التوظيف والإدارة في فترات الاضطرابات

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

سافرت خلال الشهر الماضي من مقري في الأرجنتين إلى الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة لتقديم سلسلة من المحاضرات، وسأغادر قريباً لحضور محاضرة أخرى في إيطاليا هذه المرة. كان المدراء التنفيذيون الذين قابلتهم في كل من هذه البلدان متوترين بشكل يمكن تفهمه. ففي أعقاب الانتخابات والاستفتاءات التي شهدتها كل من هذه البلدان، أصبحوا يواجهون شكوكاً سياسية واجتماعية واقتصادية لم يكن أحد أن يتخيلها يوماً.

كيف يمكن لقادة هذه الأيام إدارة هذه الوضع الطبيعي الجديد؟ أتحدث عادة في الأوقات العصيبة (وقد شهدت الأرجنتين الكثير منها) عن جانوس إله البدايات والنهايات عند الرومان، والذي استُمّد منه اسم الشهر الأول في السنة، يناير/كانون الثاني. يرمز جانوس إلى نشأة العالم والحياة البشرية، بداية العصور التاريخية والمشاريع الاقتصادية. هو يمثل التغيير والانتقال – من الماضي إلى المستقبل، ومن البربرية إلى الحضارة، ومن الصِبا إلى الشباب- وعادة ما يُشار إليه برأسين متعاكسين بالاتجاه. قدرته على النظر للوراء مكنّته من رؤية ما هو قادم بوضوح. وقد اتسمت رؤيته للأمور بأنها بعيدة المدى.

أعتقد أن التنفيذيين والمنظمات يجب أن يسيروا على هذا النهج خاصة فيما يتعلق بالاستثمار في المواهب.

خذ على سبيل المثال، بحثاً أجراه رانجاي غولاتي ونيتين نوريا وفرانز فولجيزوجين من كلية “هارفارد للأعمال” قيّموا فيه أداء 4,700 شركة خلال ثلاثة أزمات اقتصادية. ووجدوا أن 9% فقط منهم خرجوا منها بحال أفضل، وأن المجموعة الصغيرة من الفائزين لديها شيء واحد مشترك: التركيز “التقدمي”: كانوا انتقائيين إلى حد بعيد حيال مكان وزمان خفض استثماراتهم وظلوا على الدوام يتصيدون الفرص.

العديد من القصص تدعم هذا الرأي. انظر فقط إلى الأيام الأولى لشركة “هيوليت- باكارد” (آتش بي) (Hewlett-Packard). كانت أواخر الأربعينيات من القرن الماضي أياماً صعبة لمصنّع الإلكترونيات الحديث العهد الذي سيصبح لاحقاً من أكثر الشركات التقنية الأميركية شهرة. تركت الحرب العالمية الثانية الكثير من الشركات في حالة تباطؤ وتقلصت التمويلات. لكن مع خروج فيالق من أعظم المهندسين من المختبرات العسكرية الأميركية التي أُغلقت أو كانت على وشك الإغلاق، رأى المؤسسان الأسطوريان لشركة “آتش بي”، بيل هيوليت وديفيد باكارد، أنهما لا يستطيعان ترك مثل هذه الفرصة الرائعة للتوظيف تفوتهما دون الاستفادة منها. عندما سُئلِا كيف أمكنهما تحمل تكاليف إضافة عاملين في فترة الكساد، كانت إجابتهما بسيطة: “كيف يمكننا تحمل تكلفة ألا نفعل ذلك؟” بعدها بسنوات، عندما سُئلا عن المساهم الأكبر في نجاح “آتش بي” عبر السنوات، أشارا إلى أنها كانت رغبتهما في توظيف الأشخاص المناسبين بغض النظر عن المناخ الاقتصادي الخارجي.

لدى شركتي، إيجون زيندر (Egon Zehnder)، قصة مماثلة. بعد انتهاء فقاعة الإنترنت في بدايات العام 2000، بدا مستقبل الصناعة بائساً. بدا أن حرب البحث عن المواهب انتهت والمبيعات انحسرت وتقلصت هوامش ربحيتنا. جاءت بعدها هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، وتبعتها أزمة اقتصادية شاملة في الولايات المتحدة وأوروبا، ومخاوف مرض السارس في آسيا، والحرب في أفغانستان أولاً ثم في العراق مع كل ما يُصاحب الحروب من غياب لليقين. كانت ردة الفعل الطبيعية اتباع ما يصدر من مؤشرات المدى القصير ومن ثم التخندق، كان ذلك ما فعله معظم منافسينا بصرف أكثر من 50% من موظفيهم من الخدمة. أما نحن فبالكاد قلصنا حجمنا. تابعنا توظيف الاستشاريين المتفوقين وانتقينا كل مرشح تقدّم ليصبح شريكاً معنا خلال تلك الفترة.

عندما تعافت السوق، كنا مستعدين لاستغلال الفرصة. مع أننا دخلنا الأزمة الاقتصادية بحوالي نصف حجم أكبر منافسينا، أصبحنا تقريباً بنفس حجمه مع نهايتها ونمى حجمنا بأكثر من 150% خلال ست سنوات، وتضاعف سعرنا للاستشاري الواحد، ورفعنا أرباحنا جداً. وفي حين عانت الشركات الأخرى من خسائر كبرى، لم نخسر سنتاً واحداً.

بالنظر للأمام إلى الأزمة المالية العالمية القادمة. كنت متحدثاً في مؤتمر “فورتشن 500” للرؤساء التنفيذيين واستمعت باهتمام بينما قدمت مؤسسة “بي سي جي” (BCG)، نتائج دراسة أجرتها بالتعاون مع “المنظمة الأوروبية لإدارة الأفراد” (European Association for People Management). سألت الدراسة 3,400 مدير تنفيذي في أكثر من 30 بلداً منها 90 قائداً كبيراً للموارد البشرية، عما ستكون عليه استجابتهم على الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق، فكانت الإجابة المتكررة “تقليص التوظيف”. وفي الوقت نفسه، أعلن المشاركون في الاستبيان أن الاستجابة الأكثر فعالية على الأزمات الاقتصادية السابقة (من بين 3 خيارات)، والاستجابة التي تركت التأثير الإيجابي الأفضل على التزام الموظفين (من بين 22 خياراً)، كان التوظيف الانتقائي للموظفين الأعلى أداء من المنافسين. أي أن نصيحة “بي سي جي”، مماثلة لتلك التي قدمتها دراسة كلية “هارفارد للأعمال”. لهذا، يجب اليوم على القادة وخاصة الرؤساء التنفيذيين ومجالس إدارتهم تذكر دروس جانوس. ومع أن الأزمة الحالية قد تبدو قاهرة، إلا أن الغلبة في النهاية ستكون لمن يحافظ على هدوئه ويتذكر ما حدث في الماضي ويخطط للمستقبل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .