمامهم بالعمل على مشروع آخر مع نفس الفريق، ويتم قياسها بواسطة الاستقصاءات الأسبوعية.

بين تحليلنا أن التنوع الشخصي يؤثر سلباً على مناخ الفريق، إذا كان أفراد الفريق منتمين إلى ثقافات مختلفة أو فئات عمرية مختلفة أو كانت درجات إتقانهم للغة العمل التي يتبناها الفريق متفاوتة أو بينهم اختلافات على المستوى الشخصي فستقلّ درجة استمتاعهم بقضاء الوقت معاً وثقة بعضهم ببعض وتصبح نظرة كل منهم سلبية بدرجة أكبر تجاه دوافع الآخرين وسيقلّ تواصلهم عموماً. وبالنتيجة لن يتسم الفريق بدرجة كبيرة من التجانس وستزداد النزاعات وحالات سوء التفاهم بين أفراده.

وفي الجهة المقابلة وبصورة معاكسة بدرجة كبيرة، يؤثر التنوع في ظروف العمل في أداء المهام على نحو إيجابي. عندما يضم الفريق أفراداً من دول تختلف فيما بينها بمؤسساتها وأنظمتها السياسية والاقتصادية، فسيتمكن هؤلاء الأفراد من فهم مجموعة أوسع من الظروف والوصول إلى مجموعات أكثر تنوعاً من المعارف والخبرات. وبالنتيجة يتيح التنوع السياقي زيادة وجهات النظر التي تساعد على الإبداع وصناعة القرارات وحلّ المشكلات. يبدو أن التنوع السياقي مفيد جداً لاسيما عندما تعمل الفرق على مهام صعبة تتطلب اتباع أساليب إبداعية وغير تقليدية، إذ يساعد تنوع وجهات النظر والمفاهيم في توليد الأفكار، وكلما كثرت الأفكار المطروحة أصبحت الحلول المقترحة للمشكلات أفضل.

ما يعنيه ذلك بالنسبة للمدراء

يجب أن يأخذ المدراء في حسبانهم طبيعة المهام التي سيتولاها الفريق عند العمل على تصميمه.

فالمشاريع التي تتطلب الإبداع والتفكير غير التقليدي ستستفيد من التنوع السياقي، وهو لا يقتصر على التنوع العرقي أو الديموغرافي بل يشمل تنوع الظروف التي يأتي منها أفراد الفريق ويفهمونها.

يمكن للفريق الذي يتمتع بدرجة أدنى من التنوع الشخصي إكمال مشاريعه بسرعة وكفاءة أكبر إذا كانت هذه المشاريع تتطلب إنهاء مهام ذات طابع روتيني أكثر ولا تحتاج إلى الإبداع أو العمليات المعقدة لحل المشكلات. لا حاجة في هذه المشاريع الروتينية للتركيز على الاختلافات عند بناء الفريق، بل يجب على المدراء مساعدة أفراده بصورة استباقية من أجل ضمان أن يكون تواصلهم أكثر فعالية والتفاعلات الشخصية المتبادلة بينهم حيوية وأن تسود روح الجماعة في مناخ الفريق.

بغضّ النظر عن نوع المهام، ننصح بالاستراتيجيتين التاليتين من أجل الاستفادة بالكامل من تنوع الفريق ومعالجة التحديات المرافقة له في آن معاً.

أولاً، من أجل تخفيض الآثار السلبية للتنوع الشخصي يجب على الشركات تطبيق برنامج تدريب يهدف للتوعية بشأن تنوع الثقافات والتواصل بينها من أجل تحسين الذكاء الثقافي لدى أفراد الفرق وزيادة اهتمامهم بالعمل مع موظفين من دول أخرى. ستكون البرامج والسياسات التي تحدّ من التعصب والصور النمطية وتعزز التفاعل الودود بين أفراد الفريق المتنوعين مفيدة في أي فريق متنوع. وسيكون التدريب الإضافي على أدوات التواصل والعمل التعاوني عبر الإنترنت مفيداً جداً لفرق العمل الافتراضية الدولية.

ثانياً، لن يكون بإمكان التنوع في ظروف العمل تعزيز الإبداع والابتكار بصورة كاملة إلا عندما يتمكن أفراد الفريق من تبادل الأفكار والمعارف بحرية تامة. وبناء على ذلك يجب أن يعزز تصميم العمل مثل هذه التفاعلات ويوفر فرصاً لتبادل الأفكار والتقييمات والمناقشات الودية فضلاً عن النقد واختلاف الآراء البنّاءين. يتمتع الموظفون الذين ينخرطون في عدة ثقافات بقيمة كبيرة في الفرق التي تتسم بالتنوع الثقافي، إذ يمكنهم جسر الفجوات بين أفرادها.

من الضروري ألا ننسى أن فصل التنوع الشخصي عن التنوع في ظروف العمل ليس ممكناً دائماً، حيث إن الاختلافات الثقافية والتنوع الكبير في جنسيات أفراد الفريق مثلاً يؤدي عادة إلى زيادة التنوع الشخصي والتنوع في ظروف العمل معاً. لذا، يجب تصور التحديات المحتملة الناجمة عن التنوع الشخصي وإدارتها، لكن من المرجح أن تتفوق الفوائد الناتجة عن التنوع في ظروف العمل على هذه التحديات.

شارك في هذا البحث كل من بيتر ماغنسون من جامعة تكساس في وادي ريو غراندي بالولايات المتحدة ودوغلاس داو من جامعة ميلبورن بأستراليا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي